التاج في أخلاق الملوك/باب في المنادمة/انقلاب الحال في عهد بهرام جور

انقلاب الحال في عهد بهرام جور

فلم يزل على ذلك ملوك الأعاجم، حتى ملك بهرام جور بن يزدجرد، فأقر مرتبة الأشراف وأبناء الملوك، وسدنة بيوت النيران على ما كانت، وسوى بين الطبقتين من الندماء والمغنين، ورفع من أطربه، وإن كان في أوضع الدرجات، إلى الدرجة الأولى، وحط من قصر عن إرادته إلى الطبقة الثانية، فأفسد سيرة أردشير في المغنين وأصحاب الملاهي خاصةً، فلم يزل الأمر على ذلك، حتى ملك كسرى أنوشروان، فرد الطبقات إلى مراتبها الأولى.

الستار بين ملوك الأعاجم كلها من لدن أردشير بن بابك إلى يزدجرد تحتجب عن الندماء بستارة، فكان يكون بينه وبين أول الطبقات عشرون ذراعاً لأن الستارة من الملك على عشرة أذرع، والستارة من الطبقة الأولى على عشرة أذرع.

وكان الموكل بحفظ الستارة رجلاً من أبناء الأساورة، يقال له خرم باش، فإذا مات هذا الرجل، وكل بها آخر من أبناء الأساورة، وسمي بهذا فكان خرم باش، إذا جلس الملك لندمائه وشغله، أمر رجلاً أن يرتفع على أعلى مكان في قرار دار الملك، ويغرد بصوت رفيع يسمعه كل من حضر، فيقول: يا لسان، احفظ رأسك فإنك تجالس في هذا اليوم ملك الملوك! ثم ينزل.

فكان هذا فعلهم في كل يوم يجلس فيه الملك للهوه، ولا يجتريء أحد من خلق الله أن يدير لسانه في فيه بخير ولا غيره، حتى تحرك الستارة، فيطلع القائم عليها، فيؤمر بأمرٍ فينفذه، ويقول: افعل يا فلان كذا، وتغني، يا فلان، كذا وكذا.

وكان الندماء من العظماء والأشراف وأبناء الملوك وإخوة الملك وعمومته وبني عمه، وأوضع الطبقات في مجلس الملك في نقابٍ واحدٍ إطراقاً وإخباتاً وسكون طائر، وقلة حركة.

فلم يزل أمر الملوك من الأعاجم كذلك، حتى ملك الأردوان الأحمر، فكان يقول: من كانت له منكم حاجة، فليكتبها في رقعة، وليرفعها قبل شغلي، فأفهم ما فيها،

ويخرج إليه أمري، وعقلي صحيح، وفكري جامع.

فمن سأل، في غير هذا الوقت، حاجةً، ضربت عنقه، وهو أول من فتح هذا. وكان لا يرد سائلاً، ولا يعطي مبتدئاً. فلم يزل الأمر على ذلك، حتى ملك بهرام جور، فكان يقول للندماء: إذا رأيتموني قد طربت، وخرجت من باب الجد إلى باب الهزل، فسلوا حوائجكم.

وكان يوكل بحوائجهم صاحب الستارة. فكان إذا سكر، مد الناس أيديهم برقاعهم، فأخذها صاحب الستارة، فأنفذها إليه، فأخذها بيده، وضمها عليها، ثم رمى بها من غير أن ينظر في شيء منها، ويقول: أنفذوا كل ما فيها. فكان ذلك ربما بلغ في ليلة واحدة من سؤالٍ في إقطاع أو قضاء دينٍ أو طلب منحة ألف ألفٍ أو أكثر، إلا أن ذلك لم يكن تباعاً.

وكان إذا رفع أحدهم في رقعته ما ليس يجوز لمثله، وهو خارج من حد القصد وادخل في باب الإفراط، لم تقض له حاجة، وسمي جاهلاً، ولم تؤخذ له رقعة بعدها أبداً.



التاج في أخلاق الملوك لعمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبي عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى عام 255هـ)

باب في الدخول على الملوك | دخول الأشراف | دخول الأوساط | كيفية الدخول على الملك | استقبال الملك للملوك | وداع الملك للملوك | باب في مطاعمة الملوك | المنصور والفتى الهاشمي | على مائدة اسحق بن ابراهيم | شرف مؤاكلة الملوك | بين معاوية والحسن بن علي | شره القضاة | الملك وضيوفه على المائدة | الحديث على المائدة | طبقات الندماء | في حضرة الملك | مراتب الندماء والمغنين | أقسام الناس | انقلاب الحال في عهد بهرام جور | في عهد الأمويين | الخليفة الأمين | الخليفة المأمون | أخلاق الملك السعيد | أنعام الملوك ومنتهم | العفو عند المقدرة | آداب البطانة مع الملوك | حديث الملك | بين معاوية والرهاوي | أقوال في حسن الاستماع | عود إلى أخلاق الملوك | معاقبة أنوشروان للخائن | عبد الملك والأشدق | الرشيد والبرامكة | مراعاة حرمة الملك | إغضاء البصر وخفض الصوت بحضرة الملك | في غياب الملك | مكافآت الملوك | باب في صفة ندماء الملك | عدة الملك في سفره أو نزهته | خلال الندماء وملاعبة الملوك | آداب الندماء عند نعاس الملك | إمامة الملك للصلاة | آداب مسايرة الملك | مسايرة الموبذ لقباذ | مسايرة شرحبيل لمعاوية | صاحب الشرطة والهادي | ما قاله الهاشمي للخراساني | عدم تسمية أو تكنية الملك | عند تشابه الأسماء | ما يتفرد به الملك في عاصمته | دعاء الملك وتعزيته | غضب الملك ورضاه | وعلى هذا أخلاق الملوك وصنيعهم | أسرار الملك | حفظ حرم الملك | امتحان من يطعن في المملكة | تقاضي الملك عن الصغائر | رد على العامة | إكرام الأوفياء | أدب سماع الملك ومحادثته | إعادة الحديث | أمارات الذهاب من مجلس الملك | اغتياب الآخرين أمام الملك | آداب رسول الملك | احتياط الملك | معاملة ابن الملك للملك | صلاح الجفوة في التأديب | صفات المقربين من الملك | سخاء الملك وحياؤه | اعتلال الملك | جوائز البطانة | هدايا المهرجان والنيروز | لهو الملوك وشربهم | زيارة الملوك لأخصانهم | استقبال الملوك للناس في الأعياد | عقوبة الملك الظالم | استقصاء أحوال الرعية | الملوك أمام الأمور الجليلة | الحرب خدعة | النهاية |