التاج في أخلاق الملوك/باب في صفة ندماء الملك/أسرار الملك

أسرار الملك

ومن حق الملك أن يكتم أسراره عن الأب والأم والأخ والزوجة والصديق.

فإن الملك يحتمل كل منقوص ومأنوف، ولا يحتمل ثلاثةً: صفة أحدهم أن يطعن في ملكه، وصفة الآخر أن يذيع أسراره، وصفة الآخر أن يخونه في حرمه.

فأما من وراء ذلك، فمن أخلاق الملوك أن تلبس خاصتها، ومن قرب منها على ما فيهم، وأن تستمع منهم إذا سلموا من هذه الصفات الثلاث.

وكان كسرى أبرويز يقول: يجب على الملك السعيد أن يجعل همه كله في امتحان أهل هذه الصفات، إذ كانت أو كان الملك ودعائمه، فكانت محنته في إذاعة السر عجيبة.

وللقائل أن يقول فيها: إنها خارجة من باب العدل، داخلة في باب الظلم والجور، وللآخر أن يقول: إنها محن الحكماء من الملوك.

وكان إذ عرف من رجلين من بطانته وخاصته التحاب والألفة والاتفاق في كل شيء، خلا بأحدهما فأفضى إليه بسر في الآخر، وأعلمه أنه عازم على قتله، وأمره بكتمان ذلك عن نفسه، فضلاً عن غيره، وتقدم إليه، في ذلك، بوعيده.

ثم جعل محنته في إذاعة سره ملاحظة صديقه في دخوله عليه وخروجه من عنده، وفي إسفار وجهه ولقائه للملك، فإن وجد آخر أمره كأوله في أحواله، علم أن الآخر لم يفض إليه بسره ولم يظهره عليه، فقربه واجتياه، ورفع مرتبته وحباه، ثم خلا به، فقال: إني كنت أردت قتل فلانٍ لشيء بلغني عنه، فبحثت في أمره، فوجدته باطلاً.

وإن رأى من صاحبه نفور نفسٍ، وازورار جانب، وإعراض وجهٍ، علم أنه قد أذاع سره، فأقصاه واطرحه وجفاه، وأخبر صاحبه أنه أراد محنته بما أودعه من سره. فإن كان هذا من أهل المراتب، وضع مرتبته، وإن كان من الندماء، أمر أن يحجب عنه، وإن كان من أصحاب الأعمال، أمر أن لا يستعان به، وإن كان من سدنة بيوت النيران، أمر بعزله وإسقاط أرزاقه.

ويقول: من لم يصلح لملكه، لا يصلح لنفسه، ومن لم يصلح لنفسه، فلا خير عنده.

ويقول: إن القلب اعدل على القلب شهادةً من اللسان، وقل شيء يكون في القلب إلا ظهر في العينين، إذ كانت الأعضاء مشتركةً يتعلق بعضها ببعض.



التاج في أخلاق الملوك لعمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبي عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى عام 255هـ)

باب في الدخول على الملوك | دخول الأشراف | دخول الأوساط | كيفية الدخول على الملك | استقبال الملك للملوك | وداع الملك للملوك | باب في مطاعمة الملوك | المنصور والفتى الهاشمي | على مائدة اسحق بن ابراهيم | شرف مؤاكلة الملوك | بين معاوية والحسن بن علي | شره القضاة | الملك وضيوفه على المائدة | الحديث على المائدة | طبقات الندماء | في حضرة الملك | مراتب الندماء والمغنين | أقسام الناس | انقلاب الحال في عهد بهرام جور | في عهد الأمويين | الخليفة الأمين | الخليفة المأمون | أخلاق الملك السعيد | أنعام الملوك ومنتهم | العفو عند المقدرة | آداب البطانة مع الملوك | حديث الملك | بين معاوية والرهاوي | أقوال في حسن الاستماع | عود إلى أخلاق الملوك | معاقبة أنوشروان للخائن | عبد الملك والأشدق | الرشيد والبرامكة | مراعاة حرمة الملك | إغضاء البصر وخفض الصوت بحضرة الملك | في غياب الملك | مكافآت الملوك | باب في صفة ندماء الملك | عدة الملك في سفره أو نزهته | خلال الندماء وملاعبة الملوك | آداب الندماء عند نعاس الملك | إمامة الملك للصلاة | آداب مسايرة الملك | مسايرة الموبذ لقباذ | مسايرة شرحبيل لمعاوية | صاحب الشرطة والهادي | ما قاله الهاشمي للخراساني | عدم تسمية أو تكنية الملك | عند تشابه الأسماء | ما يتفرد به الملك في عاصمته | دعاء الملك وتعزيته | غضب الملك ورضاه | وعلى هذا أخلاق الملوك وصنيعهم | أسرار الملك | حفظ حرم الملك | امتحان من يطعن في المملكة | تقاضي الملك عن الصغائر | رد على العامة | إكرام الأوفياء | أدب سماع الملك ومحادثته | إعادة الحديث | أمارات الذهاب من مجلس الملك | اغتياب الآخرين أمام الملك | آداب رسول الملك | احتياط الملك | معاملة ابن الملك للملك | صلاح الجفوة في التأديب | صفات المقربين من الملك | سخاء الملك وحياؤه | اعتلال الملك | جوائز البطانة | هدايا المهرجان والنيروز | لهو الملوك وشربهم | زيارة الملوك لأخصانهم | استقبال الملوك للناس في الأعياد | عقوبة الملك الظالم | استقصاء أحوال الرعية | الملوك أمام الأمور الجليلة | الحرب خدعة | النهاية |