الدار أعرفها ربى وربوعا

الدارُ أعرفها ربى وربوعا

​الدارُ أعرفها ربى وربوعا​ المؤلف ابن المعتز


الدارُ أعرفها ربى، وربوعا،
لكن أساءَ بها الزمان صنيعا
لبستْ ذيولَ الريحِ تعفو رسمها،
ومَصيفَ عامٍ قد خَلا ورَبيعَا
و بكيتُ من طربِ الحمائمِ غدوةً
تدعو الهديلَ وما وجدنَ سميعا
ساعَدتُهنّ بنَوحَةٍ وتَفَجّعٍ،
وغَلَبتُهُنّ تَفَجّعاٌ ودُموعَا
أفني العَزاءَ همومُ قلبٍ مُوجَعٍ،
فاحزَن، فلَستَ بمثلِهِ مَفجُوعَا
حرمتكَ آرامُ الصريمِ، وقطعتْ
حبلَ الهوى ونزعنَ عنك نزوعا
إنا لننتابُ العداةَ، وإن نأوا،
ونَهُزُّ أحشاءَ البلادِ جُمُوعَا
و نقولُ فوقَ أسرةٍ ومنابرٍ،
عجباً من القولِ المصيبِ بديعا
قومٌ، إذا غضِبُوا على أعدائِهمْ،
جروا الحديدَ أزجةً ودروعا
حتى يفارقَ هامهم أجسامهم،
ضرباًيُفَجِّرُ من دمٍ يَنبُوعَا
وكأنّ أيدينا تُنَفِّرُ عَنهُم
طيراً، على الأبدانِ كنّ وقوعا
وإذا الخُطوبُ أتَينَ منّا مُطرِقاً
نكصتْ على أعقابهنّ رجوعا
وسَقَيتُ بالجودِ الفَقيرَ وذا الغنى،
والغَيثُ يَسقي مُجدِباً ومُريعَاً
ومتى تَشأُ في الحربِ تلقَ مُؤمَّلاً
منا، مطاعاً في الورى متبوعا
يعدو بهِ طرفٌ يخالُ جبينهُ،
ببياضِ غرةِ وجههِ مصدوعا
و كأنّ حدّ سنانهِ من عزمهِ،
هذا وهذا يَمضِيانِ جَميعَا
يخفي مكيدتهُ، ويحسبُ رأيهُ،
و هوَ الذي خدعَ الورى مخدوعا
و همُ قرومُ الناسِ دونَ سواهمُ،
و الأطيبونَ منابتاً وفروعا
لا تَعدلَنّ بهِم، فذلكَ حقُّهم،
و الشمسُ لا تخفى عليكَ طلوعا
و غذا غدتْ شفعاءُ جودٍ مبطئٍ
قد كدّ صاحبَ حاجَةٍ مَمنوعَا
سَبَقَ المَواعدَ والمِطالَ عَطاهُمُ،
و أتى رجاءُ الراغبينَ سريعا
يا من رَجا دَرَكاً بوَجهِ شَفاعَةٍ
ملكتَ رقكَ معماً وشفيعا