الروح/المسألة الخامسة عشرة/فصل الرد على من قال أن مستقر الروح العدم المحض

ملاحظات: فصل الرد على من قال أن مستقر الروح العدم المحض


و أما قول من قال مستقرها العدم المحض. فهذا قول من قال إنها عرض من أعراض البدن وهو الحياة، وهذا قول ابن الباقلاني ومن تبعه. وكذلك قال أبو الهذيل العلاف: النفس عرض من الأعراض ولم يعينه بأنه الحياة كما عينه ابن الباقلاني، ثم قال: هي عرضي كسائر أعراض الجسم.
و هؤلاء عندهم أن الجسم إذا مات عدمت روحه كما تقدم وسائر أعراضه المشروطة بالحياة، ومن يقول منهم أن العرض لا يبقى زمانين كما يقوله أكثر الأشعرية 1 فمن قولهم أن روح الإنسان الآن هي غير روحه قبل وهو لا ينفك يحدث له روح ثم تغير ثم روح ثم تغير هكذا أبدا فيبدل له ألف روح فأكثر في مقدار ساعة من الزمان فما دونها فإذا مات فلا روح تصعد إلى السماء وتعود إلى القبر وتقبضها الملائكة ويستفتحون لها أبواب السموات ولا تنعم ولا تعذب وإنما ينعم ويعذب الجسد. وإذا شاء اللّه تنعيمه وتعذيبه رد إليه الحياة في وقت يريد نعيمه أو عذابه وإلا فلا أرواح هناك قائمة بنفسها البتة.
و قال بعض أرباب هذا القول ترد الحياة إلى عجب الذنب 2، فهو الذي يعذب وينعم حسب.
و هذا قول يرده الكتاب والسنّة وإجماع الصحابة وأدلة العقول والفطن والفطرة، وهو قول من لم نعرف روحه فضلا عن روح غيره، وقد خاطب اللّه سبحانه النفس بالرجوع والدخول والخروج دلت النصوص الصحيحة الصريحة على أنها تصعد وتنزل وتقبض وتمسك وترسل وتستفتح لها أبواب السماء وتسجد وتتكلم، وأنها تخرج تسيل كما تسيل القطرة، وتكفن وتحنط في أكفان الجنة والنار، وأن ملك الموت يأخذها بيده ثم تتناولها الملائكة من يده، ويشم لها كأطيب نفخة مسك أو أنتن جيفة، وتشيع من سماء إلى سماء، ثم تعاد إلى الأرض مع الملائكة، وأنها إذا خرجت تبعها البصر بحيث يراها وهي خارجة. ودل القرآن على أنها تنتقل من مكان إلى مكان حتى تبلغ الحلقوم في حركتها، وجمع ما ذكرنا من جمع الأدلة الدالة على تلاقي الأرواح وتعارفها وأنها جنود مجندة إلى غير ذلك تبطل هذا القول، وقد شاهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الأرواح ليلة الإسراء عن يمين آدم وشماله، وأخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجرة الجنة، وأرواح الشهداء في حواصل طير خضر، وأخبر تعالى عن أرواح آل فرعون أنها تعرض على النار غدوا وعشيا.
و لما أورد ذلك على ابن الباقلاني لج في الجواب وقال: يخرج على هذا أحد وجهين:
إما بأن يوضع عرض من الحياة في أول جزء من أجزاء الجسم، وإما أن يخلق لتلك الحياة والنعيم والعذاب جسد آخر.
و هذا قول في غاية الفساد من وجوه كثيرة، وأي قول أفسد من قول من يجعل روح الإنسان عرضا من الأعراض تتبدل كل ساعة ألوفا من المرات، فإذا فارقه هذا العرض لم يكن بعد المفارقة روح تنعم ولا تعذب، ولا تصعد ولا تنزل، ولا تمسك ولا ترسل، فهذا قول مخالف للعقل ونصوص الكتاب والسنّة والفطرة، وهو قول من لم يعرف نفسه، وسيأتي ذكر الوجوه الدالّة على بطلان هذا القول في موضعه من هذا الجواب إن شاء اللّه. وهو قول لم يقل به أحد من سلف الأمة ولا من الصحابة والتابعين ولا أئمة الإسلام.


هامش

  1. من ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري، وقد ظهر مذهبه في البصرة، ويعتبر الأشاعرة والماتريدية أصحاب مذهب واحد لأن كلا من المذهبين يكمل الآخر في منهجه وفكره. وتتلخص آراء الأشاعرة بالتالي:
    أ- الأخذ بظواهر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في أمور التوحيد، ووصف اللّه عز وجل بما وصف به نفسه في القرآن الكريم وبما ورد على لسان نبيه محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم.
    ب- أن أفعال العبد مخلوقة، والعبد لا يقدر على خلق أي شي ء منها.
    ج- أن سعداء الناس يرون ربهم يوم القيامة ولكن من غير حلول ولا حدود.
    د- أن القرآن الكريم كلام اللّه غير مغير ولا مخلوق ولا حادث ولا مبتدع.
    ه- القبيح هو المنهي عنه شرعا، والحسن هو الذي لم ير فيه نهي من الشارع.
    و- أن مرتكب الكبيرة يعود أمره إلى اللّه عز وجل فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة وإن شاء عذبه وعاقبه ثم يدخله الجنة.
    ز- أن صفات اللّه عز وجل قديمة وزائدة على ذاته.
  2. أي أصل الذنب وهو العصعص في الإنسان.


المسألة الخامسة عشرة
مستقر الأرواح | فصل مكان الروح | فصل أرواح الشهداء | فصل هل الأرواح على أفنية القبور | فصل الرؤيا | فصل هل الأرواح في السماء | فصل مكان الأرواح | فصل هل تجتمع الروح في الأرض | فصل هل الأرواح في عليين | فصل الرد على من قال أن الأرواح في بئر زمزم | فصل هل الأرواح في البرزخ | فصل الرد على من قال أنها على جانبي آدم | فصل من قال أنها تعود إلى مكانها الذي كانت فيه قبل أن تخلق | فصل الرد على من قال أن مستقر الروح العدم المحض | فصل التناسخ


الروح
المقدمة | المسألة الأولى | المسألة الثانية | المسألة الثالثة | المسألة الرابعة | المسألة الخامسة | المسألة السادسة | المسألة السابعة | المسألة الثامنة | المسألة التاسعة | المسألة العاشرة | المسألة الحادية عشرة | المسألة الثانية عشرة | المسألة الثالثة عشرة | المسألة الرابعة عشرة | المسألة الخامسة عشرة | المسألة السادسة عشرة | المسألة السابعة عشرة | المسألة الثامنة عشرة | المسألة التاسعة عشرة | المسألة العشرون | المسألة الحادية والعشرون