السيرة الحلبية/سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريس رضي الله عنهما
بالحاء المهملة وكسر الراء وسين مهملة، وكل ما في الأنصار حريس بالسين المهملة إلا الحريش فإنه بالشين المعجمة، وقيل بدله جبار بن صخر إلى أبي سفيان بن حرب بمكة ليغتالاه.
وسببها أن أبا سفيان قال لنفر من قريش: ألا أحد يغتال لنا محمدا فإنه يمشي في الأسواق وحده، فأتاه رجل من الأعراب، وقال يعني نفسه: قد وجدت أجمع الرجال قلبا، وأشدهم بطشا، وأسرعهم عدوا، فإذا أنت فديتني خرجت إليه حتى أغتاله فإن معي خنجرا بفتح الخاء المعجمة كجناح النسر، وإني عارف بالطريق، فقال له: أنت صاحبنا، فأعطاه بعيرا ونفقة، وقال له: اطو أمرك، وخرج ليلا إلى أن قدم المدينة، ثم أقبل يسأل عن رسول الله فدل عليه، وكان في مسجد بني عبد الأشهل، فعقل راحلته وأقبل على رسول الله، فلما رآه، قال: إن هذا يريد غدرا، والله حائل بينه وبين ما يريد، فجاء ليجني على رسول الله، فجذبه أسيد بن حضير بداخلة إزاره: أي بحاشيته من داخل، فإذا بالخنجر فأخذ أسيد يخنقه خنقا شديدا، فقال له رسول الله ﷺ: أصدقني، قال: وأنا آمن؟ قال: نعم، فأخبره بأمره فخلى عنه رسول الله ﷺ فأسلم، أي وقال: يا رسول الله ما كنت أخاف الرجال، فلما رأيتك ذهب عقلي وضعفت نفسي، ثم اطلعت على ما هممت به، فعلمت أنك على الحق، فجعل رسول الله ﷺ يبتسم.
فعند ذلك بعث رسول الله ﷺ عمرو بن أمية الضمري ومن تقدم إلى أبي سفيان بمكة. أي وذلك بعد قتل خبيب بن عدي وصلبه على الخشبة.
ومضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلا، فرآه معاوية بن أبي سفيان فعرفه، فأخبر قريشا بمكانه، فخافوه لأنه كان فاتكا في الجاهلية وقالوا: لم يأت عمرو بخير، واشتدوّا في طلبه.
قال: وفي رواية لما قدما مكة حبسا جمليهما ببعض الشعاب، ثم دخلا ليلا، فقال له صاحبه: يا عمرو لو طفنا بالبيت وصلينا ركعتين ثم طلبنا أبا سفيان، فقال له عمرو: إني أعرف بمكة من الفرس الأبلق، أي وإن القوم إذا تعشوا جلسوا على أفنيتهم، فقال: كلا إن شاء الله، قال عمرو: فطفنا بالبيت وصلينا، ثم خرجنا لطلب أبي سفيان، فلقيني رجل من قريش فعرفني، وقال: عمرو بن أمية فأخبر قريشا بي، فهربت أنا وصاحبي انتهى أي وصعدنا الجبل، وخرجوا في طلبنا، فدخلنا كهفا في الجبل، ولقي عمرو رجلا من قريش فقتله: أي قتل ذلك الرجلَ عمروُ، فلما أصبحنا، غدا رجل من قريش يقود فرسا ونحن في الغار، فقلت لصاحبي: إن رآنا صاح بنا، فخرجت إليه ومعي خنجر أعددته لأبي سفيان فضربته على يده فصاح صيحة أسمع أهل مكة، فجاء الناس يشتدّون فوجدوه بآخر رمق فقالوا: من ضربك؟ قال عمرو بن أمية، وغلبه الموت فاحتملوه، فقلت لصاحبي، لما أمسينا: النجاة، فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة، فمررنا بالحرس الذين يحرسون خشبة خبيب بن عدي ، فقال أحدهم: لولا أن عمرو بن أمية بالمدينة لقلت إنه هذا الماشي، فلما حاذيت الخشبة شددت عليها، فحملتها واشتديت أنا وصاحبي فخرجوا وراءنا، فألقيت الخشبة فغيبه الله عنهم، كذا في السيرة الهشامية.
وتقدم أنه أرسل الزبير والمقداد لإنزاله وأن الزبير أنزله فابتلعته الأرض. وتقدم عن ابن الجوزي مثل ما هنا من أن الذي أنزله عمرو بن أمية ، فيحتاج إلى الجمع على تقدير صحة الروايتين. ويقال إن عمرا قتل رجلا آخر سمعه يقول:
ولست بمسلم ما دمت حيا ** ولست أدين دين المسلمينا
ولقي رجلين بعثتهما قريش إلى المدينة يتجسسان لهم الخبر، فقتل أحدهما وأسر الآخر ثم قدم المدينة، وجعل يخبر رسول الله ﷺ ورسول الله ﷺ يضحك.