العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية/9
كتاب السلطان بإرسال الشيخ إلى مصر
وفي يوم الاثنين خامس شهر رمضان من سنة خمس وسبعمائة وصل كتاب السلطان بالكشف عما كان وقع للشيخ تقي الدين في ولاية سيف الدين جاغان وفي ولاية القاضي إمام الدين وبإحضاره وإحضار القاضي نجم الدين بن صصري إلى الديار المصرية
فطلب نائب السلطنة الشيخ وجماعة من الفقهاء وسألهم عن تلك الواقعة وقرىء عليهم المرسوم
فأجاب كل منهم بما كان عنده من تلك القضية وكتبه عنهم صاحب الديوان محي الدين والقاضي نجم الدين إلى مصر على البريد وخرج مع الشيخ خلق كثير وبكوا وخافوا عليه من أعدائه
واخبرت أن نائب السلطنة كان قد أشار على الشيخ بترك التوجه إلى مصر وأنه يكاتب في ذلك فامتنع الشيخ من ذلك ولم يقبل وذكر أن في توجهه إلى مصر مصالح كثيرة
وقرأت بخط بعض أصحاب الشيخ قال
ولما توجه الشيخ في اليوم الذي توجه فيه من دمشق المحروسة كان يوما مشهودا غريب المثل في كثرة إزدحام الناس لوداعه ورؤيته حتى إنتشروا من باب داره إلى قريب للجسورة فيما بين دمشق والكسوة التي هي أول منزلة منها وهم ما بين باك وحزين ومتعجب ومتنزه ومزاحم متغال فيه ودخل الشيخ مدينة غزة يوم السبت وعمل في جامعها مجلسا عظيما
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من رمضان وصل الشيخ والقاضي إلى القاهرة
وفي ثاني يوم بعد صلاة الجمعة جمع القضاة وأكابر الدولة بالقلعة لمحفل وأراد الشيخ أن يتكلم فلم يكن من البحث والكلام على عادته وانتدب له الشمس ابن عدلان خصما احتسابا وادعى عليه القاضي ابن مخلوف المالكي أنه يقول
إن الله فوق العرش حقيقة وإن الله يتكلم بحرف وصوت وسأل جوابه
فأخذ الشيخ في حمد الله والثناء عليه
فقيل له أجب ما جئنا بك لتخطب
فقال ومن الحاكم في
فقيل له القاضي المالكي
قال كيف يحكم فيّ وهو خصمي
وغضب غضبا شديدا وانزعج
فأقيم مرسما عليه وحبس في برج أياما
ثم نقل منه ليلة عيد الفطر إلى الحبس المعروف بالجب هو وأخواه شرف الدين عبد الله وزين الدين عبد الرحمن
ثم إن نائب السلطنة سيف الدين سلارا بعد أكثر من سنة وذلك ليلة عيد الفطر من سنة ست وسبعمائة أحضر القضاة الثلاثة الشافعي والمالكي والحنفي ومن الفقهاء الباجي والجزري والنمراوي وتكلم في إخراج الشيخ من الحبس
فاتفقوا على أنه يشترط عليه أمور ويلزم بالرجوع عن بعض العقيدة
فأرسلوا إليه من يحضره ليتكلموا معه في ذلك فلم يجب إلى الحضور
وتكرر الرسول إليه في ذلك مرات وصمم على عدم الحضور
فطال عليهم المجلس وانصرفوا عن غير شيء