الفتاوى الكبرى/مسائل منثورة/7

1052 - / 28 - سئل الشيخ رضي الله تعالى عنه عن: من أوقع العقود المحرمة ثم تاب ما الحكم فيه؟

فأجاب بقوله رضي الله عنه:

قال الله تعالى في الربا: { وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } وقد بسط الكلام على هذا في موضعه وقد قال تعالى لما ذكر الخلع والطلاق فقال في الخلع: { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } إلى قوله: { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه }

وقال تعالى: { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا * فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا }

فالاطلاق المحرم كالطلاق في الحيض وفي طهر قد أصابها فيه حرام بالنص والإجماع وكالطلاق الثلاث عن الجمهور وهو تعد لحدود الله وفاعله ظالم لنفسه كما ذكر الله تعالى أنه يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه والظالم لنفسه إذا تاب تاب الله عليه لقوله: { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } فهو إذا استغفر غفر له ورحمه وحينئذ يكون من المتقين فيدخل في قوله: { ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب }

والذين الزمهم عمر ومن وافقه بالطلاق المحرم كانوا عالمين بالتحريم وقد نهوا عنه فلم ينتهوا فلم يكونوا من المتقين فهم ظالمون لتعديهم مستحقون للعقوبة وكذلك قال ابن عباس لبعض المستفتين: إن عمك لم يتق الله فلم يجعل له فرجا ومخرجا ولو اتقى الله لجعل له فرجا ومخرجا وهذا إنما يقال لمن علم أن ذلك محرم وفعله فمن لم يعلم بالتحريم لا يستحق العقوبة ولا يكون متعديا إذا عرف أن ذلك محرم وتاب من عوده إليه والتزم أن لا يفعله

والذين كان النبي يجعل ثلاثتهم واحدة في حياته كانوا يتوبون فيصيرون متقين ومن لم يتب فهو الظالم كما قال تعالى: { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } فحصر الظلم فيمن لم يتب فمن تاب ليس بظالم فلا يجعل متعديا لحدود الله بل وجود قوله كعدمه ومن لم يتب فهو محل اجتهاد فعمر عاقبهم بالإلزام لم يكن هناك تحليل فكانوا لاعتقادهم أن النساء يحرمن عليهم لا يقعون بالطلاق المحرم فانكفوا بذلك عن تعدي حدود الله

فإذا صاروا يوقعون الطلاق المحرم ثم يردون النساء بالتحليل المحرم صاروا يفعلون المحرم مرتين وتيعدون حدود الله مرتين بل ثلاثا بل أربعا لأن الطلاق الأول كان تعديا لحدود الله وكذلك نكاح المحلل لها ووطؤه لها قد صار بذلك ملعونا هو والزوج الأول فقد تعديا حدود الله هذا مرة أخرى وذاك مرة والمرأة ووليها لما علما بذلك وفعلاه كانا متعدين لحدود الله فلم يحصل بالالتزام في هذه الحال إنكفاف عن تعدي حدود الله بل زاد التعدي لحدود الله فترك إلزامهم بذلك وإن كانا ظالمين غير تائبين خير من إلزامهم فذلك الزنا يعود إلى تعدي حدود الله مرة بعد مرة والذي استفتى ابن عباس ونحوه لو قيل له تب لتاب ولهذا كان ابن عباس يفتي أحيانا بترك اللزوم كما نقله عنه عكرمة وغيره وعمر ما كان يجعل الخلية والبرية إلا واحدة رجعية ولما قال عمر { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } وإذا كان الإلزام عاما ظاهرا كان تخصيص البعض بالإعانة نقضا لذلك ولم يوثق بتوبة

فالمراتب أربعة: أما إذا كانوا يتقون الله ويتوبون فلا ريب أن ترك الإلزام كما كان في عهد النبي وأبي بكر خير وإن كانوا لا ينتهون إلا بالإلزام فينتهون حينئذ ولا يوقعون المحرم ولا يحتاجون إلى تحليل فهذا هو الدرجة الثانية التي فعلها فيهم عمر والثالثة أن يحتاجوا إلى التحليل المحرم فهنا ترك الإلزام خير والرابعة أنهم لا ينتهون بل يوقعون المحرم ويلزمونه بلا تحليل فهنا ليس في إلزامهم به فائدة إلا إصر وأغلال لم يوجب لهم تقوى الله وحفظ حدوده بل حرمت عليهم نساؤهم وخربت ديارهم فقط والشارع لم يشرع ما يوجب حرمة النساء وتخريب الديار بل ترك إلزامهم بذلك أقل فسادا وإن كانوا أذنبوا فهم مذنبون على التقديرين لكن تخريب الديار أكثر فسادا والله لا يحب الفساد وأما ترك الإلزام فليس فيه إلا أنه ذنبا بقوله فلم يتب منه وهذا أقل فسادا من الفساد الذي قصد الشارع دفعه ومنعه بكل طريق

وأصل المسألة أن النهي يدل على أن المنهى عنه فساده راجح على صلاحه فلا يشرع التزام الفساد من يشرع دفعه ومنعه

وأصل هذا أن كل ما نهى الله عنه وحرمه في بعض الأحوال وأباحه في حال أخرى فإن الحرام لا يكون صحيحا نافذا كالحلال يترتب عليه الحكم كما يترتب على الحلال ويحصل به المقصود كما يحصل وهذا معنى قولهم النهي يقتضي الفساد وهذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين وجمهورهم

وكثير من المتكلمين من المعتزلة الأشعرية يخالف في هذا لما ظن أن بعض ما نهى عنه ليس بفاسد: كالطلاق المحرم والصلاة في الدار المغصوبة ونحو ذلك قالوا: لو كان النهي موجبا للفساد لزم انتقاض هذه العلة فدل على أن الفساد حصل بسبب آخر غير مطلق النهي

وهؤلاء لم يكونوا من أئمة الفقه العارفين بتفصيل أدلة الشرع فقيل لهم: بأي شيء يعرف أن العبادة فاسدة والعقد فاسد؟ قالوا: بأن يقول الشارع هذا صحيح وهذا فساد وأما هذا فشرطه في صحته كذا وكذا فإذا وجد المانع انتفت الصحة

وهؤلاء وأمثالهم لا يتكلمون في الأدلة الشرعية الواقعة وهو الأدلة التي جعلها الله ورسوله أدلة على الأحكام الشرعية بل يتكلمون في أمور يقدرونها في أذهانهم أنها إذا وقعت هل يستدل بها أم لا يستدل والكلام في ذلك لا فائدة فيه ولهذا لا يمكنهم أن ينتفعوا بما يقدرونه من أصول الفقه في الاستدلال بالأدلة المفضلة على الأحكام فإنهم لم يعرفوا نفس أدلة الشرع الواقعة بل قدروا أشياء قد لا تقع وأشياء ظنوا أنها من جنس كلام شارع وهذا من هذا الباب

فإن الشارع لم يدل الناس قط بهذه الألفاظ التي ذكروها ولا يوجد في كلامه شروط البيع أو النكاح كذا وكذا ولا هذه العبادة أو العقد صحيح أو ليس بصحيح ونحو ذلك مما جعلوه دليلا على الصحة والفساد بل هذه كلها عبارات أحدثها من أحدثها من أهل الرأي والكلام

وإنما الشارع دل الناس بالأمر والنهي والتحليل والتحريم بقوله في عقود هذا لا يصلح فيقال الصلاح المضاد للفساد فإذا قال لا يصلح علم أنه فاسد كما قال في بيع مدين بمد تمرا لا يصلح والصحابة والتابعون وسائر أئمة المسلمين كانوا يحتجرن على فساد العقود بمجرد النهي كما احتجرا على فساد نكاح ذوات المحارم بالنهي المذكور في القرآن وكذلك على فساد عقد الجمع بين الأختين ومنهم من توهم أن التحريم فيها تعارض فيها نصان فتوقف وقيل: إن بعضهم أباح الجمع وكذا نكاح المطلقة ثلاثا استدلوا على فساد بقوله: { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وكذلك الصحابة استدلوا على فساد نكاح الشغار بالنهي عنه وكذلك عقود الربا وغيرها

وأنهم قد علموا أن ما نهى الله عنه فهو من الفساد ليس من الصلاح فإن الله لا يحب الفساد ويحب الصلاح فلا ينهى عما يحبه وأنما ينهى عما لا يحبه فعلموا أن المنهى عنه فاسد ليس بصلاح وإن كانت فيه مصلحة فمصلحة مرجوحة بمفسدته

وقد علموا أن مقصود الشرع رفع الفساد ومنعه لا إيقاعه والإلزام به فلو ألزموا بموجب العقود المحرمة لكانوا مفسدين غير مصلحين والله لا يصلح عمل المفسدين وقوله تعالى: { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض } أي لا تعملوا بمعصية الله فكل من عمل بمعصية الله فهو مفسد والمحرمات معصية الله فالشارع ينهي عنها ليمنع الفساد ويدفعه

ولا يوجد قط في شيء من صور النهي ثورة ثبتت فيها الصحة بنص ولا إجماع فالطلاق المحرم والصلاة في الدار المغصوبة فيها نزاع وليس على الصحة نص يجب اتباعه فلم يبق مع المحتج بهما حجة

لكن من البيوع ما نهى عنها لما فيها من ظلم أحدهما الآخر: كبيع المصراة والمعيب وتلقي السلع والنجش ونحو ذلك ولكن هذه البيوع لم يجعلها الشارع لازمة كالبيوع الحلال بل جعلها غير لازمة والخيرة فيها إلى المظلوم إن شاء أبطلها وإن شاء أجازها فإن الحق في ذلك له والشارع لم ينه عنها لحق مختص بالله كما نهى عن الفواحش بل هذه إذا علم المظلوم بالحال في ابتداء العقد مثل أن يعلم بالعيب والتدليس والتصرية ويعلم السعر إذا كان قادما بالسلعة ويرضى بأن يغبنه المتلقي جاز ذلك فكذلك إذا علم بعد العقد إن رضي أجاز وإن لم يرض كان له الفسخ وهذا يدل على أن العقد يقع غير لازم بل موقوفا على الإجازة إن شاء أجازه صاحب الحق وإن شاء رده وهذا متفق عليه في مثل بيع المعيب مما فيه الرضا بشرط السلامة من العيب فإذا فقد الشرط بقي موقوفا على الإجازة فهو لازم إن كان على صفة وغير لازم فيه نزاع وأكثر العلماء يقولون بوقف العقود وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وغيرهما وعليه أكثر نصوص أحمد وهو اختيار القدماء من أصحابه: كالخرقي وغيره كما هو مبسوط في موضعه

إذ المقصود هنا أن هذا النوع يحسب طائفة من الناس أنه من جملة ما نهى عنه ثم تقول طائفة: وليس بفاسد فالنهي لا يجب أن يقتضي الفساد وتقول طائفة: بل هذا فاسد فمنهم من أفسد بيع النجش إذا نجش البائع أو واطأ ومنهم من أفسد نكاح الخاطب على خطبة أخيه وبيعه على بيع أخيه ومنهم من أفسد بيع المعيب المدلس فلما عورض بالمصراة توقف ومنهم من صحح نكاح الخاطب على خطبة أخيه مطلقا وبيع النجش بلا خيار

والتحقيق أن هذا النوع لم يكن النهي فيه لحق الله كنكاح المحرمات والمطلقة ثلاثا وبيع الربا بل لحق الإنسان بحيث لو علم المشتري أن صاحب السلعة ينجش ورضي بذلك جاز وكذلك إذا علم أن غيره ينجش وكذلك المخطوبة متى أذن الخاطب الأول فيها جاز ولما كان النهي هنا لحق الآدمي لم يجعله الشارع صحيحا لازما كالحلال بل أثبت حق المظلوم وسلطه على الخيار فإن شاء أمضى وإن شاء فسخ فالمشتري مع النجش إن شاء رد المبيع فحصل بهذا مقصوده وإن شاء رضي به إذا علم بالنجش

فأما كونه فاسدا مردودا وإن رضي به فهذا لا وجه له وكذلك الرد بالعيب والمدلس والمصراة وغير ذلك وكذلك المخطوبة إن شاء الخاطب أن يفسخ نكاح هذا المعتدي عليها ويتزوجها برضاها فله ذلك وإن شاء أن يمضي نكاحه فله ذلك وهو إذا اختار فسخ نكاحه عاد الأمر إلى ما كان فإن شاءت نكحته وإن شاءت لم تنكحه إذ مقصوده حصل بفسخ نكاح الخاطب وإذا قال: هو غير قلب المرأة علي قيل: إن شئت عاقبناه على هذا بأن نمنعه من نكاحها فيكون هذا قصاصا لظلمه إياك وإن شئت عفوت عنه فأنفذنا نكاحه وكذلك الصلاة في الذار المغصوبة والذبح بآلة مغصوبة وطبخ الطعام بحطب مغصوب وتسخين الماء بحطب مغصوب كل هذا إنما حرم لما فيه من ظلم الإنسان

وذلك يزول بإعطاء المظلوم حقه فإذا أعطاه بدل ما أخذه من منفعة ماله أو من أعيان ماله فأعطاه كراء وثمن الحطب وتاب هو إلى الله من فعل ما نهاه عنه فقد برئ من حق الله وحق العبد وصارت صلاته كالصلاة في مكان مباح والطعام بوقود مباح والذبح بسكين مباحة

وإن لم يفعل ذلك كان لصاحب السكين أجرة ذبحه ولا تحرم الشاة كلها وكان لصاحب الدار أجرة داره لا تحبط صلاته كلها لأجل هذه الشبهة وهذا إذا أكل الطعام ولم يوفه ثمنه كان بمنزلة من أخذ طعاما لغيره فيه شركة ليس فعله حراما ولا هو حلالا محضا فإن نضج الطعام لصاحب الوقود فيه شركة وكذلك الصلاة يبقى عليه اسم الظلم ينقص من صلاته بقدره فلا تبرأ ذمته كبراءة من صلى صلاة تامة ولا يعاقب كعقوبة من لم يصل بل يعاقب على قدر ذنبه وكذلك آكل الطعام يعقب على قدر ذنبه والله تعالى يقول: { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }

وإنما قيل في الصلاة في الثوب النجس وبالمكان كذلك: بالإعادة بخلاف هذا لأنه هناك لا سبيل له إلى براءة ذمته إلا بالإعادة وهنا يمكنه ذاك بإرضائه المظلوم ولكن الصلاة في الثوب الحرير هي من ذلك القسم ألحق فيها لله لكن نهى عن ذلك في الصلاة وغير الصلاة ولم ينه عنه في الصلاة فقط فقد تنازع الفقهاء في مثل هذا فمنهم من يقول: النهي هنا لمعنى في غير المنهى عنه وكذلك يقولون في الصلاة في الدار المغصوبه والثوب المغصوب والطلاق في الحيض والبيع وقت النداء ونحو ذلك وهذا الذي قالوه لا حقيقة له فإنه إن عني بذلك أن نفس الفعل المنهى عنه ليس فيه معنى يوجب النهي فهذا باطل فإن نفس البيع اشتمل على تعطيل الصلاة ونفس الصلاة اشتملت على الظلم والفخر والخيلاء ونحو ذلك مما أوجب النهي كما اشتملت الصلاة في الثوب النجس على ملابسة الخبيث وإن أرادوا بذلك أن ذلك المعنى لايختص بالصلاة بل هو مشترك بين الصلاة وغيرها فهذا صحيح فإن البيع وقت النداء لم ينه عنه إلا لكونه شاغلاعن الصلاة وهذا موجود في غير البيع لايختص بالبيع لكن هذا الفرق لايجيء في طلاق الحائض فإنه ليس هناك معنى مشترك وهم يقولون إنما نهى عنه لإطالةالعدة وذلك خارج عن الطلاق فيقال: وغير ذلك من المحرمات كذلك إنما نهى عنها لإفضائه إلى فساد خارج عن النكاح والخمر والميسر حرما وجعلا رجسا من عمل الشيطان لإن ذلك يقضي إلى الصد عن الصلاة وإيقاع العداوةوالبغضاء وهو أمر خارج عن الخمر والربا والميسر حرما لأن ذلك يفضي إلى أكل المال بالباطل وذلك خارج عن نفس عقد الربا والميسر

فكل ما نهى الله عنه لابد أن يشتمل على معنى فيه يوجب النهي ولا يجوز أن ينهى عن شيء لا لمعنى فيه أصلا بل لمعنى أجنبي عنه فإن من جنس عقوبة الإنسان بذنب غيره والشرع منزه عن ذلك فكما لاتزر وازرة وزر أخرى في العمال فكذلك في الأعمال لكن في الأشياء ما ينهى عنه لسد الذريعة فهو مجرد عن الذريعة لم يكن فيه مفسدة كالنهي عن الصلاة في أوقات النهي قبل طلوع الشمس وغروبها ونحو ذلك وذلك لأن هذا الفعل اشتمل على مفسدة الافضاء إلى التشبيه بالمشركين وهذا معنى فيه

ثم من هؤلاء الذين قالوا: إنم النهي قد يكون لمعنى في المنهي عنه وقد يكون لمعنى في غيره من قال: أنه قد يكون لوصف في الفعل لا في أصله فيدل على صحته كالنهي عن صوم يومي العيدين قالوا هو منهي عنه لوصف العيدين لا لجنس الصوم فإذا صام صح لأنه سماه صوما فيقال لهم: وكذلك الصوم في أيام الحيض وكذلك الصلاة بلا طهارة وإلى غير القبلة جنسه مشروع وإنما الهي لوصف خاص وهو الحيض والحدث واستقبال غير القبلة ولا يعرف بين هذا وهذا فرق معقول له تأثير في الشرع

فإنه إذا قيل: الحيض والحدث صفة في الحائض والمحدث وذلك صفة في الزمان

قيل: والصفة في محل الفعل زمانه ومكانه كالصفة في فاعله فإنه لو وقف في عرفة في غير وقتها أو في غير عرفة لم يصح وهو صفة في الزمان والمكان وكذلك لو رمى الجمار في غير أيام منى أو في غير منى وهو صفة في الزمان والمكان واستقبال غير القبلة هو الصفة في الجهة لا فيه ولا يجوز

ولو صام بالليل لم يصح وإن كان هذا زمانا فإذا قيل: الليل ليس بمحل للصوم شرعا قيل: ويوم العيد ليس بمحل للصوم شرعا كما أن زمان الحيض ليس بمحل للصوم شرعا فالفرق بين فعلين لابد أن يكون فرقا شرعيا فيكون معقولا ويكون الشارع قد جعله مؤثرا في الحكم فحيث علق به الحل أو الحرمة الذي يختص بأحد الفعلين وكثير من الناس يتكلم بفروق لا حقيقة لها ولا تأثير له فيالشرع ولهذا يقولون في القياس: إنه قد يمنع في الوصف لا في الأصل أو الشرع أو يمنع تأثيره في الأصل وذلك أنه قد يمنع في الوصف لا في الأصل والفرع ولا يكون ذلك الوصف مشتركا بينهما بل قد يكون منفيا عنهما أو عن أحدهما وكذلك الفرق قد يفرق بوصف يدعي انتقاضه بإحدى الصورتين ليس هو مختصا بها بل هو مشترك بينهما وبين الأخرى كقولهم النهي لمعنى في المنهى عنه وذلك لمعنى في غيره أو ذاك لمعنى في وصفه دون أصله ولكن قد يكون النهي لمعنى يختص بالعبادة والعقد وقد يكون لمعنى مشترك بينها وبين غيرها كما ينهى المحرم عما يختص بالإرام مثل حلق الرأس ولبس العمامة وغير ذلك من الثياب المنهى عنها وينهى عنها عن نكاح امرأته وينهى عن صيد البر وينهى مع ذلك عن الزنا وعن ظلم الناس فيما ملكوه من الصيد

وحينئذ فالنهي لمعنى مشترك أعظم وهذا لو قتل المحرم صيدا مملوكا وجب عليه الجزاء لحق الله ووجب عليه بدله لحق المالك ولو زنا لأفسد إحرامه كما يفسده بنكاح امرأته ولاستحق حد الزنا مع ذلك

وعلى هذا فمن لبس في الصلاة ما يحرم فيها وفي غيرها كالثياب التي فيها خيلاء وفخر: كالمسبلة والحرير كان أحق ببطلان الصلاة من الثوب النجس وفي الحديث الذي في السنن: [ أن الله لا يقبل صلاة مسبل ] والثوب النجس فيه نزاع وفي قدر النجاسة نزاع والصلاة في الحرير للرجال من غير حاجة حرام بالنص والإجماع وكذلك البيع بعد النداء إذا كان قد نهى عنه وغيره يشغل عن الجمعة كان ذلك أوكد في النهي وكل مشتغل عنها فهو شر وفساد لا خير فيه والملك الحاصل بذلك كالملك الذي لم يحصل إلا بمعصية الله وغضبه ومخالفته: كالذي لا يحصل إلا بغير ذلك من المعاصي مثل: الكفر والسحر والكهانة والفاحشة

وقد قال النبي : [ حلوان الكاهن خبيث ومهر البغي خبيث ] فإذا كنت لا أملك السلعة إن لم أترك الصلاة المفروضة كان حصول الملك سبب ترك الصلاة كما أن حصول الحلوان والمهر بالكهانة والبغاء وكما لو قيل له: إن تركت الصلاة اليوم أعطيناك عشرة دراهم فإن ما يأخذه على ترك الصلاة خبيث كذلك ما يملكه بالمعارضة على ترك الصلاة خبيث ولو استأجر أجيرا بشرط أن لا يصلي كان هذا الشرط باطلا وكان ما يأخذه عن العمل الذي يعمله بمقدار الصلاة خبيث مع أن جنس العمل بالأجرة جائز كذلك جنس المعاوضة جائز لكن بشرط أن لا يتعدى عن فرائض الله وإذا حصل البيع في هذا الوقت وتعذر الرد فله نظير الذي أداه ويتصدق بالربح والبائع له نظير سلعته ويتصدق بربح إن كان ربح ولو تراضيا بذلك بعد الصلاة لم ينفع

فإن النهي هنا لحق الله فهو كما لو تراضيا بمهر البغي وهناك يتصدق به على أصح القولين لا يعطى للزاني وكذلك في الخمر ونحو ذلك مما أخذ صاحبه منفعة محرمة فلا يجمع له العوض والمعوض فإن ذلك أعظم إثما من بيعه فإذا كان لا يحل له أن يباع الخمر بالثمن فكيف إذا أعطي الخمر وأعطى الثمن وإذا كان لا يحل للزاني أن يزني وإن أعطي فكيف إذا أعطي المال والزنا جميعا بل يجب إخراج هذا المال كسائر أموال المصالح المشتركة فكذلك هنا إذا كان قد باع السلعة وقت النداء بربح واحد وأخذ سلعته فإن فاتت تصدق بالربح ولم يعطه للمشتري فيكون إعانة له على الشراء والمشتري يأخذ الثمن ويعيد السلعة فإن باعها بربح تصدق به ولم يعطه للبائع فيكون قد جمع له بين ربحين وقد تنازع الفقهاء في المقبوض بالعقد الفاسد هل يملك أو لا يملك أو يفرق بين أن يفوت أو لا يفوت كما هو مبسوط في غير هذا الموضع

فصل

في أحاديث يحتج بها بعض الفقهاء على أشياء وهي باطلة:

منها: قولهم: أنه نهى عن بيع وشرط فإن هذا حديث باطل وليس في شيء من كتب المسلمين وإنما يروى في حكايات منقطعة

ومنها: قوله نهى عن قفيز الطحان وهذا أيضا باطل

ومنها: حديث محلل السباق من أدخل فرسا بين فرسين فإن هذا معروف عن سعيد بن المسيب من قوله هكذا رواه الثقات من أصحاب الزهري عن الزهري عن سعيد وغلط سفيان بن حسين فرواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا وأهل العلم بالحديث يعرفون أن هذا ليس من قول النبي وقد ذكر ذلك أبو داود السجستاني وغيره من أهل العلم وهم متفقون على أن سفيان بن حسين هذا يغلط فيما يرويه عن الزهري وأنه لا يحتج بما ينفرد به ومحلل السباق لا أصل له في الشريعة ولم يأمر النبي أمته بمحلل السباق وقد روي عن أبي عبيدة بن الجراح وغيره: أنهم كانوا يتسابقون بجعل ولا يجعلون بينهم محللا

والذين قالوا هذا من الفقهاء ظنوا أنه يكون قمارا ثم منهم من قال بالمحلل يخرج عن شبه القمار وليس الأمر كما قالوه بل المحلل مؤد إلى المخاطرة وفي المحلل ظلم لأنه إذا سبق أخذ وإذا سبق لم يعط وغيره إذا سبق أعطى فدخول المحلل ظلم لا تأتي به الشريعة والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر والله تعالى أعلم

1053 - / 29 - مسألة: في قول النبي : [ إنكم تأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ] وهذه صفة المصلين فيم يعرف غيرهم من المكلفين التاركين والصبيان وهل الأفضل المجاورة بمكة أو بمسجد النبي أو المسجد الأقصى أو بثغر لأجل الغزو وفيما يروى عن النبي [ من زار قبري وجبت له شفاعتي ومن زار البيت ولم يزرني فقد جفاني ] وهل زيارة النبي على وجه الإستحباب أم لا؟ أفتونا مأجورين

والجواب: الحمد لله رب العالمين هذا الحديث دليل على أنه إنما يعرف من كان أغر محجلا وهم الذي يتوضأون للصلاة وأما الأطفال فهم تبع للرجال وأما من لم يتوضأ قط ولم يصل دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة

والمرابطة بالثغور أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة كما نص على ذلك أئمة الإسلام عامة بل قد اختلفوا في المجاورة فكرهها أبو حنيفة واستحبها مالك وأحمد وغيرهما ولكن المرابطة عندهم أفضل من المجاورة وهذا متفق عليه بين السلف حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود وذلك أن الراباط من جنس الجهاد وجسن الجهاد مقدم على جنس الحج كما في الصحيحن: [ عن النبي أنه قيل له: أي العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله ورسوله قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور ]

وقد قال تعالى: { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين * الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله } إلى قوله: { إن الله عنده أجر عظيم }

وأما قوله من زار قبري وجبت له شفاعتي فهذا الحديث رواه الدارقطني فيما قيل بإسناد ضعيف ولهذا ذكره غير واحد من الموضوعات ولم يروه أحد من أهل الكتب المعتمد عليها من كتب الصحاح والسنن والمسانيد

وأما الحديث الآخر: قوله من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني فهذا لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث بل هو موضوع على رسول الله ومعناه مخالف الإجماع فإن جفاء الرسول من الكبائر بل هو كفر ونفاق بل يجب أن يكون أحب إلينا من أهلينا وأموالنا كما قال : [ والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ]

وأما زيارته فليست واجبة باتفاق المسلمين بل ليس فيها أمر في الكتاب ولا في السنة وإنما الأمر الموجود في الكتاب والسنة والصلاة عليه والتسليم فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

وأكثر ما اعتمده العلماء في الزيارة قوله في الحديث الذي رواه أبو داود: [ ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ] وقد كره مالك وغيره أن يقال: زرت قبر النبي وقد كان الصحابة: كابن عمر وأنس وغيرهما يسلمون عليه وعلى صاحبيه كما في الموطأ أن ابن عمر كان إذا دخل المسجد يقول: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت

وشد الرحل إلى مسجده مشروع باتفاق المسلمين كما في الصحيحين عنه أنه قال [ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا ]

وفي الصحيحين عنه أنه قال [ صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ] فإذا أتى مسجد النبي فإنه يسلم عليه وعلى صاحبيه كما كان الصحابة يفعلون

وأما إذا كان قصده بالسفر زيارة قبر النبي دون الصلاة في مسجده فهذه المسألة فيها خلاف فالذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أن هذا غير مشروع ولا مأمور به لقوله : [ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ] ولهذا لم يذكر العلماء أن مثل هذا السفر إذا نذره يجب الوفاء به بخلاف السفر إلى المساجد الثلاثة لا للصلاة فيها والاعتكاف فقد ذكر العلماء وجوب ذلك في بعضها ( في المسجد الحرام ) وتنازعوا في المسجدين الآخرين فالجمهور يوجبون الوفاء به في المسجدين الآخرين: كمالك والشافعي وأحمد لكون السفر إلى الفاضل لا يغني عن السفر إلى المفضول وأبو حينفة إنما يوجب السفر إلى المسجد الحرام بناء على أنه إنما يجب بالنذر ما كان من جنسه واجب بالشرع

والجمهور يوجبون الوفاء بكل ما هو طاعة لما في صحيح البخاري: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه قال: [ من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ] بل قد صرح طائفة من العلماء: كابن عقيل وغيره بأن المسافر لزيارة قبور الأنبياء عليهم السلام وغيرها لا يقصر الصلاة في هذا للسفر لأنه معصية لكونه معتقدا لكونه معتقدا أنه طاعة وليس بطاعة والتقرب إلى الله عز وجل بما ليس بطاعة هو معصية ولأنه نهى عن ذلك والنهي يقتضي التحريم

ورخص بعض المتأخرين في السفر لزيارة القبور كما ذكر أبو حامد في الإحياء وأبو الحسن بن عبدوس وأبو محمد المقدسي وقد روى حديثا رواه الطبراني من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله : [ من جاءني زائرا لا تنزعه إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة ] لكنه من حديث عبد الله بن عمر العمري: وهو مضعف ولهذا لم يحتج بهذا الحديث أحد من السلف والأئمة وبمثله لا يجوز إثبات حكم شرعي باتفاق علماء المسلمين والله أعلم

1054 - / 30 فصل

الذبيحة في الأضحية وغيرها تضجع على شقها الأيسر وضع رجله اليمنى على عنقها كما ثبت في الصحيح: عن النبي ويسمي الله ويكبر فيقول: بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك ويستحب أن يستقبل بها القبلة وإن ضحى بشاة واحدة عنه وعن أهل بيته أجزأ ذلك في أظهر قولي العلماء وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما فإن الصحابة كانوا يفعلون ذلك

وقد ثبت في الصحيح أن النبي ضحى بشاتين وقال في إحداهما: [ اللهم عن محمد وآل محمد ] وقال في الأخرى: [ اللهم هذه عمن شهد لي بالبلاغ وشهدت له بالتصديق ]

1055 - / 31 - فصل:

والهتماء التي سقط بعض أسنانها فيها قولان هما وجهان في مذهب أحمد أصحهما أنها تجزئ وأما التي ليس لها أسنان في أعلاها فهذه تجزئ باتفاق والعفراء أفضل من السوداء وإذا كان السواد حول عينيها وفمها وفي رجلها أشبهت أضحية النبي

1056 - / 32 - فصل:

وتجوز التضحية عن الميت كما يجوز الحج عنه والصدقة عنه

1057 - / 33 - مسألة: في رجل له حق في بيت المال أما لمنفعة في الجهاد أو ولاية فأحيل ببعض حقه على بعض المظالم فقلت له لا تستخرج أنت هذا ولا تعن على استخراجه فإن ذلك ظلم لكن أطلب حقك من المال المحصل عندهم وإن كان مجموعا من هذه الجهة وغيرها لأن ما اجتمع في بيت المال ولم يرد إلى أصحابه فصرفه في مصالح أصحابه والمسلمين أولى من صرفه فيما لا ينفع أصحابه أو فيما يضره وقد كتبت نظير هذه المسألة في غير هذا الموضع

وأيضا فإنه يصير مختلطا فلا يبقى محكوما بتحريمه بعينه مع كون الصرف إلى مثل هذا واجبا على المسلمين فإن الولاة يظلمون تارة في استخراج الأموال وتارة في صرفها فلا يحل إعانتهم على الظلم في الاستخراج ولا أخذ الإنسان ما لا يستحقه وأما ما يسوغ فيه الاجتهاد من الاستخراج والصرف فليسائل الاجتهاد

وأما ما لا يسوغ فيه اجتهاد من الأخذ والاعطاء فلا يعاونون لكن إذا كان المصروف إليه مستحقا بمقدار المأخذ جاز أخذه من كل مال يجوز صرفه: كالمال المجهول مالكه إذا وجب صرفه فإن امتنعوا من إعادته إلى مستحقه فهل الأولى إقراره بأيدي الظلمة أو السعي في صرفه في مصالح أصحابه والمسلمين إذا كان الساعي في ذلك ممن يكره أصل أخذه ولم يعن على أخذه بل سعى في منع أخذه فهذه مسألة حسنة ينبغي التفطن لها وإلا دخل الإنسان في فعل المحرمات أو في ترك الواجبات فإن الإعانة على الظلم من فعل المحرمات وإذا لم تمكن الواجبات إلا بالصرف المذكور كان تركه من ترك الواجبات وإذا لم يمكن إلا إقراره بيد الظالم أو صرفه بيد الظالم فكما يجب إزالة الظلم يجب تقليله عند العجز عن إزالته بالكلية فهذا أصل عظيم والله أعلم

وأصل آخر: وهو أن الشبهات ينبغي صرفها في الأبعد عن المنفعة فالأبعد كما أمر النبي في كسب الحجام بأن يطعمه الرقيق والناضج فالأقرب ما دخل في الطعام والشراب ونحوه ثم ما ولي الظاهر من اللباس ما ستر مع الانفصال من البناء ثم ما عرض من الركوب ونحوه فهكذا ترتيب الانتفاع فالرزق وكذلك أصحابنا يفعلون

1058 - / 34 - مسألة: في قوم أرسلوا قوما في مصالح لهم ويعطونهم نفقة فهل يحل لهم أكل ذلك واستدانة تمام نفقتهم ومخالطتهم

الجواب: إذا أعطاهم الذين بعثوهم ما ينفقوا منه جاز ذلك وعليهم تمام نفقتهم ما داموا في حوائجهم ويجوز مخالطتهم

1059 - / 35 - مسألة: في رجل متولي ولايات ومقطع إقطاعات وعليهم من الكلف السلطانية ما جرت به العادة وهو يختار أن يسقط الظلم كله ويجتهد في ذلك بحسب ما قدر عليه وهو يعلم أنه إن ترك ذلك وأقطعها غيره وولى غيره فإن الظلم لا يترك منه شيء بل ربما يزداد وهو يمكنه أن يخفف تلك المكوس التي في إقطاعه فيسقط النصف والنصف الآخر جهة مصارف لا يمكنه إسقاطه فإنه يطلب منه لتلك المصارف عوضها هو عاجز عن ذلك لا يمكنه ردها فهل يجوز لمثل هذا بقاؤه على ولايته وإقطاعه قد عرفت نيته واجتهاده وما رفعه من الظلم بحسب إمكانه أم عليه أن يرفع يده عن هذه الولاية والاقطاع وهو إذا رفع يده لا يزول الظلم بل يبق ويزداد فهل يجوز له البقاء على الولاية والاقطاع كما ذكر؟ وهل عليه إثم في هذا الفعل أم لا؟

وإذا لم يكن عليه إثم فهل يطالب على ذلك أم لا؟ وأي الأمرين خير له: أن يستمر مع اجتهاده في رفع الظلم وتقليله أم رفع يده مع بقاء الظلم وزيادة؟ وإذا كانت الرعية تختار بقاء بده لمالها في ذلك من المنفعة به ورفع ما رفعه من الظلم فهل الأولى له أن يوافق الرعية أن يرفع يده والرعية تكره ذلك لعلمها أن الظلم يبقى ويزداد برفع يده؟

الجواب: الحمد لله نعم إذا كان مجتهدا في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه وولايته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره كما قد ذكر فإنه يجوز له البقاء على الولاية والاقطاع ولا إثم عليه في ذلك بل بقائه على ذلك أفضل من تركه إذا لم يشتغل إذا تركه بما هو أفضل منه

وقد يكون ذلك عليه واجبا إذا لم يقم به غيره قادرا عليه فنشر العدل بحسب الإمكان ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه ولا يطالب والحالة هذه بما يعجز عنه من رفع الظلم وما يقرره الملوك من الوظائف التي لا يمكنه رفعها لا يطلب بها وإذا كانوا هم ونوابهم يطلبون أموالا لا يمكن دفعها إلا بإقرار بض تلك الوظائف وإذا لم يدفع إليهم أعطوا تلك الإقطاعات والولاية لمن يقرر الظلم أو يزيده ولا يخففه كان أخذ تلك الوظائف ودفعها إليهم خير للمسلمين من إقرارها كلها

ومن صرف من هذه إلى العدل والإحسان فهو أقرب من غيره ومن تناوله من هذا شيء أبعد عن العدل والإحسان من غيره والمقطع الذي يفعل هذا الخير يرفع عن المسلمين ما أمكنه من الظلم ويدفع شر الشرير بأخذ بعض ما يطلب منهم فما لا يمكنه رفعه هو محسن إلى المسلمين غير ظالم لهم يثاب ولا إثم عليه فيما يأخذه على ما ذكره ولا ضمان عليه فيما أخذه ولا إثم عليه في الدنيا والآخرة إذا كان مجتهدا في العدل والإحسان بحسب الإمكان

وهذا كوصي اليتيم وناظر الوقف العامل في المضاربة والشريك وغير هؤلاء ممن يتصرف لغيره بحكم الولاية أو الوكالة إذا كان لا يمكنه فعل مصلحتهم إلا بأداء بعضه من أوالهم للقادر الظالم فإنه محسن في ذلك غير مسيء وذلك مثل ما يعطي هؤلاء المكاسين وغيرهم في الطرقات والأشوال والأموال التي إئتمنوا فإن كل من تصرف لغيره أو لنفسه في هذه الأوقات من هذه البلاد ونحوها فلا بد أن يؤدي هذه الوظائف فلو كان ذلك لا يجوز لأحد أن يتصرف لغيره لزم من ذلك فساد العباد وفوات مصالحهم

والذي ينهى عن ذلك لئلا يقع ظلم قليل لو قبل الناس منه تضاعف الظلم والفساد عليهم فهم بمنزلة من كانوا في طريق وخرج عليهم قطاع الطريق فإن لم يرضوهم ببعض المال أخذوا أموالهم وقتلوهم فمن قال لتلك القافلة لا يحل لكم أن تعطوا لهؤلاء شيئا من الأموال التي معكم للناس فإنه يقصد بهذا حفظ ذلك القليل الذي ينهى عن دفعه ولكن لو عملوا بما قال لهم ذهب القليل والكثير وسلبوا مع ذلك فهذا مما لا يشير به عاقل فضلا أن تأتي به الشرائع فإن الله تعالى بعث الرسل لتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان

فهذا المتولي المقطع الذي يدفع بما يوجد من الوظائف ويصرف إلى من نسبه مستقرا على ولايته وإقطاعه ظلما وشرا كثيرا عن المسلمين أعظم من ذلك ولا يمكنه دفعه إلا بذلك إذا رفع يده تولى من يقره ولا ينقص منه شيئا هو مثاب على ذلك ولا إثم عليه في ذلك ولا ضمان في الدنيا والآخرة وهذا بمنزلة وصي اليتيم وناظر الوقف الذي لا يمكنه إقامة مصلحتهم إلا بدفع ما يوصل من المظالم السلطانية إذا رفع يده تولى من يجور ويريد الظلم فولايته جائزة ولا إثم عليه فيما يدفعه بل قد يجب عليه هذه الولاية

وكذلك الجندي المقطع الذي يخفف الوظائف عن بلاده ولا يمكنه دفعها كلها لأنه يطلب منه خيل وسلاح ونفقة لا يمكنه إقامتها إلا بأن يأخذ بعض تلك الوظائف وهذا مع هذا ينفع المسلمين في الجهاد فإذا قيل له لا يحل لك أن تأخذ شيئا من هذا بل ارفع يدك عن هذا الإقطاع فتركه وأخذه من يريد الظلم ولا ينفع المسلمين كان هذا القائل مخطئا جاهلا حقائق الدين بل بقاء الخيل من الترك والعرب الذين هم خير من غيرهم وأنفع للمسلمين وأقرب للعدل على إقطاعهم مع تخفيف الظلم بحسب الإمكان خير للمسلمين من أن يأخذ تلك الإقطاعات من هو أقل نفعا وأكثر ظلما والمجتهد من هؤلاء المقطعين كلهم في العدل والإحسان بحسب الإمكان يخزيه الله على ما فعل من الخير ولا يعاقبه على ما عجز عنه ولايؤاخذه بما يأخذ ويصرف إذا لم يكن إلا ذلك كان ترك ذلك يوجب شرا أعظم منه والله أعلم

1060 - / 36 - وسئل الشيخ رحمه الله: عن قوله عز وجل: { يا أيها الناس اعبدوا ربكم } فما العبادة وفروعها؟ وهل مجموع الدين داخل فيها أم لا؟ وما حقيقة العبودية؟ وهل هي أعلا المقامات في الدنيا والآخرة أم فوقها شيء من المقامات؟ وليبسطوا لنا القول في ذلك

فأجاب: الحمد لله رب العالمين:

العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه: من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والقراءة وأمثال ذلك من العبادة

وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف لعذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله

وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له والمرضية له التي خلق الخلق لها كما قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح لقومه: { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم لقومهم

وقال تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة } وقال تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال تعالى: { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } كما قال في الآية الأخرى: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } وجعل ذلك لازما لرسوله إلى الموت كما قال: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }

وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال تعالى: { وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون } وقال تعالى: { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون } وذم المستكبرين عنها بقوله: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }

ونعت صفوة خلقه بالعبودية له فقال تعالى: { عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا } وقال: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } الآيات ولما قال الشيطان: { بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين } قال الله تعالى: { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين }

وقال في وصف الملائكة بذلك: { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } إلى قوله: { وهم من خشيته مشفقون } وقال تعالى: { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا * إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا }

وقال تعالى عن المسيح - الذي ادعيت فيه الالهية والنبوة - { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل }

ولهذا قال النبي في الحديث الصحيح: [ لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله ]

وقد نعته الله بالعبودية في أكمل أحواله فقال في الاسراء: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } وقال في الإيحاء: { فأوحى إلى عبده ما أوحى } وقال في الدعوة: { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا } وقال في التحدي: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله } فالدين كله داخل في العبادة

وقد ثبت في الصحيح: [ أن جبريل لما جاء إلى النبي صلى الله لعيه وسلم في صورة أعرابي وسأله عن الإسلام قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال: فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: فما الإحسان؟ قال: أن تبعد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ثم قال في آخر الحديث: هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم فجعل هذا كله من الدين ]

والدين يتضمن معنى الخضوع والذل يقال: دنته فدان أي: ذللته فذل ويقال يدين الله ويدين لله أي: يعبد الله ويطيعه ويخضع له فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له

والعبادة أصل معناها الذل أيضا يقال: طريق معبد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام

لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له فإن آخر مراتب الحب هو التتيم وأوله العلاقة لتعلق القلب بالمحبوب ثم الصبابة لانصباب القلب إليه ثم الغرام وهو الحب اللازم للقلب ثم العشق وآخرها التتيم يقال: تيم الله أي: عبد الله فالمتيم المعبد لمحبوبه

ومن خضع لإنسان مع بغضه له يكون عابدا له ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن عابدا له كما قد يحب ولده وصديقه ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا الله

وكل ما أحب لغير الله فمحبته فاسدة وما عظم بغير أمر الله كان تعظيمه باطلا قال الله تعالى: { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } فجنس المحبة تكون لله ورسوله كالطاعة لله ورسوله والارضاء لله ورسوله: { والله ورسوله أحق أن يرضوه } والإيتاء لله ورسوله: { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله }

وأما العبادة وما يناسبها من التوكل والخوف ونحو ذلك فلا يكون إلا لله وحده كما قال تعالى: { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا } إلى قوله: { فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } قال تعالى: { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون } فالإيتاء لله والرسول كقوله: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وأما الحسب وهو الكافي فهو الله وحده كما قال تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } وقال تعالى: { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } أي حسبك وحسب من اتبعك الله

ومن ظن أن المعنى حسبك الله والمؤمنون معه فقد غلط غلطا فاحشا كما قد بسطناه في غير هذا الموضع وقال تعالى: { أليس الله بكاف عبده }

وتحرير ذلك أن العبد يراد به المعبد الذي عبده الله فذلله ودبره وصرفه وبهذا الاعتبار: المخلوقون كلهم عباد الله من الأبرار والفجار والمؤمنين والكفار وأهل الجنة وأهل النار إذ هو ربهم كلهم ومليكهم لا يخرجون عن مشيئته وقدرته وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر فما شاء كان وإن لم يشاؤوا وما شاؤوا إن لم يشأه لم يكن كما قال تعالى: { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون }

فهو سبحانه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم ومقلب قلوبهم ومصرف أمورهم لا رب لهم غيره ولا مالك لهم سواه ولا خالق إلا هو سواء اعترفوا بذلك أونكروه وسواء علموا ذلك أو جهلوه لكن أهل الإيمان منهم عرفوا ذلك واعترفوا به بخلاف من كان جاهلا بذلك أو جاحدا له مستكبرا على ربه ولا يقر ولا يخضع له مع علمه بأن الله ربه وخالقه

فالمعرفة بالحق إذا كانت مع الاستكبار عن قبوله والجحد له كان عذابا على صاحبه كما قال تعالى: { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } وقال تعالى: { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } وقال تعالى: { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون }

فإن اعترف العبد أن الله ربه وخالقه: وأنه مفتقر إليه محتاج إليه عرف العبودية المتعلقة بربوبية الله وهذا العبد يسأل ربه فيتضرع إليه ويتوكل عليه لكن قد يطيع أمره وقد يعصيه وقد يعبده مع ذلك وقد يعبد الشيطان والأصنام

ومثل هذه العبودية لا تفرق بين أهل الجنة والنار ولا يصير بها الرجل مؤمنا كما قال تعالى: { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } فإن المشركين كانوا يقرون أن الله خالقهم ورازقهم وهم يعبدون غيره قال تعالى: { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } وقال تعالى { قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون } إلى قوله: { قل فأنى تسحرون }

وكثير ممن يتكلم في الحقيقة ويشهدها يشهد هذه الحقيقة وهي الحقيقة الكونية التي يشترك فيها وفي شهودها ومعرفتها المؤمن والكافر البر والفجر وإبليس معترف بهذه الحقيقة وأهل النار قال إبليس: { رب فأنظرني إلى يوم يبعثون } وقال: { رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين } وقال: { فبعزتك لأغوينهم أجمعين } وقال: { أرأيتك هذا الذي كرمت علي } وأمثال هذا من الخطاب الذي يقر فيه بأن الله ربه وخالقه وخالق غيره وكذلك أهل النار قالوا: { ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين } وقال تعالى: { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا }

فمن وقف عند هذه الحقيقة وعند شهودها ولم يقم بما أمر به من الحقيقة الدينية التي هي عبادته المتعلقة بإلهيته وطاعة أمره وأمر رسوله كان من جنس إبليس وأهل النار وإن ظن مع ذلك أنه من خواص أولياء الله وأهل المعرفة والتحقيق الذين يسقط عنهم الأمر والنهي الشرعيان كان من أشر أهل الكفر والإلحاد

ومن ظن أن الخضر وغيره سقط عنهم الأمر لمشاهدة الارادة ونحو ذلك كان قوله هذا من شر أقوال الكافرين بالله ورسوله حتى يدخل في النوع الثاني من معنى العبد وهو العبد بمعنى العابد فيكون عابدا لله لا يعبد إلا إياه فيطيع أمره وأمر رسله ويوالي أولياءه المؤمنين المتقين ويعادي أعداءه وهذه العبادة متعلقة بإلهيته ولهذا كان عنوان التوحيد لا إله إلا الله بخلاف من يقر بربوبيته ولا يعبده أو يعبد معه إلها آخر فالإله الذي يألهه القلب بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك وهذه العبادة هي التي يحبها الله ويرضاها وبها وصف المصطفين من عباده وبها بعث رسله

وأما العبد بمعنى المعبد سواء أقر بذلك أو أنكره فتلك يشترط فيها المؤمن والكافر

وبالفرق بين هذين النوعين يعرف الفرق بين الحقائق الدينية الداخلة في عبادة الله ودينه وأمره الشرعي التي يحبها ويرضاها ويوالي أهلها ويكرمهم بجنته وبين الحقائق الكونية التي يشترط فيها المؤمن والكافر والبر والفاجر التي من اكتفى بها ولم يتبع الحقائق الدينية كان من أتباع إبليس اللعين والكافرين برب العالمين ومن اكتفى بها في بعض الأمور دون بعض أو في مقام أو حال نقص من إيمانه وولايته لله بحسب ما نقص من الحقائق الدينية

وهذا مقام عظيم فيه غلط الغالطون وكثر فيه الإشتباه على السالكين حتى زلق فيه من أكابر الشيوخ المدعين التحقيق والتوحيد والعرفان مالا يحصيهم إلا الله الذين يعلم السر والإعلان وإلى هذا أشار الشيخ عبد القادر رحمه الله فيما ذكر عنه فبين أن كثيرا من الرجال إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا إلا أنا فإني انفتحت لي فيه روزنة فنازعت أقدار الحق بالحق للحق والرجل من يكون منازعا للقدر لا من يكون موافقا للقدر

والذي ذكره الشيخ رحمه الله هو الذي أمر الله به ورسوله لكن كثير من الرجال غلطوا فإنهم قد يشهدون ما يقدر على أحدهم من المعاصي والذنوب أو ما يقدر على الناس من ذلك بل من الكفر ويشهدون أن هذا جار بمشيئة الله وقضائه وقدره داخل في حكم ربوبيته ومقتضي مشيئته فيظنون الاستسلام لذلك وموافقته والرضا به ونحو ذلك دينا وطريقا وعبادة فيضاهون المشركين الذين قالوا: { لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } وقالوا: { أنطعم من لو يشاء الله أطعمه } وقالوا: { لو شاء الرحمن ما عبدناهم }

ولو هدوا لعلموا أن القدر أمرنا أن نرضى به ونصبر على موجبه في المصائب التي تصيبنا: كالفقر والمرض والخوف قال تعالى: { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه }

قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم

وقال تعالى: { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم }

وفي الصحيحن: عن النبي أنه قال: [ احتج آدم وموسى فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه فهلى وجدت ذلك مكتوبا علي قبل أن أخلق؟ قال: نعم قال: فحج آدم موسى ]

وآدم عليه السلام لم يحتج على موسى بالقدر ظنا أن المذنب يحتج بالقدر فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل ولو كان هذا عذرا لكان عذرا لإبليس وقوم نوح وقوم هود وكل كافر ولا موسى لام آدم أيضا لأجل الذنب فإن آدم قد تاب إلى ربه فاجتباه وهدي ولكن لامه لأجل المصيبة التي لحقتهم بالخطيئة ولهذا قال: فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فأجابه آدم أن هذا كان مكتوبا قبل أن أخلق فكان العمل والمصيبة المترتبة عليه مقدرا وما قدر من المصائب يجب الاستسلام له فإنه من تمام الرضا بالله ربا

وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب قال تعالى: { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك } وقال تعالى: { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } وقال: { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } وقال يوسف: { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }

وكذلك ذنوب العباد يجب على العبد فيها أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر - بحسب قدرته - يجاهد في سبيل الله الكفار والمنافقين ويوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله ويحب في الله ويبغض في الله كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } إلى قوله: { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده }

وقال تعالى: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } إلى قوله: { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه }

وقال تعالى: { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } وقال: { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } وقال تعالى: { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } وقال تعالى: { وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات } وقال تعالى: { ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا }

وقال تعالى: { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } إلى قوله: { بل أكثرهم لا يعلمون * وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء } إلى قوله: { وهو على صراط مستقيم }

وقال تعالى: { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون }

ونظائر ذلك مما يفرق الله يه بين أهل الحق والباطل وأهل الطاعة وأهل العصية وأهل البر وأهل الفجور وأهل الهدى والضلال وأهل الغي والرشاد وأهل الصدق والكذب

فمن شهد الحقيقة الكونية دون الدينية سوى بين هذه الأجناس المختلفة التي فرق الله بينها غاية التفريق حتى يؤول به الأمر إلى أن يسوي الله بالأصنام كما قال تعالى عنهم: { تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين } بل قد آل الأمر بهؤلاء إلى أن سووا الله بكل موجود وجعلوا ما يستحقه من العبادة والطاعة حقا لكل موجود إذ جعلوه هو وجود المخلوقات وهذا من أعظم الكفر والإلحاد برب العباد

وهؤلاء يصل بهم الكفر إلى أنهم لا يشهدون أنهم عباد لا بمعنى أنهم معبدون ولا بمعنى أنهم عابدون: إذ يشهدون أنفسهم هي الحق كما صرح بذلك طواغيتهم: كابن عربي صاحب الفصوص وأمثاله من الملحدين المفترين: كابن سبعين وأمثاله ويشهدون أنهم هم العابدون والمعبودون وهذا ليس بشهود لحقيقة لا كونية ولا دينية بل هو ضلال وعمى عن شهود الحقيقة الكونية حيث جعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق وجعلوا كل وصف مذموم وممدوح نعتا للخالق والمخلوق إذ وجود هذا هو وجود هذا عندهم

وأما المؤمنون بالله ورسوله عوامهم وخواصهم الذين هم أهل الكتاب كما قال النبي : [ إن لله أهلين من الناس قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ]

فهؤلاء يعلمون أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه وأن الخالق سبحانه مباين للمخلوق ليس هو حالا فيه ولا متحدا به ولا وجوده وجوده

والنصارى كفرهم الله بأن قالوا: بالحلول والاتحاد بالمسيح خاصة فكيف من جعل ذلك عاما في كل مخلوق؟ !

ويعلمون مع ذلك أن الله أمر بطاعته وطاعة رسوله ونهى عن معصيته ومعصية رسوله وأنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأن على الخلق أن يعبدوه فيطيعوا أمره ويستعينوا به على ذلك كما قال: { إياك نعبد وإياك نستعين }

ومن عبادته وطاعته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بحسب الإمكان - والجهاد في سبيله لأهل الكفر والنفاق فيجتهدون في إقامة دينه مستعينين به دافعين مزيلين بذلك ما قدر من السيئات دافعين بذلك ما قد يخاف من ذلك كما يزيل الإنسان الجوع الحاضر بالأكل ويدفع به الجوع المستقبل وكذلك إذا آن أوان البرد دفعه باللباس وكذلك كل مطلوب يدفع به مكروه كما قالوا للنبي : [ يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها ورقي نسترقي بها وتقاة نتقي بها هل ترد من قدر الله شيئا؟ فقال: هي من قدر الله ]

وفي الحديث [ إن الدعاء والبلاء ليلتقيان فيعتلجان بين السماء والأرض ] فهذا حال المؤمنين بالله ورسوله العابدين لله وكل ذلك من العبادة

وهؤلاء الذين يشهدون الحقيقة الكونية وهي ربوبيته تعالى لكل شيء ويجعلون ذلك مانعا من اتباع أمره الديني الشرعي على مراتب في الضلال

فغلاتهم يجعلون ذلك مطلقا عاما فيحتجون بالقدر في كل ما يخالفون فيه الشريعة وقول هؤلاء شر من قول اليهود والنصارى وهو من جنس قول المشركين الذين قالوا: { لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } وقالوا: { لو شاء الرحمن ما عبدناهم }

وهؤلاء من أعظم أهل الأرض تناقضا: بل كل من احتج بالقدر فإنه متناقض فإنه لا يمكن أن يقر كل آدمي على ما فعل فلا بد إذا ظلمه ظالم أو ظلم الناس ظالم وسعى في الأرض بالفساد وأخذ يسفك دماء الناس ويستحل الفروج ويهلك الحرث والنسل ونحو ذلك من أنواع الضرر التي لا قوام للناس بها أن يدفع هذا القدر وأن يعاقب الظالم بما يكف عدوان أمثاله فيقال له: إن كان القدر حجة فدع كل أحد يفعل ما يشاء بك وبغيرك وإن لم يكن حجة بطل أصل قولك: حجة وأصحاب هذا القول [ الذين ] يحتجون بالحقيقة الكونية لا يطردون هذا القول ولا يلتزمونه وإنما هم بحسب أرائهم وأهوائهم كما قال فيهم بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواك تمذهبت به

ومنهم صنف يدعون التحقيق والمعرفة فيزعمون أن الأمر والنهي لازم لمن شهد لنفسه فعلا وأثبت له صنعا أما من شهد أن أفعاله مخلوقة أو أنه مجبور على ذلك وأن الله هو المتصرف فيه كما تحرك سائر المتحركات فإنه يرتفع عنه الأمر والنهي والوعد والوعيد

وقد يقولون: من شهد الإرادة سقط عنه التكليف ويزعم أحدهم أن الخضر سقط عنه التكليف لشهوده الإرادة فهؤلاء لا يفرقون بين العامة والخاصة الذين شهدوا الحقيقة الكونية فشهدوا أن الله خالق أفعال العباد وأنه يدبر جميع الكائنات وقد يفرقون بين من يعلم ذلك علما وبين من يراه شهودا فلا يسقطون التكليف عمن يؤمن بذلك ويعلمه فقط ولكن عمن يشهده فلا يرى لنفسه فعلا أصلا وهؤلاء لا يجعلون الجبر وإثبات القدر مانعا من التكليف على هذا الوجه

وقد وقع في هذا طوائف من المنتسبين إلى التحقيق والمعرفة والتوحيد

وسبب ذلك أنه ضاق نطاق المعتزلة ونحوهم من القدرية عن ذلك ثم المعتزلة أثبتت الأمر والنهي الشرعيين دون القضاء والقدر الذي هو إرادة الله العامة وخلقه لأفعال العباد وهؤلاء أثبتوا القضاء والقدر ونفوا الأمر والنهي في حق من شهد القدر إذ لم يمكنهم نفي ذلك مطلقا وقول هؤلاء شر من قول المعتزلة ولهذا لم يكن في السلف من هؤلاء أحد وهؤلاء يجعلون الأمر والنهي للمحجوبين الذين لم يشهدوا هذه الحقيقة الكونية ولهذا يجعلون من وصل إلى شهود هذه الحقيقة يسقط عنه الأمر والنهي وصار من الخاصة

وربما تأولوا على ذلك قوله تعالى: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } وجعلوا اليقين هو معرفة هذه الحقيقة وقول هؤلاء كفر صريح وإن وقع فيه طوائف لم يعلموا أنه كفر فإنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن الأمر والنهي لازم لكل عبد ما دام عقله حاضرا إلى أن يموت لا يسقط عنه الأمر والنهي لا شهوده القدر ولا بغير ذلك فمن لم يعرف ذلك عرفه وبين له فإن أصر على اعتقاد سقوط الأمر والنهي فإنه يقتل وقد كثرت مثل هذه المقالات في المستأخرين

وأما المستقدمون من هذه الأمة فلم تكن هذه المقالات معروفة فيهم

وهذه المقالات هي محادة لله ورسوله ومعاداة له وصد عن سبيله ومشاقة له وتكذيب لرسله ومضادة له في حكمه وإن كان من يقول هذه المقالات قد يجهل ذلك ويعتقد أن هذا الذي بمنزلة من يعتقد أن الصلاة لا تجب عليه لاستغنائه عنها بما حصل له من الأحوال القبلية أو أن الخمر حلال له لكونه من الخواص الذين لا يضرهم شرب الخمر أو أن الفاحشة حلال له لأنه صار كالبحر لا تكدره الذنوب ونحو ذلك

ولا ريب أن المشركين الذين كذبوا الرسل يترددون بين البدعة المخالفة لشرع الله وبين الاحتجاج بالقدر على مخالفة أمر الله فهؤلاء الأصناف فيهم شبه من المشركين إما أن يبتدعوا وإما أن يحتجوا بالقدر وإما أن يجمعوا بين الأمرين كما قال تعالى عن المشركين: { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } وكما قال تعالى عنهم: { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء }

وقد ذكر عن المشركين ما ابتدعوه من الدين الذي فيه تحليل الحرام والعبادة التي لم يشرعها الله بمثل قوله تعالى: { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه } إلى آخر السورة وكذلك في سورة الأعراف في قوله: { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } إلى قوله: { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء } إلى قوله: { قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } إلى قوله: { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين * قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } إلى قوله: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }

وهؤلاء قد يسمون ما أحدثوه من البدع حقيقة كما يسمون ما يشهدون من القدر حقيقة وطريق الحقيقة عندهم هو السلوك الذي لا يتقيد صاحبه بأمر الشارع ونهيه ولكن بما يراه ويذوقه ويجده ونحو ذلك وهؤلاء لا يحتجون بالقدر مطلقا بل عمدتهم اتباع آرائهم وأهوائهم وجعلهم لما يرونه ويهوونه حقيقة وأمرهم باتباعها دون اتباع أمر الله ورسوله نظير بدع أهل الكلام من الجهمية وغيرهم الذين يجعلون ما ابتدعوه من الأقوال المخالفة للكتاب والسنة حقائق عقلية يجب اعتقادها دون ما دلت عليه السمعيات ثم الكتاب والسنة إما أن يحرفوه عن مواضعه وإما أن يعرضوا عنه بالكلية فلا يتدبرونه ولا يعقلونه بل يقولون: نفوض معناه إلى الله مع اعتقادهم نقيض مدلوله وإذا حقق على هؤلاء ما يزعمونه من العقليات المخالفة للكتاب والسنة وجدت جهليات واعتقادات فاسدة

وكذلك أولئك إذا حقق عليهم ما يزعمونه من حقائق أولياء الله المخالفة للكتاب والسنة وجدت من الأهواء التي يتبعها أعداء الله لا أولياؤه

وأصل ضلال من ضل هو بتقديم قياسه على النص المنزل من عند الله واختيار الهوى على اتباع أمر الله فإن الذوق والوجد ونحو ذلك هو بحسب ما يحبه العبد فكل محب له ذوق ووجد بحسب محبته فأهل الإيمان لهم من الذوق والوجد مثل ما بينه النبي بقوله في الحديث الصحيح: [ ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار ] وقال في الحديث الصحيح [ ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ]

وأما أهل الكفر والبدع والشهوات فكل بحسبه قيل لسفيان بن عيينة: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟ ! فقال: أنسيت قوله تعالى: { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } أو نحو هذا من الكلام؟ ! فعباد الاصنام يحبون آلهتهم كما قال تعالى: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } وقال: { فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } وقال: { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } ولهذا يميل هؤلاء إلى سماع الشعر والأصوات التي تهيج المحبة المطلقة التي لا تختص بأهل الإيمان بل يشترك فيها محب الرحمن ومحب الأوثان ومحب الصلبان ومحب الأوطان ومحب الأخوان ومحب المردان ومحب النسوان وهؤلاء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة

فالمخالف لما بعث به رسوله من عبادته وطاعته رسوله لا يكون متبعا لدين شرعه الله كما قال تعالى: { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا } إلى قوله: { والله ولي المتقين } بل يكون متبعا لهواه بغير هدى من الله قال تعالى: { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وهم في ذلك تارة يكونون على بدعة يسمونها حقيقة يقدمونها على ما شرعه الله وتارة يحتجون بالقدر الكوني على الشريعة كما أخبر الله به عن المشركين كما تقدم

ومن هؤلاء طائفة هم أعلاهم قدرا وهم مستمسكون بالدين في أداء الفرائض المشهورة واجتناب المحرمات المشهورة لكن يغلطون في ترك ما أمروا به من الأسباب التي هي عبادة ظانين أن العارف إذا شهد القدر أعرض عن ذلك مثل من يجعل التوكل منهم أوالدعاء ونحو ذلك من مقامات العامة دون الخاصة بناء على أن من شهد القدر علم أن ما قدر سيكون فلا حاجة إلى ذلك وهذا غلط عظيم فإن الله قدر الأشياء بأسبابها كما قدر السعادة والشقاوة بأسبابها

كما قال النبي : [ إن الله خلق للجنة أهلا خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم وبعمل أهل الجنة يعملون ]

وكما [ قال النبي لما أخبرهم بأن الله كتب المقادير فقالوا: يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: لا اعلموا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة ]

فما أمر الله به عباده من الأسباب فهو عبادة والتوكل مقرون بالعبادة كما في قوله تعالى: { فاعبده وتوكل عليه } وفي قوله: { قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب } وقول شعيب عليه السلام { عليه توكلت وإليه أنيب }

ومنهم طائفة قد تترك المستحبات من الأعمال دون الواجبات فتنقص بقدر ذلك

ومنهم طائفة يغترون بما يحصل لهم من خرق عادة مثل مكاشفة أو استجابة دعوة مخالفة للعادة العامة ونحو ذلك فيشتغل أحدهم عما أمر به من العبادة والشكر ونحو ذلك

فهذه الأمور ونحوها كثيرا ما تعرض لأهل السلوك والتوجه وإنما ينجو العبد منها بملازمة أمر الله الذي بعث به رسوله في كل وقت كما قال الزهري: كان من مضى من سلفنا يقولون: الإعتصام بالسنة نجاة وذلك أن السنة كما قال مالك رحمه الله - مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق

والعبادة والطاعة والاستقامة ولزوم الصراط المستقيم ونحو ذلك من الأسماء مقصودها واحد ولها أصلان:

أحدهما: ألا يعبد إلا الله

والثاني أن يعبد بما أمر وشرع لا بغير ذلك من البدع قال تعالى: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } وقال تعالى: { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } وقال تعالى: { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا }

فالعمل الصالح هو الإحسان وهو فعل الحسنات والحسنات هي ما أحبه الله ورسوله وهو ما أمر إيجاب أو استحباب فما كان من البدع في الدين التي ليست مشروعة فإن الله لا يحبها ولا رسوله فلا تكون من الحسنات ولا من العمل الصالح كما أن من يعمل ما لا يجوز كالفواحش والظلم ليس من الحسنات ولا من العمل الصالح

وأما قوله: { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } وقوله: { أسلم وجهه لله } فهو إخلاص الدين لله وحده وكان عمر بن الخطاب يقول: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا

وقال الفضيل بن عياض في قوله: { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } قال: أخلصه وأصوبه قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة

فإن قيل: فإذا كان جميع ما يحبه الله داخلا في اسم العبادة فلماذا عطف عليها غيرها كقوله: { إياك نعبد وإياك نستعين } وقوله: { فاعبده وتوكل عليه } وقول نوح: { اعبدوا الله واتقوه وأطيعون } وكذلك قول غيره من الرسل قيل هذا له نظائر كما في قوله: { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } والفحشاء من المنكر وكذلك قوله: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } وإيتاء ذي القربى هو من العدل والاحسان كما أن الفحشاء والبغي من المنكر وكذلك قوله: { والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة } وإقامة الصلاة من أعظم التمسك بالكتاب وكذلك قوله: { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا } ودعاؤهم رغبا ورهبا من الخيرات وأمثال ذلك في القرآن كثير

وهذا الباب يكون تارة مع كون أحدهما بعض الآخر فيعطف عليه تخصيصا له بالذكر لكونه مطلوبا بالمعنى العام والمعنى الخاص وتارة تكون دلالة الاسم تتنوع بحال الانفراد والاقتران فإذا أفرد عم وإذا قرن بغيره خص كاسم الفقير والمسكين لما أفرد أحدهما في مثل قوله: { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } وقوله: { إطعام عشرة مساكين } دخل فيه الآخر ولما قرن بينهما في قوله: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } صارا نوعين

وقد قيل: إن الخاص المعطوف على العام لا يدخل في العام حال الاقتران بل يكون من هذا الباب والتحقيق أن هذا ليس لازما قال تعالى: { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال } وقال تعالى: { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم }

وذكر الخاص مع العام يكون لأسباب متنوعة: تارة لكونه له خاصية ليست لسائر أفراد العام كما في نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وتارة لكون العام فيه إطلاق قد لا يفهم منه العموم كما في قوله: { هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } فقوله: { يؤمنون بالغيب } يتناول الغيب الذي يجب الإيمان به لكن فيه إجمال فليس فيه دلالة على أن من الغيب ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وقد يكون المقصود أنهم يؤمنون بالمخبر به وهو الغيب وبالإخبار بالغيب وهو ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك

ومن هذا الباب قوله تعالى: { اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة } وقوله: { والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة } وتلاوة الكتاب هي اتباعه كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته } قال: يحللون حلاله ويحرمون حرامه ويؤمنون بمتشابهه ويعلمون بمحكمه فاتباع الكتاب يتناول الصلاة وغيرها لكن خصها بالذكر لمزيتها وكذلك قوله لموسى: { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } وإقامة الصلاة لذكره من أجل عبادته وكذلك قوله تعالى: { اتقوا الله وقولوا قولا سديدا } وقوله: { اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة } وقوله: { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } فإن التوكل والاستعانة هي من عبادة الله لكن خصت بالذكر ليقصدها المتعبد بخصوصها فإنها هي العون على سائر أنواع العبادة إذ هو سبحانه لا يعبد إلا بمعونته

إذا تبين هذا فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله وكلما ازداد العبد تحقيقا للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ومن توهم أن المخلوق يخرج عن العبودية بوجه من الوجوه أو أن الخروج عنها أكمل فهو من أجهل الخلق وأضلهم

قال تعالى: { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } إلى قوله: { وهم من خشيته مشفقون } وقال تعالى: { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا } إلى قوله: { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا }

وقال تعالى في المسيح: { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل } وقال تعالى: { وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون } وقال تعالى: { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا } إلى قوله: { ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا } وقال تعالى: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } وقال تعالى: { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون * فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون } وقال تعالى: { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة } إلى قوله: { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون }

وهذا ونحوه مما فيه وصف أكابر المخلوقات بالعبادة وذم من خرج عن ذلك متعدد في القرآن وقد أخبر أنه أرسل جميع الرسل بذلك فقال تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى لبني إسرائيل: { يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون } { وإياي فاتقون } وقال: { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } وقال: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وقال تعالى: { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين * وأمرت لأن أكون أول المسلمين * قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم * قل الله أعبد مخلصا له ديني * فاعبدوا ما شئتم من دونه }

وكل رسول من الرسل افتتح دعوته بالدعاء إلى عبادة الله كقول نوح ومن بعده عليهم السلام: { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره }

وفي المسند عن ابن عمر عن النبي أنه قال: [ بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ]

وقد بين أن عباده هم الذين ينجون من السيئات قال الشيطان: { بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين } قال تعالى: { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } وقال: { فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين } وقال في حق يوسف: { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } وقال: { سبحان الله عما يصفون * إلا عباد الله المخلصين } وقال: { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } وبها نعت كل من اصطفى من خلقه كقوله: { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار * إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار } وقوله: { واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب } وقال عن سليمان: { نعم العبد إنه أواب } وعن أيوب: { نعم العبد } وقال: { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه } وقال نوح عليه السلام: { ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا } وقال: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } وقال: { وأنه لما قام عبد الله يدعوه } وقال: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا } وقال: { فأوحى إلى عبده ما أوحى } وقال: { عينا يشرب بها عباد الله } وقال: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } ومثل هذا كثير متعدد في القرآن

الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16