بإحرازك الفضل الذي بهر الخلقا

بِإِحْرَازِكَ الْفَضْلَ الَّذِي بَهَرَ الْخَلْقا

​بِإِحْرَازِكَ الْفَضْلَ الَّذِي بَهَرَ الْخَلْقا​ المؤلف ابن حيوس


بِإِحْرَازِكَ الْفَضْلَ الَّذِي بَهَرَ الْخَلْقا
فرعتَ ذرى المجدِ الَّتي لمْ تكنْ ترقا
وَمَنْ مَهَرَ الْعَلْيَاءَ حِلْماً وَنَائِلاً
ومحميةً كانتْ حلالاً لهُ طلقا
وقدْ زدتها منَ التَّقيَّةِ نحلةً
فكنتَ الأعفَّ الأحلمَ الأكرما الأتقا
معاني معالٍ فقتَ لمَّا ابتدعتها
وَأَعْيَا الْوَرى مَا جَلَّ مِنْها وَمَا دَقَّا
ركبتَ إلى المجدِ الرَّوامسَ وامتطوا
عرامسَ ما أبقى الكلالُ بها طرقا
وحجَّتهمْ كانتْ لإشكالِ طرقهِ
فألاَّ وقدْ أوضحتَ للسَّالكِ الطُّرقا
ومستبقٍ للأكرمينَ بمرْكضٍ
ترى الوفرَ مقنىً فيهِ والشُّكرَ مستبقا
عَلَوْتَ بِهِ الأجْوَادَ طُرّاً مَكارِماً
وفتَّ بهِ الأمجادَ قاطبةً سبقا
كَأَنَّكَ لاَ تَرْجُو لِذَا الْفَخْرِ أَنْ يُرى
محقاً إذا لم تفنِ ما حزتهُ محقا
وَمَازِلْتَ ذَا الْفَضْلِ الَّذي صاقَبَ السُّهى
عُلُوّاً وَذَا الْقَوْلِ الَّذِي جانَبَ الْمَذْقا
جلا عنْ جميعِ المسلمينَ غياثهمْ
خطوباً تحدَّتهمْ بأسهمها رشقا
خَليلٌ أَتى مَأْتى الْخَلِيلِ بْنِ آزَرٍ
منَ الحلمِ والإغضاءِ قدْ آزرَ الخلقا
فَأَبْقى عَلَى الْجانِينَ عَفْواً وَرَأْفَةً
وَجَادَ عَلَى الْعافِينَ عَفْواً فَما أَبْقا
وقدْ تلدُ المعروفَ أيدٍ كثيرةٍ
وَلكِنَّها مِنْ قَبْلِهِ تُكْثِرُ الطَّلْقا
سَرِيعٌ إِلى أُكْرُومَةٍ وَحَمِيَّةٍ
فلوْ رافقتهُ الرِّيحُ قالتْ لهُ رفقا
يَفِيضُ نَدىً فِيمَنْ أَطَاعَ وَمَنْ عَصى
أتتهُ سطاهُ مثلَ أنعمهِ دفقا
منَ الأسرةِ الشُّمِّ الَّذينَ تحمَّلوا
إلى كلِّ ذكرٍ طيِّبٍ كلَّ ما شقّا
وذبُّوا عنِ الأعراضِ علماً بأنَّها
بغيرِ مياهِ البذلِ والعدلِ لا تبقا
بَهالِيلُ كَمْ أَسْدَوا إِلى الدَّهْرِ مِنَّةً
وسدُّوا بها خرقاً وسادوا بها خرقا
رأيتُ الَّذي يبغي مداكَ كناصبٍ
حبائلهُ جهلاً ليقتنصَ العنقا
مَلَكْتَ مِنَ الآفاقِ غَرْباً وَقِبْلَةً
فَأَنْشَاْتَ عَزْماً يَطْلُبُ الشَّامَ وَالشَّرْقا
وَقَدْ دَبَّ مِنْ أَقْصى الْمَشارِقِ حَيَّةٌ
لَها لَدَغاتٌ لاَ تُداوى وَلاَ تُرْقا
فَطَبَّقَ تِلْكَ الأرْضَ ظُلْماً وَظُلْمَةً
فَكُنْ فَلَقاً يَجْلُو دَجُوجِيَّهُ فَلْقَا
فَمِنْ دُونَ دِينٍ قَدْ تَوَلَّيْتَ نَصْرَهُ
قبائلُ منْ قيسٍ وقحطانَ ما تلقا
هُمُ سَلَبُوا كِسْرى بْنَ ساسانَ مُلْكَهُ
وقبلهمُ عقَّ الملوكَ وما عُقّا
وذادوا على اليرموكِ ذادةَ قيصرٍ
بِكُلِّ حُسامٍ يَمْنَعُ النَّاطِقَ النُّطْقا
يُبالِغُ فِي نَهْيِ الطُّغاةِ وَلَمْ يَقُلْ
وَيَقْسُو لَدى الْحَرْبِ الْعَوَانِ وَإِنْ رَقّا
ولا شكَّ أنَّ التُّركَ ينسونَ رميهمْ
بطعنٍ بهِ أنسيتَ صنهاجةَ الزَّرقا
أَلاَ فَارْمِهِمْ مِنْهُمْ بِكُلِّ ابنِ حُرَّةٍ
يَهِيمُ بِيَوْمِ الرَّوْعِ مِنْ مَهْدِهِ عِشْقا
تَطِيحُ بِهِ شَقّاءُ يُجْنَبُ خَلْفَها
إلى كلِّ حربٍ عثيرٌ قطُّ ما شُقّا
جريءٍ يرى الإقدامَ حقّاً على الفتى
فيحملُ وقرَ العودِ منْ نجدةٍ حقَّا
يَحُثُّ الْجَوَادَ الأعْوَجِيَّ وَما وَنى
ويسقي الحسامَ المشرفيَّ وما استسقى
منَ القومِ بزُّوا ربَّةَ الرُّومِ نفسها
بمنزلها الأقصى وما بلغوا العمقا
رَمَيْتَ مِنَ الْعَزْمِ کلْوَحيَّ بِلاَدَها
بِصاعِقَةٍ ما خِلْتُها بَعْدَها تَبْقا
بَعَثْتَ لَهُمْ مِنْ كُلِّ خَرْقٍ وَقُلَّةٍ
صوارمَ أعيتْ منْ يسدُّ لها خرقا
فَأَجْرَتْ سُيُولاً مِنْ دِماءِ حُماتِهِمْ
أماتتْ بها الفرَّارُ من وقعها غرقا
وَلَمْ نَرَ سَيْلاً قَبْلَهُ فَاضَ مِنْ دَمٍ
ولا قضباً هنديَّةً قتلتْ خنقا
وقدْ طالما أخَّرتَ جيشاً عنِ العدى
وَأَرْسَلْتَ رَأْياً مِثْلَ باعِثِهِ صَدْقَا
فأذهبتَ بالإيعادِ شقَّ نفوسهمْ
وغادرتَ منها للظُّبى والقنا شقّا
وَلَوْ شِئْتَ لَمْ تَتْرُكْ لِبيِضٍ مِنَ الظُّبى
وزرقٍ منَ الخرصانِ في مهجةٍ رزقا
وَلَكِنْ أَرَاكَ الْحَزْمُ أَنَّ وُرُودَها
دمَ المارقِ الغاوي لهيبتها أبقا
قَرَعْتَ الرَّزَايا بِالرَّزَايا وَلَمْ تَكُنْ
بِمُسْتَعْمِلٍ فِي مَوْضِعِ الشِّدَّةِ الرِّفْقا
وَعَايَنْتَ مَاتَحْتَ الْغُيُوبِ فِرَاسَةً
وفجرُ اليقينِ في دجى الشَّكِّ ما انشقَّا
فلوْ كانَ ظنُّ الجاهليَّةِ صادقاً
كظنِّكَ لمْ تسألْ سطيحاً ولا شقَّا
مَسَاعٍ بِأَدْنَاهُنَّ تُسْتَعْبَدُ الْعُلى
وقبلكَ لمْ يملكْ لها أحدٌ رقَّا
تحقَّقها الأدنونَ سمعاً ورؤيةً
وأشعرها الأقصونَ منَ عرفها نشقا
وَأَنْجُمُ عَزْمٍ أَشْرَقَ الْمُلْكُ مُذْ بَدَتْ
فَدَامَتْ لَهُ وَقْفاً وَدُمْتَ لَها أُفْقا
بإنعامكَ استغنيتُ عنْ كلِّ منعمٍ
وَمَنْ ظَلَّ تَحْتَ الْغَيْثِ لَمْ يَشِمِ الْبَرْقا
أَبَتْ لِيَ ذَاكَ دِيمَةٌ نَاصِرِيَّةٌ
تفوقُ الحيا نفعاً وتكثرهُ ودقا
وَصَائِنُ مَدْحِي عَنْ مَعَاشِرَ لاَ يَرى
اسفُّهمُ بينَ النَّدى والرَّدى فرقا
ذوي الملقِ المنجابِ عنْ غيرِ بغيةٍ
وَكَمْ عَدِمَ الإحْسانَ مَنْ حَسَّنَ الْمَلقْا
وَسَائِلُ مَاأَجْدَتْ لَدَيْهِمْ كَأَنَّها
مَسَائِلُ مِنْ عِلْمٍ عَلَى جَاهِلٍ تُلْقا
سَقى اللَّهُ آمالاً سَمَا بِي طُمُوحُها
إلى الذِّروةِ العلياءِ والعروةِ الوثقا
تركتُ أكفَّاً قرمطَ البخلُ رفدها
وعذتُ بكفٍّ في النَّدى تحسنُ المشقا
فأمَّنتَ سرباً كانَ قدماً مروَّعاً
وأصفيتَ شرباً كنتُ أعهدهُ رنقا
وَأَحْمَدْتَني الأيَّامَ مِنْ بَعْدِ ذَمِّها
على أنَّ دهراً عاقني عنكَ قدْ عقَّا
وَلَوْ كانَ جِسْمِي مِثْلَ عَزْمِيَ لَمْ أُنِخْ
قَلاَئِصَ يُلْوِي بِالْحصى وَخْدُها ج
جديليَّةً ورقاً إذا جدَّ جدُّها
إِلى غَايَةٍ ظُنَّتْ هَدِيِليَّةً ورُقْا
خَلِيلَ أَمِيرِ الْمُؤمِنينَ بِكَ اعْتَلى
مَقَالي وَقِدْماً كانَ كَالْحَرَضِ الْمُلْقا
فجاوزتُ في مدحيكَ لمَّا نظمتهُ
فُحُولاً مَضَوْا مَاكُنْتُ أَرْجُو لَهُمْ لَحْقا
وَصِرْتُ إِذَا مَا قَالَةُ الشِّعْرِ قُلِّبَتْ
بضائعهمْ ألفيتُ أنفسهمْ علقا
ولا حمدَ لي في حسنِ قولي وصدقهِ
ولكنَّهُ للملهمي الفضلَ والصِّدقا
وقدْ تشكرُ الأرضُ العميمُ نباتُها
وَإِنْ كانَ مِنْ فِعْلِ الْغَمامِ الَّذي أَسْقا
إذا طلبَ المملوكُ عتقَ مليكهِ
أبى ليَ ما أوليتَ أنْ أطلبَ العتقا
فَلاَ زَالَ هذَا الْعِيدُ يَأْتى وَيَنْقَضي
وجدُّكَ قاضٍ أنَّ شانئكَ الأشقا
فمنذُ ملكتَ الدَّهرَ لا زلتَ ربَّهُ
غَدَا فِعْلُهُ فِينَا مِنِ اسْمِكَ مُشْتَقَّا
وَمَا هُوَ لِلإحْسانِ أَهْلاً وَإِنَّما
تَخَلَّقَهُ خَوْفاً فَصارَ لَهُ خُلْقا
فَدُمْتَ مُوَقًّى فِي لِلأَجَلَّيْنِ صَرْفَهُ
فكمْ أرديا بطلاً وكمْ أحييا حقَّا
لَقَدْ أَشْبَهاكَ هِزَّةً وَنَزَاهَةً
وَلاَ عَجَبٌ لِلْفَرْعِ أَنْ يُشْبِهَ الْعِرْقا
بقيتَ وإنْ سيءَ العدى لتراهما
ولا منبرٌ إلاَّ بأمرهما يرقا
وَلاَ زِلْتَ مَا كَرَّ الْجَدِيدَانِ سَاحِباً
ملابسَ منْ فخرٍ لغيركَ ما حقَّا