باتت سعاد وأمسى حبلها رابا

​باتتْ سعادُ وأمسى حبلها رابا​ المؤلف الأعشى
ملاحظات: المصدر موقع الديوان


بانَت سُعادُ وَأَمسى حَبلُها رابا
وَأَحدَثَ النَأيُ لي شَوقاً وَأَوصابا
وَأَجمَعَت صُرمَنا سُعدى وَهِجرَتَنا
لَمّا رَأَت أَنَّ رَأسي اليَومَ قَد شابا
أَيّامَ تَجلو لَنا عَن بارِدٍ رَتِلٍ
تَخالُ نَكهَتَها بِاللَيلِ سُيّابا
وَجيدِ مُغزِلَةٍ تَقرو نَواجِذُها
مِن يانِعِ المَردِ ما اِحلَولى وَما طابا
وَعَينِ وَحشِيَّةٍ أَغفَت فَأَرَّقَها
صَوتُ الذِئابِ فَأَوفَت نَحوَهُ دابا
هِركَولَةٌ مِثلُ دِعصِ الرَملِ أَسفَلُها
مَكسُوَّةٌ مِن جَمالِ الحُسنِ جِلبابا
تُميلُ جَثلاً عَلى المَتنَينِ ذا خُصَلٍ
يَحبو مَواشِطَهُ مِسكاً وَتَطيابا
رُعبوبَةٌ فُنُقٌ خُمصانَةٌ رَدَحٌ
قَد أُشرِبَت مِثلَ ماءِ الدُرِّ إِشرابا
وَمَهمَهٍ نازِحٍ قَفرٍ مَسارِبُهُ
كَلَّفتُ أَعيَسَ تَحتَ الرَحلِ نَعّابا
يُنبي القُتودَ بِمِثلِ البُرجِ مُتَّصِلاً
مُؤَيَّداً قَد أَنافوا فَوقَهُ بابا
كَأَنَّ كوري وَميسادي وَميثَرَتي
كَسَوتُها أَسفَعَ الخَدَّينِ عَبعابا
أَلجاهُ قَطرٌ وَشَفّانٌ لِمُرتَكِمٍ
مِنَ الأَميلِ عَلَيهِ البَغرُ إِكثابا
وَباتَ في دَفِّ أَرطاةٍ يَلوذُ بِها
يَجري الرَبابُ عَلى مَتنَيهِ تَسكابا
تَجلو البَوارِقُ عَن طَيّانَ مُضطَمِرٍ
تَخالُهُ كَوكَباً في الأُفقِ ثَقّابا
حَتّى إِذا ذَرَّ قَرنُ الشَمسِ أَو كَرَبَت
أَحَسَّ مِن ثُعَلٍ بِالفَجرِ كَلّابا
يُشلي عِطافاً وَمَجدولاً وَسَلهَبَةً
وَذا القِلادَةِ مَحصوفاً وَكَسّابا
ذو صِبيَةٍ كَسبُ تِلكَ الضارِياتِ لَهُم
قَد حالَفوا الفَقرَ وَاللَأواءَ أَحقابا
فَاِنصاعَ لا يَأتَلي شَدّاً بِخَذرَفَةٍ
تَرى لَهُ مِن يَقينِ الخَوفِ إِهذابا
وَهُنَّ مُنتَصِلاتٌ كُلَّها ثَقِفٌ
تَخالُهُنَّ وَقَد أُرهِقنَ نَشّابا
لَأياً يُجاهِدُها لا يَأتَلي طَلَباً
حَتّى إِذا عَقلُهُ بَعدَ الوَنى ثابا
فَكَرَّ ذو حَربَةٍ تَحمي مَقاتِلَهُ
إِذا نَحا لِكُلاها رَوقَهُ صابا
لَمّا رَأَيتُ زَماناً كالِحاً شَبِماً
قَد صارَ فيهِ رُؤوسُ الناسِ أَذنابا
يَمَّمتُ خَيرَ فَتىً في الناسِ كُلَّهُمُ
الشاهِدينَ بِهِ أَعني وَمَن غابا
لَمّا رَآني إِياسٌ في مُرَجَّمَةٍ
رَثَّ الشَوارِ قَليلَ المالِ مُنشابا
أَثوى ثَواءَ كَريمٍ ثُمَّ مَتَّعَني
يَومَ العُروبَةِ إِذ وَدَّعتُ أَصحابا
بِعَنتَريسٍ كَأَنَّ الحُصَّ ليطَ بِها
أَدماءَ لا بَكرَةً تُدعى وَلا نابا
وَالرِجلُ كَالرَوضَةِ المِحلالِ زَيَّنَها
نَبتُ الخَريفِ وَكانَت قَبلُ مِعشابا
جَزى الإِلَهُ إِياساً خَيرَ نِعمَتِهِ
كَما جَزى المَرءَ نوحاً بَعدَما شابا
في فُلكِهِ إِذ تَبَدّاها لِيَصنَعَها
وَظَلَّ يَجمَعُ أَلواحاً وَأَبوابا