بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية)/الفصل الرابع عشر: الجلاء


الفصل الرابع عشر
الجلاء
١٨٤٠ - ١٨٤١

الدول والعزيز: وثار ثائر فرنسة حكومة وشعباً لما حل بها من عزلة وخذلان ونادت جرائدها المتطرفة والمعتدلة بالاستعداد للحرب ووافقت الحكومة على ذلك وأرصدت مبلغاً طائلاً من المال لتعضيد أسطول البحر المتوسط ودعت صفي ١٨٣٦ و۱۸۳۹ لخدمة العلم وسعى سفراء فرنسة في برلين وفينة والآستانة لإعادة النظر وتأجيل التنفيذ. وكتب لويس فيليب إلى نسيبه ليوبولد ملك بلجيكة الذي كان آنئذٍ في لندن أن يعمل بمثل ما تقدم1. وأوفد المسيو تيير مندوباً خاصاً إلى مصر الكونت فاليفسكي ابن نابوليون غير الشرعي ليقنع الباشا بقبول ما يسعى الأميرال ده بونتوا الحصول عليه في الآستانة وبإعطاء فرنسة حق المفاوضة باسمه لدى السلطان2.

ولم يؤثر شيء من هـذا في نفسية الوزير البريطاني الفيكونت بالمرستون فكتب إلى اللورد غرانفيل في الرابع من آب يقول إن إجراءات فرنسة الحربية لا مبرر لها وأن الحكومة البريطانية سوف لا تأخذ علماً بها وسوف لا تطلب اعتمادات إضافية من مجلس العموم وأن القوى البحرية البريطانية في البحر الأبيض المتوسط كافية لتنفيذ مقررات معاهدة الخامس عشر من تموز3. وكتب الكونت نسلرود إلى البارون ماين دورف سفير روسية في برلين في الثامن منه أن فرنسة تصبح خطرة في أوروبة عندما تضمن معاضدة إنكلترة وأنها سوف تعود إلى رشدها عندما تتيقن من أنها عاجزة عن تفرقة الحلفاء وأنها ستتردد قبل إعلان الحرب على الحلفاء4. أما البرنس مترنيخ فإنـه اضطرب وخشي هبوب ثورة في فرنسة وشاركه في اضطرابه الملك فريدريك وليم الرابع وذهب إلى أبعـد من هذا فكتب إلى حكومات أوربة يؤكد عزمه على المحافظة على حياد بروسية في حال نشوب حرب أوروبية5.

وقام فريق من الوزراء البريطانيين يظهرون أسفهم لانعزال فرنسة ويبينون استعدادهم لوضع حد لما جرى فظن المسيو تيير أنه بإمكانه أن يعدل قرارات مؤتمر لندن فاستدعى المسيو غيزو إليه ودرس الموقف معه وـعاده إلى لندن حاملاً عرضين جديدين لحل الأزمة. وقضى العرض الأول بتأييد الوضع الراهن في الشرق دون حكم وراثي في مصر وبتدخل الدول الخمس لقهر المعتدي وإعادته ضمن حدوده. وتضمن العرض الثاني تدخل فرنسة في المفاوضات الدولية على أساس إعطاء العزيز حكماً وراثياً في مصر وحكماً مدى الحياة في بر الشام. وعاد السفير الفرنسي إلى لندن واتصل بالوزير البريطاني وتحدث إليه في موضوع هذين العرضين فأجابه الوزير بأن سلامة الدولة العثمانية بمعاهدة خماسية أمر حسن يجوز السعي إليه بعـد الانتهاء من تنفيذ مقررات لندن الرباعية. ثم كتب في الحادي والثلاثين من آب مذكرة رسمية رد فيها على ملاحظات تبير وأبان أنه ليس لفرنسة إلا أن تلوم نفسها لما حل بها من عزلة6.

وأَعلمت الحكومة الفرنسية العزيز بمضمون المعاهدة فحذرته من تطور الموقف الدولي وإمكانية إنزال عساكر إنكليزية في بر الشام ونصحت إليه بوجوب الاستعداد لمقابلة الإنكليز وردهم ووجوب إبعاد العساكر الإسطنبوليين إلى داخل بر الشام كي لا يقعوا في شرك الإنكليز7. وفعل مثل هذا أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني الدكتور جون بورنغ فأعلم صديقه عزيز مصر بما آلت إليه المفاوضات الدولية في حينها في لندن8. فكتب العزيز إلى ابنه إبراهيم في الخامس من آب سنة ١٨٤٠ يقول: لقد ظهر مرة أخرى من كتاب الدكتور بورنغ أن برلمان لندن أصدر قراراً في مسألتنا كما سبق لكم أن علمتم ذلك من كتابنا المؤرخ في غرة جمادى الآخرة – ٣١ تموز - لقد ظهرنا بمظهر البطولة والبسالة عندما أعلنوا علينا حرب الأعصاب وأرادوا أن يقضوا علينا. فيجب علينا أن نقابل دسائسهم هذه بما يجب متذرعين بالمثل القائل ليكن ما يكون ويجب أن نثبت بالميدان فإن متنا متنا مشرفين مكرمين وإن عشنا عشنا كذلك. وهو أمر تفرضه علينا روح البطولة والإنسانية الحقة. وأصبح لزاماً علينا أن نشمر عن ساعد القوة9.

ولم يصل نبأ اتفاق الدول الأربع إلى الآستانة قبل الثالث من آب من السنة نفسها. فهبَّ وزراء الترك لتطبيق الاتفاق وأوفدوا مستشار الخارجية رفعت بك ورئيس الليمان إبراهيم خوجـه قبودان مصحوبين بالمستر ألسن «معاون الكولونيل الإنكليزي» إلى الإسكندرية فوصلوا إليها في الثالث عشر من آب وأدخلوا حمام البحر للحجر الصحي10. وفي السابع عشر من الشهر نفسه حمل رفعت بك إلى العزيز خطاباً من الباب العالي يتضمن مقررات لندن ولم ينقل شيئاً يخرج عن مضمون هذه المقررات ولكنه «أدلى بها بأسلوب لين يكاد يبلغ درجة الضراعة والابتهال». فقدر العزيز أنه مرخص لرفعت بـك أن يتوسع في مأموريته بعض الشيء ولذا فإنه رد عليه بالرد اللازم «القاطع» فبات رفعت بك في حيرة من أمره11 وعاد إلى قناصل الدول يطلب معونتهم فدخلوا على العزيز وأبلغوه بدورهم نص المقررات المعهودة وعرضوا عليه أن تكون مصر له ولورثته من بعده وعكة مدة حياته وأمهلوه عشرة أيام يقبل فيها ما عرضوه عليه رسمياً ودونوا ما قالوه وحذروه عواقب الامتناع.

وكان فاليفسكي ابن نابوليون غير الشرعي يحض العزيز على الاعتدال ويحبب اليه معونة فرنسة والسماح لها بالمفارضة باسمه فرأى العزيز أن ذلك «لم ينشأ عن حب فرنسة لمصر وإنما نشأ عن رغبتها في الخروج من العزلة التي وقعت فيهـا وأنه على الرغم من إعراضه في بادئ الأمر فإنه سيقبل مضطراً12.

ومضى العزيز في استعداداته الحربية فأمر بغض النظر عن إرسال الجنود إلى اللجـاة والاعتناء بالساحل الشامي وبوجوب تجنيد نصارى لبنان وتوزيعهم على الألايات الجهادية لإيقاع الإنكليز في اليأس وإزالة عداوة المسلمين له في بر الشام13. ونقل العساكر الإسطنبوليين من بيروت فأبعدهم إلى بعلبك ووزع ضباطهم على سالايات الجيش وألحق قائدهم حسن رأفت باشا بالسرعسكر نفسه ورأى أن الضباط الإسطنبوليين من الأسطول السلطاني ويعين ضباط مصريين محلهم ويخرج أنفار الأسطولين المصري والإسطنبولي14. وأمر السرعسكر بوجوب بقائه قريباً من الساحل الشامي واستعان بمطارنة النصارى فنبهوا بوجوب الابتعاد عن العدو وهددوا بالحرم وعاونهم بذلك الأب إتيان العازاري الذي أوفـد خصيصاً من فرنسة لردع الكاثوليك عن الثورة وحضهم على الانقياد لأوامر الحكومة المصرية وأوعز إلى علماء المتاولة بتحريض الأهالي على الجهاد في سبيل الدين لأن القوة المهاجمة أجنبية وأنعم على الأمير بشير الكبير وأولاده وبعض أعيان الدروز بأوسمة لائقة15. وأمر بإنشاء أبراج للإشارة بين مصر والعريش وعكة كما أمر بتحصين ثغور مصر وانتدب لهذه الغاية كلاً من أدهم بك وحكاكيان بك وبرتو أفندي وسليم باشا16. ورأى إبراهيم باشا أن ينعم على سليمان باشا الفرنساوي بمبلغ من المال نظراً لشدة حرصه وجشعه17.

ولما انقضى الموعد المعين بين القناصل وبين العزيز عادوا إليه مصحوبين برفعت بك ليتعرفوا إلى ما استقر عليه رأيه فألفوه على رفضه السابق. وحاول الكولونيل هودج قنصل إنكلترة أن يقول شيئاً فأسكته العزيز وانتهت المقابلة. وكان العزيز قد كتب إلى الصدر في الرابع والعشرين من آب أي قبل هذه المقابلة بيومين مؤكداً خضوعه للسلطان موافقاً على الحكم الوراثي في مصر تاركاً ما تبقى لتعطف السلطان واتفق مع رفعت بك على أشياء معينة وطلب إلى الصدر أن يصغي إلى ما ينقله رفعت شفاهاً وكتب العزيز بمثل ما تقدم إلى والدة السلطان ورشيد باشا. فأحب رفعت بك بعد فشل المقابلة بين القناصل وبين العزيز أن يعود إلى الآستانة ولكن قنصل روسية ألمح بوجوب بقائه فاضطر العزيز أن يستعين بباخرة فرنساوية تتنقل رسالته إلى الصدر ومعها تعليقات رفعت على الموقف18. ووافق على قيام الكونت فاليفسكي إلى الآستانة ليمهد السبيل لرفعت بك فيها ويتعاون معه بعد رجوعه إلیها19.

وفي الخامس من أيلول في نهاية المهلة الثانية طلب رفعت بك وقناصل الدول مقابلة العزيز للوقوف على رأيه النهائي فاعتذر عن مقابلتهم بداعٍ صحي واستقبلهم بالنيابة عنه كل من بوغوص بك ناظر الخارجية وسامي بك الباشمعاون وأبلغاهم خلاصة رسائل العزيز إلى رجالات الآستانة وإن في ذلك ما يعـد قبولاً لقرارات لندن. فتشبث قنصلا إنكلترة وروسية بوجوب إعادة الأسطول العثماني وصدور الأمر بالجلاء عن بر الشام حالاً. فأجابها سامي بك بأن قبول الحكم الوراثي في مصر هو في حد ذاته إذعان لأهم ما جاء في مقررات لندن وأن قضية بر الشام أصبحت ثانوية يعود البت فيها إلى الباب العالي والدول. فاعتبر القناصل جوابه رفضاً لمقررات لندن وحرروا محضراً بذلك وانسحبوا من مصر تاركين ما تبقى من المفاوضة لقائد القوى البريطانية البحرية الأميرال السر روبرت ستريفورد20.

وما أن وصل رفعت بك في التاسع من أيلول إلى الآستانة حتى شرع وزراء الترك في درس الموقف على ضوء تقريره وتعليقاته ثم اتصلوا بسفراء الدول الأربع فلمسوا تصلباً شديداً في شخص اللورد بونسونبي سفير بريطانية فاعتبروا جواب العزيز رفضاً لمقررات لندن وحرر الصدر في السادس عشر من الشهر نفسه كتاباً إلى العزيز أبان فيـه استحالة الخروج عن قرارات لندن وبعد أن ذكر موقف العزيز من المهلتين أعلن له عزله من حكومة مصر ورد له المبلغ المالي (٥٠٠ كيس) الذي كان قد قدمه إلى رفت بك21. وفي اليوم التالي عين محمد عزت باشا والياً على مصر. فأجاب العزيز بعد عشرة أيام بكتاب بين فيه تعلقه بالدين والدولة واستعداده لرد العدو على أعقابه22.

وأراد الوزير البريطاني الفيكونت بالمرستون أن يسرع في تنفيذ قرارات لندن فأرفق نبأ اتخاذ هـذه القرارات الذي أرسله إلى سفير بريطانية في الآستانة بتعليمات خاصة توجب إثارة بر الشام وإرسال المال والسلاح اللازمين لهذه الغاية. وأرسل إلى الأميرال السر روبرت ستوبفورد ما يوجب قطع المواصلات البحرية بين بر الشام وبين مصر وحماية الثوار الشوام ونقل الجنود العثمانيين وإنزالهم في ساحل الشام23.

تنفيذ المقررات الدولية

الثورة في لبنان: كان الأميرال السر روبرت ستوبفورد طوال شهر تموز في بحر إيجة لا يبعد كثيراً عن جزيرة ميتلانة ولم يرسل من مراكبه سوى اثنين إلى مياه بيروت بإمرة الكومودور السر تشارلز نابيير، وعندما تسلم أوامر القيادة في الثالث من آب خشي قوة الأساطيل الثلاثة الفرنساوي والمصري والعثماني وأمر الكومودور بمغادرة بيروت والالتحاق به. فثار ثائر اللورد بونسونبي في الآستانة واحتج على عمل الأميرال فاضطر هذا إلى إعادة الكومودور إلى بيروت في العاشر من الشهر نفسه وبسفيته. وكانت السفن المصرية قد برحت المياه الشامية قبل وصوله ببرهة وجيزة فلم يتسن له التحرش بها أو أسرها24. ولدى وصوله أصدر عن ظهر «القبق الحربي الملوكي الإنكليزي» باورفول نداءً سياسياً إلى اللبنانيين والسوريين أشار به إلى اتفـاق الدول في لندن وإلى فرمان گولخانه الإصلاحي وحض الأهالي على الثورة مؤكداً أن السفن المصرية لن تقوى بعد ذلك على إزعاجهم25. وكتب إلى محمود نامي بك محافظ بيروت يشعره باتفاق الدول على إعادة بر الشام إلى السلطان ويطلب إليه أن يضع الجنود العثمانيين الموجودين في بيروت تحت حمايته وأن يعيـد سلاح اللبنانيين إليهم. وأرسل إلى المستر نيفن مور قنصل إنكلترة في بيروت يعلمه بقرارات لندن ويطلب إليه أن يبلغها إلى قناصل الدول والتجار البريطانيين. وحرر في الوقت نفسه إلى حسن رأفت باشا قائد الجنود العثمانيين في بيروت ينذره بالنار إن هو حاول نقل جنوده إلى محل آخر. وخصَّ الشهابي الكبير برسالة يدعوه فيها لطاعة السلطان ويعلمه بما تم في لندن. وكتب أيضاً إلى الأمير بشير قاسم (الثالث) يحثه على الانحياز إلى جانب السلطان ويعده بالإمدادات اللازمة26. ثم أخذ في حجر السفن المصرية الشراعية التي كانت تنقل المدد وغيره بين مصر والشام وكتب إلى سليمان باشا يقترح إيقاف حركتها فأجابه هذا معتذراً أنه ليس لديه تعليمات تنبئه بوقوع الحرب بين حكومته وبين الحكومة البريطانية.

وكان اللورد بونسيبي سفير بريطانية في الآستانة قد استبق هذا كله فأرسل في أواخر حزيران معتمده الخاص المستر ريتشارد ورد إلى لبنان للاتصال بالثوار وإذكاء نارهم فأم بيروت واجتمع بوجوه «عامية الحرج» وأشـار عليهم أن يكتبوا إلى الدولة العثمانية وإلى سفراء الدول ملتمسين إنقاذهم من حكم «الدولة المصرية» ففعلوا وسلموه ما كتبوا فأرسله إلى الآستانة27. ثم قام على ظهر البارجة إدنبرة إلى طرابلس ومنها إلى بشري حيث اتصل بأبي سمرا غانم زعيم الثورة هناك28. وبعد عودة نابير إلى مياه بيروت كتب المستر وود إلى الشهابي الكبير يذكره بالحديث الذي دار بينها عام ١٨٣٦ ويؤكد تفاهم الدول إلى أن يقول «ولم يجب تخشوا من وجـه من كون الأربع دول المشار إليهم يتعهدوا بأن يعطوا جبل لبنان تلك الشرائع والحرية السالفة مع الإنعامات التي كانت تتمتع بها الأهالي تحت أحكام السلاطين»29. فضم الشهابي الكبير رسالة وود إلى رسالة نابيير وأرسلها إلى العزيز قائلاً: بتاريخه - ١٦ آب - وردت لرقيق دولتكم تحريرات من طرف الإنكليز وهي واصلة طي عرضحال العبودية بتشريفها بالنظر العالي كفاي . وأما عبدكم هذا فإني أنا وعبيد أعتابكم أولادي وأحفادي مستعدون كل وقت للموت بخدمة دولتكم من دون تردد ولا انتقاض»30 فاضطر وود والحالة هذه أن يعود إلى شهابي آخر كان قد اتصل به في زيارته الثانية إلى لبنان سنة ١٨٣٦ ووعد بتزعم الانقلاب شرط توفر السلاح لديه هو الأمير بشير قاسم ملحم شهاب - اتصل وود ببشير الثالث هذا وعرض عليه الحكم فقبل ووعده خيراً31. وقام يدعو للثورة من جديد بين الوجوه والأعيان ورجال الدين فاستمال شطراً وافراً من الدروز و«سلخ الموارنة عن فرنسة على حد تعبيره»32.

وقابل العزيز المناشير بمناشير مماثلة فأذاع بأن روسية وإنكلترة اتفقتا على تجزئة الدولة العثمانية بحيث تصبح الآستانة حصة روسية وبر الشام حصة إنكلترة وإن رجال الدولة الذين ذهبوا إلى أوروبة قبلوا الرشوة وأن الواجب يقضي بالدفاع على كل من يمكنه حمل السلاح33 ثم أمر بتطبيق قوانين الحجر الصحي بكل شدة لمنع الأجانب من دخول بر الشـام نظراً لنشاطهم العدائي34 وبإخراج قنصل إنكلترة من بيروت وبتبديل قنصل فرنسة المسيو بورّه لما أبداه من تأييد الثوار وانتقـاد لرجال الحكم في بر الشام35. وكتب سليمان باشا إلى الشهابي الكبير أن فرنسة ستؤيد العزيز بالقوة إذا قضت الحاجة وأن رجال الأسطول البريطاني في بيروت أصبحوا في حيرة من أمرهم36. ورأى العزيز أن تقابل القوة بالقوة فأمر بإطلاق النار على السفن إذا حاولت الرسو في بعض المرافي37. وهب سليمان باشا بصفته قائد المنطقة الساحلية يحتاط للأمر فأصدر في السادس والعشرين من آب تعليمات يومية قضت بإعدام كل من يدخل مناشير من شأنها أن تثير الشغب في البلاد أو من ينقلها أو يوزعها أو يحتفظ بها أكثر من عشرة أيام بعد صدور هذه التعليمات. وقضت بمثل هذا أيضاً على كل من يدخل السلاح إلى البلاد أو يتجسس فيها أو يوزع المال على الأهالي لحضهم على الثورة38. وصرح العزيز في أواخر هذا الشهر نفسه إلى مندوب المسيو تيير أنه لا يتوقع نزول الرجال إلى الساحل الشامي بقصد إجلائه عنه قبل ربيع السنة ١٨٤١ ذلك أن مثل هذا العمل يتطلب ثمانين ألفاً على الأقل وإن هذا العدد من الرجال لا يتوفر لدى الدول قبل شهرين أو ثلاثة أي في أوائل الشتاء فتضطر الدول عندئذ إلى تأجيل عمليات الإنزال حتى أوائل الربيع. ثم أضاف أنه بإمكانه أن يدافع عن ممتلكاته سنتين أو ثلاث39.

ورأت الحكومة الفرنسية أن تصون العزيز من شر فتنة ثانية في لبنان فاستدعت قنصلها من بيروت لعدم تفهمه الموقف كما يجب وأحلت محله المسيو ديملواز الذي كان يحقق آنئذٍ في مقتل البادري توما في دمشق40. وطلبت إلى المسيو بودان أن يقوم من دمشق إلى لبنان ليؤكد للشهابي الكبير وللبطريرك الماروني وللآباء العازاريين في عينطورة وللشيخ بطرس كرم أنها لن تتنازل عن حماية الموارنة والدفاع عن حقوقهم المشروعة ولكنها لا ترضى عن المشاغبة التي يقوم بها البعض ضد حكومة العزيز. وأوعزت في الوقت نفسه المسيو بيريتيه أن يقوم إلى طرابلس وجبالها للغاية نفسها41. ثم كتبت إلى كوشلة في الإسكندرية بوجوب الاتصال بالعزيز ونقل الأثر السيء الذي تركته قساوة عماله في بر الشام في نفوس الأوروبيين ووجوب ردع أولئك ارتكاب مثل هذه الأعمال. وينتظر من العزيز أن يمنح اللبنانيين الذين مارسوا الاستقلال عصوراً طويلة درجة من اللين في المعاملة ظفروا بها في عهد الدولة العثمانية42. وقام بعد كتابة هذا بيوم واحد في الرابع من أيلول سنة ١٨٤٠ الأب إتيان رئيس الرهبنة العازارية إلى لبنان عن طريق الإسكندرية ليحمل إلى اللبنانيين نصائح الحكومة الفرنسية وتطمينات الحكومة المصرية43.

وفي الخامس من أيلول موعد انتهاء المهلة الثانية والأخيرة التي أعطيت للعزيز من قبـل الدول المتحابة أَقلع الأميرال السر روبرت ستوبفورد من مياه الإسكندرية واتجه نحو بيروت فوصلها في الثامن منه44. وفي العاشر وصلت النقـالات العثمانية من قبرص إلى بيروت فأصبحت القوة التي عقد لواؤها للسر روبرت مؤلفة من اثنتي عشرة سفينة إنكليزية وثلاث سفن نمساوية بإمرة الأميرال باندييرا وثلاث سفن عثمانية بقيادة القبطان الإنكليزي ووكر الذي عرف باسم ياور باشا ومن عشرين نقالة عثمانية. وجاء على ظهر هذه النقالات خمسة آلاف مقاتل عثماني بينهم ابن السلحدار سودا وعباس لالا آغا وعلى رأسهم محمد عزت باشا ومحمد سليم باشا. وحملت السفن الإنكليزية ألفاً وخمس مئة مقاتل إنكليزي وعلى رأسهم الجنرال السر تشارلس سميث كما نقلت المراكب النمساوية مئة مقاتل وتضمنت الأوامر العليا بأن يتسلم القيادة الأولى لجميع هذه القوى الجنرال السر تشارلس سميث ولكنه مرض فحل محله الكومودور البحري السر تشارلس نابير المشار إليه آنفاً45.

نزول جنود الحلفاء: وكتب الأميرال الإنكليزي وزميله النمساوي إلى سليمان باشا يحتمان عليه تسليم بيروت لأن حكومتيها أمرتاهما باحتلالها وأنها يرجوانه ألا يضطرهما إلى إهراق الدماء وحددا له وقتاً قصيراً للغاية للإجابة ووعداه بشتى الوعود منها حاكمية بر الشام أو قبرص. وفي مساء الحادي عشر من أيلول أطلقا المدافع على بيروت وتظاهرا بإنزال العساكر في رأس بيروت. وقامت النقالات العثمانية إلى جونيـة فأنزلت عساكرها فيها بحماية البوارج فتصدى لها عساكر السكبان المقيمون في الزوق ولكن دون جدوى46. فقطع عساكر الحلفاء أشجار التوت وهدموا بيوتاً واعدين أصحابها بدفع قيمتها وركبوا المدافع حول المعسكر وأخرجوا الأسلحة والعلايف من مراكبهم ووضعوا بارجتين تجاه نهر الكلب لهدم مجاز العساكر المصرية.

وكان السرعسكر المصري إبراهيم باشا قد نثر قواته نثراً فأبقى معظمها على الحدود التركية ووزع بعضها في طول بر الشام وعرضها ولم يبق لبيروت وسواحلها سوى ستة آلاف مقاتل موزعين بين بيروت والتلال المشرفة عليها وجرد كسروان فوق جونية. وأراد السرعـسکر بادئ ذي بدء أن يهجم على من نزل في جونية ولكنه عاد فعدل عن ذلك ولعله خشي نار البوارج المحكمة وعدم ملائمة الأرض لمثل هذا الهجوم وقلة عدد رجاله وآثر انتظار فصل الشتاء وعدم تمكن البوارج من الاقتراب من الساحل47. وكان السرعسكر فيما يظهر واثقاً كل الثقة من أن اللبنانيين باتوا هادئين بعد فشلهم في حزيران وتموز وأن الدروز منهم أصبحوا في عداد الموالين بعد أن رفع عنهم مال الإعانة وما كان يفرضه عليهم الأمير الكبير من ضرائب خاصة. ولا عبرة لما جاء في كتاب بول مورييه في تاريخ محمد علي وما نقله عنه الدكتور محمد صبري والجنرال ويغان من أنه لم يقع في خلد السرعسكر أن هدف الحلفاء الأول إنما كان الاتصال باللبنانيين وإثارتهم عليه. فالسرعسكر يشير في رسالة حررها إلى سليمان باشا في الثالث والعشرين من أيلول إلى أن هدف الحلفاء هو إثارة اللبنانيين ولكنه يوافق رئيس أركانه في أن الأفضل هو أن يتابعا أعمـال نزع السلاح من اللبنانيين وأن يمنعا وصوله اليوم من جديد وأن ينتظرا فصل الشتاء قبل البدء بالهجوم48. ومضى يومان على نزول الحلفاء في جونية ولم يأت أحد من اللبنانيين إليهم فآثر الكومودور السر تشارلز نابير العودة بالعساكر إلى قبرص لتمضية فصل الشتاء فيها وتمرينهم على القتال. ولكن المستر ريتشارد وود أصرّ على البقاء وأشار بوجوب تسهيل وصول اللبنانيين إليهم وقام هو بثلاث مئة جندي من جونية إلى غزير معرضاً بنفسه غير مكترث بالجائزة التي وعد بها الشهابي الكبير لكل من يفوز برأس وود أو بأمر السرعسكر بقتله قتلاً. وما أن أتم عمله هذا وعاد إلى المعسكر في جونية حتى أقـدم الـكسروانيون عليه زرافات زرافات وبينهم أمير المقاطعة ابن أخي الشهابي الكبير الأمير عبدالله حسن الشهابي. فوزع وود الأسلحة وما فتئ حتى فرق أربعاً وثمانين ألف بندقية49. وقام محمد سليم باشا سرعسكر الدولة العليـة يطمئن الكسروانيين ويعلن باسم السلطان إعفاءهم من الضرائب ثلاث سنوات متتالية ويخول سرعسكر النصارى الشيخ فرنسيس الخازن «مضاربة الدوشمان القوم الخاسرين وبربهم كافرين وأن يغمد سيفه في أعناقهم ويجعلهم غنيمة له ولأعوانه». وعين لكل نفر من هؤلاء ماندة غرشين في كل يوم ووزع عليهم ماندة شهر مسبقاً وخصص لكل نفر منهم آقـة بقصمات في اليوم. وحضهم أن يكونوا مطيعين «لمتوليهم» الشيخ فرنسيس ثابتين متوشحين بدرع البسالة والشجاعة50. وكتب محمد عزت باشا بمثل هذا تقريباً إلى اللبنانيين في بلاد جبيل والبترون وجبـة بشري والزاوية والكورة مولياً أبا سمرا غانم البكاسيني قيادة الثورة في هذه المناطق موجباً الطاعة له51. وفي الثامن والعشرين من أيلول جعل محمد عزت باشا نفسه الشيخ صالح الخازن عقيداً على الثوار في بيت شباب وتوابعها موجباً الانقياد له والهجوم على المصريين كالأسد الكواسر52. وكان ريتشارد وود يعالج في الوقت نفسه ولاء الموارنة لفرنسة فرأى بثاقب نظره أن يستغل مناظرة قديمة بين النمسة وبين فرنسة حول حماية المؤمنين خارج أوروبة وأن يستغلها لصالح بلاده فدفع بوكلاء النمسة وممثليها إلى الميدان وأعاد للذاكرة كفر رجال الثورة الفرنسية وخروج مبادئها عن أسس الدين الحنيف. وعاد الأب إتيان رئيس الرهبنة العازارية من حيث أتى معترفاً بفشله53. وفي أول تشرين الأول كتب الأمير بشير قاسم الشهابي (الأمير بشير الثالث) إلى المستر نيفن مور قنصل إنكلترة في بيروت يقول نظراً للروابط القديمة الجارية بيننا وامتثالاً للأمر الشريف الصادر لنا عن محمد سليم باشا والتحرير الذي وجهه إلينا جناب الكومودور المحتشم فإننا قد حضرنا مقدمين ذاتنا ذبيحة في خدمة الدول السعيدة. وغادر معسكر المصريين بالقرب من بيروت خلسة وانضم الى معسكر الحلفاء في جونية54.

وكتب الأميرال القائد العام منذ بدء الأعمال فيما يظهر إلى الأمير بشير الثاني بالتسليم قائلاً أنه إن سلم للدولة قبل ثمانية أيام يبقَ والياً كما كان بـل تكون الولاية له ولذريته من بعده. فأجاب الشهابي الكبير معتذراً بوجود أولاده وحفدته بـين عساكر إبراهیم باشا ومغتراً بأخبار الفرنسيس بأن مراكبهم قادمة لإسعاف العزيز55. ثم عاد فأبلغ الأميرال سراً أنه مستعد للانضمام طالباً إبقاءه حاكماً بضمانة الدول الأربع وإعطاءه مهـلة لاستدعاء أولاده وحفدته من المعسكرات المصرية. فلم يوافقه الأميرال على الضمانة ولكنه رضي بإعطاء المهلة مشترطاً التعجيل في إثبات حسن النية ضارباً الثامن من تشرين الأول موعداً نهائياً للانضام56.

وكتب ريتشارد وود في هذه الفترة نفسها إلى أنطون الحداد في دير القمر يعرض سلاحاً على أهل الدير عن طريق الجيـة، وفي السادس والعشرين من أيلول قدمت المراكب إلى الجية بالسلاح فيما يظهر وانتظرت أهل الدير ساعتين فلم يلبوا الطلب وعندئذ أقلعت هذه المراكب إلى صيدا وانضمت إلى أخواتها هناك وكتب قادتها إلى المتسلم بالتسليم فرفض فقصفت المدافع البلدة ولاسيما القلعة وبيت سليمان باشا الفرنساوي. ونزلت العساكر إلى البر واقتتلوا مع المصريين وما فتئوا حتى أجلوهم عن البلدة وعينوا متسلماً عليها السيد شاكر الأسير57. وبعد هذا بثلاثة أيام أنزلت قيادة الحلفاء ألفين من الجنود وخمسة آلاف بندقية إلى ساحل الدامور وأعلمت الأهالي بذلك فنزل أهالي الشحار إلى الدامور وتسلحوا وتبعهم أهالي عبيه وأمراؤها الشهابيون وبين هؤلاء الأمير أسعد قعدان وأخوه الأمير يوسف وابنه الأمير ملحم. فهرول السرعسكر المصري إلى بتدين يجمع السلاح الجديد ويقطع العهود على نفسه بأن كسروان تكون ملكاً للدروز إلى الأبد بكامل أرزاقها وعمارها وأنه يرجع من جند من الشباب ولا يجبي بعد ذلك لا فردة ولا «ميري»58.

وكان محمد عزت باشا كما أشرنا قد كتب إلى أبي سمرا غانم البكاسيني يدعوه إليه فلبى أبو سمرا الدعوة ونهض إلى البترون بخمسة أنفار فاجتمع إليه فيها نحو خمس مئـة نفر إلى جبيل فالتقاه متسلمها بخمس مئة أخرى وسار معـه إلى جونية، فأكرمه محمد عزت باشا وسلمه أربعة آلاف بندقية وأرسله إلى بلاد جبيل والبترون وجبة بشري. فجمع أبو سمرا أربعة آلاف رجل من هذه المقاطعات وسار إلى اليمونة لمحاربة الأمير مجيد حفيد الشهابي الكبير. فلما بلغ الأمير مجيداً قدومه فر بمن معه إلى عيناتا حيث المعسكر المصري. فتبعه أبو سمرا وقاتل المصريين وأرهقهم59.

وقام الكسروانيون بعد أن تسلموا السلاح في جونيـة إلى الجرد ليناوشوا عثمان باشا الذي كان قد احتل ميروبا وجوارها مهدداً جونية ومن فيها. وتوجهوا وكانوا ألف رجـل وأقاموا بين الصخور إلى غربي المعسكر المصري وأطلقوا عليه الرصاص خمسة عشر يوماً. وكان المعسكر المصري يهجم عليهم غير ملح فقتل منه جماعة ومن الكسروانين ثلاثة. ولما بلغ إبراهيم باشا تصلب الكسروانيين انطلق إليهم وأضرم نار الوغى عليهم فانهزموا وجدَّت عساكره في إثرهم ففرت سكان قرى الجرد إلى الساحل وتهيأت العساكر العثمانية إلى الهرب بحراً. ولكن إبراهيم باشا قتل وحرق ثم عاد إلى وطا الجوز في الجرد60. وبلغ الكومودور نابيير أن عثمان باشا قائد القوات المصرية عازم على الرحيل بعسكره إلى البقاع في فجر الرابع من تشرين الأول فجهز الأمير بشيراً القاسم (الثالث) بالرجال والعتاد وأمره بإرهاق المصريين في أثناء تراجعهم ففعل الأمير وتأثر الباشا المصري حتى نبع صنين وأسر من رجاله ثلاث مئة طوعاً وجبراً. فارتفعت أسهم الأمير في عيون الحلفاء61.

الأمير بشير الثالث حاكم لبنان: وتأخر الشهابي الكبير بشير الثاني عن الموعد الذي ضرب له للانضام إلى الحلفاء فأوعز الإنكليز بعزله وبتوجيه حاكمية لبنان إلى عهدة صديقهم بشير القاسم (الثالث). وكان ريتشارد وود قد توقع مثل هذا التردد من قبل الشهابي الكبير واستصدر فرماناً سلطانياً في الثالث من أيلول بعزل بشير الثاني وبتعين بشير الثالث حاكماً محله. ونادى محمد عزت باشا ببشير الثالث حاكماً في التاسع من تشرين الأول وقام المستر ريتشارد وود والسر بولدوين ووكر يحملان فرمان الولاية واتصلا به في صفوف القتال معرضين نفسيها للخطر إذ اضطرا أن يقطعا خطوط المصريين ذهاباً وإياباً62. وقام هو يعلن تعيينه حسب العادة فحرر بذلك إلى الوجوه والأعيان. ومما قاله إلى البطريرك الماروني أنه «تشرف بورود فرمان جليل الشأن من طرف حضرة مولاه السلطان نصره العزيز الرحمن بتعينه والياً وأنه مرسل نسخة طبق الأصل ليشهرها البطريرك ويعممها على المطارنة ليكونوا بذلك مسرورين ولينبهوا على كافة رعاياهم لينالوا الراحة المديدة حيث قد اتضح لدى الجميع رفع المظالم عن الرعايا وحصل العمل بذلك في المحلات التي ولاتها بقيد الإطاعة»63. ومما يلفت النظر في هذا الفرمان السلطاني أن إمارة لبنان هي «إمارة جبل الدروز» وأن الفرمان موجه إلى بشير القاسم وإلى «مفاخر الأماجد والأعيان مشايخ قبائل الدروز» فقط ولا ذكر لغيرهم وأن الأمير نُصب «أميراً على قبائل الدروز»64.

وأراد رجال الدين من الموارنة أن يستغلوا الموقف فتقدموا من السلطات العثمانية مطالبين بالامتيازات نفسها التي تمتع بها رجال الدين من الروم الأرثوذكس منـذ فتح القسطنطينية فقالوا بوجوب الاعتراف بسلطة البطريرك الماروني وبعـدم سماع الدعاوى عليه خارج دیوان شیخ الإسلام ووجوب إعفائه «من الأثقال والحوادث الأميرية والرسوم الجمركية والسخرة والخراج» والسماح له والمطارنة بركوب الخيول المسروجة وارتداء الملابس المعينة لكل منهم وحمل العكاز وسائر شارات السلطة الروحية وبالإقامة في المدن والجزر كل في مقر أبرشيته. وقالوا أيضاً بحق البطريرك في تنصيب القضاة من طائفته لفصل دعاوی الشعب والإكليروس بموجب «الشريعة السلطانية» في الأشياء التي لا تخالف «رسوم ديانتهم» وأن تقوم وصية رجال الدين دون تدخل الحكام أو بيت المال. ومما جاء في هذه الوثيقة الثمينة ألا يكون الحاكم على لبنان و«أنطيلبنان» أي لبنـان الشرقي إلا مارونياً شهابياً وأن يكون تنصيبه من قبل الباب الهمايوني العالي «بدون توسط» وأن يكون لديه ديوان شورى لإدارة أحوال الجبل وأن تبقى الأموال الأميرية والخراجية وجزية الرأس مالاً واحداً وجزية واحدة65. وبعد أن احتل الحلفاء صيدا كما تقدم ذكره وفعل اللبنانيون ما فعلوا بمؤخرة جيش عثمان باشا بين ميروبا وبين صنين رأت قيادة الحلفاء أن يصار إلى احتلال بيروت من البر والبحر. فقام جنود الحلفاء وأنصارهم اللبنانيون من جونية وكسروان إلى مقاطعة القاطع وقصف الأسطول البريطاني في الوقت نفسه التاسع من تشرين الأول مدينة بيروت. فرأى سليان باشا الفرنساوي في تقدم الحلفاء إلى القاطع حركة التفاف خطرة فنهض من الحازمية بجوار بيروت ليلاً وترك خياماً ومؤونة وعلايف وأمتعة كثيرة ومهات عسكرية ومرضى وسری بمن معه متجهاً نحو البقاع. فنهب أهل الساحل معسكر الحازمية ولحق مجاورو طريق الشام أواخر عسكره فنهبوا ما وصلت إليه يدهم. وفي اليوم التالي أي في العاشر من تشرين الأول وبعد شهر من الحصار البحري والقصف المتقطع استسلمت حامية بيروت على يد الأميرالاي عمر بك فدخلهـا الأميرال منتصراً آسراً رجال حاميتها كاسباً علماً مصرياً فاخر به فيما بعد مفاخرة شديدة. وأصبح لدى الحلفاء مرفأ بحري هام يلجأون إليه عند الحاجة وينزلون به شتى العتاد66.

موقعة بحرصاف: وتولى الكومودور قيادة القوى الزاحفة من مقاطعة كسروان إلى مقاطعة القاطع ونزل بها إلى قعر وادي نهر الكلب ثم صعد إلى قرية عين عار فقرنة شهوان. وما أن استقر به المقام في الثامن من تشرين الأول حتى أدرك أن قوى العدو قريبة جداً وأن السرعسكر المصري نفسه يقودها متخذاً من درجة بحرصاف بصخورها ووعورتها وارتفاعها الفجائي نقطة دفاع في وجه الخلفاء. فأبقى الكومودور أربعة أفواج من جنود الأتراك وما يقارب من الفوج عـداً من بحارته وبعض اللبنانيين وعدداً من الأسرى المصريين في قرنة شهوان بإمرته وتحت تصرفه. ثم أرسل الأمير بشير قاسم (الثالث) برجاله إلى برمانا فبعبدات ليقوموا بحركة التفاف أخرى حول ميسرة السرعسكر المصري. وأمر عمر بك النمساوي أن ينزل من عجلتون بفوجيه إلى أسفل وادي نهر الكلب ويصعد منها إلى بيت شباب فبكفيا في حركة التفاف أخرى حول ميمنة السرعسكر نفسه. فقام النمساوي بمهمته خبر قيام وساعده الحظ في أن أحداً من المصريين لم يتصد له وهو في أسفل الوادي ووصل إلى مؤخرة إبراهيم باشا في الوقت المحدد له. ولكن بشيراً الثالث كان عليه أن يقطع مسافة أطول وأصيب بالحمى في أثناء الطريق فتأخر عن الوصول في الوقت الملائم وبدأت المعركة قبل وصوله إلى ضهور الشوير، وما أن سمع الكومودور صوت الطلقات النارية في مؤخرة إبراهيم باشا - نار عمر بك النمساوي – في الساعة الثانية من بعد ظهر العاشر من تشرين الأول حتى بدأ بالهجوم الوجهي، فناوشت كتية من كتائب الكومودور ميسرة المصريين ثم تقدم الأتراك للهجوم بقيادة محمد سليم باشا والجنرال يوقموس الألماني وتسلقوا الأكمة التي كان يحتلها المصريون ولما بلغوا قمتها وواجهوا جنود إبراهيم انقطع هؤلاء عن إطلاق الرصاص وألقوا سلاحهم مستسلمين، ثم تقدم الأتراك وأعوانهم نحو الصف الثاني فاستقبلوا بادئ ذي بدء استقبالاً حامياً ولكن بعد نصف ساعة أدبر المصريون تاركين عتاداً كثيراً وست مئة أسير، وفصل الظلام بين المتحاربين فانهزم إبراهيم باشا بمن بقي من رجاله إلى قرنايل فالبقاع. وكان إبراهيم فيما يظهر يتوقع هجوماً من قبل الحلفاء فانتقى ميدان القتال بنفسه وطلب معونة من بيروت ومن زحلة ولكن حركة بشير الثالث الالتفافية حالت دون وصول أية معونة من زحلة واحتلال برمانا وتلالها قضى على أية إمكانية من ناحية بيروت67.

ورجحت كفة الخلفاء وانتهت المهلة المعطاة للشهابي الكبير ونودي بنسيبه بشير الثالث على لبنان فرأى أن يستفيد مما عرضه الحلفاء عليه ومضى في رأيه فاستدعى أولاده وأحفاده وجمع أوراقه وأمواله وعقد ضميره على النزول إلى صيدا للاستسلام. ووافق هذا كله وجود حنا بحري بك إلى جانبه ففاتحه هذا كلاماً في هذا الموضوع مخافتاً فأجابه الشهابي الكبير «قل لباشتك، البلاد أصبحت كلها صوتاً واحداً فلا فائدة من المقاومة». فقام بحري بك من بتدين إلى عين زحلتا والتقى فيها بالسرعسكر المصري فأخبره بما جرى وعادا معاً إلى البقاع68. ونهض الأمير الكبير بمن معه من بتدين إلى صيدا في الحادي عشر من تشرين الأول ولدى وصوله إلى جسر الأولي في خارجها أعلم المتسلم خالد باشا بحضوره فهب لاستقباله عند الجسر. وفي اليوم التالي دخل الأمير إلى صيدا بموكب حكومي شعبي عظيم. ثم قام من صيدا إلى بيروت على ظهر مركب بخاري إنكليزي لمواجهة الأميرال فاستقبله هذا بما لاق من الإكرام والاحترام ولكنه أعلمه أن لا مفر من التنازل عن الحكم ومغادرة البلاد وطلب أن يختار محلاً لإقامته خارج بر الشام ومصر وفرنسة فانتقى جزيرة مالطة ولذا لُقِّب بالمالطي. ثم أرسل حفيده محموداً يسأل الوزير أمراً يمنع التعدي على أرزاقه وذويه فأعطي له وأرجع بولده وحفيده إلى صيدا. ولما بلغها استدعى إليه ولده خليلاً وحفيده داود وأبقاهما في المركب وخرج هو المدينة يتأهب للسفر. وبعد خمسة أيام عاد إلى المركب مصحباً معه زوجته وأولاده وزوجة ولده الأمير قاسم وحفـدته الخمسة أولاد الأمير خليل وحفيده الأمير رشيد قاسم (وكان أمين ومحمود لا يزالان في المركب) ومدیر أموره بطرس كرامة وحوالي سبعين رجلاً من خدامه بينهم مؤرخه فيما بعد رستم باز69.

وكان بشير الثالث قد اتخذ من الشوير قاعدة لأعماله الحربية في المتن بعد القاطع فاحتفل فيها بانتصاره على إبراهيم باشا وقام الشويريون بقسط وافر من أعمال الفرح فقرعوا أجراس الكنائس والأديار وحرقوا البارود وتباروا بالسيف والترس واشتركت الشويريات في ذلك كله وأنشدن:

يا مير بشير وفرّع الشقطية
واضرب بسيفك ولا تقول خطيّة
باعت السلطان يقول يا قوي القلب
اضرب واقتل وعلّي المشنقة عالدرب

ثم قام الأمير من الشوير إلى حمانا وجمع المناصب إليه وطلب إليهم أن يكتبوا صك اتفاق فيما بينهم وكانوا بمن معهم ألفاً وخمس مئة رجل فنفروا منه لأنه لم يبلغ أحـداً منهم مأثوره ولأنه جعل أخصَّاءه من أقاربه واتخذ من الخواجه فرنسيس مسك البيروتي مدبراً له. فشق ذلك عليهم ولا سيما أولئك الذين جرت العادة أن يكون المدبر منهم منذ فخر الدين حتى بشير. وطلب الأمير الجديد إلى الوزير العثماني أن يرسل عسكراً إلى حمانا للمحافظة من إبراهيم باشا فأبى. وفر في هذه الآونة مجيد حفيد الشهابي الكبير من المعسكر المصري في بعلبك وقصد صيدا فوقع في يد بشير الثالث في حمانا فسيّره هذا إلى بيروت فطيب محمد عزت باشا قلبه وبعث به إلى مالطة70.

عكة: وبعد جلاء المصريين عن بيروت وساحلها والتلال المشرفة عليها جلوا عن طرابلس واللاذقية وأدنة دون قتال وبقوا في ساحل فلسطين فاتجهت أنظار الحلفاء إلى عكة وكتب الوزير البريطاني الفيكونت بالمرستون في الخامس من تشرين الأول بوجوب احتلالها ولكنه اشترط ضمان النجاح. وتلقى الأميرال السر روبرت أوامر حكومته هذه في أواخر الشهر نفسه فأصدر أمره في التاسع والعشرين إلى عمر بك النمساوي بالتقدم براً من صيدا إلى عكة بألفي مقاتل وأقلع هو من بيروت بعد ذلك بيومين بسفنه وبثلاثة آلاف مقاتل عثماني بقيادة محمد سليم باشا. ووصل عمر بك النمساوي إلى الناقورة في الوقت المحدد له أي في الثاني من تشرين الثاني الوقت نفسه الذي أطلت فيه السفن على عكة. ولكن الرياح جرت في ذلك اليوم بما لم تشته سفن الحلفاء فأرجئت الأعمال الحربية إلى اليوم التالي71.

وكان العزيز قد أمر بترميم عكة بعد أن استولى عليها في ربيع السنة ١٨٣٢ وألمح بوجوب الإسراع في ذلك فباشر المهندس الإيطالي رومانيوس أعمال الترميم في أواخر تموز من السنة نفسها72 وفي السنة ١٨٣٦ وضع الكولونيل شولتر البولوني تصميماً لتحسين الحصون والأسوار من جهتي البر والبحر ورفعه إلى السرعسكر المصري ولكن هذا أجل النظر فيه لأنه لم يكن يتوقع هجوماً منظماً من البحر. وفي آذار السنة ١٨٤٠ أرسل شولتر نفسه إلى عكة للاهتمام بأسوارها البحرية فوجدها كما عهدها حوائط عادية. ولما كان لا يمكنه أن يحولها إلى أسوار منيعة نظراً لضيق الوقت عمد إلى تدعيمها بالتراب حتى أعلاها في نقاط متعددة وركب مدافعها بما أوتي من فن وحكمة ولكن هذه كانت قليلة العدد لم تتجاوز بمجموعها الإثنين والسبعين بعضها من عيار ١٢ والبعض الآخر من عيار ١٦ و٢٤73. وكانت سفن الحلفاء تحمل أربع مئة وسبعين مدفعاً من عيار ٣٢ و٦٨ و٨٠.

وفي الساعة الثانية من بعد ظهر الثالث من تشرين الثاني صب الحلفاء نيران مدافعهم على المدينة وأسوارها فأسكتوا بعض مدافع الأسوار البحرية وأحدثوا بعض الثغرات في هذه الأسوار. ولكنهم حوالي الساعة الرابعة وفقوا إلى إصابة مستودع الذخائر الكبير بين السورين البريين وراء خان الحمير فتفجرت محتوياته وتهدم ثلث البلدة كما انفتحت فجوتان كبيرتان في السورين وذهب ضحية هذا الانفجار عدد كبير من الجنود المصريين قُدر بثلاثة آلاف. وعند المساء سكت الإنكليز وباتوا ينتظرون الضحى لمتابعة القتال. وحاول الأميرال العثماني السر بولدوين ووكر إنزال بعض الجواسيس في الساعات الأولى من الليل مرتين ولكنه لم يفلح.

واجتمع المسؤولون عن عكة في تلك العشية التقرير المصير. وكان قد بدأ اليأس ينخر في قلب أحدهم الشيخ سليمان عبد الهادي مدير إيالة صيدا وحليف العزيز وابنه إبراهيم. فأشار في هذه الجلسة التاريخية إلى انهيار معنويات الجند من جراء تهديم الأسوار وإلى تزايد عدد المرضى والجرحى وصعوبة تأمين المواد الغذائية فاستحسن رأيه كل من محمود نامي بك محافظ بيروت قبل سقوطها وإسماعيل عاصم بك حكمدار حلب الذي كان قد تسلم قيادة الحامية بنفسه. أما الكولونل شولتر فإنه أشار بالصمود في وجه الإنكليز على الرغم مما جرى ورأى أن تستبدل المدافع المعطلة وأن يصار إلى حماية الفجوتين البريتين بالطرق الحربية العادية وأضاف قائلاً ليس أهون علينا من متابعة القتال ثلاثة أيام أخرى يعود الإنكليز بعدها من حيث أتوا فلا يرجعون إلينا إلا بعد انتهاء فصل الشتاء. فعمل المجلس برأي سليمان عبد الهادي وقرروا الجلاء بسرعة تحت جناح الظلام ففروا جماعات جماعات فتخطفهم القرويون وأعادوا نصفهم تقريباً إلى الإنكليز في اليوم التالي. وبين هؤلاء الأسرى محمود نامي بك نفسه. ولم يبق في عكة من الرجال المحاربين سوى قسم من المدفعين الذين قاموا بواجبهم حق قيام وما فتئوا حتى وصل الإنكليز إليهم في اليوم التالي74.

وبعد أن حاول الأميرال العثماني إنزال جواسيسه إلى عكة في مساء الثالث ومني بالفشل مرتين جاءه عند منتصف الليل نفسه من نقل خبر الجلاء السريع ورحب بالعثمانيين والإنكليز والنمساويين. وفي صباح الرابع نزل الأرشدوق فرديريـك النمساوي على رأس قوة نمساوية مؤلفة من ثمانين مقاتلاً وأسرع نحو برج الخزنة فاحتله ورفع العلم النمساوي فوقه وتبعه الأميرال العثماني السر بولدوين ووکر بثلاث مئة عثماني فغيره وغيرهم. وألقي القبض على الكولونيل شولتر جريحاً فنقل إلى إحدى السفن البريطانية. واستولى الحلفاء على خمس مئة وخمسين مدفعاً ومليونين ونصف المليون من الغروش كما ألقوا القبض على ثلاثة آلاف أسير75 وخسروا ضابطاً وسبعة عشر نفراً وتعطلت ثلاثة من مراكبهم. وأسرع قائد القوات العثمانية محمد سليم باشا إلى استغلال الموقف فحرر إلى وجوه فلسطين وأعيانها بما تم له في عكة وقال في مرسوم له وجهه إلى الشيخ أحمد عبد الرحمن أبي غوش في قرية العنب – طريق يافة القدس – «نهار أمس تاريخه قد نشرت أعلام الدولة العليـة على أسوار مدينة عكة إذ قد حضرنا إليها بحراً بالعساكر الظافرة واستولينا عليها في ظرف ساعتين ونصف وأعلنا الأمان فيها إلى الجميع وكشف الله من أبصار ألفين وطلب الأمان ثلاثة آلاف». وعين محمد عزت باشا والي صيدا الجديد محمد أفندي حمدي قاضي القـدس قائممقاماً من قبله لإدارة شؤون فلسطين مؤقتاً ولإرهاق العساكر المصرية واتقاء القبض على إسماعيل بك. فاتخذ القاضي القائمقام إجراءات عدة منها تثبيت أعضاء مجلس شورى القدس وتعيين حسن آغا المجري تفكجي باشي وأحمد آغا مراد طوبجي باشي والشيخ صبيح سوكه شيخاً على بيت لحم والشيخ عطا الله محمود عريقات ناظرين على ناحية الوادي وعرب التعامرة والشيخ إسماعيل السمحان ناظراً على ربع جبل القدس. وفعل ما يماثل هذا في مقاطعات غزة ویافة والخليل ونابلس وجنين وشفا عمر وغيرها76. وتحفظ سجلات المحكمة الشرعية في القدس التفاتاً خاصاً نحو الشيخ عبد الرحمن العمر أحد أعيان الخليل فتشير إليه بالتعبير «محسوب الدولة»77.

ورأى قائد القوات البرية الجنرال السر تشارلس سميث أن طول الشاطئ الذي احتله وقلة الجنود لديه وضآلة تدريبهم رأى أن هذه الأمور جميعها تجعل التوغل في داخل البلاد الشامية ضرباً من الجنون لا تجيزه القواعد العسكرية. أما الكومودور السر تشارلس نابيير فإنـه ارتأى أن تتقدم جنود الحلفاء عبر السلسلة الغربية إلى زحلة فصادف رأيه هذا معارضة شديدة من رئيسه الأميرال السر روبرت ستوبفورد ومن القائد البري الأعلى السر تشارلس سمیث78.

موقف العزيز: وكان العزيز لا يزال يعول على الامتناع بعكة بدليل ما اتخذه من إجراءات قبيل سقوطها. فإنه كتب إلى ابنه إبراهيم في الرابع والعشرين من تشرين الأول يقول أن كاتباً درزياً في الإسكندرية تبدو عليه علائم «الذكاء والشيطنة» ارتأى إرجاع المنفيين من زعماء الدروز إلى لبنان ليعاونوا السرعسكر في سياسته الداخلية. ثم عاد فكتب أنه منح رتبة الميرالية إلى كل من نعمان جنبلاط ونصيف أبي نكد وخطار العماد وعبد السلام العماد وأنه عينهم في مناصب في لبنان وسلمهم نياشينهم وإرسلهم إلى صوب السرعسكر79. ولكنه عندما علم بفاجعة عكة حوالي التاسع من تشرين الثاني كتب إلى إبراهيم يفيد أن البقاء في بر الشام سيتعذر عليه بعد سقوط عكة ولذا فانه يأمره بجمع العساكر وبالعودة بهم إلى مصر80.

وأبدى العزيز لمناسبة سقوط عـكة وارتداد الشهابي الكبير قبل ذلك رباطة جأش ورجاحة عقل لا نجدهما إلا في صدور أفذاذ الرجال، فقد قال رحمه الله في أواخر تشرين الأول إلى قنصل فرنسة العام المسير كوشله مشيراً إلى تخلي الشهابي الكبير كلاماً أثار إعجاب القنصل. فهذا يقول في تقرير له أن العزيز ذكر بشيراً دون ألم أو قـدح وحاول أن يرفع عنه اللوم فيا صنع رافضاً أن ينسب إليه أية خيانة مرجعاً ارتداده إلى الظروف القاهرة. وقال إلى كوشله نفسه في التاسع من تشرين الثاني ولمناسبة سقوط عكة: لقد ارتكبنا الغلط في بر الشام ولكننا رفعنا المظالم ولا يوجد اليوم أية سلطة قادرة على ضبط الأحكام في هذا القطر. وقد يعود الشوام إلي إذا سمح الظرف بذلك. لقد أحييت الزراعة والتجارة في بر الشام واحترمت جميع الملل والأديان ورفعت العوائد عن كاهل النصارى، وقد لا يمضي وقت قصير حتى يضيع كل هذا81.

فرنسة والدول: وقامت فرنسة وقعدت حكومة وشعباً عندما علمت بعزل العزيز من منصبه وبضرب بيروت وتهديها فتدنت أسعار البورصة وتغنى الفرنساويون بالمارسياز في الأندية والباحات ونادى الرعاع بالحرب قائلين لقد أخذ الإنكليز بيروتنا!82 وحَرِب تيير واشتد غضبه فسطَّر في الثامن من تشرين الأول مذكرته الشهيرة إلى زميله الفيكونت بالمرستون مؤكداً فيها ضرورة بقاء العزيز في منصبه للمحافظة على التوازن الدولي تاركاً تعيين الحد الفاصل بين ممتلكاته وبين ممتلكات سيده وسلطانه في بر الشام إلى الحرب القائمة فيها83. وعرض الوزير البريطاني محتويات هذه المذكرة على زملائه الوزراء في جلسة رسمية واقترح إبقاء العزيز في منصبه في مصر مدى حياته فقط فأسقط زملاؤه هذا الاقتراح حالاً وقامت التيمس تلح بوجوب قبول الاقتراح الفرنسي مؤكدة أن اقتراع بالمرستون الأخير لا يقول به إلا من كان بستخف اللورد بونسونبي السفير البريطاني في الآستانة84 ولو وقف تيير عند هذا الحد ولم يهدد سفير بريطانية في باريز بالحرب إذا فشلت مفاوضاته هذه الأخيرة لكان ذلك أنفع وأنجع فإنه استفز زميله البريطاني واضطره أن يذكره بماضي فرنسة القريب وبمطامعها العسكرية واستعداد من تحالف ضدها في عهد بونابرت أن يعود إلى تحالفه85. فاضطرب الملك لهذا كله وخشي سوء العاقبة ولا سيما وأن أحد الثورويين كان قد حاول اغتياله وأن بعض الجرائد كانت قد ألمحت إلى وجوب تنازله فرفض أن يتبنى لهجة تيير العسكرية وأدى رفضه هذا إلى استقالة وزارة ذاك فشكل الوزارة الجديدة المارشال ڤيکتور سولت وتولى وزارة الخارجية فرانسوا غيزو سفير فرنسة في لندن وذلك في التاسع والعشرين من تشرين الأول سنة ١٨٤٠.

وحاول غيزو أن يستغل ظرف استقالة الوزارة السابقة لصالح فرنسة فقـال لبالمرستون مودعاً أنه لا بد من استجابة بعض مطالب فرنسة للمحافظة على كرامتها ولتسهيل مهمة الوزارة الجديدة السلمية. ثم عاد فاتصل بسفير بريطانية في باريز مقترحاً إيقاف الأعمال الحربية في بر الشام واعتبار الوضع الراهن فيها أساساً لحل المشكلة أو التعريض عما يفقده العزيز من بر الشام بسلطة له في مكان آخر كجزيرة كريت مثلاً86. ولكن شيئا من هذا لم يؤثر في قلب بالمرستون الذي خشي أن يسيء الإفرنسيون فهم مثل هذا الحل فيظنون أن تهديداتهم أثمرت فأينعت. وفي أول تشرين الثاني سطر رده الشهير على مذكرة تبير المؤرخة في الثامن من تشرين الأول فأنكر على فرنسة أن يكون لكيان العزيز أية علاقة بالتوازن الدولي وأضاف أن بقاء جيش العزيز يهدد سلم الدولة العثمانية وسلامتها87. فخيَّب غيزر بمذكرته هذه وأثار عاصفة النقد في أوساط لندن أدت إلى تبكيته في جريدة التيمس88. ولم توافقه حكومات حلفائه على تطرفه هذا فكتب مترنيخ إلى ممثل حكومته في لندن موافقاً على إبقاء مصر بيد العزيز حكماً وراثياً. وكتب نسلرود إلى تيتوف ممثل حكومته في الآستانة بمثل ما تقدم. فعقد ممثلو الدول المتحالفة اجتماعاً في لندن أسفر في الرابع عشر من تشرين الثاني عن مذكرة دولية جديدة أشاروا بها على الباب العالي بإعادة محمد علي إلى منصبه في مصر وكتب بالمرستون في التاريخ نفسه إلى الأميرال السر روبرت ستوبفورد يأمره بإرسال ضابط قدير إلى الإسكندرية بطلب إعادة الأسطول المباني في ظرف ثلاثة أيام وإصدار الأوامر بالجلاء عن كريت وأدنة وبر الشام وبلاد العرب نقول يطلب هذا فيعدانه إذا فعل العزيز توسطت الدول وأشارت على الباب العالي بوجوب إعادته إلى منصبه في مصر89.

أمام الإسكندرية: وأوفد الأميرال السر روبرت ستوبفورد زميله القدير الكومودور السر تشارلس نابيير على رأس عمارة بحرية إلى الإسكندرية لتنفيذ أوامر حكومته. ولدى وصوله إليها حرر كتاباً إلى بوغوص بك ناظر الخارجية المصرية يفيده به أنه أوفد بصفة خصوصية الكابتان مونسيل أحد معارف الحضرة الخديوية يلتمس إطلاق سراح أمراء جبل الدروز (لبنان) وشيوخه الذين ألقي القبض عليهم في شهر تموز أو لمبادلتهم بغيرهم من الأسرى. ويفيد أيضاً أن أكثر هؤلاء حبسوا بتحريض من الأمير بشير أمير جبل الدروز لمجرد الاشتباه بطاعتهم. ثم يضيف أن حكومة الأمير المشار إليه كانت خالية العدل والإنصاف وأنه ليست هنالك أية فائدة تجنى من بقاء هؤلاء في الأسر إذ أن جبل الدروز أصبح حراً سالماً وبالتالي فإنه لن يدخل في حكم محمد علي مهما حدث في غيره من جهات بر الشام. وبعد أن فرش هذا الفرش انتقل إلى صلب المهمة الموكولة إليه فقال أنه مما لا شك فيه أن خديوي مصر يعلم أن الدول المتحدة موافقة على إبقاء حكومة مصر في عهدته بطريق الموارثة وأنها مستعدة لتأمين ذلك. فهل يسمح سموه لهذا القائد البحري المسنّ أن يشير عليه بطريق سهل يؤدي إلى الصلح مع السلطان ومع سائر دول ـوروبة العظمى. إذا أعاد خديوي مصر الأسطول العثماني عن طيبة خاطر وبدون شرط أو قيد واستدعى جنوده من بر الشام تزول عندئذِ مصائب الحرب والقتال ويقضي الخديوي بقية عمره راضياً مطمئناً ساعياً لتحقيق الوسائل التي تضمن الأمن والدعة لسكان بلاده ويستطيع بذلك أن يضع أساساً لعرش بطالمة جديد. إن قوة عسكرية قوامها ستة آلاف تركي وثلاثة آلاف بحـار قد استولت على صيدا وبيروت في شهر واحد وهزمت الجيش المصري في معارك ثلاث وقبضت على عشرة آلاف أسير الأمر الذي أدى إلى إخلاء جميع الموانئ الساحلية ومعابر طوروس وجبل الدروز مع العلم بأن هذه الأعمال تمت أمام جيش مؤلف من ثلاثين ألف مقاتل. وقد استولى أسطول الدول على قلعة عـكة مفتاح بر الشام في خلال ثلاث ساعات. وإذا أصر حضرته على مواصلة القتال فهل يسمح لي أن أسأله ما إذا كان يضمن بقاءه في مصر. إني لمن المعجبين به للغاية وأفضل أن أكون صديقه على أن أكون عدواً له وعليه فإني أقول له قول صديق مخلص: إذا لم يوافق على عقد الصلح مع السلطان سيفقد أمله في الاحتفاظ بمصر. فعساكره الموجودون في بر الشام متذمرون والشوام مسلحون يناهضونهم فإذا ضم جانب من القوة العسكرية إلى القدر الموجود من عساكر الترك ولهجم بهذه القوة على إبراهيم باشا سيضطر دولته إلى القاء السلاح. وجميع جنود الأسطول العثماني متذمرون أيضاً وقد فر قائدهم منذ أيام مع بعض ضباطه والتجأ إلى أسطولنا وما زال فيه. والجنود الشاميون الموجودون في مصر متشوقون للعودة إلى بلادهم. وقد أوقف صرف مرتبات العساكر مدة مديدة. ولا يزال في الآستانة من الأسرى المصريين عدد يتراوح بين اثني عشر ألف وخمسة عشر ألف جندي وقد صرفت مرتباتهم وألبسوا الملابس وجرى تنظيمهم وترتيبهم. فليتفضل حضرة الخديوي وليلاحظ ما يحدق به من خطر. فإذا سيقت هـذه العساكر إلى القطر المصري لظهر عندئذٍ أن مصر لا تعد بلدة لا يمكن فتحها وأن الإسكندرية تشارك عندئذ عكة في مصائبها ومصيرها90. وحاول العزيز ألا يربط نفسه بالتمام فكتب الكومودور ثانية واضعاً النقط على الحروف فقبل العزيز بتنفيذ مطالب الإنكليز شرط تسلمه قرار الدول الفخيمة إذ يكون هو قد أكمل إعداد الأسطول العثماني للرحيل كما قبــل بتسفير الوجوه اللبنانيين حالما يصلون من سنار. ووافق أيضاً على إيقاف القتال فوراً وعلى إرسال ضابط من قبله بمعية ضابط إنكليزي يحملان الأمر بإيقاف القتال إلى إبراهيم باشا91. وتم هذا كله في الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني سنة ١٨٤٠.

الجلاء والعودة: وكان السرعسكر المصري قد جعل من زحلة قاعدة حربية منذ انهزامه في بحرصاف يجمع عساكره إليها وينتظر تطور الموقف وأوامر والـده. وحوالي منتصف تشرين الثاني تسلم من والده أمراً سرياً يقضي يجمع الرجال والعودة بهم إلى مصر فنهض بالعساكر وسار إلى دمشق. وبلغ الأمير اللبناني قيامه فنهض بعسكره من حمانا. إلى قب الياس وجمع أبو سمرة غانم فرساناً حوله وتأثر السرعسكر حتى وادي المجدل فشن الغارة عليه وعاد إلى قب إلياس. ثم أرسل بشير الثالث أخاه الأمير عبد الله والأمير قيس ملحم بخمس مئة فارس إلى نواحي دمشق لتقوية الشعب على الخروج عن الطاعة وأرسل الأمير أسعد قعدان إلى خربة روحا للمحافظة على وادي التيم. ولما وصل الأمير عبد الله والأمير قيس إلى قرية الصويرة أقبل الأمير مجيد الحرفوش بجماعته منهزماً وانضاف إليهما، وفي اليوم الثالث نهض الجميع إلى بعلبك ومنها إلى الزبدانة فالتقاهم الأمير خنجر الحرفوش بفرسانه وانضاف إليهم92.

ولدى وصول السرعسكر إلى دمشق أصدر أوامره إلى قادة القطع في الشمال بالانسحاب فقطوا منتظمين محافظين على النظام، ولم ينهبوا سوى المعرة وحمص لأن أهاليها رفضوا تقديم المؤن. ففي حمص أقفلت المطاعم أبوابها في وجوه الجند وأبى الأهالي أن يبيعوا الجنود ما لزمهم من المواد الغذائية بيد أن قائد الجند قتل من ثبتت عليه جريمة النهب93. وبعدما احتشد الجيش في دمشق وضواحيهـا وقع المطر بغزارة واستمر بضعة أيام وكان البرد قارساً فاضطر الجيش النازل في ضواحي دمشق أن ينتقل إلى داخلها فاحتل عدداً كبيراً من الحوانيت والحانات والمقاهي والمنازل المحاذية للشارع ما بين السنانية وبوابة الله، واحتل أيضاً جوامع المدينة ما عدا الجامع الأموي وجامع السنانية فارتفعت أسعار الماكولات واحتكر الجيش المطاحن والأفران وسخر الدواب فحدث ضيق شديد. وكان إبراهيم باشا في أثناء ذلك يعاقب بشدة من يحاول التملص من تقديم ما يطلب منهم من المؤن والعلف. وجـد في تحصيل البواقي المطلوبة من دمشق والقرى المجاورة فسمح بنهب تلك التي أحجمت عن تقديم المطلوب. وكان من الطبيعي أن يفر السوريون واللبنانيون من صفوف الجيش فيعودون إلى أهلهم وينضمون إلى المحاربين. وكان بين هؤلاء شبلي آغا العريان فاعترض قوافل الذخيرة واضطر السرعسكر أن يقوم إليه بنفسه94 ومن هنا ما أشرنا أليه سابقاً عن الأمير محمد الحرفوش وجماعته. وظهرت بوادر الخيانة بين الموظفين واتهم محمد شريف باشا نفسه بها. وتفصيل ذلك أنه تزوج في أثناء إقامته بدمشق من ابنة علي آغا صهر نصيف باشا العظم. ولدى رجحان الكفة في صالح الحلفاء فرَّ فردوس بك العظم أخو زوجة محمد شريف باشا إلى جانب الحلفاء وعاد خلسةً إلى دمشق قبل وصول السرعسكر إليها واتصل بمحمد شريف باشا. فعلم بذلك يوحنا بحري بك ونقل الخبر إلى إبراهيم باشا قبيل قيامه من زحلة. فلما وصل السرعسكر إلى دمشق أمر بإلقاء القبض على الحكمدار للتحقيق وأرجأ المحاكمة ليقوم إلى مصر95.

وقبل خروجه من دمشق دعا السرعسكر إليه أعيان البلد ووجوهها وطلب إليهم أن ينتخبوا متسلماً عليهم فوقع اختيارهم على حسن بك الكحالة ثم نصح لهم أن يلازموا السكينة ويحافظوا على الأمن وهددهم بالعودة إليهم والانتقام منهم إن هم أساءوا معاملة أي كان من المسيحيين أو اليهود أو المسلمين. وغادرهم في التاسع والعشرين من كانون الأول سنة ١٨٤٠ متجهاً نحو المزيريب بخمسة وخمسين ألفاً من الجند وسبعة آلاف من ذويهم96.

وكان الجنرال السر تشارلس سميث قد أقيل من منصبه لعدم تفاهمه مع الكومودور السر تشارلس نابير وخلفه في قيادة جيوش الحلفاء الجنرال البارون أوغوستوس فون يوقموس الألماني العامل في صفوف العثمانيين وذلك في السادس عشر من كانون الأول من السنة ١٨٤٠ فنقل يوقموس مركز القيادة من بيروت إلى حاصبيا ليقترب من قاعدة الجيش المصري وتقدم اللبنانيون من الزبدانة إلى الهامة وكانت عساكرهم نحو ألفي فارس. وكان الجنرال يوقموس قد أرسل جواسيسه إلى دمشق نفسها يدعون جنود إبراهيم إلى الانضواء تحت لواء السلطان ويعدونهم بالمكافأة وحسن المعاملة ففر على إثر ذلك نحو مئة ضابط وثمان مئة جندي. واتصل خبر انسحاب المصريين باللبنانيين فدخلوا دمشق وأعلنوا حكم السلطان فيها وعين محمد عزت باشا أحمد آغا اليوسف متسلماً عليها. وتتبع اللبنانيون المصريين حتى الكسوة فأدركوا مؤخرة الجيش وأرهقوها وانضم إليهم نحو مئة جندي آخرين فذهبوا بهم إلى مقر الأمير بشير الثالث في طبرية. ونقل الجنرال يوقموس مقره العام من حاصبيا إلى صفد وأمر بتدمير جسر بنات يعقوب97.

ووصل الجيش المصري إلى المزيريب في الثاني والثالث من كانون الثاني سنة ١٨٤١ ولدى وصوله إليها قسمه السرعسكر إلى فرق ست فأرسل المشاة والخيالة بقيادة أحمد منكلي باشا إلى غزة فالعريش والمدفعية بقيادة سليمان باشا الفرنساوي في طريق الحج إلى معان ومنها إلى العقبة فالسويس وتولى هو جنود الحرس والخيالة غير النظاميين واتجه نحو غزة ليبحر منها إلى مصر. وسارت جميع هذه الفرق إلى شرقي الأردن فلم يتسن ليقموس مناوشتها. فأحمد منكلي باشا قام من المزيريب إلى حسبان فذيبان فالكرك فبوغاز الجزيرة فتل الملح فغزة. وكانت طريقه هذه صعبة قليلة الزاد والماء ففقد من جنوده عدداً كبيراً ولا سيما في مستنقعات بحر الميت واضطر بعضهم إلى أكل لحوم الحيوانات الميتة وأعشاب البرية، وأخيراً وصلوا إلى غرة في الحادي والعشرين والخامس والعشرين والسادس والعشرين من كانون الثاني98. أما سليمان باشا فإنه كان أسعد حظاً ذلك أنه لم يصادف أية عقبة من هذا النوع فبلغ معان وفير المؤونة وكان أهلها لا يزالون على ولائهم للحكومة المصرية فاستراح فيها خمسة أيام وقام منها إلى العقبة ولكنه لم يحسن تقدير ما يحتاج إليه من الماء والزاد في هذه المرحلة ففقـد ألفاً وخمس مئة جندي من مجموع تسعة آلاف وأوصل إلى القاهرة مئة وخمسين مدفعاً من مئتين على وجه التقريب99. وقام إبراهيم باشا من المزيريب إلى السلط فضرب العربان الممتنعين في قلعتها وكانت البلدة خالية من الغذاء فخرج منها في اليوم التالي واتجه نحو أريحا مهدداً القدس لأنه كان قد علم أن يوقموس عول على مهاجمة غزة وعلى البطش بحاميتها المصرية والاستيلاء على شونها ومستودعاتها. فلما اجتاز إبراهيم الأردن إلى ضفته الغربية عند أريحا توهم يوقموس أنه زاحف على القدس فارتد من غزة نحو تلك للدفاع عنها. وعاد إبراهيم إلى شرقي الأردن متجهاً نحو الجنوب فلما بلغ الكرك مكث فيها أربعة أيام حاول في أثنائها أن يجد ما يعوزه من الزاد فلم يفلح لشدة عداء أهلها. وعندئذ قام منها إلى الطفيلة فوجد ماءً كثيراً ولكنه لم يغنم بالقوت المطلوب وهكذا فإن وطأة الجوع أخذت تشتد يوماً فيوماً وقام عربان المنطقة بمناوشته وما فتئوا حتى وصل إلى غزة في الحادي والثلاثين من كانون الثاني من السنة ١٨٤١100.

وكتب بشير الثالث إلى رجاله في ضواحي دمشق أن يوافوه إلى مرجعيون ففعلوا وقاموا جميعاً إلى بلاد بشارة إلى قرية ميس ومنها إلى صفد ثم إلى يافة. وفي أثناء ذلك كان العزيز سمح للشيخ نعمان جنبلاط والشيخ عبد السلام والشيخ خطار العماديين والشيخ نصيف النكدي وولده الشيخ عباس أن يعودوا إلى لبنان كما سبق فأوضحنا. فقاموا من مصر براً إلى يافة. فلما بلغ رجال النكدية قدومهم نهض بعضهم من معسكر بشير الثالث لملاقاتهم وحضروا معهم إلى باب المدينة يسلون للسرعسكر العثماني فاستقبلهم هذا بالبشاشة وأمنهم ثم أمرهم أن يتوجهوا إلى معسكر الأمير اللبناني. وفي أول الليل ساروا من المدينة نحو المعسكر اللبناني. ولما أقبلوا عليه التقاهم ذووهم بإطلاق البارود فاضطرب السرعسكر العثماني وظن جنوده أن إبراهيم باشا قد داهمهم، فانهزم بعضهم نحو المدينة وغرق منهم أربعة فرسان في نهر العوجا. واضطرب الوزير العثماني مما كان ونهض إلى خيمة الأمير اللبناني ليعلم الخبر فأخبره الأمير بما كان ورجع الوزير إلى يافه. وفي الصباح حضر الشيوخ إلى خيمة الأمير يسلمون عليه فازدرى بهم وبألقابهم وشاراتهم وأسمعهم كلاماً أخفض مقامهم فشق ذلك عليهم لأنهم لم يذنبوا ضده. وخرجوا نافرين وتوجهوا إلى عكة مغتاظين ثم عادوا إلى الأمير وأكمنوا الغيظ إلى حين101.

ويستدل من بعض الأوراق الباقية بين محفوظات السراي الملكية المصرية أن كبار رجال الجيش المصري في غزة فاوضوا قيادة الحلفاء في كيفية ترحيل جنودهم من غرة قبل وصول إبراهيم باشا إليها. فهنالك تعهـد من إمضاء ضابطين إنكليزيين هورتن ستيوارت ورالف ألدرسن مؤرخ في ٢٨ كانون الثاني سنة ١٨٤١ إلى أحمد منكلي باشا يقضي بتقديم المعونة لتسهيل أعمال الجلاء وبعدم تعيين حاكم على غزة أو الدخول إليها قبل خروج المصريين منها102. ورأى إبراهيم باشا بعد وصوله إلى غزة في الحادي والثلاثين من كانون الثاني أنه لا بد له من البقاء فيها إلى أن يتم الجلاء وذلك لأسباب أهمها حالته الصحية وكان يشكو من اليرقان وتأمين الجلاء وإصلاح سوء الحال الذي أوجده بعض الضباط المصريين في علاقتهم مع الإنكليز. ولكن العزيز أرسل إليه سفينة الحجاج لنقله إلى مصر وأوعز إليه أن يأمر الباشاوات الذين بمعيته بترحيل الجيش من غزة إلى مصر103.

الفرمان السلطاني: وأشارت الدول على الباب العالي كما سبق وقلنا بوجوب إلغاء الفرمان الذي أعلن عزل العزيز من منصبه في مصر واستبداله بغيره يبقيه في منصبه له ولأولاده من بعده. فأصدر الباب العالي فرماناً سلطانياً في الثالث عشر من شهر شباط سنة ١٨٤١ يتضمن ثلاثة عشر بنداً قضى أولها بأن يختار السلطان من يشاء من أولاد محمد علي الذكور أو أولاد أولادهم الذكور إذا خلا مركز الحكم وبأن يختار الباب العالي من يشاء للولاية إذا انقرض نسل الذكور دون أن يكون لأولاد الإناث حق في الحكم، ونص البند الثاني بوجوب ذهاب الخلف في الحكم إلى الآستانة ليتلقى فرمان التقليد. وجاء في الثالث أنه على الرغم من حق ولاة مصر الوراثي فإن مرتبتهم تبقى مماثلة لمرتبة غيرهم من وزراء الدولة إن في المخاطبات أو في المقابلات السلطانية. وقضى البنــد الرابع بتقيد مصر بالمعاهدات التي أبرمها ويبرمها الباب العالي وبخط گولخانه وبقوانين الدولة الأساسية. ونص الخامس بأن تحبى الضرائب في مصر باسم السلطان وأن يتبع في ذلـك النظم نفسها المعمول بها في الدولة. وحدد السادس حصة الباب العالي من الضرائب فجعلها إيرادات الحكومة المصرية وخصص الثلاثة الأرباع الأخرى لنفقات الجباية والإدارة العسكرية والمدنية وحاجات الحكومة والغلال التي ترسل سنوياً إلى مكة والمدينة، وفرض البند السابع تنظيم لجنة لمراقبة هذا الدخل تؤلف طبقاً لأوضاع يقررها السلطان. وحتم الثامن بأن تكون السكة في مصر باسم السلطان وألا تختلف النقود الذهبية والفضية التي تضرب في مصر عن نقدي الآستانة في القيمة والنوع والعيار. ثم حدد البند التاسع عدد الجيش المصري فجعله ثمانية عشر ألفأ في زمن السلم وترك للباب العالي الحق في رفعه إلى أكثر في زمن الحرب. وقضى أن يتبع نظام التجنيد التركي الذي كان يقضي بجعل الخدمة العسكرية خمس سنوات. ونص البند العاشر بألا تختلف شارات الجنود والضباط وملابسهم وأعلامهم وأوسمتهم عن مثيلاتها في الجيش التركي. وكذلك ملابس البحارة والجنود والضباط في الأسطول وأعلام السفن. وأعطى البند الحادي عشر لوالي مصر حق منح الرتب العسكرية لغاية رتبة صاغ قول آغاسي أما الرتب العليا فيرسم بها من السلطان، ومنع البند الثاني عشر بناء السفن الحربية في مصر بدون إذن صريح بذلك من الباب العالي. ونص البند الأخير بأنه لما كان امتياز الحكم الوراثي لمحمد علي وأسرته مقروناً بالشروط السابقة فالإخلال بأي منها يؤدي إلى سقوط حقهم بها جميعاً. وأصدر السلطان في الوقت نفسه فرماناً آخر أسند به أقاليم السودان إلى محمد علي104. وأوفد الباب العالي سعيد محب أفندي إلى مصر ليحمل الفرمانين إلى العزيز. ففعل ولكن العزيز لم يسمح بقراءة الفرمان الأكبر علناً لأن الشروط التي تضمنها بوراثة المنصب الخديوي كان لا يمكن قبولها105. ومما قاله في هذا الكومودور نابير أن البند الأول الذي أفسح المجال لجميع أولاده وأحفاده في الحكم سيؤدي حتماً إلى حرب طاحنة بينهم عند وفاته وأضاف إن حصر صلاحيته في ترقية الضباط إلى الدرجة المبينة في البند الحادي عشر سينقص من هيبـة الحكم ويفسد الجيش. واحتج العزيز أيضاً على البند السادس والبند الرابع أيضاً وطلب تعديلها106. ووصل خبر هذا الاحتجاج إلى الآستانة في أواسط آذار فهب رشيد باشا يغني أغنيته القديمة من أن هذه اللهجة ليست لهجة تابع وأنها تنقص من سيادة الدولة فيها لو أصغي إليها واتصل بسفراء الدول طالباً رأيهم فوافقه بونسونبي كل الموافقة ولكن شتورمن النمساوي وغوينكر مارك البروسياني وتيتوف الروسي امتنعوا عن التعليق واكتفوا بالقول أنهم أرسلوا يستطلعون رأي حكوماتهم في ذلك107. وفي الثالث عشر من آذار كتب سفراء الدول في لندن مشتركين مع الفيكونت بالمرستون يلفتون نظر شكيب أفندي السفير العثماني إلى ما سبق لهم أن وقعوا في الحادي والثلاثين من كانون الثاني مبينين وجوب إعادة النظر في فرمان الثالث عشر من شهر شباط. وكتب بالمرستون إلى بونسونبي بوجوب جعل الحكم في مصر في يد أكبر أولاد الحاكم ووجوب امتناع الآستانة عن التدخل إلا في حالتي القصور والعجز الصحي، ووافق نسلرود زميله البريطاني كل الموافقة. أما مترنيخ فإنه ذهب إلى أبعد من هذا فهدد بانسحاب حكومته من تحالف لندن إذا امتنع الباب العالي عن تعديل الفرمان موضوع البحث تعديلاً يتفق ومحادثات لندن. واتخذ البارون فرتير البروسياني موقفاً مماثلاً لموقف زميله النمساوي108. وما أن وصل هذا كله إلى الآستانة حتى استقال كل من مصطفى رشيد باشا وأحمد فتحي باشا أشد الوزراء موقفاً من العزيز ومشكلته. وفي العشرين من نيسان أعلن الباب العالي استعداده لتعديل بنود الفرمان موضوع البحث وقبوله بمبدأ تولي الأكبر سناً فالأكبر وبوجوب السماح للعزيز وخلفائه من بعده بتعيين جميع ضباط الجيش دون قائد فرقة وبتحديد مبلغ معين للمال المطلوب من مصر109.

وفي أول حزيران من السنة ١٨٤١ أصدر الباب العالي فرماناً جامعاً حوى أحكام فرمان الثالث عشر من شهر شباط والتعديلات المتقدمة. وأصدر فرماناً آخر جعل المال المطلوب من مصر ثمانين ألف كيس كل سنة.


  1. مذكرات غينزو ج٥ ص ۲۲۸ ومجموعة دوفرجيه للقوانين الخ ج٤٠ ص ٢٦٤ والكتاب الأزرق البريطاني ج٢ ص ٦٠
  2. تيير ومحمد علي لفرانسوا شارل رو ص ۹٥-۹۹
  3. الكتاب الأزرق البريطاني ج٢ ص ٦٢-٦٣
  4. مذكرات الكونت شارل نسلرود ج۸ ص ۳٥-۳۷
  5. مذكرات البرنس مترنيخ ج٦ ص ٤١٢-٤١٣ وتاريخ ألمانية في القرن التاسع عشر لتريتشكي ج٥ ص ۷۹
  6. مذكرات غيزو ج٥ ص ۲۷۰-۲۷۱ و۲۸۷-۲۸۸ راجع أيضاً مجموعة إدوار دريو مصر وأوروية ج٣ ص ۳۷-۳۹ و۱۹۱-۲۰٥
  7. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا – ٣١ تموز ۱۸٤۰ – المحفوظات ج٤ ص ٤٢٤
  8. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا - ٥ آب سنة ١٨٤٠
  9. المحفوظات ج ٤ ص ٤٢٦
  10. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج٤ ص ١٣٠
  11. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج٤ ص ٤٢٣
  12. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا -۳۱ آب سنة ١٨٤٠ - المحفوظات نفسها ج٤ ص ٤٤٣-٤٤٤
    راجع أيضاً فاليفسكي إلى نيير مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج۳ ص ۱۸۰-۱۸۱
  13. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج٤ ص ٤٢٥ و٤٢٦ و٤٣٧
  14. المحفوظات أيضاً ج٤ ص ٤٣٨ و٤٤٣ و٤٦٢
  15. المحفوظات ج٤ ص ٤٤٨ و٤٥٦ و٤٦٠ و٤٦١
  16. المحفوظات أيضاً ج٤ ص ٤٤٨ و٤٥٨
  17. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا: المحفوظات ج٤ ص ٤٣٨
  18. كوشلة إلى نيبر: مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج٣ ص ١٤٨ – ۱٥۰ راجع أيضاً ص ١٥٩-١٦٠ و۱۸۹-۱۸۱
  19. فالينسكي إلى نيبر - ٣ أيلول سنة ١٨٤٠ - مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج ٣ ص ۲۰۸-۲۰۹
  20. مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج٣ ص ٢١٤-۲۱۹
  21. المجموعة نفسها ج۲ ص ۲۳۲
  22. مجموعة إدوار دریو أيضاً ج ٣ ص ۲۸٥-۲۸٦
  23. مراسلات الأميرالية البريطانية رقم ٥٥٠٣ تاریخ ١٦ و۱۷ و٢۳ تموز سنة ١٨٤٠ راجع أيضاً إنكلترة والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ۱۱۸-۱۱۹
  24. سليمان باشا إلى حسين باشا – ۱۰ آب سنة ١٨٤٠ – المحفوظات ج٤ ص ٤٢٩ ومحمود نامي بك إلى حسين باشا في اليوم التالي ج٤ ص ٤٢٩-٤٣٠
  25. كتابنا الأصول ج٥ ص ۱٥۸-۱٥۹
  26. كتابه الحرب في سورية ج١ ص ٣٤-٣٨
  27. أخبار الأعيان للشيخ طنوس الشدياق ص ٥٩٥
  28. تقريره الخاص - إنكلترة والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ٤٨٢-٤٨٣
  29. الأمير بشير الشهابي إلى محمد علي باشا: المحفوظات ج٤ ص ٤٣١-٤٣٢
  30. المرجع نفسه ص ٤٣١
  31. تقرير وود - إنكلترة والقرم – ص ٤٨٢
  32. تقريره المشار إليه آنفاً ص ٤۸۲
  33. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا – ۲۰ آب سنة ١٨٤٠ - المحفوظات ج٤ ص ٤۳۹
  34. بوغوص بك إلى كوشا - ۱۸ آب - مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج٣ ص ۱۳۰-۱۳۱
  35. سليمان باشا إلى محمد علي باشا – ٢٦ آب – المحفوظات ج٤ ص ١٤٠ و٤٤٤ راجع أيضاً نيبر ومحمد علي لفرانسوا شارل رو ص ۱۲۷
  36. ۱۹ آب - المحفوظات ج٤ ص ٤٤٠-٤٤١
  37. يوسف أبيلا وكيل قنصل إنكلترة في صيدا إلى نيفن مور قنصل بيروت: كتابنا الأصول ج٥ ص ١٦٩
  38. مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج۳ ص ۱۷۳-١٧٥
  39. فاليفسكي إلى تيير – ۲۹ آب سنة ١٨٤٠ - المجموعة نفسها ج۳ ص ١٥٢-١٥٦
  40. المجموعة نفسها ج۳ ص ۸۳
  41. كوشله إلى نيير: المجموعة نفسها ج٣ ص ١٤٦-١٤٩ و۲۳۹
  42. مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج٣ ص ۲۰۷
  43. المجموعة نفسها ج۳ ص ۲۱۲
  44. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج٤ ص ٤٤٦
  45. سليمان باشا إلى محمد علي باشا: المحفوظات جد ص ٤٥٠ كذلك كوشله الى نيير: مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج٣ ص ٢٣٣-٢٣٤
  46. محمود نامي بك إلى حسين باشا وسليمان باشا وإبراهيم باشا إلى محمد علي باشا: المحفوظات ج٤ ص ٤٥۱ و٤٥٦ - ٤٥٧
  47. إبراهيم باشا إلى سليمان باشا: مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج٣ ص ۲۸۳ – ٢٨٤
    راجع أيضاً المحفوظات ج٤ ص ٤٦٤-٤٦٥
  48. مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج۳ ص ۲۸۳-٢٨٤
  49. تقريره - إنكلترة والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ٤٨٣
  50. كتابنا الأصول ج٥ ص ١٨٤-١٨٥
  51. المرجع نفسه ج٥ ص ١٨٣-١٨٤
  52. الأصول كذلك ج ٥ ص ١٨٥ - ١٨٦
  53. كوشلة إلى نيير: مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج۳ ص ۳۹۰-۳۹۱
  54. كتابنا الأصول ج٥ ص ۱۸۷-۱۸۸ وكتاب الحرب في سورية لنابيير ج١ ص ٩٥-٩٦
  55. أخبار الأعيان للشيخ طنوس الشدياق ص ٦٠٦
  56. نابيير الحرب في سورية ج١ ص ٩٥-٩٦ و١٢٥ ومحفوظات المتحف اللبناني - رسالة منقلة معاصرة مفصلة بين أوراق السياسة الخارجية. وبنوع خاص تقرير الأميرال سترفورد إلى مقر الأميرالية العام: أوراق الأميرالية البريطانية رقم ؟
  57. حروب إبراهيم باشا للقس أنطون الحلي ج٢ ص ٤٥ و٥٥
  58. المرجع نفسه ج۲ ص ٥٦ و ٥٧ وأخبار الأعيان ص ٦٠٧-٦٠٨
  59. أخبار الأعيان للشيخ طنوس الشدياق ص ٦٠٤-٦٠٥
  60. المرجع نفسه ص ٦٠٦-٦٠٧
  61. الحرب في سورية لناييبر ج۱ ص ۱۱۹-۱۱۸ وأخبار الأعيان ص ٦٠٨
  62. تقرير وود إلى الخارجية البريطانية – إنكلترة والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ٤٨٣
  63. كتابنا الأصول ج٥ ص ۱۸۸ -۱۸۹
  64. المرجع نفسه ج٥ ص ۱۷۲-۱۷۹
  65. کتابنا الأصول ج٥ ص ۲۰۸-۲۱۱
  66. إنكلترة والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ١٢٤ وأخبار الاعيان للشيخ طنوس الشدياق ص ٦١٠ - ٦۱۱
  67. الحرب في سورية لنايبر نفسه ج ١ ص ١٤٧ - ١٤٩ وإنكلترة والقرم للدكتور تمبرلي ص ١٢٤-١٢٦
  68. حروب إبراهيم باشا المصري للقس أنطون الحلي ج ۲ ص ٥۹ و٦٠ والجواب على اقتراح الأحباب لمخائيل مشاقة - نسخة جامعة بيروت الأميركية ص ٢٩٨ والمذكرات التاريخية للخوري قسطنطين الباشا ص ٢١٤
  69. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٦١٠ – ٦١١ راجع أيضاً حروب إبراهيم باشا المصري للقس أنطون الحلبي ج ٢ ص ٦٣-٦٤ تجد أسماء عدد كبير من أفراد الحاشية الذين رافقوه إلى منفاه وليس في المراجع الفرنجية المنشورة ما يزيدك تفصيلاً أو يخالف ما ورد أعلاه بمخالفة ذات شأن.
  70. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٦١١-٦١٢
  71. الحرب في سورية لنايبر ج ١ ص ۱۹۷-۲۱۱
  72. المحفوظات الملكية المصرية ج ٢ ص ۲۰ و۲۲ و٥۱ و٥٦
  73. تاريخ محمد علي لبول موربیه ج ۱ ص ۳۳۸-٣٤١
  74. تاریخ محمد علي لبول مورييه ج ۱ ص ۳۳۸-٣٤١
  75. إنكلترة والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ١٢٩ وتاريخ محمد علي لبول مورييه ج ٢ ص ٣٣٧ اطلب أيضاً تاريخ الأسطول المصري الأميرال ديرانفيل ج ٢ ص ٢٣٤-٢٣٦ وکتابنا الأصول ج ٥ ص ۲۲۰
  76. كتابنا الأصول ج ٥ ص ۲۱۹-۲۳۱
  77. المرجع نفسه ج ٥ ص ۲۳۲
  78. إنكلتره والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ۱۲۹-۱۳۰
  79. المحفوظات الملكية المصرية ج ٤ ص ٤٧٠ و٤٧٢-٤٧٣
  80. المرجع نفسه ج ٤ ص ٤٧٣
  81. كوشله إلى تيير: مجموعة إدوار دریو مصر وأوروبة ج ٣ ص ٤٠٦ - ٤٠٧ وج ٤ ص ٤٢ و٤٤
  82. المسالة الشرقية للفيكونت ده غويسّن ص ۳۸۲-۳۸۳ و٢۹٥-٣٩٦
  83. نيير إلى غيزو - الكتاب الأزرق البريطاني ج ۲ ص ۲۷۰-۲۷۲
  84. جريدة التيمس تاریخ ۱۷ و۲۰ تشرين الأول سنة ١٨٤٠
  85. بالمرستون إلى غرانفيل: الكتاب الأزرق ج ٢ ص ٣١٤-٣١٥
  86. غرانفيل إلى بالمرستون: الكتاب الأزرق ج۳ ص ۱-۲
  87. بالمرستون إلى غرانفيل: حياة بالمرستون للسر هنري بولور ج ٢ ص ٣٤٧ الكتاب الأزرق ج ۲ ص ۳۳۸-٣٤٠
  88. عدد ١٣ تشرين الثاني سنة ١٨٤٠
  89. الكتاب الأزرق ج ٣ ص ۱٤-۱٥ و۱۷ و۲۱-۲۲
  90. المحفوظات الملكية المصرية ج ٤ ص ٤٧٤-٤٧٥
  91. المحفوظات نفسها ج ٤ ص ٤٧٦ - ٤٨١
  92. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٦١٢-٦١٣
  93. مذكرات تاريخية للخوري قسطنطين الباشا ص ۲۲٥ و٢٢٦
  94. المذكرات نفسها ص ٢٢٦
  95. بحري بك إلى حسين باشا: المحفوظات الملكية المصرية ج ٤ ص ٤٩٢ راجع أيضاً الجواب على اقتراح الأحباب لمخائيل مشاقه ص ٣۰۰-٣٠٤ و٣٠٦-۳۰۸
  96. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا: المحفوظات نفسها ج ٤ ص ٤٩٥
  97. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٦١٣ المذكرات التاريخية المشار إليها آنفاً ص ٢٣٣ و٢٣٤
    الجواب على اقتراح الأحباب لمخائيل مشاقة ص ۳۰۸-۳۰۹
  98. تاريخ حوادث سورية منذ السنة ١٨٤٠ حتى ۱۸۹۲ لاشيل لوران ج ۱ ص ۲۲۸-۲۳۳ راجع أيضاً نابير الحرب في سورية ج ٢ ص ١٦٣
  99. حوادث سورية لاشيل لوران ج ۱ ص ۲۳۳-٢٤١
  100. المؤلف نفسه ج ۱ ص ٢٤١-٢٤٨
  101. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٦١٣-٦١٤
  102. المحفوظات ج ٤ ص ٤٩٥
  103. المحفوظات نفسها ج ٤ ص ٤٩٦
  104. الكتاب الأزرق ج ٣ ص ٣٤٧ و۲٥۰-۲٥۱
  105. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات الملكية المصرية ج ٤ ص ٤٩٧
  106. الكتاب الأزرق ج ٣ ص ٣٤١-٣٤٤
  107. الكتاب الأزرق ج ۳ ص ۳۷۱-۳۷٥
  108. الكتاب الأزرق ج ٣ ص ٤٦٤-٣٦٥ و۳۷۸-۳۸۱
  109. الكتاب الأزرق ج۳ ص ٤١٩-٤٢٠