بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية)/الفصل السابع: الاضطرابات والقلاقل


الفصل السابع
الاضطرابات والقلاقل
١٨٣٤ - ۱۸۳٨

١ - المعارضة: واختلف الشوام في موقفهم من خروج العزيز. فقام بعضهم يؤيده ويؤهل بقواته الفاتحة. وفي طليعة هؤلاء اللبنانيون من دروز ونصارى ونصاری سائر أنحاء الشام وذلك لما كانوا يلاقونه من الظلم والاضطهاد على يد الولاة الأتراك. ومن هنا قول الشهابي الكبير إلى رسول قائممقام الصدارة سنة ١٨٣٢ «عندما تسأل الدولة عن رعاياها تسأل الرعايا عن الدولة»1. وهلل وكبر لقدوم هذه القوات الفاتحة نفر من الأعيان في المدن وأمهات القرى لما كان قد أصابهم من التخاذل بوصول أخصامهم إلى الحكم قبيل خروج العزيز على السلطان. ووقف معظم الشوام من أهل السنة والشيعة والنصيرية موقف المتفرج يضرعون إلى الله أن يحفظ رؤوسهم وأموالهم ويرددون القول المأثور «كل من أخذ أمي صار عمي». ولكن رهط الموظفين وقسماً كبيراً ممن عني بالسياسة آثروا الوقوف إلى جانب السلطان لأنهم أخطأوا التقدير وظنوا أنه ليس بإمكان والٍ من الولاة مهما عظم شأنه أن يقاوم الدولة وينتصر عليها في النهاية، ومن هنا قول الدمشقيين إلى إبراهيم باشا قبيــل زحفه على بلدتهم: «لأنه إذا أقدم أفندينا من طرفنا قبل فتح عكة وصادف أن قدمت الجيوش الجرارة من الآستانة فلا شك أن دولة أفندينـا يرجع إلى مصر ونصبح نحن بلا نصير فتصب السلطات التركية غضبها علينا»2. ووقف إلى جانب هؤلاء وشدد عزائمهم السواد الأعظم من رجال الدين الذين رأوا في عمل العزيز خروجاً من الدين الحنيف فاستمسكوا بالآية:﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ ورددوهـا بمناسبات عديدة. وقام كل من السلطان وعبدالله باشا يضرب على هذا الوتر نفسه. فقال السلطان في فرمان وجهه إلى عثمان باشا والي طرابلس: «واتبع محمد علي باشا التسويلات الشيطانية ومال إلى طريق الفساد والعناد وبحسب الشرع الشريف دخل في حكم الباغي»3. وقال عبدالله باشا في مرسوم وجهه إلى أعيان القدس: «فلا يخفى أن هذا الخاسر معلوم حاله بارتكاب المنكرات والفضائح المغايرة للشريعة والسنة. فيلزم منكم بعد تلاوة بيورلدينا هذا تقرأوا الفاتحة الشريفة وتجلبوا الدعاء الخيري لحضرة مولانا السلطان. والعلماء منكم يخبروا العام بمضمون الشريعة المطهرة ـن من يخرج على السلطـان فقد خرج عن أمر الله تعالى»4. وقال في رسالة له إلى مصطفى آغا بربر محاولاً اجتذابه إليه: «وحيث أنتم لله الحمد أهل ديانة وتقوى وعلى الخصوص من أعضاء الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم»5. ولمس عثمان باشا شيئاً من هذا عندما قابل المسلمين من حامية طرابلس فإنهم رفضوا أن يصوبوا بنادقهم على عساكر السلطان واكتفوا بإطلاقها في الجو6. ويلوح لنا أن العزيز نفسه توقع شيئاً من هذا عندما قال إلى قنصل بريطانية سنة ١٨٢٧ بأن تمسك الشعب بالدين يدفع به إلى التخلي عن حاکمه إن هو وقع تحت حرم السلطان7. وقد حسب إبراهيم باشا لهذا كله حسابه فعارض في تجنيد الشوام في أوائل أيلول من السنة ۱۸۳۲ وقال لوالده: «إن أهالي صيدا لم يدخلوا في طاعتنا من تلقاء أنفسهم ولم يقـدم الدمشقيون على هذا الأمر نفسه إلا بعد توغل جنودنا في بلدتهم وجنائنها. وكذلك أهالي حمص وحماة وحلب فإنهم لم ينحازوا إلى جانبنا إلا بعد انهزام الجيش العثماني»8.

٢ - الظروف القاهرة: ولم تحسم الحرب شيئاً من أسباب النزاع بين العزيز وبين السلطان. فالعزيز بقي والياً عادياً تجدد ولايته في مطلع كل سنة بأمر سلطاني والسلطان ظل خائفاً من هذا الوالي حاقداً عليه. فاضطر العزيز والحالة هذه أن يبقى متهيئاً للحرب مستعداً لها ورأى أن يستغل فتوحاته لهذه الغاية فأمر باحتكار بعض البضائع وفرض نوعاً جديداً من الضرائب ونزع السلاح وجند الرجال وقلّم أظافر رجال الإقطاع فعم السخط جميع الطبقات.

وتفصيل ذلك أنه منذ أواخر آذار سنة ١٨٣٣ وقبل الوصول إلى التفاهم في كوتاهية أمر العزيز محمد منيب أفندي أن يصادر البضاعة في إيالة صيدا التي لا يجوز بيعها إلا بمعرفة «الميري» كالكتان وبذوره والعصفر والنيلة والحناء والخيط والأفيون وأن يلقي القبض على أصحابها9. فأفاد محمد منيب أفندي بعد خمسة عشر يوماً: «أنه أرسل خطابات شديدة اللهجة إلى بعض المتسلمين يحتم فيها إيقاف تهريب الكتان والعصفر والنيلة والحناء والسمسم وغيره من الحبوب التي تباع لحساب الميري10. وفي منتصف حزيران من السنة نفسها أمر العزيز بابتياع جميع محصول الحرير في بر الشام11 وباحتكاره ثم عدل عن ذلك «خوفاً من إزعاج التجار والفلاحين»، ولا سيما اللبنانيين منهم واكتفى بتحديد السعر لابتياع ما يلزممنه لمصانع الحكومة12. ولا غرو فموسم الحرير في لبنان آنئذ كان أعظم المواسم وعليه المعول والاحتكار كان شأنه أن يقلب الأسعار قلباً لصالح الحكومة فيؤدي إلى نقص كبير في دخل الفلاح والتاجر. قال إبراهيم باشا في موافقته على احتكار البن في منتصف آب من السنة ١٨٣٣ بوجوب رفع سعره من غرشين إلى سبعة عشر غرشاً في الآقة الواحدة13.

وفرض العزيز في الوقت نفسه أي في منتصف السنة ١٨٣٣ نوعاً جديداً من الضرائب عرف بالفردة ولعلها الفرضة وذلك على الذكور المراهقين كافة متى بلغوا الثانية عشرة من عمرهم وجعلها تتفاوت بتفاوت الثروة من خمسة عشر غرشاً إلى خمس مئة غرش في السنة. وتفاوتت في لبنان من عشرة غروش إلى مئتين وخمسين غرشاً. وعُدت النفوس لهذه الغاية وسُجلت في دفاتر معينة وجُبيت الفردة بموجبها14. فنفر الناس منها وهاجوا.

ورأى العزيز أن يستغل مورداً آخر فأحصى جميع الإقطاعات العسكرية وأبقى التيمارات القديمة بيد أصحابها وجعل المستجد منها قيد الدرس ثم منع المحاكم الشرعية عن تصديق بيع المالكانات السباهية وشرائها قبل استشارة عماله وذهب إلى أبعد من هذا فمنع القضاة عن اتخاذ أي قرار شرعي في توجيه المقاطعات والزعامات والتيمارات وعن الاتصال في مثل هذه الأمور بالآستانة قبل موافقة الحكمدار محمد شريف بك15. فخشي أصحاب هذه الإقطاعات سوء العاقبة وظنوا أن العزيز يرمي إلى الاستئثار بموارد رزقهم كما سبق له أن فعل في مصر في بدء عهده. وكان العزيز يثير في الوقت نفسه (۱۸۳۳) مخاوف أصحاب الأوقاف القديمـة والحديثة فأمر الشيخ صالح التميمي في القدس مثلاً أن يبرز أوراقه ومستنداته ليثبت حق آل التميمي بوقف تميم الداري صاحب الرسول16. وهلم جرا.

٣ - الشغب في فلسطين: وكانت ظروف الفتح قد قضت بتقسيم المناصب السياسية في فلسطين وتوزيعها على الوجه التالي: بلدة نابلس وبلاد المشاريق في عهـدة الشيخ محمد قاسم وبلاد جبل نابلس في عهدة الشيخ محمود عبد الهادي والشيخ يوسف بن قاسم الأحمد والشيخ عبدالله الجرار والشيخ يوسف والشيخ عبد الوهاب الجيوسي. ثم أجريت بعض التعديلات فعين الشيخ حسين عبد الهادي مديراً على إيالة صيدا وجعل أخوه الشيخ محمود متسلماً على يافة وابنه الشيخ سليمان متسلماً على جنين. وصار الشيخ قاسم الأحمد متسلماً على القدس وابنه الشيخ محمد متسلماً على نابلس ومشاريقها وابنه الثاني الشيخ يوسف متسلماً على جماعين فتساوى الفريقان الكبيران بالغنم وعمّ الهدوء البلاد بأسرها. ولكن آل عبدالهادي طمعوا بمتسلمية نابلس لتوطيد مركزهم فيها فاستحصلوا على أمر من الحكمدار محمد شريف في أوائل تشرين الأول السنة ١٨٣٣ بتنحية الشيخ قاسم من متسلمية القدس «نظراً لتقدمه في السن» وبتحويلها إلى عهدة ابنه الشيخ محمد القاسم. فشغرت متسلمية نابلس وأحيلت إلى عهدة الشيخ سليمان عبد الهادي ابن الشيخ حسين المشار إليه آنفاً17. فثار ثائر آل القاسم واستشاطوا غيظاً وقاموا يبثون روح التمرد والعصيان. ولدى عودة الشيخ محمد القاسم من الحج في أوائل السنة ١٢٥٠ (١٨٣٤) عقدوا اجتماعاً في بيت وزن حضره أكثر شيوخ البلاد الساخطين منهم الشيخ عبدالله الجرار والشيخ عيسى البرقاوي والشيخ ناصر المنصور والشيخ عيسى القدومي فاتفقوا على التمرد ولكن الشيخ عيسى القدومي نصحهم بعدم اللجوء إلى العنف18. وحذا حذوه أحمد آغا النمر فلمس الشيوخ المتآمرون معارضة في جبل نابلس وقاموا إلى جبل القدس لإعلان عصيانهم فيه واستغلال تذمر أهاليه كما تقدم شرحه أعلاه.

ويلوح لنا أن بعض إصلاحات العزيز كانت قد شملت القبائل الرحل في بادية الشام وحوران وشرقي الأردن وأوجبت تعدادهم وتنظيم دفاتر بهم ومنع دفع «الصرر» إليهم من خزينة الشام19. ولعله أمر أيضاً بنزع سلاحهم فهاجوا وماجوا وكثرت تعدياتهم. والواقع أن العزيز شكا عرب عنزة إلى محمد رشيد باشا في منتصف أيار من السنة ١٨٣٤ وتلقى في الوقت نفسه خبر عصيان عرب الكرك والخليل20. وقد يكون هذا هو السبب الأساسي الذي أدى إلى قيام إبراهيم باشا إلى فلسطين ووصوله إلى القدس قبل العشرين من نيسان من السنة نفسها21. وقد يكون اختلاف الطوائف المسيحية حول حقوقهم في الأماكن المقدسة من أسباب توجه السر عسكر إلى القدس22. هذا ولا يستبعد أيضاً أن يكون الشيخ حسين عبد الهادي مدير إيالة صيدا قد نقل إلى رئيسه السرعسكر ما كان يتمخض به جبل نابلس.

وعلى كل فإننا نرى إبراهيم باشا مستقراً في القدس في النصف الثاني من شهر نيسان ينظر في اختلاف النصارى ويعلن عزمه على تنفيذ أوامر والده فيما يتعلق بالتجنيد الإجباري فيستدعي إليه زعماء جبال القدس والخليل ونابلس وينقل إليهم رغبته في التجنيد فيوافقون عليها ويقوم هو إلى يافة لتنفيذ الأوامر نفسها فيها23. وما أن وصل إليها حتى اتصل به كل من اللواء إبراهيم بك قائد ألاي المشاة الثالث عشر المرابط في القدس ومتسلم القدس يعلمانه برجوع الزعماء عن وعدهم وباعتذارهم عن تقديم أولادهم وأولاد الفلاحين للخدمة وأنهم يعارضون كل المعارضة في تسليم سلاحهم24. ثم كتب إليه إبراهيم آغا متسلم الخليل ومصطفى آغا بكباشي الأورطة الرابعة من الألاي المرابط في القدس يخبرانه بقتال جرى في «فاتح صدره» بالقرب من قرية سعير في جبل الخليل بين رجال الأورطة الرابعة هذه وبين عرب التعامرة وأهالي سعير25. وبعد ثلاثة أيام أي في الخامس والعشرين من شهر أيار من السنة نفسها وردت رسالة ثانية من اللواء إبراهيم بك قائد الألاي المرابط في القدس تفيد أن الفلاحين تجمعوا في قرية البيرة وتوجهوا منها إلى قرية العنب (قرية أبي غوش) لحصر حامية القدس ومنع المدد عنها من یافة مقر السرعسكر. وأشار اللواء أيضاً إلى تجمع الفلاحين في قرية الشيخ بدر وهجوم ابن سمحان وابن أبي غوش وبني حسن على مواشي القدس في محلة باب العمود ورجا السرعسكر أن يوافيه بقوة من الفرسان لمطاردة الثوار وتعقبهم. وكان إبراهيم باشا قد شعر بهذا النقص فأمر القائممقام يعقوب آغا أن يقوم بألاي الفرسان الثاني عشر من الرملة في الساحل إلى القدس ففعل. ولكن لدى وصوله إلى باب الواد - طريق يافة القدس - هب لصده وقتاله جمهور من الفلاحين كانوا قد اختبأوا خلف صخور هذا الوادي ووراء أشجاره. فجرت بين الفريقين معركة بين قرية سريس وقرية عين شمس أسفرت عن تراجع المصريين إلى الرملة بعد أن ضلوا الطريق تاركين قسماً من خيولهم وعدداً من القتلى والجرحى فاستغنى السرعسكر عن خدمات يعقوب آغا في بر الشام وأمره بالعودة إلى مصر. وكتب إلى والده بما جرى طالباً المدد ولا سيما ألاي الغارديا الثاني. وكان قد استقدم إليه ألايي المشاة الثامن والتاسع عشر26.

وفي الرابع من حزيران عاد فكتب السرعسكر من يافة إلى والده يشير إلى القلق الذي ساور الحضرة الخديوية من جراء حوادث فلسطين ويؤكد أن ما جرى هو لمجرد التخلص من التجنيد وأن جبل القدس مخرقة بالية لا أهمية له وأن الداعي لتأخره عن ضرب الأشقياء قلة المياه في معاقلهم وقلة الزمزميات لدى العساكر وإنه أمر بإعداد الزمزميات اللازمة ولدى اكتمالها سيقضي على الفتنة في وقت قصير، ثم قام بعد يومين لمطاردة الثوار متجهاً نحو القدس وسالكاً الطريق نفسها التي سلكها يعقوب آغا من قبله. فشق طريقه رغم مقاومة الثوار العنيفة في محلات ثلاثة مسقطاً منهم حوالي سبع مئة ووصل إلى القدس منتصراً مصمماً أن يقوم منها إلى جبل الخليل27. وما أن دخل القدس بعد يومين من قيامه من يافة حتى شعر بنقص في المياه و«الميرة» فيها وبحاجة إلى الرجال والذخيرة. ثم فاجأه ناصر المنصور ورجاله بوصولهم إلى قرية شعفاط فخرج السرعسكر لصدهم وتغلب عليهم مسقطاً منهم خمس مئة وطارد ثوار الخليل فأسقط منهم في بيت جالا وبيت لحم ثمانين نفراً28. وكان الألاي التاسع عشر قد قام من دمشق ملبياً نداء القيادة ومتجهاً نحو يافة فالقدس ولدى وصوله إلى مرج ابن عامر في منتصف حزيران تصدى له الثوار بالقرب من زيتون فشتتوا شمله وجرحوا قائده مصطفى بك ولم يصل منه إلى حيفا أكثر من ثلاث مئة نفر من مجموع قدره ألف ومئتا رجل29. فعمت الثورة البلاد بأسرها من صفد حتى غزة، وكتب جرمانوس بحري من يافة إلى سامي بك يقول: «الأمور عمال كل يوم تتجسم وجميع أهالي القرايا إلى حد بوابة يافة أظهروا العصاوة»30.

وكتب العزيز في السابع عشر من الشهر نفسه إلى ابنه يحيط علماً بوصوله إلى القدس ويفيد أنه أصدر الأوامر اللازمة لإعداد النجدة المطلوبة وإرسالها بسرعة ثم يشعر بعزمه على مرافقة هذه النجدة ويأمل الوصول إلى يافة في ظرف ستة أيام. وعاد إلى الكتابة في اليوم التالي طالباً إلى السرعسكر أن يبقى في محله ريثما يلتقيان ويدرسان الموقف معاً31. ورأى السرعسكر أن يتولى سليم باشا قيادة القوة المقاومة من مصر وأن يقوم بها وبأورطتي الفرسان الباقيتين في يافة وثلاثة مدافع إلى قرى الشيخ قاسم الأحمد في جبل نابلس وأن يقوم خفتان آغاسي بمن معه من فرسان العرب إلى جنين للاتصال بسليم باشا32. وكان الشيخ قاسم هذا قد استمال جميع أهالي جبل نابلس إلى جانبه فزحف بهم على القدس. وما أن وصل بمجموعه إلى قرية لفته حتى تصدى له السرعسكر بألفين من عساكره ومدافع أربعة فانتصر عليه وشتت شمله، ثم صده ثانية عند دير مار إلياس طريق بيت لحم ثانية وثالثة عند عين سلوان. ولكنه لم ير بداً من المفاوضة نظراً لقلة الذخيرة لديه فقبل توسط «الرهبان والأفندية» ورفع الفردة وأوقف التجنيد ولكنه اشترط احتلال القلعة وتقديم مئة وخمسين غرارة من القمح لها فوافق الثوار على ذلك ومثل الشيخ قاسم بين يديه فعينه «حاكماً على البلاد» وانتهى الحصار33 وكان ذلك في السادس والعشرين من حزيران.

وفي مطلع تموز من السنة نفسها وصل العزيز إلى يافة على رأس نجدة قوية فكتب إلى ابنه يستدعيه إليه وطلب إلى أمير لبنان بشير الثاني أن يحضر إلى يافة للتداول معه بشؤون فلسطين فهب السرعكر للقاء والده وأوفد أمير لبنان نجله الأمير أمين إلى يافة للمثول بين يدي العزيز معلناً أنه بعد التداول مع اللواء بحري بك (يوحنا بحري) رأى أن المصلحة تقضي ببقائه في لبنان «للمحافظة والملاحظة» وأنه على كل حال مستعد متأهب «للثم الأذيال»34. ولدى وصول الأمير أمين إلى يافة وتشرفه بالمثول بين يدي الحضرة الخديوية اجتمع به في خلوة زهاء ساعتين أو أكثر ثم عاد إلى والده يوجب الزحف على صفد لإخماد الفتنة فيها35. وكان قد سبق لأعيان هذه البلدة أن اتصلوا بالأمير خليل الشهابي أخي الأمير أمين وذلك في التاسع عشر من حزيران «متوكلين على من التحريك والتسكين بيده» معلنين قيامهم على الحكومة المصرية راجين «جواباً شافياً»36. فرج الشهابي الكبير والد الأمير خليل حامل هذه الرسالة في السحن ورد عليها بالتهديد والوعيد37. وبعد أن عاد ابنه الأمير أمين إليه قام إلى جسر القعقعية ببضعة آلاف مقاتل لبناني ودعا الصفديين للطاعة فأوفدوا الشيخ صالح الترشيحي إليه يفاوضه وخلـدوا إلى السكينة فأرسل الأمير اللبناني قوة إلى صفد لاحتلالها وعين محافظاً عليها وفعل مثل ذلك لجميع قرى الشاغور والجبل وساحل عكة وألقي القبض على اثنين وعشرين من وجوه صفد الذين «كانوا مبدأ الشقاوة والفساد ووضعهم بالسجن وطالبهم بما سلبوه من أموال اليهود». وأرسل أيضاً نحواً من عشرين نفراً من أهالي الشاغور والجميل والساحل إلى سجن عكة. ثم مثل بين يديه وجوه طبرية مقدمين الطاعة والخضوع فأرسل قوة إلى بلدتهم وعين محافظاً عليها. وكتب إلى الحضرة الخديوية في الخامس والعشرين من تموز ينبئه «بانقطاع دابر الفساد ودخول الرعب والإرهاب إلى قلوب الجميع من رضيع ووضيع»38.

ولما عاد قاسم الأحمد وجماعته إلى نابلس بعد الاتفاق الذي تم بينهم وبين إبراهيم باشا في القدس اغتروا بما أصابهم من نصر وظنوا أن السرعسكر لن يقوى عليهم فامتنعوا عن تقديم القمح المتفق عليه وطردوا عمال السرعسكر الذين أرسلوا لجمعه قائلين أنه ليس لديهم سوى الرصاص والبارود39. فهب السرعسكر إلى قتالهم وقام من يافة حوالي العاشر من تموز على رأس قوة جديدة إلى الطيبة منها (ألاي الفرسان التاسع وألاي الغارديا الثاني وألاي المشاة العشرين) فضرب أهلها ثم انتقل إلى قاقون فأحرقها واتجه منها الى زيتة وعينل40. ولدى وصوله إلى زيتة ضرب من فيها من الثوار ففروا هاربين تاركين وراءهم عدداً من القتلى والجرحى يربو على الثمانين واعتصموا بقرية دير الغصون. فتأثرهم السرعسكر واقتحم مراكزهم على الأقدام نظراً لوعورة مسالكها وقتل منهم ثلاث مئة وقضى على مئة وخمسين آخرين41. وقام الشيخ قاسم الأحمد والشيخ عبدالله الجرار والشيخ عيسى البرقاوي والشيخ ناصر المنصور من الدير إلى نابلس فأخذوا أولادهم وفروا إلى جبل الخليل. وقام إبراهيم باشا إلى نابلس فدخلها في الثامن عشر من تموز وتقبل فيها طاعة أهلها وسكان قراياها42. وكان قد تقبل طاعة جبل القدس في قرية المزرعة عن يد الشيخ عبد العزيز شيخ هذه القرية فأعاد الشيخ إبراهيم أبو غوش إلى سابق نفوذه وعينه متسلماً على القدس في العاشر من تموز43. وفي الخامس من آب من السنة نفسها قام السرعسكر من القدس إلى الخليل فصده أهلها خارجها ثم تحصنوا فيها ولكن السرعسكر تغلب عليهم في وقت قصير واحتل بلدتهم في اليوم التالي. وفي الثالث عشر من الشهر نفسه تحرك «ركابه السعيد» من الخليل إلى الكرك فنزل إلى غور الأردن ومر بالطفيلة وما أن أطل على الكرك حتى قام عربانها وأهاليها إلى قتاله فدخلها عنوة وأعمل النار فيها. وكان قاسم الأحمد وأولاده وبعض أعوانه قد قاموا من الكرك إلى عجلون عن طريق أريحة فقبض عليهم الشيخ دوخي السمير وأرسلهم الى الشيخ عامر الهنادي. فأمر السرعسكر بقتلهم فقتل الشيخ قاسم الأحمد والشيخ عيسى البرقاوي في دمشق وقطعت رؤوس أولادهم في عكة والقدس44.

ونفى السرعسكر إلى مصر رهطاً من علماء فلسطين منهم الشيخ عبدالله البديري المقدسي والشيخ عبدالله الفاهوم الناصري والشيخ سعيد السعدي العكاوي كما أمر بإعدام كل من الشيخ مسعود الماضي شيخ مشايخ ساحل حيفا وأسعد بك الخضر متسلم يافة45. وقام عماله بتجريد السكان من السلاح فجمعوا من نابلس وحدها ٥٦٠٠ بندقية ثم قاموا يجندون الشبان فجمعوا عدداً كبيراً منهم وأرسلوهم إلى القلاع أولاً ثم إلى سفن الأسطول46. وقضت مشيئة العزيز بإبعاد صنف الموظفين من أتباع عبدالله باشا والي صيدا السابق عن هذه الإيالة فنفذ أمره في نقاط عديدة ولكن اللايدي هستر ستانهوب الشهيرة أبت أن تسلم من التجأ من هؤلاء إليها فوق صيدا وحاولت الاحتفاظ بهم ولكن دون جدوى47.

٤ - حوادث طرابلس وما يليها: وذاع نجاح الفلاحين في جبال القدس والخليل ونابلس وتناقلته الألسن وبولغ فيه فتحركت طرابلس في أوائل تموز من السنة نفسها ١٨٣٤ وقامت على المصريين والنصارى فهرب هؤلاء إلى التلال المجاورة وانسحب المصريون بقيادة اللواء سليم بك من البلد إلى المينا وتحصنوا فيها وباتوا ينتظرون المدد. فكتب العزيز إلى أمير لبنان أن يمد الحامية بالرجال فأرسل ابنه خليلاً إليها على رأس ألف رجل48. وما أن وصلها حتى عادت المياه إلى مجاريها فألقى القبض على سبعة وخمسين منهم الحاج عبدالله علم الدين والحاج شاكر المطرجي والسيد شاكر عدرة والسيد إبراهيم السندروسي والحاج حسين علم الدين والسيد مصطفى ملك والحاج مصطفى الأدهمي ومحمد أفندي الذوق والسيد خليل الثمين أمين الفتوى وإسماعيل أفندي أخي النقيب وأدخلهم السجن49.

وكان السرعسكر قد أمر بإرسال أورطتين من المشاة من الرملة إلى طرابلس وعزَّز قوة آغا المعجون فضم إليها فرسان حسن اليازجي وتوجه أحمد آغا ومدها ببطارية مدافع من حمص وألحق بها طابوراً من ألاي المشاة العاشر وأرسلها إلى عكار «لتصفية غائلتها» فوافاها إلى عكار سليم بك بما كان قد تجمع لديه من الرجال في أواخر تموز وشد أزره الأمير اللبناني برجاله. فقبضا على أسعد بك المرعب وأسعد بك الشديد وعلى اثنين من أولاد محمد بك القدور وعلى ثلاثين آخرين من وجوه هذه المنطقة وأعيانها50. ثم عاد الأمير خليل إلى طرابلس لمرض ألمّ به ومنها إلى بتدين. وخشي مصطفى آغا برير أن يُظنَّ به لأنه كان قد أُقيل من منصبه قبل وقوع هذه الحوادث فالتمس من الشهابي الكبير أن يستميح له صفو الخاطر والأمان فضل الأمير وقبل السرعسكر وأمر برجوعه إلى وطنه فعاد وما لبث أن توفي فجأة. ثم أمر السرعسكر بإعدام السجناء في طرابلس من زعماء الفتنة فأعدموا في ساحة الملاحة في قلب طرابلس إرهاباً51.

٥ - يد الباب العالي: وما أن سمع السلطان بحوادث فلسطين وطرابلس وعكار حتى أمر باستغلال الموقف فأوعز إلى محمد رشيد باشا الصدر الأسبق ووالي سيواس وديار بكر والرقة وأمين المناجم السلطانية أن يتصل بالمعارضة في بر الشام وبغيرها من العناصر لإذكاء نار الفتنة فيها. فكتب هذا إلى أمير لبنان يستفزه لمناصرة الثوار وحض الأمير سليمان الحرفوش في بعلبك والشيوخ الحمادية في الهرمل على الثورة ومنهم الشيخ سعدالدين حمادة والشيخ أبو نصر حمادة والشيخ محمد كنج حمادة وأعلن قرب نهوضه بالعساكر إليهم52. واتصل أيضاً بآل هارون في اللاذقية وببعض زعماء النصيرية في جبالها وبيونس آغا في قـار سابور وخان يو ومحمد علي الشاتورلي في الدير وبعبد اللطيف آغا في باير وبرهط من أعيان حلب منهم عبد الرحمن المرعشلي وإبراهيم آغا سياف زاده وآل الجابري53.

فقبض أمير لبنان على الخيال الهوَّاري الذي حمل الكتابة إليه وأرسله إلى سجن عكة ثم كتب إلى بحري بك يقول «أمس حضر خيال هواري إلى معسكرنا وتقدم إلى عنـدنا وناولنا كتاباً وأسر لنا خفية أنه من الصدر الأعظم السابق فأخذنا الكتاب وفتحناه فإذا هو من رجل اسمه أحمد هواري باشي عند محمد رشيد باشا والكتاب المذكور واصل للجناب فمن بعد اطلاع جنابكم عليه ترسلوه لأعتاب سعادة أفندينا ولي النعم السرعسكر المعظم. وتقرير هذا الرسول أن محمد رشيد باشا موجود في ملاطية وعنده عساكر وافية وأنه لأجل عدم القلقلة ولخشية من وقوع المكتوب بيد أحد حرروه باسم الهواري باشي المذكور وإنه مها كنا نريد يحصل لنا»54.

٦ - النصيرية: وكان قد اندلع لهيب الفتنة في تلال اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس وامتنع أهلها عن تقديم سلاحهم وأخلوا بالأمن وهجم بعضهم على مدينة اللاذقية وأهلكوا من كان فيها من العساكر ونهبوا المخازن والشون وأخذوا ١٨٢ رأساً من خيول السلطة ونهبوا منازل الضباط فسلبوا حريم الصاغ والبيكباشي والقائممقام متاعهن وحاصروا المتسلم في داره وسلبوا ألبسة المرضى في المستشفى55. فهب سليم باشا من مقره في شمالي سورية إلى معونة زميله اللواء سليم بك وأرسل إليه في منتصف أيلول ألاي المشاة العاشر من حماة وأمر محمد آغا معجون آغاسي بوجوب إرسال ثلاث مئة من فرسانه الهناديين من جسر شغور للغاية نفسها56.

فقام اللواء سليم بك من طرابلس وضرب النصيريين في صافيتا فدخلوا في طاعته وجمع أسلحتهم ثم انتقل بما توفر لديه من قوة إلى بانياس وقلعة المرقب فسلب وحرق وألقى القبض على بعض الثائرين وقتل أحمد قرقور والأمير خليل والأمير أصلان وطه كتخدا عبدالله آغا صاحب المرقب. ثم اتجه نحو اللاذقية «ليقتص من عصاة المقاطعات السبع ومن تآمر معهم من سكان اللاذقية»57. وكان الشهابي الكبير قد عاد من صفد وجمع سلاح صور وجبالها فكتب إليه السرعسكر أن يوجه رجاله إلى اللاذقية ليعاونوا اللواء سليم بك في إخماد الفتنة فيها وفي جبالها. فأرسل الأمير ابنه الأمير خليلاً ومعه أمراء من وادي التيم الشهابيون الأمير فندي والأمير جهجاه والأمير سعد الدين والأمير أحمد. فباتوا في طرابلس ينتظرون اکتمال العدد. ثم قاموا بضعة آلاف58 فوصلوا إلى منطقة اللاذقية في أوائل تشرين الثاني وبعد أن دوخوا مقاطعة البهلولية قاموا إلى صهيون وخيموا في قرية الحفة. فلما بلغ أهل مقاطعـة الشلف ذلك أرسلوا نحو ألفي مقاتل يدهمون الرجال فانكسروا. ثم هجم اللبنانيون على قلعة صهيون واحتلوا ثلاثة أبراج بقربها وأبقوا فيها مئة مقاتل. فأضرم هؤلاء نار الحرب على من في القلعة وعند منتصف الليل طلب النصيريون الأمان وفروا هاربين فدخلها اللبنانيون وحضر أهل مقاطعة ديروس وسلموا. ثم انتقل اللبنانيون إلى بيت الشلف والمزرعة والجهنا وأحرقوا قراها وأدخلوا أهلها في الطاعة. وقام أهل الطروحة وبيت ياشور والقرّاضة فربطوا جسر السن. وعندئذ وصلت نجبدة لبنانية مؤلفة من خمس مئة مقاتل من زحلة وبسكنتا. فاقتلت النصيريين وخسرت ستة وثلاثين رجلاً. وبلغ الأمير خليل ذلك فأرسل الأميرين سعد الدين وأحمد لنجدة المقاتلين ففر النصيريون إلى جبل الحمام وهكذا دواليك حتى استتب الأمن في البلاد كلها وجُمع سلاحها59.

ويستدل من تقارير اللواء سليم بك أنه جمع من المقاطعات الجنوبية ٤٠٠ بندقية وخمسين زوجاً من الغدارات واثنين وثمانين خنجراً وستين سيفاً ومن مقاطعات المرقب وقدموس والخوابي وسلطان إبراهيم والقرى الساحلية ٣٠٠٠ بندقية وعدداً من السيوف والطبنجات والخناجر وما لا يقل عن ألفي بندقية من سائر المقاطعات60.

٧ - حلب وأنطاكية وسائر سورية الشمالية: وكان السرعسكر قد أوفد محمد منيب أفندي إلى حلب لجمع سلاحها فوصل إليها في منتصف أيلول من السنة نفسها وأذاع الأمر السامي بلمّ السلاح وشرع بتنفيذه «فنفر الأهالي منه وأظهروا عدم الرضى عنه» وعن الفردة. ولكنه على الرغم من هذا تمكن في ظرف خمسة عشر يوماً من جمع ٨٤٨٢ بندقية من حلب و٢١٦٨ من كلس و١٨٥١ من أنطاكية. وأجل لم السلاح من القرى إلى حين وصول قوة عسكرية تؤازره61. فحسب الفلاحون حساباً لهذا ونادوا بالثورة ثم احتلوا منطقة جسر الحديد على العاصي فربطوا الطرقات على عرب الهنادي وقالوا «حلب محاصرة وإدلب قامت وعنزة مجاورة حلب والبلاد جميعها قامت وسعادة أفندينا الوزير المعظم محمد رشيد باشا خولنا احتلال تقية وأنطاكية والجسر وأمرنا أن نقول أن الذي يطيع مولانا السلطان عليه أمان الله ورايه والذي يعصي رزقه وماله ودمه وحريمه حلال ونحن نجاهد في سبيل الله لأنهم على غير الحق»62. فقام إليهم سليم باشا بألاي المشاة الثاني عشر وألاي الفرسان الأول ونصف بطارية من المدافع إلى قرية صوفيلر في أوائل تشرين الثاني وضربهم ضربة قاضية أسفرت عن تشتيت شملهم63. وأعلن انتهاء هذه «الفتنة» من قرية شيخان في جبل الأكراد وعين شيوخ محليين من أعداء الشيوخ الفارين64. ٨ - لبنان: وفي أواخر السنة ١٨٣٤ كتب السرعسكر إلى الشهابي الكبير أن يرسل ولده أميناً إليه إلى عكة. فتوجه. واستقبله السرعسكر ببشاشة ثم طلب منه ألفاً وست مئة شاب من الدروز ليدخلهم في جيشه النظامي. فأجابه أمين أن هذه الكمية لا توجد عندهم والتمس منه ترك نصفها فقبل الوزير بذلك ثم سافر بحراً الى صيدا ومعه الأمير أمين. وفي أوائل السنة ١٨٣٥ استدعى الشهابي الكبير إليه مناصب الدروز وأخبرهم بما كان وفرض على كل مقاطعة عدداً من الشبان وأمر المناصب أن ينتخبوهم من ابن خمس عشرة سنة إلى ابن خمس وعشرين ممن لا سقط فيهم وأن لا يكون من البيت الواحد نفران أخوان وألا يؤخذ من ليس له عوض. فلما بلغ الدروز ذلك أبوا وتعصبوا، فوعدهم الأمير أنه يسترحم الوزير (إبراهيم باشا) أن يعفو عنهم65 وأرسل ابنه أميناً مرة ثانية إلى عكة لهذه الغاية. فكتب إبراهيم إلى والده يطلعه على ما جرى ويؤكد «إن اللبنانيين شبوا طلقاء وأنهم إن دعوا للانضواء تحت راية النظام أخذتهم العزة ونفروا من ذلـك»66. فأحاط العزيز علماً برسالة ابنه وبكتاب الأمير بشير الشهابي إليه ونوه بإخلاصه أي بإخلاص الأمير واستبعد احتمال إعراضه عنه ووافق على ملاحظة السرعسكر عن اللبنانيين ثم اقترح إيفاد حنا بحري بك إلى الأمير اللبناني ليذكره بأن ما ضحى به في سبيل نصرة الأسرة الخديوية أدخله في زمرة الزملاء المعدودين من دعائمها وأركانها وبأن السرعسكر قد عقد النية على تغيير الأهالي بين التجنيد والبدل فان لم يقبلوا بإحدهما فالخراب وتشتيت الشمل، ثم عاد العزيز بعد قليل فكتب إلى ابنه ثانية يقول أن لا مناص ولا مفر للدروز من قبول التجنيد أسوة بأهل العراق والأناضول والرقة وأرضروم والمعادن السلطانية. فإن حدثتهم نفسهم بالهرب اعترضهم الجند حينها لاذوا وتوجهوا وإن مدة الخدمة العسكرية المفروضة هي خمسة عشر عاماً فقط!67 ثم شاع في لبنان أن العزيز سيجند ألفاً وخمس مئة من اللبنانيين المسيحيين فقام البطريرك الماروني يعلن عزمه على الاستعانة بفرنسة التدخل في هـذا الأمر وإعفاء الموارنة من الخدمة فكتب العزيز إلى ابنه يقول إنه لما استشعر من القناصل تلميحاً بتعب المسيحيين من الخدمة68. استسلم للطبيعة البشرية فاحتد عليهم وأسكنهم بقوله إنه وهو لا يفتأ يستخدم أبناء دينه في عمران البلاد كيفما شاء لا يستطيع أن يؤثر المسيحيين عليهم بغير حق. ثم اقترح العزيز على ابنه أن يعلن أنه لن يأخذ من النصارى غير المائتين والخمسين الذين أرسلوا إلى ورش عكة وأفاد بعد ذلك أن استخدام النصارى بهذا الشكل يسهل تجنيدد المسلمين69.

وقام بحري بك بالمهمة الموكولة إليه فذهب إلى بتدين وقابل الشهابي الكبير وحثه على جمع المطلوب بسرعة70. ورفع تقريراً بذلك مؤكداً عدم موافقة الدروز على الخدمة ذاكراً نفورهم من قيودها مبيناً خوف المـقـال من أمر اختلاط شبان الدروز بغيرهم وإمكانية ابتعادهم عن دين الأجداد ثم عاد فرفع رسالة وردت إليه من الشهابي الكبير تضم بعض الرسائل التي تسلمها هذا الأمير من بعض مناصب الدروز في موضوع التجنيد الإجباري. وبين هذه الرسائل رسالة من الشيخ حسين والشيخ حمد تلحوق يؤكدان فيها استعداد جماعاتها لتقديم الشبان ولكنها يرجوان ألا يكونا «بداية» «لسبب أمر الديانة فقط»71.

وامتعض الشهابي الكبير من موقف العزيز ولكنه كظم غيظه وصبر عليه72 وأمر وجوه البلاد بالانصياع ففعلوا. وقدموا ألف شاب درزي لجيش العزيز. فجمعهم السرعسكر في صيدا وأمر سليمان باشا الفرنساوي أن يتولى فرزهم فألف منهم ثلاث فرق كاملة وجعل كل فرقة مئة وثمانين جندياً. ثم ألحق بعضهم بالأورطة الرابعة من ألاي المشاة التاسع عشر وبألاي المشاة الثالث عشر المقيم آنئذ في الرملة (بفلسطين) وأرسل الباقون إلى السويدية. ثم كتب إلى القائممقام محمود أفندي أن يعنى بالفرق الثلاث الأولى التي أرسلت إلى الإسكندرية فيأمر بإسكانها في الثكنات وبتوزيع الكاوي عليها وأن يلتفت بنوع خاص إلى أبناء الوجوه فيخصص لهم تعينات ملازمين73. وهكذا فيكون السرعسكر قد أجاب سؤل «الأجاويد» من رجال الدين عندما أمر بإبقاء الشبان المجندين متجمعين كتلاً غير موزعين أفراداً على فرق من الجيش متباعدة. وكان الشهابي الكبير قد طلب إحالة مالكانة ثلث الكورة التي انحلت بوفاة مصطفى آغا بربر إلى أولاده فكتب العزيز إلى ابنه السرعسكر موجباً إجابة طلب الأمير اللبناني وغض النظر عن ثمن المالكانة قائلاً: «إن المصلحة تقضي بتطييب خاطر الأمير بشير الشهابي»74

واتخذ العزيز من تردد الدروز في أمر التجنيد عذراً لتجريدهم من السلاح فأصر ابنه إبراهيم بوجوب جمعه منهم. وقام إبراهيم يستغرب ما سبق من إعفائهم فذكره والـده أن إعفاءهم إنما كان لما أسدوه من عضد وعون حينها كان بر الشام كله ثائراً وإن الشهابي الكبير أمير الدروز خفَّ على الرغم من شيخوخته وزحف على صفد ابتغاء نيل الرضى. فلو همَّ الجناب العالي حينذاك بتجريد الدروز من السلاح لكان ذلك سبباً لعصيانهم. ولو جردوا وهم في خدمتهم في جبال النصيريين لاستوى العاصي والمطيع وأصبحت أعمال الجناب العالي مخالفة لأسس السياسة منافية للإنسانية. أما تجريدهم بعد أن خالفوا أمر التجنيد فإنه جاء مشروعاً مانعاً للألسن من الاندفاع في القيل والقال. ثم حكى العزيز لابنه كيف كتب قنصل الإنكليز إلى بوغوص بك بشأن الدروز وكيف جاءه بوغوص في شبرا فأبلغه أن القنصل يری عدم اغتصاب الدروز ما داموا قائمين في الخدمة في وقت فشا فيه العصيان وكيف أجابه الجناب العالي قائلاً لقد آن الأوان يا بوغوص لدك جبل الدروز دكاً حتى يعود قاعاً بلقعاً. واستدل الجناب العالي بما تقدم على أن لكل أمر وقتاً هو به رهين وعلى أن التجريد آنئذٍ لن يكون من ورائه لوم لائم. ثم أمر العزيز ابنه أن يسارع إلى درس قضية جبل الدروز على ضوء تقارير بحري بك والأمير بشير وأن يتخذ التدابير اللازمة لجمع السلاح من سكان الجبل75. فوافق السرعسكر على نزع السلاح وعلى التجنيد أيضاً ولكنه لم يقبل القول «أنهم ساعدونا في نابلس وإن القضية تقضي علينا بكذا وكذا» وأشار إلى أنه في أوروبة نفسها «لا يوجد إنسانية ولا يعمل إلا بموجب المصلحة» ورأى أن يؤجل جمع السلاح بعض الوقت إذ لم يكن لديه من رجاله الذين يعتمد عليهم من يمكنه الإشراف على هذا العمل آنئذٍ76.

وفي الرابع عشر من تموز سنة ١٨٣٥ عاد العزيز فكتب مرة ثانية إلى ابنه يوجب عليه الزحف على الدروز بجميع قواته «لعلهم يعقلون فإن قضي الأمر كان به وإلا فالحرب فعلاً»77. ولكن السرعسكر كان قد انتقل إلى شمالي سورية للإشراف على أعمال قطع الأشجار في جبال بياس فكتب منها يشير إلى أنه أمر بإرسال بعض العساكر إلى جبل الدروز78 وأنه من المحتمل أن تكون حكومة الآستانة قد قصدت تحريض الدروز بإرسال النجدات إلى محمد رشید باشا79. وفي أواخر أيلول من السنة نفسها كتب السرعكر إلى الأمير اللبناني يستدعي ابنه أميناً إلى بعلبك للتحدث إليه في قضية نزع السلاح، ثم عاد فكتب ثانية أنه قائم إلى زحلة على رأس قوة عسكرية لتنفيذ أوامر والده وأنه سيقوم منها إلى بتدين لجمع السلاح كله «بحيث ما يبقاش ولا قطعة» وأنه إذا حضر إلى بتدين ووجد أن اللبنانيين لم يمتثلوا إلى أمره فإنه يضربهم أينما كانوا وسيخرب بيوتهم ويقطع أرزاقهم، فهبَّ اللبناني الكبير يحض الناس على الخضوع وتقديم السلاح. وفي التاسع والعشرين من الشهر نفسه وصل السرعسكر إلى دير القمر يحف به رهط من كبار رجاله منهم عباس باشا وسليم باشا ومحمد باشا وسليمان باشا وبحري بك ووراءه ألاي الغارديا المشاة الأول وألاي الغارديا المشاة الثاني وثلاثة ألايات أخرى وبطارية مدافع وأربعون جملاً للذخيرة فعسكر الجيش في صحراء الدير وقام السرعسكر وأكابر رجاله إلى بتدين بأورطة واحدة من الجند، فرحب به أمیر لبنان وأطلعه على ما اتخذه من إجراءات فسر السرعسكر كل السرور وجمع السلاح دون مقاومة. وبلغ ما لمه من اللبنانيين النصارى حتى منتصف تشرين الأول ٩٦٤٧ بندقية ومن اللبنانيين الدروز حتى التاريخ نفسه ٥١١٣ بندقية80.

وكان العزيز فيما يظهر يقدر شجاعة الدروز وبأسهم ويطلق الآمال عليهم في حربه المقبلة فاضطرب في هذه الآونة نفسها لخروج بعضهم عن مذهب الأجداد وكتب إلى محمد شريف باشا يفيده أن خروج الدروز عن دينهم «أمر خطير يجب تلافيه» وأن المصلحة تقضي بالاتصال سراً بالشهابي الكبير للتحقق من صحة هذا الخبر81. فكتب الحكمدار إلى أمير لبنان يستطلع رأيه في الأمر فأجابه هذا أن بعض الدروز «أراد التداخل بالطريقة العيسوية» ولكنه لم يفعل لما تبلغه من «التنبيه والتشديد والتهديد» ولذا فإنه يعتبر أن «هذا المبدأ قد انقطع» وأن نار هذه الشهوة قد خمدت. ثم يضيف أن الأمراء اللمعين كان قد سبق لهم أن تنصروا وأنه لم يبق منهم على طريقة الدروز سوى الأمير أحمد قايدبيه المقيم في برمانا وأولاد الأمير نصر مراد المقيمين في المتين وأن هؤلاء أي أولاد الأمير نصر كانوا قد أظهروا رغبة في التنصر ولكنهم عندما سمعوا تهديد الأمير وتشديده تركوا ما كانوا قد عزموا عليه ثم ما فتئوا أن قبلوا الدين المسيحي سرّاً82.

۹ - أصابع الإنكليز: وخشيت الحكومة البريطانة مطامع القيصر الروسي، فوقفت له بالمرصاد. وعزمت ألا تفسح له المجال لتطبيق بنود معاهدة هنگار إسكلەسى ولاسيما السري منها. فقام الملك وليم الرابع يؤكد في خطبـة العرش في شهر شباط من السنة ١٨٣٤ أنه سيمنع حدوث أي تغيير في علاقات الدولة العثمانية بدول أخرى يكون من شانه التأثير في سلامتها واستقلالها. وأمر وزير شؤونه الخارجية الفيكونت بالمرستون السفير البريطاني في الآستانة بأن يدعو الأسطول البريطاني داخل الدردنيل إذا طلب السلطان مساعدة القيصر ودخل الأسطول الروسي داخل البوسفور. وعندما نشبت نار الفتنة في فلسطين في أيار من السنة نفسها استطلع السلطان رأي الحكومتين البريطانية والإفرنسية في إرسال أسطوله لمعاقبة العزيز فكان جوابها أن عرش الخلافة في خطر إذا جازف السلطان بحرب ضد العزيز. ولما أبى العزيز دفع الجزية المستحقة عن النصارى واليهود في بر الشام وأدنة سنة ١٨٣٤ فاتح الباب العالي السفير الروسي في الآستانة بقصد تطبيق معاهدة هنگار إسكلەسى فتقدم روسية المساعدة ضد والٍ ثاثر فكان جواب هذه أن المعاهدة دفاعية محضة وأنه لا يمكن تقديم المساعدة ما دام الباب العالي البادئ بالعدوان، ولكن ما كادت تصل هذه الأوامر والتعليمات إلى من يعنيهم الأمر حتى وصلت الأخبار بأن الثورة هدأت في بر الشام وأن العزيز بفضل مساعدة حليفه الأمير اللبناني أصبح قابضاً على ناصية الحال. فهدأت مخاوف أوروبة وزال أمل السلطان في انتفاع عاجل من مشاغل العزيز ومشاكله83.

ورأى العزيز أن يخلص نفسه من سيادة محمود الثاني ورجال بطانته لما رآه من سوء النية ودس الدسائس فاتصل بقناصل إنكلترة وفرنسة والنمسة في أواخر صيف السنة ١٨٣٤ معلناً رغبته في الاستقلال. وكتب هؤلاء إلى حكوماتهم بذلك فجاء الرد بالرفض ونصحته بريطانية بالعدول عن مشروعه لأن حالة أوروبة السياسية لا تسمح له بتحقيق أمنيته. فأرجا العزيز البحث لفرصة أخرى84. ولكن طلبه هذا أقلق البريطانيين وأقض مضجعهم لأنهم رأوا في طموح العزيز تهديداً لسلم طالما أنشدوه وسبباً لتدخل الروس وتطبيق معاهدتهم المشؤومة. وذهب بعضهم إلى أبعد من هذا فقال بوجود تفاهم ضمني بين العزيز وبين الروس85.

وهكذا فإننا نرى الإنكليز يوفدون إلى بيروت في مطلع السنة ١٨٣٥ أحد موظفي سفارتهم في الآستانة ليتصل بالشهابي الكبير ويفرق بينه وبين العزيز فيحد من مطامع هذا ويبعد إمكانية التدخل الروسي. اتصل السر ريتشارد وود هذا ببشير الثاني فأبان له الخطر الذي يحيق بشخصه من جراء تفاهمه مع العزيز وأشار إلى فصل بر الشام عن مصر وإلحاقه ثانية بالسلطنة، فأجاب الشهابي بأنه مستعد للتعاون مع السلطان وأنه بإمكانه أن يضع تحت تصرفه أربعين ألف لبناني ولكنه رأى أن ذلك سيؤدي حتماً إلى حرب طاحنة لا يجـد الأتراك بعدها في بر الشام إلا الحجارة. فغزا الرسول البريطاني هذا التردد في نفس الأمير إلى نفوذ فرنسة عليه وراح يفتش عن زعيم لبناني آخر يمكنه الركون إليه. فاتصل بالأمير بشير قاسم وفاوضه بما فاوض بشير الثاني به فوعد بشير قاسم بالتعاون مع البريطانيين شرط إمداده بأربعة عشر ألف بندقية. ثم قام الرسول البريطاني ببث دعايته ضد العزيز بين الموارنة وبين الدروز فأظهر رغبة لتعلم اللغة العربية وانتقى لنفسه مدرساً الخوري أرسانيوس الفاخوري أوسع كهنة الموارنة ثقافة وأقواهم حجة وأعلاهم رتبة وجاهاً وأخذ يدرس العربية عليه ويلقنه السياسة فتمكن من إبعاد الموارنة عن فرنسة كما سنرى فيما بعد. ثم اتصل هـذا الرسول بأعيان الدروز فأبان لهم خطأهم في الابتعاد عن الدولة العثمانية وأكد لهم عودة الأتراك إلى الحكم. وبعد أن تم له هذا كله رفع تقريراً به إلى سفيره في الآستانة فأمره هذا بالتوجه إلى شمالي سورية وحدود كردستان لدرس الموقف في تلك المنطقة والوقوف على قوة الجيش العثماني المرابط فيها ولا سيما أمانة قائده محمد رشيد باشا للسلطان ولي أمره. ففعل وعاد إلى لبنان بعد موقعة نزب كما سنرى فيما بعد86.

۱۰ - ثورة الدروز: وكان العزيز يرقب تطور الأحوال على حدوده الشمالية بشيء كثير من التيقظ والتحفظ فرأى أن لا مفر من اللجوء إلى القوة مرة أخرى لحسم النزاع بينه وبين السلطان وأعاد النظر في جيشه القائم فامر ابنه إبراهيم بإكمال النقص في الألايات وتشكيل ألايات جديدة. وزاره في أثناء ذلك في منتصف كانون الأول من السنة ١٨٣٧ الكولونيل كامل قنصل إنكلترة في مصر فسأله عن الداعي للتجند الجديد وإنشاء السفن في وقت أصبحت الآستانة فيه آمنة هادئة فأجابه العزيز بحماس «إنه من عادة الكبار أن يضحوا بالصغار ولكن محمد علي لا يرضى أن يكون ضحية ويفضل أن يموت نجيله كما عاش حاملاً سيفه. وها قد تبين أن الآستانة جهزت واحداً وخمسين ألاياً فلا أقبل الهلاك وأنا أصغي إلى هذا وذاك»87.

وكان العزيز قد أعفى دروز حوران وغيرهم من سكان المناطق المتاخمة لحدود البادية من التجنيد نظراً لتمرد القبائل وقلة امتثالهم لأوامره فرأى هذه المرة أن يعم التجنيد جميع مناطق بر الشام وأمر محمد شريف باشا بتنفيذ رغبته، فاستدعى هذا الحكمدار الشيخ يحيى الحمدان شيخ مشايخ دروز حوران إليه في دمشق في أواخر صيف ۱۸۳۷ ونقل إليه رغبة العزيز. فتعذر شيخ المشايخ واسترحم وتعهد أن يقدم حاصل مئتي فدان بدل التجنيد. فأصر الحكمدار ولكن الشيخ طلب قبول عذره مرة ثانية. فغضب الحكمدار وكان حاد الطبع سريع الانفعال فصفع ضيفه على وجهه بحضور أعضاء مجلس دمشق. فذل الشيخ بين يديه وسلم بالأمر وأقفل عائداً إلى حوران لتنفيذ الأمر العالي. ودعا الناس إليه وأخبرهم بما جرى. فهالهم الأمر وأفزعهم ثم اتصلوا بعرب السلط وغيرهم من القبائل المجاورة وتفاهموا ثم هجموا فجأة على قرى شريف باشا وبحري بك في حوران فقتلوا وكلاءها ونهبوا ما فيها. فأرسل الحكمدار علي آغا البوصيلي الهواري باشي بثلاث مئة فارس ليقتص من الدروز. فانقض هؤلاء على هذه القوة ليلاً وأعملوا السيف في رقاب رجالها فقتلوا معظمها وفر قائدها علي آغا البوصيلي إلى دمشق يخبر بما رأى. وعندئذ أشار كبير شيوخ العقل الشيخ أبو حسين إبراهيم الهجري بوجوب قيام الجميع إلى اللجاة والاعتصام بها إلى أن ينتهي عهـد المصريين في البلاد وأكد أن ذلك لن يكون طويلاً ولعله كان على صلة بزعماء المعارضة من دروز لبنان، فقام الدروز بعد ذلك إلى اللجاة بعيالهم وأرزاقهم. وشد إزر شیخ المشايخ يحيى الحمدان وقال قوله جميع الزعماء منهم الشيخ فندي عامر والشيخ إبراهيم الأطرش والشيخ أبو حسين درویش واللجاة بقعة بركانية واسعة الأرجاء طولها عشرون ميلاً وعرضها خمسة عشر. وهي كثيرة الصخور محتبكة المنافذ عسيرة المسالك يصعب على الغريب التوغل فيها.

فغضب الحكمدار غضباً شديداً وهب يعاقب الدروز فأنفذ حملة إليهم بقيادة محمد باشا مفتش الجيش بلغ عدد رجالها ستة آلاف. وقام هذا الباشا من دمشق في أوائل السنة ١٨٣٨ فعارضه الدروز في بصرى الحرير ومنعوا عنه المسير فضربهم بالمدافع وخرب بلدتهم فتشتتوا. وجد في أثرهم حتى حدود اللجاة فعسكر في قرية العاهرة حول مياهها. ثم قام منهـا إلى سومیط فضرب الدروز فيها وأجلاهم عنها وذلك في منتصف كانون الثاني. وما أن بدأ بالنهب والسلب حتى عاد الدروز إليهم ففتكوا بهم فتكاً ذريعاً وقتلوا محمد باشا قائد الحملة وأيوب بك الأميرالاي وبكباشيين فانضم إلى الدروز من أنفار الحملة حوالي ثمان مئة نفر من دروز لبنان وشبان نابلس. وكتب إبراهيم باشا إلى والده من حلب يقول أن الأسباب التي أدت إلى فشل هذه الحملة تنحصر في «بلاهة الباشا واندفاع أيوب بك وتمسكه بالكرامة والشرف»88.

وعزز السرعسكر قوة محمد شريف باشا فأمر بقيام ألاي المشاة الغارديا الثاني من حماة إلى حوران وألاي المشاة الرابع عشر من أنطاكية إلى المنطقة الثائرة وقام هو بنفسه على رأس ألاي المشاة الرابع من حلب إلى حمص وكان ذلك في الحادي والعشرين من كانون الثاني سنة ١٨٣٨ وفي التاسع من شباط وصل أحمد منكلي باشا وكيل الجهادية على جناح السرعة من مصر إلى دمشق فآثر الالتحاق بالجيش المحارب على المثول بين يدي السرعسكر في حمص. وفي العاشر من الشهر نفسه قام ألاي المشاة الغارديا الثاني وألاي المشاة الرابع من دمشق إلى حوران وتبعها أحمد منكلي باشا في اليوم التالي89 وبقي السرعسكر في حمص لأسباب صحية. وأوفـد اللواء ولي بك إلى حوران ليدرس الموقف مع كبار الضباط فيها ويشترك في وضع خطة الهجوم90.

ويقول واضع المذكرات التاريخية ولعله عبدالله نوفل أحد الكتبة بمعية محمد شريف باشا أنه لما بلغ الحكمدار ما حل بمحمد باشا وحملته ركب حالاً بنفسه وتوجه إلى حوران يلم فلول الجيش وينتظر المعونة في قرية تبنة بالقرب من اللجاة. فلما تم له ذلك قام مع منكلي باشا بعشرين ألف مقاتل ودخل اللجاة وتوغل فيها مسافة يوم كامل ولم يرَ أحـداً وأنه قام في اليوم الثاني وتابع زحفه حتى الساعة الثالثة من النهار فأحاط به الدروز من كل جانب وأصلوه ناراً حامية من وراء الصخور فتساقطت عساكره وجرح أحمد باشا ثلاثة جروح و«تقنطر» الحكمدار وكاد يهلك لولا معونة علي آغا البوصيلي. وقتل وأسر من الجيش أربعة آلاف وفقد الدروز ثلاث مئة من ألفين وغنموا مالاً وذخيرة وعتاداً91. وتغنوا بأبي إبراهيم مؤكدين معونته مبصرينه «يمرح بين الفراعنة كالنـار المشتعلة والبرق الخاطف» مبتهجين لإشفاقه عليهم (من مخطوطة درزية حورانية).

فكتب الحكمدار إلى العزيز في التاسع عشر من شهر شباط يصف ما حلَّ بألاي المشاة الرابع فيفيد أنه بعد أن حارب أفراده الثوار طيلة نهار وليل من وراء المتاريس تكاثر عليهم الثوار والعربان فاضطروا أن يفروا وتوفي أكثرهم. ثم ينقل ما أفاد به خلیل آغا اليوزباشي في الألاي الرابع عشر فيقول أنه وقع في بؤرة حجرية مع مئة نفر وأن اللواء رجب بك سقط فيها أيضاً وأن العرب أحاطوا بالبؤرة المذكورة ولكنه فر منها ونجا بنفسه وإنه فهم من أقوال الآغا المذكور أن رجب بك توفي ومن أقوال شاكر أفندي البكباشي المدفعي أن طيفور بك وقع في أيدي العرب92. ورفع الحكمدار في الوقت نفسه البيانات التي أعدها البكوات بعدد القتلى والجرحى وأفاد أن الألايات المنكسرة لا تزال تصل إلى دمشق يوماً بعد يوم. ويستدل من هذه البيانات أن ألاي المشاة الثاني فقد في الرابع عشر من شباط مئة واثنين لا يعرف مصيرهم وستة مجروحين وتسعة متوفين وأن ألاي المشاة الغارديا الثاني فقد ما بين الرابع عشر والتاسع عشر من الشهر نفسه مئتين واثنين وخمسين جريحاً ومئة وتسعة عشر متوفين وسبع مئة وخمسة ضاعوا أبان المحاربة وأن ألاي المشاة الرابع عشر خسر مئة وثمانية من الجرحى ومئة وواحداً وستين ضاعوا أبان المحاربة وأن ألاياً آخر فقد ألفاً وخمس مئة وثلاثة وستين من مجموع قدره ألفان ومئة وثمانون. ويستدل من الكشف الذي أعده قائد ألاي المشاة الغارديا الأول أنه فقد في هذه الموقعة نفسها ألفاً وثلاثة عشر نفراً ورتيباً وأن ألاي المشاة الثامن عشر فقد بين قتيل وجريح وضائع سبع مئة وعشرين، فيصبح مجموع الجرحى والقتلى والضائعين في هذه الموقعة وبموجب هذه البيانات الرسمية أربعة آلاف وسبع مئة وثمانية وخمسين93. ثم أجمل القول إبراهيم باشا فأفاد أن الموقعة جرت بالقرب من دامة في قلب اللجاة في منتصف شهر شباط من السنة ١٨٣٨ وأن ألاي الغارديا الأول وألاي الغارديا الثاني وألاي المشاة الرابع وألاي المشاة الرابع عشر وألاي المشاة الثامن عشر اشتركوا فيها وأن هذه الألايات لم تقو على الدروز فاختل نظامها وجرح قائدها أحمد باشا المنكلي فاضطرت أن تعود إلى قرية تبنة94.

أما محمد شريف باشا الحكمدار فإنه بعد أن يشير إلى انهزام الجيش مرتين أمام صخور اللجاة وإلى توعك صحة السرعسكر وتوقع الحركات العدائية من قبل الباب العالي يفيد أنه يسعى لحل مشكلة الدروز حلاً سلمياً كأن يؤخذ منهم عدد معين من الجنود ويطلب إليهم تسليم الذخيرة التي استولوا عليها فيؤمنوا عندئذ على أرواحهم ومتاعهم وتنتظر السلطة حلول فصل الصيف وجفاف برك الماء في اللجاة قبل أن تضربهم ضربة قاضية تنفذ بها إرادة الجناب العالي. ويستدل من مضمون هذه الرسالة أن الرعب كان قد دب إلى قلوب العساكر وأن الحكمدار خشي أن يخسر عدداً لا يستهان من ضباط الجيش إن هو أقدم على متابعة الحرب95.

واشتدت عزائم الدروز فترفعوا وتكبروا وكتب زعيمهم الشيخ يحيى الحمدان إلى أبي السعود أفندي المرادي نجل مفتي الحنفية في دمشق الشيخ حسين أفندي المرادي وإلى شمدين آغا وعمر آغا البوزلي وغيرهم يقول «بخصوص العساكر الذين فاتوا علينا في حياتكم البركة وما بقي منهم إلا القليل وأخذنا المدافع والجبخانة والذخيرة كلها. فإذا حسن عندكم شيء نشد ضهركم ونقوي قلوبكم. وقد فعلنا ما لم يفعله أحد قبلنا لا أكبر ولا أصغر. ونحن لا ننتظر فزعة أحد ولكننا نحمد الله الذي جعلنا أصحاب الجلالة والناموس ونضرب بسيف الله والسلطان وغيرنا ماتت المروة منه»96.

وأخذت أحاديث الفتن والفساد تترى بين أهالي دمشق وبدأت علائم الفتن تبدو في قراها. وعمد بعض الأشقياء من أهالي قريتي ينطا والحلوة وهما من قرى دمشق الدرزية إلى قطع طريق بيروت دمشق. وتغلغل عدد كبير من فرسان الدروز إلى قرى الغوطة وأخذوا يحضون القرويين على الهجوم على دمشق لإطلاق سراح المجندين من أبنائهم الموجودين في ثكنات المدينة قائلين «لنركب جميعاً معاً ونسير للاستيلاء على دمشق وإنقاذ أولادكم»97، فازداد خوف الحكمدار وكتب إلى السرعسكر يقول: «إن إنهاء عصيان هؤلاء الأشقياء لمن أقدس الواجبات ولا بد والحالة هذه من إيجاد عساكر تألف القتال بين الصخور. وبما أن عساكر السكبان غير موجودة الآن في بر الشام فإني أرى أن يتم انتقاء سبعة أو ثمانية آلاف رجل من نصاری جبل الدروز وأن يسلحوا بالبنادق من عكة ويزحفوا بقيادة الأمير خليل الشهابي إلى مناطق الثورة لإخمادها98.

ورأى السرعسكر رأيين في أمر التنكيل بالدروز فإما أن يرجئ الزحف عليهم حتى موسم الصيف حين تنضب المياه في مناطقهم الصخرية أو أن يستفاد مما عليه الجو من اعتدال فتستدعى الألايات المرابطة في بر الشام وتعين لها أماكن نزولها وتراقب حركات الأتراك حتى إذا ما تبين أنه ليس ثمة تدابير ينوي الأتراك القيام بها يزحف هو بنفسه على الأشقياء بثلاثة ألايات من الألايات الموجودة لديه في حلب ونواحيها فيعمل سيوف الجناب العالي اللامعة في رقاب الأشقياء على نحو ما يشتهيه99. ثم عاد فكتب في الرابع من آذار يوجب إبقاء الألايات الأربعة في حلب استعداداً للطوارئ ويرجو إرسال ألاي الغارديا الثالث من مصر إلى بر الشام وإنزال الأورطة الرابعة منه المؤلفة من الدروز في السويدية والأورط الثلاث الأخرى المؤلفة من الحلبيين والأنطاكيين والدمشقيين في عكة أو بيروت كي يقوموا منها إلى الشام كما أنه يطلب إرسال ألاي المشاة الثالث عشر إلى بر الشام.

ولدى اطلاع العزيز على آراء الحكمدار والسرعسكر أمر بالإسراع في قمع الثورة لئلا يؤدي استمرارها إلى استفرار الأتراك. وإذا كان ذلك غير ممكناً فليعاد إلى الطريقة التي أشار بها الحكمدار لتهدئة الخواطر. وكتب في السابع من آذار إلى سليمان باشا الفرنساوي الذي كان قد تولى قيادة منطقة حوران ينبئه باستعداده لإرسال الألاي التاسع من مصر إلى بر الشام وبإرسال ثلاث مئة من الآغاوات ذوي اللحى وبأنه أصدر أمره إلى مصطفى باشا محافظ كريت ليقوم بالتجنيد العام في الجزيرة ويتوجه بالعساكر المجندة إلى بر الشام على أن يتولى قيادة العساكر غير النظامية وأضاف أن مصطفى باشا قائد باسل يحسن الحرب في الجبال100.

وقارب فصل الشتاء نهايته وخشي دروز حوران جفاف الصيف ففزعوا إلى إخوانهم في إقليم البلان ووادي التيم وهب هؤلاء لمعونتهم فسلبوا خيالين من «خيالة المصلحة» لخيولها وسلاحها بالقرب من قريتي عنقيتا وشويا ونهبوا في سعسع عشرين حمل جبخانه واشتبكوا في بيت جن مع عساكر الأمير مجيد حفيد الشهابي الكبير وفي المساء تفرقوا وازداد عددهم حتى بلغوا أربع مئة خيال وألفاً من المشاة. فأمر السرعسكر أحمد بك أمير لواء المدرعين أن يزحف على إقليم البلان ووادي التيم بألاي المشاة السادس وعساكر السكبان الذين حضروا من أدنة. ثم علم السرعسكر بوصول مصطفى باشا من كريت إلى بيروت فأمره بالاتصال بحفيد الشهابي الكبير وبالتعريج على حاصبيا وراشيا في طريقه إلى دمشق «لتأديب الثوار فيهما»101.

وفي الرابع من نيسان زحف أحمد بك المشار إليه بألاي المشاة السادس وعساكر السكبان بطريق سمع إلى قرية دربل فوقا فواقع الدروز فيها وتغلب عليهم وكان عددهم يزيد على السبع مئة والخمسين، فسقط منهم جمع غفير وخسر أحمد ثلاثة عشر قتيلاً وخمسة وستين جريحاً102. وكان شبلي آغا العريان قد خرج من اللجاة على رأس مئتي فارس واتخذ قرية مجدل شمس مقراً له فقام أحمد بك بقوته إليـه واضطره أن يخرج منها ويتجه نحو حاصبيا103. ولدى وصول العريان إلى وادي التيم قصد بلدته راشيا عند الفجر ودخل دار الحكومة فيها وذبح ابن الجفري متسلمها ثم أخذ يتجول بين القرى يهيج أهلها فقاموا معه وما فتئ حتى أصبح عدد رجاله أربعة آلاف . فأرسل إبراهيم باشا ألفاً لقتاله ومئة من المدنيين وبعض المدافع وتصدى لهم العريان فكرهم فاتجهوا نحو راشيا واعتصموا بقلعتها فحاصرهم الدروز من كل صوب. ووصل المدفعيون فاتخذوا لمدافعهم مراكز في الوعر العالي وحاصروا البلدة فصبر الدروز على هؤلاء حتى الليل ثم أفلتوا عليهم ثمانين ثوراً فظن المدفعيون أنهم دروزاً والتهوا وما أن فعلوا حتى أدركهم الدروز من الوراء فقتلوا معظمهم وأسروا الباقي ثم شدوا الحصار على القلعة ومنعوا عنها كل وارد فجاع المصريون فيها وبعد أن أكلوا خيولهم اندفعوا منها إلى الخارج تحت ستار الليل وفروا إلى البقاع فلحق بهم الدروز وما فتئوا حتى أدركوهم في قرية بر إلياس بالقرب من شتورة فذبحوا منهم جانباً وساقوا الباقي إلى قرية المحيدثة وذبحوهم فيها104. وثار ثائر الدروز في الشرف فتناسى ناصر الدين العماد ما مضى وجاء إلى الشهابي الكبير يلتمس صفو الخاطر ويعرض نفسه للخدمة فطيب الأمير قلبه وأمر له بصلة فقبضها وسار إلى العريان. وتبعه دروز كثيرون فذهبوا إلى العريان جهاراً والشهابي الكبير لا يتعرض لهم105. ولا غرو بعد أن صدر عن العزيز وابنه ما صدر إذ تساوى في نظرهما عام ١٨٣٥ الصديق والخصم.

واضطر السرعسكر على الرغم من أنفتـه أن يعمل بمشورة محمد شريف باشا فيطلب المعونة من لبنان مرة أخرى فكتب إلى الشهابي الكبير أن يجمع أربعة آلاف مقاتل من نصارى لبنان و«أن يسلمهم أسلحة مؤيدة لهم ولذريتهم» ويوجههم صحبة ولده الأمير خليل إلى وادي التيم لقتال الدروز106. فوقع الشهابي الكبير في حيرة من أمره ولكنه عاد فاهتدى فأوصى خليلاً بالجماعة ووضع تحت تصرف السرعسكر خبيراً في شؤون وادي التيم الشيخ جرجس الدبس يرشد السرعسكر أحياناً ويضله أحياناً ثم ينقل أخباره أحياناً أخرى إلى القيادة الدرزية107.

وجد السرعسكر السير مسرعاً إلى وادي التيم فبلغه ما حل بمعسكره فعاد إلى دمشق وجهز حملة جديدة فأرسل قسماً منها بطريق بانياس فالإقليم وقام هو بالباقي إلى سهل عيحا. فأتته الدروز وتحصنوا قبالته في حرج هناك وانتشب الحرب بينه وبينهم فلم يفر منهم بطايل وبلغ الدروز ذات يوم أنه قادم من دمشق إلى عيحا علايف فأرسل الشيخ حسن جنبلاط والشيخ ناصر الدين العماد ثلاث مئة رجل لأخذها فلما وصلوا إلى وادي ممسى وجدوا العلايف قادمة فتسلموها جبراً. وكان مصطفى باشا الكريتي قد وصل إلى بيروت برجاله وقام منها إلى دمشق وذهب إلى وادي التيم المعونة السرعسكر فاصطدم بهذه الشرذمة الدرزية واشتعلت نار الحرب بينه وبينهم. فلما بلغ الشيخين المشار إليهما ذلك انطلقا إليهم بسبع مئة وخمسين مقاتلاً. ولما أقبلوا على الأرناؤوط شبوا عليهم نيران الوغى. وبلغ إبراهيم باشا ذلك فحمل على الدروز بشطر من عسكره من ورائهم. ولما اشتد الحرب على الدروز انكفأوا إلى وادي بكا وإذا بإبراهيم باشا هاجماً عليهم بعسكره فأطلق عليهم ناراً دائمة وأطبقت العساكر من كل جانب. فانحاز الشيخ حسن جنبلاط إلى قلعة صخرية تطل على الوادي ولجأ الشيخ ناصر الدين إلى قلعة مماثلة في أسفل الوادي. وأحدقت بهم العساكر وحملت عليهم فصدوها.

ولما نفد الرصاص والبارود من جماعة الشيخ ناصر الـدين صاح أن اهجموا على القوم بالجوارح ففعلوا «فما كنت ترى إلا دماء مهرأقة وأشخاصاً ممزقة ورؤوساً طائرة وأعضاء متناثرة». ولما رأى الوزيران عسكرهما أوشك أن يولي الأدبار أمرا بهجوم معاكس مماثل فاستل الشيخ ناصر الدين سيفه يغري به من يصل إليه حتى قتل خلقاً كثيراً من حواليه ثم قتل ولم ينج من أمسا به سوى خمسين نفراً. وأما الشيخ حسن فإنه عندما أيقن أن لا نجاة له ولقومه إلا بالهرب فر بمن نجا منهم إلى شبعا108.

وكان شبلي آغا العريان قد انتقل بجماعته إلى جنعم على سطح جبل الشيخ فأراد السرعسكر أن يحدق من جهات ثلاث وطلب إلى الشيخ جرجس الدبس أن ينقل خطته هذه إلى العساكر المحتشدة في بانياس كي تشترك في الهجوم فقام الشيخ جرجس إلى بانياس وأطلع قواد العساكر فيها على خطة السرعسكر وباح بالسر نفسه إلى شبلي آغا العريان. فقسم العريان قوته إلى فرق ثلاث استعداداً لصد هذا الهجوم. وفي الموعد المعين قامت العساكر إلى الدروز النابلسيين الذين أتوا من بانياس فانكسروا ناكصين على أعقابهم مذعورين وما فتئوا حتى وصلوا إلى نقطة انطلاقهم. ورد الدروز أيضاً الأمير خليلاً وجنوده مذعورين مشتتين وقتلوا منهم الشيخ فضل الخازن وسبعة عشر رجلاً آخرين، ولكنهم لم يقووا على السرعسكر وجنوده في قرية شبعا فتراجوا أمامه مغلوبين على أمرهم ودخل السرعسكر هذه القرية منتصراً وأمر الشيخ جرجس أن يبلغ الدروز في جنعم وجوب تقديم السلاح. وما أن هم بالمسير حتى شاهد اثنين من عساكر الأرناؤوط ممسكين بامرأة درزية لارتكاب الفحشاء فأخبر الباشا بما رأى فطلب هذا إلى «البورجي» أن يردهما عنها فلم يمتثلا وعندئذ «ساق السرعسكر بغلته» واتجه نحوهما وما أن وصل إليهما حتى قتلهما بيده. وتابع جرجس سيره فبلغ جنعم وأخبر الدروز بما أمر به السرعسكر فامتثل أكثرهم ولكن العريان أبى وفرّ بمئة فارس إلى حوران. وفي اليوم التالي قام وفد من دروز جنعم إلى شبعا فمثلوا بين يدي السرعسكر وقدموا الطاعة إليه وأربع مئة بندقية وطلبوا العفو منه فأجابهم إلى سؤلهم وأمرهم بالعودة إلى أوطانهم وقام هو بعسكره إلى قطنة بالقرب من دمشق وأمر بالبقاء في راشيا لإدلاء النصح للعريان بوجوب التسليم. وعاد العريان من حوران بغية التسليم عن يد الشهابي الكبير. ولدى وصوله إلى صغبين في غربي البقاع أرسل مندوباً عنه إلى بتدين يطلب إلى الأمير اللبناني أن يسلم عن يده فرفض الأمير لأنه لم يضمن النجاح. فأقبل جرجس على العريان في صغبين وضمن له ما تمنى وأخذه إلى قطنه فتقبل السرعسكر استسلامه وعينه رئيساً على خمس مئة خيال غير نظامي109.

وفي صباح اليوم التالي دخل ياور السرعسكر على جرجس ينقل إليه أمر سيده بالمثول أمامه بين يديه. ففعل وما أن مثل بين يديه حتى قال له السرعسكر لقد جئتنا يا جرجس بذنب الحية وأبقيت رأسها. فاذهب الآن إلى حوران واتصل بالدروز في اللجاة وبلغهم العفو وأخرجهم من معاقلهم واذهب بهم إلى شريف باشا ليقدموا الطاعة إليه، وسلمه السرعسكر أمراً مقتضباً إلى الحكمدار يقول فيه: «شريف باشا! واصل جرجس الدبس زي ما يأمركم به افعلوه! الإمضاء: إبراهيم» فقام جرجس من قطنه إلى حوران يرافقه الشيخ حسن البيطار أحد أعيان الدروز في راشيا. وذهب إلى المعسكر المصري في قرية عاهرة وطلب مقابلة الحكمدار فأذن له بالدخول فوجـد الحكمدار مجلس عسكري يحيط به كبار الضباط وإلى جانبه المعلم إبراهيم طنوس كاتبه الخاص. ولم يكترث الباشا به لخشونة مظهره. فقدم جرجس رسالة السرعسكر وأرفقها بأمر العفو عن الدروز فانتصب الباشا قائماً وأكرم جرجس وقال «خلصني من هذا العذاب لأني أصبحت كالأسير».

ثم دخل جرجس ورفيقه اللجاة وقصد الشيخ يحي الحمـدان فوصل إليه في نصف الليل فرحب به وأثنى عليه ذاكراً خدماته لأبناء وطنه الدروز فقص جرجس قصته على شيخ المشايخ وذكر له ما أبداه السرعسكر من اللطف نحو دروز وادي التيم بعد أن قدموا سلاحهم ثم نصح إليه أن يقتدي بهم وأن يقوم وفد من دروز اللجاة إلى العاهرة حاملين الأسلحة وما أخذوه من نوعها في موقعة داما ليمثلوا أمام الحكمدار ويسمعوا نطق العفو. فدعا شيخ المشايخ أشياخ الدروز وأطلعهم جرجس على مهمته فأثنوا عليه وأكدوا له أنهم أصبحوا بحالة يرثى لها من العطش والجوع والبرد. وكان الشهابي الكبير قد كتب لهم مثل ما تقدم فقاموا بمعيته أربعون شيخاً بينهم ألف رجل. ومثلوا أمام الحكمدار وقدموا الطاعة اليه مشفوعة بسبع مئة بندقية من سلاحهم وألفي بندقية غنموها من الجيش. وتلا عليهم الحكمدار أمر العفو فعادوا إلى قراهم آمنين110.

وكتب السرعسكر إلى حسين باشا الباشمعاون في الرابع من آب سنة ١٨٣٨ يقول: حينما أصبح عصاة اللجاة في حالة النزاع والاحتضار ثار دروز راشيا وحاصبيا فسقنا عليهم أمير لواء الغارديا الثاني بأورطتين وعدد من فرسان الهنـادي فأبى اللواء أن يعسكر في العراء وتحصن في بيت كبير. ولما بلغنا هذا الخبر قمنا بنفسنا إلى راشيا فعلمنا أن اللواء خرج منها إلى بعلبك مشتتاً شمل جنوده. فعسكرنا في الساعة الثانية من ذلك اليوم في سهل راشيـا وشرعنا في القتال في غده. ففتحنا راشيا وقتلنا ثلاث مئة درزي واستعدنا المدافع والجبەخانة التي كانت قد وقعت في يد الثوار يوم إبراهيم بك. وقد جاء أكثر من ألفي رجل من جبل الدروز ليمدوا إخوانهم بالمساعدة. وكنا نحن قد طلبنا مصطفى باشا وعساكره فذهبنا إلى المضيق الذي سيمر منه الأشقياء فوجدنا شرذمة منهم وشرعنا في قتالها فهزمناها وألقينا في هاوية الجحيم أكثر من ألف منها. ثم علمنا أن العصاة يحتشدون في الجبال في شبعة على بعد خمس ساعات من راشيا فزحفنا عليهم ووجدناهم في مضيق متين يقع على بعد ساعة من هذه الناحية. فانهزموا في طرفة عين وأرسل كثير منهم إلى نار الجحيم. وجاء شيوخهم سحراً يتأمنون ويستسلمون قائلين «دخيلك» فأخذنا منهم أسلحتهم. وكان قد هرب فريق منهم إلى اللجاة وبلغ سليمان باشا خبرهم فاعترض سبيلهم وأهلك عدداً يزيد على المئة. ولما وصلنا إلى اللجاة بعثنا رسولاً إلى داخل البلد يبلغهم أنهم إذا لم يستسلموا قتلوا جميعاً بالسيف الصارم. فانتدبوا رجلاً من فورهم وجاءنا يقول دخيلك ويلتمس الأمان. ولقد آمناهم رحمة بأطفالهم ونسائهم وأخذنا أسلحتهم وسقناهم إلى قراهم. فنخبركم أن هذا الأمر قد تم وانتهى بحسن الخاتمة111.

هذا ولا يخفى ما في هذا كله من الإجمال والغموض والتبجح. وهو إن صدر عن السرعسكر نفسه فإنه لا يؤخذ على علاته.


  1. كتابنا الأصول العربية ج ١ ص ۹۸
  2. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا ١٦ رجب ۱٢٤٧ (۱۸۳۱): المحفوظات ج ١ ص ۱٥۱-۱٥۲
  3. المحفوظات ج ۱ ص ١٤٨
  4. كتابنا الأصول العربية ج ١ ص ٦٦
  5. كتابنا الثورة بفلسطين ص ١٥
  6. غاية ذي القعدة سنة ١٢٤٧: عابدين محفظة ۲۳۳ - أعمال الجيش.
  7. كتابنا الثورة بفلسطين ص ١٥-١٦
  8. المحفوظات الملكية المصرية ج ۲ ص ۹٥
  9. المحفوظات ج ۲ ص ٢٨٥
  10. المحفوظات ج ۲ ص ٢٩٦
  11. المحفوظات كذلك ج ۲ ص ۳۳۰
  12. المحفوظات ج ۲ ص ٤٠١
  13. المحفوظات ج ٢ ص ٣٤٩
  14. المحفوظات ج ٢ ص ٣٤٤ راجع أيضاً حروب إبراهيم باشا المصري للقس أنطون الحلبي ج ١ ص ۳۳-۳٥
  15. المحفوظات أيضاً ج ٢ ص ٣٦٣ و۳۹۰ و۳۹۲ و٤٠١
  16. المحفوظات ج ۲ ص ٣٨٥
  17. تجد النصوص اللازمة في تاريخ جبل نابلس لإحسان النمر ص ۲٥۰-۲٥۲
  18. المؤلف نفسه ص ۲٥۲
  19. المحفوظات ج ۲ ص ۳۸۲ و۳۸۳
  20. المحفوظات أيضاً ج ۲ ص ٣٩٦-۳۹۸
  21. المحفوظات ج ۲ ص ۳۹۱
  22. المحفوظات ج ۲ ص ۳۹۷
  23. جرمانوس بحري إلى سامي بك ١١ محرم ۱۲۰۰ (۱۸۳٤): المحفوظات ج ۲ ص ۳۹۷
  24. المحفوظات أيضاً ج ۲ ص ۳۹۷
  25. المحفوظات ج ۲ ص ۳۹۸
  26. المحفوظات نفسها ج ۲ ص ۳۹۹ و٤٠٠ و٤٠٢
  27. المحفوظات ج ٢ ص ٤٠٢ و٤٠٤ – ٤٠٥ اطلب أيضاً كتاب المذكرات التاريخية للخوري قسطنطين الباشا ص ۱۰۱-۱۰۲
  28. المحفوظات ج٢ ص ٤٠٤-٤٠٦
  29. المحفوظات ج۲ ص ٤۰۸
  30. المحفوظات أيضاً ج٢ ص ٤٠٧
  31. المحفوظات كذلك ج۲ ص ٤٠٧
  32. علي بك وقوجه أحمد آغا وفرهاد بك إلى محمد علي باشا ١١ صفر سنة ۱۲٥۰ (۲۰ حزیران سنة ١٨٣٤): المحفوظات ج ٢ ص ٤٠٩
  33. المذكرات التاريخية المشار إليها ص۱۰۷-۱۰۸ راجع أيضاً حروب إبراهيم باشا المصري للقس أنطون الحلبي ج ١ ص ٤٠-٤١ والمحفوظات ج ۲ ص ٤١١ و٤١٥ - ٤١٦
  34. المحفوظات ج ۳ ص ٤١٤ و٤١٩
  35. اطلب التفاصيل في كتابنا الثورة بفلسطين ص ٦٨-٦٩
  36. المرجع نفسه ص ٥٤-٥٥
  37. المحفوظات ج ۲ ص ٤۱۱
  38. المحفوظات ج٢ ص ٤٣٠. حروب إبراهيم باشا المصري ج ١ ص ٤١ و٤٥ الثورة بفلسطين ص ۷٥-۷٦
  39. المذكرات التاريخية للأب قسطنطين الباشا ص ۱۰۸-۱۰۹
  40. المحفوظات ج۲ ص ٤٢١ و٤٢٣ و٤٢٩
  41. حروب إبراهيم باشا للقس أنطون الحلبي ج ١ ص ٤٤ هامش.
  42. كتابنا الأصول ج ٢ ص ١١٦
  43. المحفوظات ج٢ ص ٤٢٥ والأصول ج ۲ ص ١١٦ أيضاً
  44. اطلب تفصيل هذا كله في كتابنا الثورة بفلسطين ص٧٦-٨٢ وفي هامشه ما تطلبه من مراجع. اطلب أيضاً المذكرات التاريخية للخوري قسطنطين الباشا ص ١١٤-١١٥
  45. المؤلف نفسه ص ١٧ - ١٨
  46. المحفوظات ج ۲ ص ٤٢٧ و٤٢٥
  47. كتابنا الأصول ج ۲ ص ۱۲۳-١٢٤ والمحفوظات ج ۲ ص ٤٩٢ و٤٩٧
  48. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٥۷۸-۷۹٥ والمذكرات التاريخية المشار إليها ص ١٠٤-١٠٥ والمحفوظات ج۲ ص ٤٢٥
  49. المحفوظات ج ٢ ص ٤٣٢
  50. أخبار الاعيان ص ٥٧٩ والمحفوظات ج ۲ ص ٤٣٢
  51. أخبار الأعيان ص ٥٧٩ والمحفوظات ج٣ ف ٤٣٢ وخاتمة مخطوطة نوفل نوفل كشف اللثام: نسخة جامعة بيروت الأميركية
  52. المحفوظات ج ۲ ص ٣٨٦ و٤٣٧-٤٣٨ و٤٤٤ و٤٩٩
  53. المحفوظات أيضاً ج ۲ ص ٤٤٥ و٤٦٧ و٤٧٠-٤٧٢
  54. المحفوظات ج ٢ ص ٤٤٤
  55. المحفوظات ج ۲ ص ٤٦١ و٤٦٢
  56. المحفوظات كذلك ج ٢ ص ٤٦٥
  57. المحفوظات أيضاً ج ۲ ص ٤٩٢
  58. علي بك إلى سليم باشا: المحفوظات ج ٢ ص ٤٧٤
  59. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٥٨٠-٥٨٢ والمحفوظات ج ۲ ص ٤٧٧ و٤٧٨
  60. المحفوظات ج ٢ ص ٤٦٤ و٤٦٧ و٤٨٢
  61. المحفوظات أيضاً ج ٢ ص ٤٥٤ و٤٦٣
  62. الثائر يونس إلى أهالي القصير: المحفوظات ج ۲ ص ٤٧١-٤٧٢
  63. سليم باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج ٣ ص ٤٧٦ و٤٧٧
  64. المصدر نفسه ج ٢ ص ٤٧٩
  65. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٥۸۲-٥۸۳
  66. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا: المحفوظات ج ۳ ص ۳ و٤ - ٥
  67. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج ۳ ص ٤ - ٥
  68. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا: المحفوظات ج ۳ ص ۱۱
  69. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج ۳ ص ١٤
  70. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٥٨٣
  71. الأمين بشير الشهابي إلى يوحنا بحري: المحفوظات ج ٣ ص ١٦ راجع أيضاً مقالنا في المشرق (۱۹۳٧) ص ٤٧٥-٤٩٥
  72. المحفوظات ج ۳ ص ١٦ و٢٤
  73. سلیمان باشا إلى سامي بك: المحفوظلت ج ۳ ص ۱٥
  74. محمد شريف باشا إلى سامي بك ومحمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج ۳ ص ۱۰ و١٦ و٢٤
  75. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا ۱۸ صفر سنة ١٢٥١ (١٦ حزيران سنة ١٨٣٠): المحفوظات ج ۳ ص ۱۹
  76. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا ٢٧ صفر سنة ١٢٥١ (۲۰ حزيران سنة ١٨٣٠): المحفوظات نفسها ج ۳ ص ٢٤
  77. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج ۳ ص ۲۹
  78. المحفوظات ج ۳ ص ۳۱-۳۲ اطلب أيضاً رسالة إبراهيم باشا إلى سامي بك الصادرة من سيس في المجلد نفسه ص ٤٢
  79. إبراهيم باشا إلى سامي بك: المحفوظات ج ٣ ص ٤٣
  80. إبراهيم باشا إلى المعية السنية: المحفوظات ج ٣ ص ٥٦ راجع كذلك حروب إبراهيم باشا للقس أنطون الخلي ج ١ ص ٥٣-٥٥
  81. راجع حديث العزيز في هذا الموضوع مع الجنرال بوايه الإفرنسي في كتاب جورج دوان «بعثة عسكرية إفرنسية» ص ۷۹. اطلب أيضاً المحفوظات ج ۳ ص ۱۳۷
  82. محمد شريف باشا إلى سامي بك: المحفوظات ج ۳ ص ١٤٧
  83. اطلب تاریخ مصر السياسي لمحمد رفعت بك ص ۲۰۱-۲۰۳
  84. محمد علي باشا إلى أبراهيم باشا: المحفوظات ج ٢ ص ٤٤٩
  85. إبراهيم باشا إلى سامي بك: المحفوظات أيضاً ج ۳ ص ۹۹
  86. عن تقرير له رفعه إلى وزارة الخارجية عام ١٨٤٥ راجع ذيل كتاب الدكتور هارولد تمبرلي بريطانية والقرم ص ٤٨١-٤٨٢
  87. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج٣ ص ٣٠٤
  88. ذكريات جرجس الدبس (لدى المؤلف) ص ۱۰ مذكرات تاريخية للخوري قسطنطين الباشا من ۱۲۰-۱۲۳ المحفوظات ج ۳ ص ۳۱٣ و٣۱٥
  89. حنا بحري بك إلى سامي بك: المحفوظات ج ۳ ص ۳۲۰
  90. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا: المحفوظات ج ۳ ص ۳۲۱
  91. المذكرات التاريخية للخوري قسطنطين الباشا ص۱۲۳ – ۱۲٥
  92. المحفوظات ج۳ ص ۳۲٥
  93. محمد شريف باشا إلى محمد علي باشا: المحفوظات ج۳ ص٣٢٦ - ۳۳٣
  94. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا: المحفوظات نفسها ج۳ ص۳۳۰
  95. محمد شريف باشا إلى محمد علي باشا: المحفوظات أيضاً ج۳ ص۳۲٥
  96. حنا بجري بك إلى ابراهيم باشا: المحفوظات ج٣ ص ٣٣٤ – ۳۳۱، راجع أيضاً المذكرات التاريخية للخوري قسطنطين الباشا وفيها نص رسالته إلى شمدين آغا ص۱۲٥ – ١٢٦
  97. حنا بحري بك إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج۳ ص۳۳۷ – ۳۳۹
  98. محمد شريف باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج٣ ص۳۳۹ - ٣٤٠
  99. إبراهيم باشا إلى سامي بك: المحفوظات ج۳ ص٣٤٢
  100. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا وسليمان باشا: المحفوظات ج۳ ص ٣٥١. ثم كتب فيا بعـد بإرسال ألاي الغارديا الثالث ص ٣٥٥
  101. إبراهيم باشا إلى حسين باشا: المحفوظات ج ۳ ص ٣٧٦-۳۷۸
  102. إبراهيم باشا إلى حسين باشا: المحفوظات ج ۳ ص ۳۷۹-٣۸۰
  103. أحمد بك إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج ۳ ص ۳۸۱-۳۸۲
  104. المذكرات التاريخية للخوري قسطنطين الباشا ص١٣٩-١٤١ ذكريات الشيخ جرجس الدبس ص ۱۱ – نسخة المؤلف.
  105. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٥٨٥
  106. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٥۸٥
  107. ذکریاته ص ۱۳
  108. أخبار الأعيان أيضاً ص ٥٨٥-٥۸٧ ولعل هذه هي المعركة نفسهـا التي ذكرها السرعـكر في بلاغه الصادر في الثاني عشر من ربيع الآخر سنة ١٢٥٤ (السادس من تموز سنة ١٨٣٨) وقد أسماها معركة برەده – محمود بك محافظ بيروت إلى حسين باشا: المحفوظات ج ٢ ص ۳۹۷-۳۹۸
  109. ذكريات الدبس ص ١٣-١٤
  110. ذكريات الدبس أيضًا ص ١٥-١٦ راجع أيضاً المذكرات التاريخية للخوري قسطنطين الباشا ص ١٥٦
  111. إبراهيم باشا إلى حسين باشا ١٢ جمادى الأولى سنة ١٢٥٤: المحفوظات ج ۳ ص ٤٠٤-٤٠٥