تاريخ الفلسفة اليونانية (1936)/الباب الثاني/الأخلاق

الأخلاق المؤلف يوسف كرم
أفلاطون


الفصل الرابع

الأخلاق

٣٧ – القانون الخلقي والطبيعة

أ – لما كان أفلاطون قد ميز بين العقل والحس والنفس والجسم؛ فقد ميز في الأخلاق بين اللذة والألم من جهة، والفضيلة والرذيلة من جهة أخرى، وكما أنه حارب الحسيين في المعرفة، والآليين في الطبيعة؛ فقد أعلن الحرب على السوفسطائيين وتلاميذهم القائلين باللذة، عرض نظريتهم في أقوى صورها وأبعد نتائجها ثم فندها تفنيدًا،1 قالوا: إن القانون الخلقي الذي يخشاه الناس إنما هو من وضع الناس كالقانون المدني لا من وضع الطبيعة، بل إن الطبيعة تعارضه وتأباه: فبحسب الطبيعة الأمر الأقبح هو الأخسر، والأخسر تحمل الظلم، وبحسب القانون ارتكاب الظلم هو الأخسر الأقبح، ولقد نشأ هذا التباين من أن القانون سنه الضعفاء والسواد الأعظم بالإضافة إلى مصلحتهم الخاصة، فقصدوا إلى تخويف الأقوياء وصدهم عن التفوق عليهم، وذهبوا إلى أن الظلم يقوم بالذات في إرادة التسامي على الآخرين، ولكن الطبيعة تقدم الدليل على أن العدالة الصحيحة تقضي بأن يتفوق الأحسن الأقدر، فترينا أن هذا هو الواقع في كل موطن: في الحيوان والإنسان، في الأسر والمدن، وأن علامة العدالة سيادة القوي على الضعيف، وإذعان الضعيف لهذه السيادة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الكل يطلب السعادة، فكيف يستطيع أن يعيش سعيدًا من يخضع لأي -117- شيء كان قانوناً أم إنسانا ؟ ألا أن العدالة والفضيلة والسعادة على حسب الطبيعة أن يتعهد الإنسان في نفسه أقوى الشهوات ثم يستخدم ذكاءه وشجاعته لإرضائها مهما تبلغ من قوة ، مع تظاهره بالصلاح لإسكات العامة والانتفاع بحسن الصيت ، ولا يتسنى هذا لغير الرجل القوى ، لذلك ترى العامة تعنف الذين تعجز عن مجاراتهم لتخفي بهذا التعنيف ضعفها وخجلها من هذا الضف ، وتعلن أن الإسراف عيب محاولة أن تستعبد من ميزته الطبيعة من الرجال ، ونشيد بالعفة لقصورها عن إرضاء شهواتها الإرضاء التام ، و بالعدالة لجبنها وقعودها عن عظائم الأمو ، ولو صح ما تقول من أن السعادة في الخلو من الحاجات والرغائب لوجب أن تدعو الأحجار والأموات سعداء . لا سسبه ی .. هذي دعاوى السوفسطائيين ، فلنسألهم أولا : أليس يتفق مع الطبيعة أن الكثرة أقدر من الفرد ؟ فإن كانت الكثرة هي التي فرضت القانون فهي الأحسن من حيث أنها الأقدر وقوانينها حسنة حسب الطبيعة لأنها قوانين الأقدر . و إن كانت ترى أن العدالة تقوم بالمساواة وأن الظلم أقبح من الانظلام فرأيها مطابق للطبيعة وإذن فلا تعارض بين الطبيعة والقانون . - ولنسألهم ثانياً : من هو الأحسن الأقدر الذي يتمدحون به ؟ وهل هاتان الصفتان متلازمتان أم يمكن أن يكون إنسان حسنا ضعيفاً مما ، قويا ردينا مما ا مهما نقاب المسألة فلا محيص من التسليم بأن الأحسن هو الأحكم في عمله ، أيا كان هذا العمل ، وأن الحكيم بالإجمال هو الملتزم جادة القصد والاعتدال ، والحكيم في السياسة على الخصوص هو الذي يحقق في نفسه هذا الاعتدال ويضبط شهواته قبل أن يحكم الآخرين و إلا ساءت حاله وحالهم جميعاً . ولنتصور رجلهم الأقوى الذي يقيمونه مثلاً أعلى وقد بلغ إلى قمة السلطان قصار طاغية لا يردعه رادع من ضميره ولا من الناس ولا تشتهى نفسه شيئاً حتى تنال من اللذات أصنافاً – هل هو سعيد ؟ - ۱۱۷ - كلا ، بل إن حياته مخيفة تعسة فإن جزء النفس الذي تقوم فيه الشهوة لا يعرف القصد ولكنه يميل بالطبع إلى الإسراف ، ولما كان الانتهاء ألما من الحرمان كان إنماء الشهوات لأجل إرضائها عبارة عن تعهد آلام في النفس لا تهدأ ، وكانت حياة الشهوة موتاً متكررا ، مثلها مثل الان المتقوب تصب فيه فلا يمتلىء ، أو مثل الأجرب لا يفتأ يحس حاجته لك جلده فيحك بقوة فتزيد حاجته و يقضى حياته في هذا العذاب ، أو مثل مدينة رعاعها هائجة مائجة ، أو مثل مسخ متعدد الرؤوس ، وسبع جائع تمزقه الشهوات وتتغذى بلحمه ودمه وهو لا يملك نكا كا بعد أن ارتمى بين أيديها عبدا وضحية . هذا المخلوق لا يمكن أن يحبه الناس ولا ترضى الآلهة عنه ، بل لا تمكن معاشرته فلا يذوق لذة الصداقة ، فهو شقي للغاية ، والدولة التي يحكمها أشقى الدول .

. . فلا تقل إن السعادة تقوم في الشهوة القوية وفى الاذة بالإطلاق ، ولكن قل إن الإنسان أسعد في النظام منه في الإسراف . ولو اتبعنا حساب أصحاب اللذة بشرط أن نضبط الحساب لوجدنا أن الحياة الفاضلة هي أيضا ألت حياة ، تمتاز بخفة الانفعال وضعف اللذة والألم والسكن اللذة فيها أغاب وأدوم في حين أن الألم أغلب وأدوم في حياة الرذيلة . فالقائلون باللذة لا يقدرون مرمى قولهم ولا يدرون ما يريدون : يطلبون السعادة وفق الطبيعة ، فتنكل بهم الطبيعة شر تشكيل ، وتؤيد القانون الذي يسخرون منه . وما ذلك إلا لأن القانون مستخرج من الطبيعة مفهومة على حقيقتها ، وهي تضطر الناظر في السيرة الإنسانية أن يعدل عن اللذة إلى المنفعة ، وأن يحكم على الأولى بالثانية ، فيقر أن من اللذات ما هو حسن أي نافع ، وما هو ردى أي ضار ، وأن من الآلام ما هو حسن نافع كتعاطى الدواء وتحمل العلاج ، وما هو ردي ضار ، وأن اللذات والآلام الحسنة هي التي تطلب ، واللذات والآلام الرديئة هي التي تجتنب ، وأن النافع ما يجلب الخير ، والضار ما يجلب الشر ، والمنفعة التي توسم بالخير هي التي تكمل الشيء وفي حقيقة هذا الشيء ، والضرر الذي بالشر هو الذي ينتقص الشيء أو يقضى عليه ، فان كل شيء إنما يقوم بالنظام والتناسب فإذا اختل النظام فقد الشيء قيمته وفضيلته . إن الذين نسميهم أخياراً وأشراراً يحسون اللذة والألم على السواء فليس الأخيار أخياراً باللذة بل بالخير ، وليس الأشرار أشراراً بالألم بل بالشر . وكما أن الكيفية التي تحدث في الجسم عن النظام والتناسب تدعى الصحة والقوة ، فإن النظام والتناسب في النفس يسميان القانون والفضيلة . . ۳۸ – الفضيلة : - الفضائل ثلاث تدبر قوى النفس الثلاث : الحكمة فضيلة العقل تكمله بالحق ــ والمغة فضيلة القوة الشهوانية تلطف الأهواء فتترك النفس هادئة والعقـل حرا – ويتوسط هذين الطرفين الشجاعة وهى فضيلة القوة النسبية تساعد العقل على الشهوانية فتقاوم إغراء اللذة ومخافة الألم . والحكمة أولى الفضائل ومبدؤها فلولا المحكمة الجرت الشهوانية على خليقتها وانقادت لها النضبية ولو لم تكن العفة والشجاعة شرطين للحكمة تمهدان لها السبيل وتنشرفان بخدمتها لما خرجتا من دائرة المنفعة إلى دائرة الفضيلة إذ « ما القرب من لفة لنيل لذة أعظم سوى عفة مصدرها الشره ، وما خوض الخطر لاجتناب خمار آخر سوى شجاعة مصدرها الخوف ، ليست الفضيلة هذه الحسبة النغمية التي تستبدل لذات بادات وأحزاناً بأحزان ومخاوف بمخاوف كما تستبدل قطعة من النقد بأخرى فإن النقد الجيد الوحيد الذي يجب أن يستبدل بسائر الأشياء هو الحكمة ، بها نشتري كل شيء وتحصل على كل الفضائل ، أما الفضيلة الخالية من الحكمة . ۱۱۹ (1) . والفضيلة إذن من والناشئة عن التوفيق بين الشهوات فهي فضيلة عبدة » جنس العقل والنفس ولا يسوغ أن نذكرها إلا بالإضافة إليهما ، والحياة الفاضلة ا لا تستمد قيمتها من لذتها أو منفعتها بل من هذه الاضافة ، ويستحيل على من ينكر النفس والعقل أن يبلغ إلى معنى الفضيلة . وإذا ما حصلت هذه الفضائل الثلاث للنفس تخضعت الشهوانية الغضبية والغضبية للعقل تحقق في النفس النظام والتناسب . ويسمى أفلاطون حالة التناسب هذه بالعدالة باعتبار أن العدالة بوجه عام اعطاء كل شيء حقه . فليست العدالة عنده فضيلة خاصة ولكنها حال الصلاح والبر الناشئة عن اجتماع الحكمة والشجاعة والعفة . أما العدالة الاجتماعية فهي تحقيق مثل هذا النظام في علاقات الأفراد ، فإن الرجل الصالح في نفسه صالح بالضرورة في معاملاته والعكس بالعكس ، بل إن العدالة تتبع الإحسان نائما شاملاً ، فلا تحدها بأنها الإحسان إلى الأصدقاء والإساءة إلى الأعداء ، لأن الإساءة إساءة للنفس أولاً ، فالذي يقابل الشر بالشر يفقد عدالته و يزيد الشرير شرا فتنتج هذه العدالة المزعومة ضدها من الناحيتين وهـذا خلف . استمع إلى سقراط يتحدى السوفسطائيين ويقلب آيتهم رأساً على عقب حيث يقول : « أنا لا أبتغى ارتكاب الظلم ولا تحمله ولكن إذا وجب الاختيار فأنا أختار الثاني ، ويقول : « أنا أنكر أن يكون منتهى العار أن أصنع ظلماً أو أن تقطع أعضائي أو أن أسلب عالى ، وأدعي أن العار يلحق المعتدى وأن الظلم أقبح وأخسر لصاحبه منه لضحيته » (1) س ط - وتستبع العدالة السعادة مهما يكن من حال الجسم وشؤون هـذه الحياة ، لأن العدالة خير النفس والنفس أسمى وأبقى من الدنيويات جميعاً ، فقد تنزل (۱) • فيدون ، ص ٦٨ -- ٦٩ باختصار (۲) « غورغياس ، ص ٠٦ ه - ۵۰۸ وغيرها . غير منتصر بالعادل المصائب ويتهم كذبا ويجلد ويعذب ويوثق بالأغلال وتكوى عيناه و يعلق على صليب وهو سعيد بعدالته ؛ أما الطاغية الذي ينكل بالناس وأما السياسي الذي يوقع بخصومه فكلاهما شقى حقيق بالرثاء لأن الظلم أعظم الشرور . وليست للسألة بيننا وبين السوفسطائيين إن كان الظالم منتصراً دائما أم : ولكن إن كان سعيدا أم شقيا ، وقد أوردنا لها حلا أولا لما خاطبناهم بلغتهم وجادلناهم من وجهتهم فبينا أنه تمس معذب في جسمه وشعوره ، والآن وقد عرفنا النفس والفضيلة نستطيع أن نسلم لهم جدلاً بأنه موفق هانيء في ظلمه وتؤكد مع ذلك أنه شقي غاية الشقاء لأنه ظالم ، وأن العادل سعيد لأنه عادل ، بل تتحداهم مرة أخرى ونذهب إلى أن الظالم أشقى إن لم يكفر عن آلامه ، ومعنى التكفير تحمل القصاص العادل ، وكل ما هو عادل فهو جميل فتحمل القصاص جميل ، وهو خير يستقيم به النظام وتخلص به النفس من شرها الذي هو أعظم النفس . وكما أن علاج الطبيب مفيد ولو لم يكن مستحبا وأن السعادة الكبرى للجسم أن لا يمرض أبدأ و يليها أن يشفيه الطب إذا مرض ، فإن أسعد الناس البرىء من الشر ويليه الذي يشفى من شره . أما الذي يحتفظ بشره فأشقى الناس لا يدرى أن مصاحبة الجسم المريض لا تعـد شيئاً مذكورا بالقياس إلى مصاحبة النفس المريضة . وكما أن المريض يسعى إلى الطبيب و يتحمل الكي والشق ، كذلك يجب على الخاطىء أن يسعى إلى القاضي بنفسه فيعترف بخطيئته ولا يكتمها في صدره ، ويطلب العقاب ولا يتهرب منه ، فإن استحق الجلد قدم جسمه للسوط أو استحق الغرامة أداها أو التقى رحل عن وطنه أوالموت تجرعه ، فإن التكفير أفضل الخيرات بعد البر . . « هذي حقائق قائمة على أدلة من حديد وماس » من يعلمها بأدتها ومراميها يأت الخير حتما من حيث أن الإنسان يطلب الخير بالضرورة و يستحيل عليـه أن يؤثر الشر علمه بالخير علماً صحيحاً . أما الذي مع الشرور يمسلم الخير ويأتى الشر فعله ناقص وحقيقته أنه « ظن » قلق عار من الأصول والنتائج لا يقوى على إغراء اللذة والمنفعة (1) فالفضيلة علم والفاضل هو الحاصل على العلم بالخير يعرف ما يجب أن يفعل في كل حالة لأن نظره شاخص دائما الى الخير المطلق ، فالفاضل دليـل يجب الاسترشاد بفكره كما يسترشد بالقيثاري التعلم العزف على القيثارة . أما الرذيلة فجهل بالخير الحقيقي واغترار بالخير الزائف 39 -- الأخلاق والجدل الصاعد : - كل هذا الحوار وكل هذا الجهد في إقامة الأخلاق اضطر إليهما أفلاطون لمحاربة جهل السوفسطائيين . ولكنه سلك طريقاً آخر ..بـدأ هيئأ هو طريق الجدل : فإن للإرادة جدلها كما أن للعقل جدله . طريقان متوازيان يقطعان نفس

المراحل و يتقابلان عند نفس الغاية في اللانهاية . . . غاية تتلاشي دونها ألغايات وتسقط الاعتراضات وتستقر عندها النفس في غبطة ليس بعدها غبطة . فلنسر إذن وراء أفلاطون تر أن الحياة الحكمية في المطلب الحقيق النفس ، وأن الجهل هو علة الإعراض عنها والامتناع عليها . ذلك أنا إذا تأملنا النفس وجدنا فيها قوة عظمى تحركها أبدأ هي الحب . والحب اشتهاء صادر عن الحرمان ، إذ ما من أحد يشتهي ما هو حاصل له . هو قلق دائم وشوق إلى الخير أي إلى ما شأنه أن يعوض من الحرمان وجوداً فيملأ فراغ النفس . فالحب مبدؤه الخير وغايته الخير هو وجود ناقص ووسط متحرك من الحرمان إلى الوجود الذي لا يفنى ، هو اشتهاء الحصول على الخير حصولا دائماً ، هو جهد الكائن الثاني في سبيل الخلود ، فإن اشتهاء الخلود متحد باشتهاء الخير وليس يعقل أن يطالب الخير إلى أجل . t (۱) بهذا التمييز بين العلم والظن أراد أفلاطون أن يصحح موقف سقراط ( ٢٦ ج ) (۲) • غورغياس ، والجمهورية م ١ و ٢ في مواضع مخالفة . ويتجه الحب أول ما يتجه إلى جمال الأجسام والأشكال . عند هذا الجمال يقف الأكثرون ظانين أنه الغاية ، ولكن النفس الحكيمة تدرك أنه زائف زائل لا يبرد شوقها ولا ينضب معين حبها ، فتجاوز هذا الوهم ، وتدرك أن الجمال المتحقق في جسم هو أخ للجال المتحقق في سائر الأجسام ، وأن الحالات الجسمية أشباه بعيدة الجمال واحد بعينه يحويها في وحدته هو مثال الجمال المحسوس فتخلص النفس من التعلق بواحد وتمد إعجابها ومحبتها إلى الجمال الحسى أينما تألق لعينيها . ثم تدرك أن ما يحب في الأجسام إنما هي صفاتها ، وأن هذه الصفات فائضة عليها من النفس مصدر حياتها ، فترتفع من المعلول إلى الملة وتنفذ إلى النفس ، تنفذ إليها مهما كان غلافها دميا لعلمها أن النفس جميلة في ذاتها فتتعلق بها . ثم تعلم أن النفوس مشتركة في جمال واحد هو الجمال المعنوى ، فتصد من جمال النفوس إلى جمال الفنون ، فإلى جمال العلوم النظرية ، ولا تزال تعمد من علم إلى علم حتى تبلغ إلى الجمال كله ، فتقف متأملة وتتهيأ بهذا التأمل إلى مشاهدة الجمال للطلق غير المخلوق وغير القاني ، لا يزيد ولا ينقص ولا يتغير بحال ، الجمال بالذات الذي يحب لذاته ، من يشاهده يتعلق به ويخلد فيه . إن ما يعطى قيمة لهذه الحياة إنما هي مشاهدة الجمال السرمدي نقيا لا تشوبه شائبة ، بسيطاً لا تغطيه أشكال وألوان مصيرها إلى الفناء . -- هذي مراحل الحب يقطعها في { t البحث عن ضالته وشفاء لغليله فهو واسطة ومساعد يحفز النفس إلى الكمال . ويهيج فيها الذكرى القديمة : ذكرى المثل والحياة السماوية الأولى ، ذكرى الفردوس للغقود تحن إليه بكل جوارحها . فالمحب الحقيقي الكامل ( الأفلاطوني ) هو الفيلسوف يزدرى الجمال الزائل الذي يملأ النفس جنونا ليتعلق بالجمال الدائم (). ح - انظر الآن إلى أفلاطون يصور هذا المحب الكامل والحكيم العادل (۱) • المأدبة ، ص ۲۰۱ ( ه ) – ۲۱۲ ( ج ) . ² رجلا حيا يشعر و يعقل ويتكام : هذا الرجل هو سقراط في سجنه وقد دنا أجله . ليس يكفي القول في وصف حاله أنه لا يخشى الموت أو أنه ينتظره بشجاعة فهو مغتبط به أشد اغتباط ، هو يعلم أننا ملك الآلهة وأن الانتحار انتقاض على إرادتهم ، ولكنه يرحب بالموت يأتى على يد غيره ، لأن الفيلسوف يحس الشوق إلى الإلميات ، و يحس ثقل الجسم يعوقه عن اللحاق بها ، فالموت خلاص النفس و بداية حياة جديدة مع الآلهة . والفيلسوف الحق يجتهد ساعة فساعة أن يعيش في هذه الدنيا العيشة الروحية التي يشتهيها ، وأن يتعجل الحياة الأخرى بمارسة العفة بمعناها الأسمى ، وهو الرغبـة عن اللذة والتجرد من الجسم والمران على الموت ، فيبلى جسمه و يصفيه من المادة بقدر الاستطاعة ، لأنه يعلم أن سعادته في التشبه بالله ! (1) (۱) « ندون » می ٦٩ ( ج ) --- ٦٨ ( ج ) ، وقد رسم أفلاطون في - فيلابوس » وهي متأخرة عن المحاورات التي ذكرناها في هـذا الفصل ) صورة لحياة و معتدلة ، يقول بعض مؤرخ الفلسفة : إنه ترفق فيهـا وعرف للذة حقها ، فتخ بهذه الصورة تلك الحياة ه العلوية ، التي وصفاما . وعندنا أن هذا التعارض ظاهي يرفع باعتبار الحياة الطوية مثلا أعلى يطمح إليه ويهندى ، إلى أن يتحقق ، واعتبار الحياة الحفلا ضرورة راهنة خاضة لأختها . فإن اللذة في « قبلابوس ، مأخوذة بمعنى واسع يشمل الاغتباط بالحكمة والفضيلة ، أما اللذة الحسبة فموصوفة بأنها خداعة تمنى النفس يا كثر ماتعطيها ، من مجروراءها يحي حياة كئيبة ، وليست اللذة شيئا معيناً ، ولكنها حركة في النفس تتعين بموضوعها ، فإن كان الموضوع خيرا يكمل النفس كانت هي خيراً ، ولكنها خير بالاضافة وأدنى الخيرات جميعا ، فلك يؤلف أفلاطون منهاج الحياة المعتدلة أولا من كل ما هو حكمة : الجدل والسلوم والفنون فالظنون الصادقة في الحياة العملية . وثانيا من النات التي تصاحب الفضيلة . فهو باق على عهده أمين النظرية المثل ، أراد أن يرضي نزوعه إلى التوفيق وتأليف الأمزجة ولم يغير شيئاً من مذهبه ، والتشبه بالله ما يزال الغاية في « القوانين » ، يؤكدها بكل قرة ( ص ٧١٦) .


  1. انظر في «غورغياس» القسم الثالث بأكمله، وفي «الجمهورية» م١ و٢ و٩.