تاريخ الفلسفة اليونانية (1936)/الباب الثاني/حياته ومصنفاته

​حياته ومصنفاته​ المؤلف يوسف كرم
أفلاطون


الفصل الأول

حياته ومصنفاته

٢٨ – حياته

أ – ولد أفلاطون في أثينا أو في أجينا — أهم مدن الجزيرة المسماة بهذا الاسم — سنة ٤٢٧ق.م في أسرة عريقة الحسب كان لبعض أفرادها المقام الأول في الحزب الأرستقراطي وشأن كبير في السياسة الأثينية، تثقف كأحسن ما يتثقف أبناء طبقته، وقرأ شعراء اليونان وعلى الخصوص هوميروس، ونظم الشعر التمثيلي وأقبل بعد ذلك على العلوم، وأظهر ميله خاصًّا للرياضيات، ثم تتلمذ لأقراطيلوس أحد أتباع هرقليطس واطلع على كتب الفلاسفة، وكانت متداولة في الأوساط العلمية، وفي سن العشرين تعرف إلى سقراط، ذهب به إليه شقيقاه الأكبران أديمنت وأغلوقون — وهما محدثا سقراط في «الجمهورية» — وبعض أقربائه، وكان هؤلاء يختلفون إلى سقراط وإلى السوفسطائيين ورائدهم الاستطلاع واللهو بالجدل، ولكن أفلاطون أعجب بفضل سقراط فلزمه، وما كاد يبلغ الثالثة والعشرين حتى أراد نفر من أهله وأصدقائه — وقد اغتصبوا الحكم بمساعدة اسبرطة — أن يقلدوه أعمالًا تناسبه فآثر الانتظار، وطغى الأرستقراطيون وبغوا وأمعنوا في خصومهم نفيًا وتقتيلًا وصادروا ممتلكاتهم، ثم انقسموا على أنفسهم فملئُوا المدينة فسادًا وملئُوا قلبه غمًّا، ولما هزمهم الشعب وقامت الديمقراطية أنصفت بعض الشيء فأحس رغبة في السياسة يبغي المعاونة على تأييد العدالة وتوفير السعادة، ولكن الديموقراطية أعدمت سقراط، فيئس أفلاطون من السياسة وأيقن أن الحكومة العادلة لا ترتجل ارتجالًا، وإنما يجب التمهيد لها بالتربية والتعليم1. فقضى حياته يفكر في السياسة ويمهد لها بالفلسفة، ولم تكن له قط مشاركة عملية فيها.

ب – وداخله من الحزن والسخط لممات معلمه ما دفعه إلى مغادرة أثينا، فقصد إلى ميغاري حيث كان بعض إخوانه قد سبقوه والتفوا حول إقليدس أكبرهم سنًّا، مكث هناك نحو ثلاث سنين ثم سافر إلى مصر (وهو يذكرها في غير ما موضع من كتبه ولا سيما «الجمهورية» و«القوانين» ذِكْرَ مَنْ عرفها معرفة شخصية) وانتهز الفرصة فذهب إلى قورينا لزيارة عالمها الرياضي تيودوروس ومدرسته، وعاد إلى مصر فقضى زمنًا في عين شمس واتصل بمدرستها الكهنوتية، وأخذ بنصيب من علم الفلك، ولا بد أن يكون قد استفاد أيضًا بملاحظة الديانة والحكم والأخلاق والتقاليد فإن في مؤلفاته الشواهد العديدة على ذلك، ونشبت بين اسبرطة وأثينا الحرب المعروفة بحرب قورنتية سنة ٣٩٥ وحالف نفريتس ملك مصر السفلى اسبرطة، فاضطر أفلاطون لمغادرة مصر، وأقام في بلده طول الحرب أي إلى سنة ٣٨٨ متوفرًا على الدرس ناشرًا من المحاورات ما أثار إعجاب الأثينيين، ولما انتهت الحرب رحل إلى جنوبي إيطاليا يقصد في الأرجح إلى الوقوف على المذهب الفيثاغوري في منبته؛ وكان قد شغف به، فنزل ترنتا وزار رئيس جمهوريتها القائد أرخيتاس، وكان فيثاغوريًّا مذكورًا وتوثقت بينهما روابط الصداقة. وفيما هو هناك مع بذكره دنيسوس ملك سراقوصة، وكان مثقفاً ينظم القصائد والقصص التمثيلية فاستقدمه إليه، فعبر أفلاطون البحر إلى صقلية ودخل سراقوصة، فقابله الملك بالحفاوة ولكنه لم يلبث أن غضب عليه، فإن أفلاطون استمال ديون صهر الملك، ولم يكن هذا يطمئن إليه بل لم يكن يطمئن إلى أحد، وقد يكون الفيلسوف أفصح عن بعض آرائه الإصلاحية، وأنكر الفساد المنفشى في البلاط فأمر به الملك فاعتقل ووضع في سفينة اسبرطية أقلع ربانها إلى جزيرة أجينا، وكانت حينذاك حليفة لإسبرطة ضد أثينا، فعرض في سوق الرقيق فافتداه رجل من قورينا كان قد عرفه في تلك المدينة.

جـ – ورجع إلى أثينا وأنشأ سنة ۳٨٧ مدرسة على أبواب المدينة في أبنية تطل على بستان أكاديموس فسميت لذلك بالأكاديمية. أنشأها جمعية دينية علمية وكرمها الآلهات الشعر وأقام فيها معبداً، ونزل لما عن الأبنية ومحتوياتها. وظل يعلم فيها ويكتب أربعين سنة ماخلا فترتين قصيرتين سافر فيهما إلى سراقوصة الواحدة سنة ٣٦٧ والأخرى سنة ٣٦١ كان حظه فيهما مع دنيسوس الثاني مثل حظه مع أبيه المتوفى. ولم تصلنا أخبار مفصلة عن الأكاديمية، ولكنا تعلم أن مستمعيه كانوا خليطاً من الأثينيين، ويونان الجزر، وتراقية وآسيا الصغرى، بينهم بضع نساء. وتستطيع أن تقول إن الحركة العلمية كانت شديدة، وأن دروس المعلم كان يتخللها ويعقبها مناقشات في جلسات متوالية تتعارض فيها الآراء وتمحص على النحو الذي نشاهده في المحاورات المكتوبة. وكان التعليم يتناول جميع فروع المعرفة، وكان إلى جانب أفلاطون وتحت رياسته عدد من العلماء كل منهم مختص بمادة، يشرحون الرياضيات والفلك والموسيقى والبيان والجدل والأخلاق والسياسة والجغرافيا والتاريخ والطب والتنجيم، فكانت المدرسة جامعة وعت تراث اليونان العقلي من هو ميروس إلى سقراط . وتوفى £ ۷۸ - فلاطون وقد بلغ الثمانين في أثناء حرب فيلبوس المقدوني على أثينا ، فلم يشهد ما أصاب وطنه من المحطاط لم تقم له من بعده قائمة . ا - لم يحدث لكتب أفلاطون مثل ما حدث لكتب الفلاسفة القدماء وأقرانه تلاميذ سقراط ؛ فإن كتبه حفظت لنا كلها ، بل وصل إلينا كتب عدة نسبت له من عهد بعيد مع شيء من الشك ، فقطع النقد الحديث بأنها منحولة وضعها بعض أصحابه أو بعض مقلديه . وليست كتبه مؤرخـة ولا موضوعة وضعاً تعليميا ولكنها محاورات كما قلنا كان يقيد فيها آراءه كلما عرضت فرتبها الأقدمون على حسب شكل الحوار أو موضوعه ، فقار بوا بين ما كتب في أزمنة مختلفة و باعدوا بين ما وضع في دور واحد : نسبوا له ست وثلاثين تأليفاً ، منها محاورات ومنها رسائل قسموها إلى تسعة أقسام سميت رابوعات لاحتواء كل قسم على أربع مصنفات . أما المحدثون فقد آثروا أن يرتبوها بحسب صدورها لمكن تتبع فكر الفيلسوف في تطوره ، فاستعملوا طرائق « النقد الباطن ، وأمعنوا النظر في خصائص كل مؤلف من حيث اللغة مفرداتها وتراكيبها ، ومن حيث الأسلوب الأدبي والفلسفي فقسموها إلى طوائف ثلاث تبعاً لتقاربها في هذه الخصائص ، ثم عينوا مكانها بعضها من بعض بالقياس إلى أسلوب « القوانين » (1) ما هو معلوم من أن هذا الكتاب آخر ما كتب أفلاطون ، فوضعوا في دور الشيخوخة المحاورات التي تشابهه ، وفي دور الشباب المحاورات المعدومة فيها هذه المشابهة ، الكهواة المحاورات التي تلتقي فيها خصائص الطائفتين ، فكان لهم دور ترتيب راجع فقط ؛ ولا يزال التقديم والتأخير ،وضم أخذ ورد . (۱) « الواميس * في الكتب العربية .

  • أما مصنفات الشباب فنسمى بالسقراطية ، لأن منها ما هو دفاع عن

سقراط واحتجاج على إعدامه و بيان لآرائه ، ومنها ما هو مثال للمنهج السقراطي : فمن الناحية الأولى نجد « احتجاج سقراط » أو دفاعه أمام المحكمة و « أقر يطون » ذكر فيها ما عرضه هذا التلميذ من الفرار وما كان من جواب سقراط ، ثم أوطيفرون ، يصف فيها موقف سقراط من الدين بإزاء هذا المتنبي للشهور الممثل لرأى الجمهور . ومن الناحية الثانية نجد « هيبياس الأصغر » وهى بحث في علاقة العلم بالعمل ، وفى هل الذي يأتى الشر عمدا أحسن أو أردأ من الذي بأتيه من غير عمد ؟ و « ألقيادس ، وفيها فكرتان أساسيتان: الواحدة أن ما هو عدلي فهو نافع فلا تنافي بين العدالة والمنفعة ، والأخرى أن معرفة الذات ليست رفة الجسم بل معرفة النفس ، والنفس الإنسانية فيها جزء إلهى هو العقل ؛ و « هيبياس الأكبر » في الجمال ما هو ؛ ونظن أن الأكبر والأصغر يذلان على الأطول والأقصر : و « خرميدس » في الفضيلة ولها ثلاثة حدود : الأول أنها الاعتدال في العمل ، والثاني أنها عمل ما هو خاص بالإنسان بما هو إنسان ، والثالث أنها علم الخير والشر ؛ و « لاخيس » في تعريف الشجاعة ؛ و « ليسيز » في الصداقة ؛ و « بر وثاغوراس » في السوفسطائي ما هو وما الفائدة من تعليمه ، وهل يمكن تعليم السياسة والفضيلة ، وهل الفضيلة واحدة أم كثرة ، وفى أن من يعلم الخير والشريعلم عواقبهما فلا يفعل الشر إذ ما من أحـد يريد الشر لنفسه ؛ و « إيون » في الشعر وشرح الإلياذة ؛ و « غورغياس » في نقد بيان السوفسطائيين وفى أن الفن خطر من حيث أنه يقدم الحجج للشهوة دون البحث في الخير والشر وفي أصول الأخلاق . والمقالة الأولى من « الجمهورية ، في العدالة - هل هي وضعية أم طبيعية ، و يصح أن يترجم عنوان الكتاب ( « بوليتيا » ) بالدستور ، ولكن شيشرون قال : Res Pullica فشاع هذا اللفظ من بعده ، وقال الإسلاميون : الجمهورية ، وقالوا : السياسة المدنية ؛ فلا ينبغي أن يؤخذ اللفظ الأول على مفهومه عندنا الآن . . وكل هذه الكتب يدور الحوار فيها حول الفضيله بالإجمال أو حول فضيلة على الخصوص ، وهي نقدية تذكر آرا. السوفسطائيين وتعارضها ، واستقرائية تستعرض عدداً من الجزئيات لتستخلص منها معنى كليا ، وكثير منها لا ينتهي إلى نتيجة حاسمة بل ينتهى بعضها إلى الشك ويتهى البعض الآخر إلى حل قلق مؤقت ؛ فهي بكل هذه الصفات قريبة من عهد سقراط ، ح - وأما محاورات الكهولة فقد كتبها بعد أو بنه من سغرته الأولى إلى إيطاليا الجنوبية و إنشائه الأكاديمية ؛ فإن الأفكار القيثاغورية بادية فيها وهي تنقسم إلى طائفتين تشمل الطائفة الأولى : « منكسينوس ، يعين فيها موقفه من البيانيين و يبسط رأيه في البيان بعد أن نقد في « غورغياس » رأى السوفسطائيين فيه . و « مينون ، يحاول فيها أن يحد الفضيلة فيمرض نظريته المشهورة أن العلم ذكر معارف مكتسبة في حياة سماوية سابقة على الحياة الأرضية . و « أوتيديموس » يحمل فيها على السوفسطائية و يبين أنه يمتنع تعليم الفضيلة من غير معرفة برهانية . و « أقراطيلوس » يفحص فيها عن أصل اللغة هل نشأت من محض الاصطلاح أم من محاكاة الأشياء وأضالها ، وفى « المأدبة » (أوسمبوسيون) يدرس الحب و يشرح مذهبه في الحب الفلسفي . وفي « فيدون » يصور المثل الأعلى للفيلسوف ، ويدلل على خلود النفس ويقص موت سقراط . وتشمل الطائفة الثانية الباقى من الجمهورية » ( نع مقالات ) يراجع فيها الآراء المكتسبة ويتعمق ويرسم المدينة المثلى . والراجح أن هذه المقالات كتبت في أوقات متباعدة على بضع سنين لطولها وأهميتها ، و م فيلروس » يعود فيها إلى موضوع الأدبة وغورغياس وفيدون والجمهورية يمحص آراءه ويهذبها ويشبه أن تكون هذه D ه المحاورة إعلاناً عن الأكاديمية و برنامجا لها . و « بارمنيدس» يراجع فيها نظريته في « المثل » ثم ينقد المذهب الإيلى تقداً طويلاً دقيقاً . و « تيتيانوس » يحد فيها العلم ويعلل الخطأ ويشرح الحكم في حالتي الصدق والكذب ، وهو في هذه الفترة منهم اهتماما خاصا بمسائل المنطق والميتافيزيقا ، ومصنفاته جافة بالقياس إلى التي سبقتها . ا و --- وتمتاز محاورات الشيخوخة كذلك بالجفاف والجدل الدقيق ، و السوفسطائی » ( سوفطس ) يحاول أن يجد حدا لهذا المخلوق العجيب ، ثم يتكلم في الفن وتقسيمه ، وفي تصنيف المعاني إلى أنواع وأجناس ، ويعود إلى مسألة الخطأ والحكم ، ويحلل معنى الوجود واللاوجود ، وفي « السياسي » ( بوليطيقوس ) يسأل ما هو ويعود إلى « الجمهورية » مع شيء من الاعتدال ومراعاة الأحوال . وفى « فيلابوس » ينظر في منهج البحث العلمى وفي الفن وشرائطه ، وفي اللذة والأخلاق ، وفى « تيماوس 4 يصور تكوين العالم فيذكر الصانع والطبيعة إجمالاً وتفصيلا . وفى « أفريقياس » يقصد إلى أن يصور المثل الأعلى للجماعات البشرية بوصف ما كانت عليه أثينا في زمن متقدم جدا ، ولكنه يترك الحوار ناقصاً ، إما لأن المنية عاجلته قبل أن يتمه و إما لأنه تحول عنه إلى تأليف « القوانين ، فلم يتيسر له الرجوع إليـه . وفى « القوانين » تشريع ديني ومدني وجنائي في اثنتي عشرة مقالة ، وهذا للؤلف هو الوحيد الذي خلا من شخص سقراط . وقد جمعت له ما عدا ذلك رسائل خاصة . أما كتاب و التقسيمات » الذي يذكره أرسطو فلم يصل إلينا ، والراجح أنه كان فهرساً مدرسيا . وأما حوارا و الفيلسوف » و « هرموقراطس ، فالراجح كذلك أن أفلاطون لم يكتبهما بعد أن أعلن عنهما . ( 6 - خلفة } سسه ۸۲ 30 - أسلوبه : ا ... المحاورة الأفلاطونية نوع خاص من أنواع الكتابة مجد فيها فنوناً ثلاثة مؤلفة بمقادير متفاوتة في الدراما والمناقشة والشرح للرسل . أما إنهـا دراما فإن أفلاطون يعين فيها الزمان والمكان وسائر الظروف ، و يعرض فيها أصنافاً من الأشخاص يصورهم أدق تصوير ، ويدمجهم في حوادث تستحث اهتمام القاري وتستبقي انتباهه إلى النهاية ، ولا تخلو محاورة مهما كانت الدراما فيها ضعيفة من النكتة والهجو . وأهم الأشخاص سقراط يظهر في جميع أدوار حياته ، ويظهر حوله بحسب المناسبات السوفسطائيون والفلاسفة والشعراء والشبان الموسرون والسياسيون مما يجعل كتب أفلاطون مرآة لعصره تعكسه في جميع جهاته وأما المناقشة فهي نسيج المحاورة ، هي بحث في مسألة ومحاولة لحلها يتمحيص ما يقال فيها ، يسأل سقراط محدثيه رأيهم فيناقشه ، فيتحولون إلى غيره فيناقشه أيضاً وهكذا . وقد ينتهى الحديث إلى نتيجة وقد لا ينتهي ، ولكنه على كل حال طلب للحقيقة بخلاف الجدل عند السوفسطائيين فإنه معارضة قولين لأجل المعارضة ، ومناظرة خصمين كل منهما مصمم على موقفه . – والشرح المتصل على نوعين في مؤلفات الدور الأول والثاني : هما الخطاب والقصة : الخطاب يؤيد قضية وبعـدر في الغالب عن محدثي سقراط يقلد به أفلاطون طريقة المتكلم ويغلو في التقليد ليهزأ منه ، والمتكلم سوفسطائي أو شاعر أو خطيب . غير أن أفلاطون استعمل الخطاب للتعبير عن فكرة في محاورات الكهولة والشيخوخة مثل فيدون والجمهورية والقوانين . وكانت القصة في البـدء حلية يزين بها أفلاطون كلام السوفسطائي أو الخطيب ، ولكنها وردت بعد ذلك. ومنـذ الدور الأول على لسان سقراط يسردها لا مندمجة في خطاب بل مستقلة بعد انتهاء المناقشة . ونحن نعلم أن القصة ء AN ا أول أسلوب اتخذه العلم عند قدماء الشعراء واللاهوتيين ، فاصطنعها أفلاطون ليصور بالرموز مالا ينال بالبرهان ، ولمثل الغيبيات على وجه الاحتمال ، فهو تارة يروى تاريخ النفس قبل اتصالها بالبدن أو بعد مفارقته ، ويصف عالم الأرواح ، خريطته على طريقة هوميروس في الأوذيسية ، وطوراً يصور ما كانت ويرسم عليه الإنسانية الأولى من حياة سعيدة قبل ظهور المجتمع السياسي ، ومرة يقص تاريخ الأرض ويذكر أتلتقيد وأهلها ، وأخرى يسرد كيفية تكوين العالم إلى غير ذلك ) ب ـ أما أسلوبه في الفلسفة فهو التوفيق والتنسيق : لم ير في تعارض المذاهب سبباً للشك مثل السوفسطائيين ، وإنما وجد أنها حقائق جزئية ، وأن الحقيقة الكاملة تقوم بالجمع بينها وتنسيقها في كل مؤتلف الأجزاء . وطريقة . التوفيق حصر كل وجهة في دائرة ، وإخضاع المحسوس للعقول ، والحادث الضروري ، فنحن نجد عنده تغير هرقليطس ، ووجود بارمنيدس ، ورياضيات الفيثاغوربين وعقيدتهم في النفس ، وجواهر ديموقريطس ، وعناصر أنبادوقليس ، وعقل أنكساغورس فضلاً عن مذهب سقراط ، وستدل على هذه الظاهرة كلما صادفناها . وتمت ظاهرة أخرى هي محاولته تحويل المعتقدات الأرفية آراء فلسفية ، أي وضعها في صيغة عقلية ودعمها بالدليل ، فهو لم يزدر شيئاً من تراث الماضي ، وأراد أن ينتفع بكل شيء ، ثم طبع هذا التراث بطابعه الخاص ، وزاد فيه فتوسع وتعمق إلى حد لم يسبق إليه . ا 114 – فيدروس (۱) انظر مثلا : غورمياس س ۲۳ه ---- ص ٢٤٧ – فيدون ص ۱۰۷ - أفريقياس بأكملها ---- تيلوس - ۲۰ و ۲۸ وما بعدها .


  1. انظر الرسالة السابعة في مجموعة رسائله ص٣٢٤–٣٢٦.