تبيت له من شوقه ونزاعه

تبيت له من شوقه ونزاعه

​تبيت له من شوقه ونزاعه​ المؤلف البحتري


تَبيتُ لَهُ، مِنْ شَوْقِهِ وَنِزَاعِهِ،
أحاديثُ نَفسٍ أوْشكَتْ من زَماعِهِ
وَمَا حَبَسَتْ بَغدادُ منّا عَزِيمَةً،
بمَكتومِ ما نَهوَى بِها، وَمُذاعِهِ
جَعَلْنَا الفُرَاتَ، نحوَ جِلّةِ أهْلِنَا،
دَليلاً نَضِلُّ القَصْدَ ما لمْ نُرَاعِهِ
إذا ما المَطايا غِلْنَ فُرْضَةَ نُعمِهِ،
تَوَاهَقْنَ لاسْتِهلاكِ وَادِي سبَاعِهِ
فَكَمْ جَبَلٍ وَعْرٍ خَبَطْنَ قِنَانَهُ،
وَمُنْخَفِضٍ سَهْلٍ مَثَلْنَ بِقَاعِهِ
وَلَمّا اطّلَعْنَا مِنْ زُنَيْبَةَ مُشرِفاً،
يكادَ يُؤازِي مَنْبِجاً باطّلاعِهِ
رَأينا الشّآمَ من قرِيبٍ، وَأعرَضَتْ
رَقائقُ منْهُ جُنْحٌ عَنْ بِقَاعِهِ
وَمَا زَالَ إيشَاكُ الرّحيلِ، وَأخْذُنَا
من العِيسِ في نَزْعِ الدّجى وَادّرَاعِهِ
إلى أنْ أطاعَ القُرْبُ، بَعدَ إيَابِهِ،
وَلُوئِمَ شِعْبُ الحَيّ بَعد انصِداعِهِ
فَلا تَسألَنْ عَنْ مَضْجَعي وَنُبُوّهِ
بأرْضِي، وَعن نَوْمي بها وَامتِناعِهِ
أرَانيَ مُشتَاقاً، وَأهْليَ حُضَّرٌ،
عَلى لَحظِ عَيْنَيْ نَاظِرٍ وَاستِماعِهِ
وَمُغترِبَ المَثْوَى، وَسرْجيَ سارِبٌ
بأوْدِيَةِ السّاجُورِ، أوْ بِتِلاعِهِ
لفُرْقَةِ مَنْ خَلّفْتُ دُنْيَايَ غَضّةً
لَدَيْهِ، وَعِزّي مُعصِماً في بِقاعِهِ
وَمَا غَلَبَتني نِيّةُ الدّارِ، عِندَهُ،
على رِفْدِهِ في ساحَتي، وَاصْطِناعِهِ
كَفاني مِنَ التّقسيطِ فُحشُ عِيَانِهِ،
وَقَدْ ذَعَرَتْني مُندِياتُ سَماعِهِ
تَعَمّدْهُ في الأمْرِ الجَليلِ، وَلا تقِفْ
عنِ الغَيثِ أنْ تُرْوَى بفَيضِ بَعاعِهِ
فلَنْ تَكْبُرَ الدّنْيا عَلَيْهِ بأسرِها،
وَقَدْ وَسِعَتْهَا ساحَةٌ مِنْ رِبَاعِهِ
وَكَمْ لعَبيدِ الله مِنْ يَوْمِ سُؤدَدٍ،
يُجَلّي طُخَا الأيّامِ ضَوْءُ شُعاعِهِ
وَكَمْ بَحَثُوهُ عَنْ طِبَاعِ تكَرّمٍ،
يَرُدُّ الزّمَانَ صَاغراً عَنْ طِبَاعِهِ
سَلِ الوُزَرَاءَ عَنْ تَقَدُّمِ شأوِهِ؛
وَعن فَوْتِهِ مِنْ بَينِهِمْ وَانقِطاعِهِ
وَهَلْ وَازَنُوهُ عِندَ جِدّ حَقيقَةٍ
بمثْقَالِهِ، أوْ كَايَلُوهُ بصَاعِهِ
زَعيمٌ بفَتْحِ الأمْرِ عِنْدَ انْغِلاقِهِ
علَيهِمْ، وَرَتْقِ الفَتقِ عند اتّساعِهِ
عَلا رَأيُهُ مَرْمَى العُقولِ فلَمْ تكنْ
لتُنْصِفَهُ في بُعْدِهِ وَارْتِفَاعِهِ
وَقارَبَ حتّى أطمَعَ الغِمْرُ نَفْسَهُ،
مُكاذَبَةً في خَتْلِهِ وَخْداعِهِ
وَلمْ أرَهُ يَأتي التّوَاضُعَ وَاحِدٌ
منَ النّاسِ، إلاّ مِنْ عُلُوّ اتّضَاعِهِ
تَضِيعُ صُرُوفُ الدّهرِ في بُعدِ هَمّهِ،
وَتُنوَى الخُطوبُ في اتّساعِ ذِرَاعِهِ
وَتَعْلَمُ أعْبَاءُ الخِلافَةِ أنّهَا،
وَإنْ ثَقُلَتْ، مَوْجودةٌ في اضْطلاعِهِ
فَما طاوَلَتْهُ مِحْنَةٌ عَنْ مُلِمّةٍ،
فتَنزِعَ، إلاّ باعُهَا دُونَ بَاعِهِ
رَعَى الله مَنْ تُلْقي الرّعِيّةُ أنسَهَا
إلى ذيّهِ مِنْ دُونِهَا، وَدِفَاعِهِ
تَصَرّعْتُ حَوْلاً بالعرَاقِ مُجَرَّماً،
مُدافَعَةً منّي ليَوْمِ وَداعِهِ
أأنساكَ بَعدَ الهوْلِ، ثمّ انصِرَافِهِ،
وَبَعدَ وُقُوعِ الكُرْهِ، ثمّ انِدفاعِهِ
وَبَعدَ اعتِلاقٍ مِن أبي الفَتْحِ ضَيعتي
ليُلحِقَهَا مُستَكثِراً في ضِيَاعِهِ
وَما رَامَ ضُرّي، يَوْمَ ذاكَ، وَإنّما
أرَاغَ امرُؤٌحُرًٌّ مَكانَ انتِفاعِهِ
إذا نَسِيَ الله اطّيَافي بِبَيْتِهِ،
وَوَفدُ الحَجيجِ حاشدٌ في اجتماعِهِ
وَلَيلَتيَ الطّولى بطُمِّينَ مُصْلِتاً
لصَدّ العَدُوّ دُونَها، وَقِرَاعِهِ
وَوَالله لا حَدّثْتُ نَفْسِي بمُنْعِمٍ
سِوَاكَ، وَلا عَنّيتُهَا باتّبَاعِهِ
وَلَوْ بِعْتُ يَوْماً منكَ بالدّهرِ كُلّهِ،
لَفَكّرْتُ دَهْراً ثانِياً في ارْتِجَاعِهِ