تزل الليالي مرة وتصيب

تزلُّ الليالي مرة ً وتصيبُ

​تزلُّ الليالي مرة ً وتصيبُ​ المؤلف مهيار الديلمي


تزلُّ الليالي مرةً وتصيبُ
و يعزبُ حلمُ الدهرِ ثمَّ يثوبُ
و تستلقحُ الآمالُ بعدَ حيالها
أواناً وينأى الحظُّ ثم يؤوبُ
و لولا قفولُ الشمس بعد أفولها
هوتْ معها الأرواحُ حين تغيبُ
تنظرْ وإن ضاقت بصدرٍ رحابهُ
فروج صلاحٍ ذرعهنّ رحيبُ
فما كلُّ عينٍ خالجتك مريضةٌ
و خطفةِ برقٍ خالستك خلوبُ
قضتْ ظلماتُ البعدِ فيك قضاءها
فصبحا فهذا الفجرُ منك قريبُ
بدتْ أوجهُ الأيام غراً ضواحكا
و كنَّ وفي استبشارهنّ قطوبُ
و طارحنني عذرَ البريءِ وربما
سبقنَ وفي أعذارهنّ ذنوبُ
أرى كبدى قد أثلجتْ في ضلوعها
و كانت على جمرِ الفراقِ تذوبُ
و راحت إليها بعدَ طول التياحها
صباً قرةٌ تندى لها وتطيبُ
سرى الفضلُ من ميسانَ يشرقُ بعدما
أطال دجى الزوراءِ منه غروبُ
و هبت رياح الجودِ بشرى بقربهِ
لها سالفٌ من نشرها وجنيبُ
و ما خلتُ أن البدرَ يطلعُ مصعدا
و لا أنَّ ريحَ المكرماتِ جنوبُ
تزاحمتِ الأيامُ قبلَ لقائه
بجنبيَّ من ذنب الفراقِ تتوبُ
و تفسمُ لي أيمانَ صدقٍ بأنْ غداً
تراه وبعضُ المقسمينَ كذوبُ
و قد زادني شكرا لحسنِ وفائها
بما وعدتْ أنَّ الوفاءَ غريبُ
كفى البين أني لنتُ تحتَ عراكهِ
و خرتُ وعودي في الخطوبِ صليبُ
و قاربتُ من خطوى رضاً بقضائهِ
و لي بين أحداثِ الزمانِ وثوبُ
حملتُ وسوقَ البعدِ فوق أضالع
من الثقلِ عضاتٌ بها وندوبُ
أخبُّ حذارَ الشامتينَ تجلدا
بهنّ وما تحتَ الخبالِ نجيبُ
فإن تعقبِ الأيامُ حسنى تسوءها
فللصبرِ أخرى حلوةٌ وعقيبُ
سمتْ أعينٌ مغضوضةٌ وتراجعتْ
إلى أنسها بعد النفور قلوبُ
و عادت تسرّ الرائدين خميلةٌ
تعاورها بعدَ الحسين جدوبُ
فماءُ الندى عذبُ اللصابِ مرقرقٌ
و غصنُ المنى وحفُ النباتِ رطيبُ
سيلقى عصاهُ وادعاً كلُّ خابطٍ
على الرزقِ يطوى أرضه ويجوبُ
و هل ينفضُ الجوَّ العريضَ لنجعةٍ
أريبٌ وأوديه أعمُّ خصيبُ
أقولُ لآمالي وهنّ رواقدٌ
خذي أهبةَ اليقظانِ حانَ هبوبُ
إذا الصاحبُ استقبلت غرةَ وجههِ
بدا قمرٌ واف وماسَ قضيبُ
و لم تفتحي الأجفانَ عن طرف لافتٍ
إلى نائباتِ الدهرِ حين تنوبُ
سلامٌ وحيا اللهُ والمجدُ سنةً
لها في دجناتِ الظلامِ ثقوبُ
و زادت علاءً في الزمان وبسطةً
يدٌ تصرمُ الأنواءُ وهي حلوب
لآثارها في كلَّ شهباءَ روضةٌ
و في كلَّ عمياءِ المياهِ قليبُ
حمى مجدهُ وافي الحمائل سيفهُ
غيورٌ إذا ما المجدُ صيمَ غضوبُ
له كلَّ يومٍ نهضةٌ دون عرضهِ
إذا نام حبا للبقاءِ حسيبُ
قليلةُ أنسِ الجفنِ بالغمض عينهُ
و للعارِ مسرى نحوه ودبيبُ
إذا سال وادي اللؤمِ حلتْ بيوتهُ
بأرعنَ لا ترقى إليه عيوبُ
و قامَ بأمرِ الملك يحسمُ داءهُ
بصيرٌ بأدواءِ الزمانِ طبيبُ
له مددٌ من سيفهِ ولسانهِ
قؤولٌ إذا ضاقَ المجالُ ضروبُ
إذا يبستْ أقلامهُ أو تصامتتْ
فصارمهُ رطبُ اللسانِ خطيبُ
يرى كلَّ يومٍ لابساً دمَ قارنٍ
له جسدٌ فوق الترابِ سليبُ
و لم أرَ مثلَ السيف عريانَ كاسياً
و لا أمردَ الخدين وهو خضيبُ
و قد جربوه عاطلاً ومقلدا
و قادوه يعصى حبلهُ ويجيبُ
فما وجدوا مع طولِ ما اجتهدوا له
فتىً عنه في جلىَّ تنوبُ ينوبُ
فعادوا فعاذوا ناهضين بعاجزٍ
حضورهمُ ما أخروه مغيبُ
أمينٌ على ما ضيعوا من حقوقه
سليمٌ وودّ الغادرين مشوبُ
من البيضِ إلا أن يحلى وجوههم
إذا هجروا خلفَ الترابِ شحوبُ
صباحٌ نجومُ العزَّ فوق جباههم
طوالعُ غرٌّ والنجومُ تغيبُ
عصائبُ تيجان الملوك سماتهم
و يومهمُ تحتَ الرماح عصيبُ
إذا حيزَ بيتُ الفخرِ حلقَ منهمُ
عليه شبابٌ طيبونَ وشيبُ
لهم كلُّ مقرورٍ عن الحلمِ ظنهُ
يقينٌ وهافى عزمتيه لبيبُ
تغيضُ أكف الواجدين وكفهُ
على العدمِ تهمى مرةً وتصوبُ
تكادُ من الإشراق جلدةُ خدهِ
تغصُّ بماءِ البشر وهو مهيبُ
يقيكَ الردى غمرٌ يجاريك في الندى
فيعقلُ عيٌّ رسغهُ ولغوبُ
إذا قمتَ في النادي بريئاً من الخنا
تلفتَ من جنبيهِ وهو مريبُ
تتبعَ يقفو الخيرَ منك بشرهِ
خداعاً كما قصَّ المشمةَ ذيبُ
تنبهَ مشروفاً بغلطةِ دهرهِ
و بنتَ بمجدٍ أنتَ فيهِ نسيبُ
و قد ينهضَ الحظُّ الفتى وهو عاجزٌ
لحاجاتهِ حتى يقالَ نجيبُ
أنا الحافظُ الذوادُ عنك وبيننا
وشائعُ من بسطِ الفلا وسهوبُ
شهرتُ لساناً في ودادك جرحهُ
إذا حز في جلد النفاقِ رغيبُ
لك الجمةُ الوطفاءُ من ماءِ غربهِ
و عند العدا حرٌّ له ولهيبُ
يسرك مكتوبا وشخصك نازحٌ
و يرضيك مسموعاً وأنتَ قريبُ
و كيف تروني قاعداً عن فريضةٍ
قيامي بها حقٌّ لكم ووجوبُ
و فيكم نما غصني وطالت أراكتي
و غودرَ عيشي الرثُّ وهو قشيبُ
شوى كلُّ سهمٍ طاحَ لي في سواكمُ
و لي شعبةٌ من رأيكم ونصيبُ
و لي بعدُ فيكم ذروةٌ ستنالها
يدي ومنىً في قولها ستصيبُ
متى تذكروا حقيَّ أبتْ بوفائكم
و ظهرُ العلى العاصي على ركوبُ
طربتُ وقد جاء البشيرُ بقربكم
و ذو الشوق عند اسم الحبيبِ طروبُ
و قمتُ إليه راشفاً من ترابهِ
ثرى لك يحلو رشفهُ ويطيبُ
فلا كانَ يا شمسَ الزمانِ وبدرهُ
لسعدك من بعدِ الطلوعِ مغيبُ
و لا زلتَ مطلوباً تفوتُ ومدركاً
أواخرَ ما تبغي وأنتَ طلوبُ
كأنك من حبَّ القلوبِ مصورٌ
فأنتَ إلى كلَّ النفوسِ حبيبُ