تشارك الشم والذوق واللمس

تشاركَ الشمُّ والذوقُ واللمسُ

​تشاركَ الشمُّ والذوقُ واللمسُ​ المؤلف صفي الدين الحلي


تشاركَ الشمُّ والذوقُ واللمسُ،
ومَرّ على الأسماعِ من صَبّها جَرسُ
ولاحَ للحظِ الصحبِ ساطعُ نورِها،
فقد أُشرِكتْ فيها حَواسهمُ الخَمسُ
رَبيبَةُ دَيرٍ لَيسَ تُرفَعُ حُجبُها،
إذا سامَها الشماسُ عوذها القسّ
دعَوتُ لها خِلاًّ من الدّيرِ صالحاً،
رقيقَ الحواشي لا بطيءٌ ولا نكسُ
فجاءَ برَيحانيّةٍ كَهرَبيّةٍ،
تُخالُ على كَفّ النّديمِ بها وَرسُ
براحٍ، إذا حقّقتَ طَردَ حروفِها،
غدا طَبعُها في الكيفِ، وهوَ لها عكسُ
تفوقُ جميعَ المسكراتِ بأصلِها،
فقد طابَ منها الفصلُ والنوعُ والجنسُ
تُوَلِّدُ ما بينَ القُلوبِ مَوَدّةٌ،
وتحدثُ أنساً ليسَ في محضه وكسُ
ا قاتِلٌ حَيّا بها ابنَ قَتيلِهِ،
تولّدَ منها بينَ قلبيهِما الأنسُ
إذا ما درى إبليسُ ما في طِباعِها،
من السرّ، قال الجنّ: نفديك يا إنسُ
لو علمتْ أهلُ المدارسِ قدرِها،
جَلَتْ كأسَها في موضع يُذكرُ الدّرسُ
ولو رشفَ الرعديدُ فاضلَ كأسِها،
على ضعفهِ، ظنتهُ عنترها عبسُ
ولمّا قتلناها بسيفِ مزاجِها،
فبردَ منها الحرُّ، واعتدلَ اليبسُ
أقامَتْ لها الأطيارُ في الدَّوحِ مأتَماً،
بهِ للنّدامَى من سرورِهِمِ عُرسُ
وقامَتْ لها الحرباءُ من كلّ مرقَبٍ
تُطالعُها، لا تَهزَئي إنّها الشّمسُ
وباتَ يُعاطينا سُلافاً كأنّها
هيَ النارُ لكن يستطاعُ لها لمسُ
بكأسٍ لها أشخاصُ كسرى وقَيصرٍ،
وقد أحدقتْ من حولها الرومُ والفرسُ
فلو لبثتْ في كأسها عمرَ ساعةٍ،
إذاً نَطَقتْ من سرّها الصّوَرُ الخُرسُ
ولمّا استحالتْ نشوةُ الكأسِ سكرةً
إذا ماتَ منها العقلُ تنتعشُ النفسُ
وهَبتُ لها كَهلاً من العَقلِ وافراً،
فكان لديها النّصفُ والثّلثُ والسّدسُ
يقولونَ لي جهلاً: متى تتركُ الطلا،
فقلتُ: إذا ما عادَ من فَوتِهِ أمسُ
وكيفَ اطراحي للمدامِ، وفضلُها
جليٌّ، على الأبصارِ ليسَ به لبسُ
فَما سادِرٌ في السّكرِ إلاَّ كَحاتِمٍ،
وما باقِلٌ إلاَّ إذا ذاقَها قَسّ