تقريب التهذيب/المقدمة
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع بعض خلقه على بعض درجات، وميز بين الخبيث والطيب بالدلائل [المحكمات] والسمات، وتفرد بالملك فإليه منتهى الطلبات والرغبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات، الناقد البصير لأخفى الخفيات، الحكم العدل، فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يخفى عنه مقدار ذلك في الأرض والسموات.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالآيات البينات، والحجج النيرات، الآمر بتنزيل الناس ما يليق بهم من المنازل والمقامات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه السادة الأنجاب الكرماء الثقات.
أما بعد: فإنني لما فرغت من تهذيب (تهذيب الكمال) في أسماء الرجال، الذي جمعت فيه مقصود (التهذيب) لحافظ عصره أبي الحجاج المزي، من تمييز أحوال الرواة المذكورين فيه، وضممت إليه مقصود (إكماله) للعلامة علاء الدين مغلطاي، مقتصرا منه على ما اعتبرته عليه، وصححته من مظانه، من بيان أحوالهم أيضا، وزدت عليهما في كثير من التراجم ما يتعجب من كثرته لديهما، ويستغرب خفاؤه عليهما: وقع الكتاب المذكور من طلبة الفن موقعا حسنا عند المميز البصير، إلا أنه طال إلى أن جاوز ثلث الأصل، (والثلث كثير). فالتمس مني بعض الإخوان أن أجرد له الأسماء خاصة، فلم أوثر ذلك، لقلة جدواه على طالبي هذا الفن، ثم رأيت أن أجيبه إلى مسألته، وأسعفه بطلبته، على وجه يحصل مقصوده بالإفادة، ويتضمن الحسنى التي أشار إليها وزيادة، وهي: أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به، بألخص عبارة، وأخلص إشارة، بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالبا، يجمع اسم الرجل واسم أبيه وجده، ومنتهى أشهر نسبته ونسبه، وكنيته ولقبه، مع ضبط ما يشكل من ذلك بالحروف، ثم صفته التي يختص بها من جرح أو تعديل، ثم التعريف بعصر كل راوٍ منهم، بحيث يكون قائما مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه، إلا من لا يؤمنه لبسه.
وباعتبار ما ذكرت انحصر لي الكلام على أحوالهم في اثنتي عشرة مرتبة، وحصر طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة فأما المراتب:
فأولها: الصحابة: فأصرح بذلك لشرفهم.
الثانية: من أُكد مدحه، إما: بأفعل: كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظا: كثقة ثقة، أو معنى: كثقة حافظ .
الثالثة: من أفرد بصفة، كثقة، أو متقن، أو ثَبْت، أو عدل.
الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلا، وإليه الإشارة: بصدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس.
الخامسة: من قصر عن الرابعة قليلا، وإليه الإشارة بصدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة، كالتشيع والقدر، والنصب، والإرجاء، والتجهم، مع بيان الداعية من غيره.
السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مستور، أو مجهول الحال.
الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف.
التاسعة: من لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مجهول.
العاشرة: من لم يوثق البتة، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه الإشارة: بمتروك، أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو ساقط.
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب.
الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب، والوضع.
وأما الطبقات:
فالأولى: الصحابة، على اختلاف مراتبهم، وتمييز من ليس له منهم إلا مجرد الرؤية من غيره.
الثانية: طبقة كبار التابعين، كابن المسيب، فإن كان مخضرما صرحت بذلك.
الثالثة: الطبقة الوسطى من التابعين، كالحسن وابن سيرين.
الرابعة: طبقة تليها: جُلُّ روايتهم عن كبار التابعين، كالزهري وقتادة.
الخامسة: الطبعة الصغرى منهم، الذين رأوا الواحد والاثنين، ولم يثبت لبعضهم السَّماع من الصحابة، كالأعمش.
السادسة: طبقة عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، كابن جريج.
السابعة: طبقة كبار أتباع التابعين، كمالك والثوري.
الثامنة: الطبقة الوسطى منهم، كابن عيينة وابن علية.
التاسعة: الطبقة الصغرى من أتباع التابعين: كيزيد بن هارون، والشافعي، وأبي داود الطيالسي، وعبد الرزاق.
العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التباعين، كأحمد بن حنبل.
الحادية عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك، كالذهلي والبخاري.
الطبقة الثانية عشرة: صغار الآخذين عن تبع الأتباع، كالترمذي، وألحقت بها باقي شيوخ الأئمة الستة، الذين تأخرت وفاتهم قليلا، كبعض شيوخ النسائي.
وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم، فإن كان من الأولى والثانية: فهم قبل المائة، وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة: فهم بعد المائة، وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات: فهم بعد المائتين، ومن ندر عن ذلك بينته.
وقد اكتفيت بالرقم على أول اسم كل راوٍ، إشارة إلى من أخرج حديثه من الأئمة.
فالبخاري في صحيحه (خ)، فإن كان حديثه عنده معلقا (خت)، وللبخاري في الأدب المفرد (بخ)، وفي خلق أفعال العباد (عخ)، وفي جزء القراءة (ر)، وفي رفع اليدين (ي) .
ولمسلم (م). [ولمقدمة صحيحه مق]
ولأبي داود (د)، وفي المراسيل له (مد)، وفي فضائل الأنصار (صد)، وفي الناسخ (خد)، وفي القدر (قد)، وفي التفرد (ف)، وفي المسائل (ل)، وفي مسند مالك (كد) .
وللترمذي (ت)، وفي الشمائل له (تم) .
وللنسائي (س)، وفي مسند علي له (عس)، وفي مسند مالك (كن) .[ وفي كتاب العمل اليوم والليلة (سي)، وفي خصائص علي (ص)].
ولابن ماجه (ق)، وفي التفسير له (فق) .
فإن كان حديث الرجل في أحد الأصول الستة أكتفي برقمه ولو أخرج له في غيرها.
وإذا اجتمعت فالرقم (ع)، وأما علامة (4) فهي لهم سوى الشيخين.
ومن ليست له عندهم رواية مرقوم عليه: (تمييز)، إشارة إلى أنه ذكر ليتميز عن غيره.
ومن ليست عليه علامة نبه عليه، وترجم قبل أو بعد وسميته: تقريب التهذيب
والله سبحانه وتعالى أسأل أن ينفع به قارئه وكاتبه والناظر فيه، وأن يبلغنا من فضله وإحسانه ما نؤمله ونرتجيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، لا إله إلا هو، عليه توكلت وإليه أنيب.