جاء الربيع بورده وبهاره

جاءَ الرَّبيعُ بوردِهِ وبهارِهِ

​جاءَ الرَّبيعُ بوردِهِ وبهارِهِ​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


جاءَ الرَّبيعُ بوردِهِ وبهارِهِ
فَلْيَسعَ ساقينا بكأس عقاره
يا أيها الندماء دونكم التي
تشفي نجيَّ الهمِّ بعد بواره
صفراء صافية تزيل بصفوها
ما كابد الإنسان من أكداره
يسعى بها أحوى أعنُّ كأنَّه
ريمُ الفلاة بجيده ونفاره
في مجلس بزغتْ شموسُ مرامه
وجلى لنا فيه سنا أقماره
لله ما فعلَ السرور بموطن
تجري كُمَيْتُ الراح في مضماره
أمبادرَ اللّذات أيَّة آية
أجرى بسعي منادمٍ وبداره
خذها إذا اكتَسَتِ الكؤوس بصبغها
خلع الوقورُ بها ثياب وقاره
ومورد الوَجَنات إنْ حيَّيْتَه
حيّى بوجنته وآس عذاره
ظبيٌ أسودُ الغاب من قتلائه
وصوارم الألحاظ من أنصاره
قمرٌ إذا ما لاح ضوء جبينه
أصلى فؤاد الصبِّ جذوة ناره
ويقول ثائر من أبيدّ بلحظه
من آخذٌ يا للرجال بشاره
إنّي لأعلمُ أنَّه في ريقه
ما راح يسقي الراح في مسطاره
وليشربن الراح ناشد لذة
خضرٍ تَفُوحُ برنده وعراره
وتَنَزَّهوا في كلّ روض معشبٍ
فلهْ اليدُ البيضاءُ في آثاره
روضٌ محاسنُ أَرضِهِ كسمائه
وشروقُ بهجة ليله كنهاره
فاشرب على النغمات من اطياره
فكأنَّها النغماتُ من أوتاره
تتراقَصُ الأَغصان من طرب به
ما بين شدو حمامه وهزاره
لا تنكروا ميلَ الغصون فإنَّما
هذي الغصونُ شَرِبْنَ من أنهاره
وإذا أَتى فصلُ الرَّبيع فبادروا
لتناهب اللّذات في آذاره
فكأنَّه وجه الخرائد مسفراً
كلّ الجمال يلوح في إسفاره
وتنزَّهزا في كلّ روض معشبٍ
لاسيما بالغضّ ممن نوّاره
ولقد أَسَرَّ لي النسيم أَريجَه
خبراً رواه العطر عن عطّاره
فإذا تنفَّستِ الصّبا باحت بما
كتمته بالأنفاس من أسراره
يا حبذا زمنٌ يزيدك بهجةً
يحكي عليَّ القدر باستيثاره
متهلّل للوافدين كأنَّه
روضٌ سقاه الغيث من مدراره
فتعطرتْ أنفاسه وتبرّجت
أزهاره في وبلهِ وقطاره
نشرت محاسن طيّه من بعدما
سَحَبَ السحاب عليه فضلَ إزاره
ذاك النّقيب له مناقبُ جمةً
عَدَدَ النجوم يَلُحْنَ من آثاره
بأبي الشريف الهاشميّ فإنَّه
سادَ الأَنام بمجدهِ وفخاره
زاكي العناصر طيِّب من طيِّبٍ
فرعٌ، رسول الله أصلُ نجاره
نورُ النبوَّة ساطع من وجهه
أو ما ترى ما لاح من أنواره
عذب النوال لسائليه وإنه
كالشهد تجنيه يدا مشتاره
تيّار ذاك البحر يعذبُ ماؤه
فأغرف نميرَ الماء من تياره
كرِّرْ حديثك لي يمدح ممجَّدٍ
يحلو إلى الأسماع في تكراره
إنْ أمتدحه بألف ألف قصيدة
لم أبلغ المعشار من عشاره
جرِّدته لو آنَّ الدهر حاز أمانه
ما جار معتدياً على أحراره
هو رحمةٌ نزلت على أخياره
وهو الخيار المصطفى لخياره
فلقدْ تعالى في علوِّ مقامه
حتى رأيت البدر من أنظاره
أمِنَ المخوفَ من الزّمان كأنّما
أخَذَ العهودَ عليه من أخطاره
اليمنُ كوّن واليسارُ كلاهما
في الدّهر طوع يمينه ويساره
أميسّر الأمر العسير أعِدْ إلى
عبدٍ يراك اليسر في إعساره
نظراً تريه به السعادة كلّها
يا من يراه السعد في أنظاره
مستحضر فيك المديح وحاضرٌ
منك الغنى أبداً مع استحضاره
يا سيّداً لا زال في إحسانه
من فضله بلجينه ونضاره
أوليته منك المكارم فاجتنى
ثمرات غرسِ يديك من أفكاره
فكلم غرست من الجميل مغارساً
كان الثناء عليك من أثماره
وکقبَلْ من الدّاعي لمجدك عُمْرَه
ما يستقلّ لديك من أشعاره