حركات إلى السكون تؤول

(حولت الصفحة من حركاتٌ إلى السكونِ تؤول)

حركاتٌ إلى السكونِ تؤول

​حركاتٌ إلى السكونِ تؤول​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


حركاتٌ إلى السكونِ تؤول
كلُّ حالٍ مع الليالي تَحُولُ
لا يصحّ البقاءُ في دار دنيا
ومتى صحّ في النّهَى المستحيل؟
والبرايا أغراضُ نبلِ المنايا
وهي أسدٌ، لها من الدهر غيلُ
كيف لا تسلبُ النفوسَ وتُردي
ولها في الحياة مرعىً وبيلُ
ماتَ من قبلِ ذا أبوكَ بداءٍ
أنت من أجْلِهِ الصحيحُ العليل
وإذا اجتُثّ أصلُ فرعٍ تَبَقّى
فيه ماءٌ من الحياة قليلُ
ما لنا نتبعُ الأمانيّ هلاّ
عَقَلَتْنَا عن الأماني العقول
كم جريحٍ تعلّقَ الروحُ منه
بالتمني والجسمُ منه قتيلُ
وبطيءُ الآمال يسعى بحرصٍ
خطفَ العيش منه حتفٌ عجولُ
عَميَ الخلقُ عن تعادي خيولٍ
ما لها في الهواءِ نقعٌ مهيلُ
تنقلُ الناسَ من حياةٍ إلى مو
تٍ، على ذاكَ مرّ جيلٌ فجيلُ
وبدهمٍ تمرّ منها وشهبٍ
أمِنَ الليلِ والنهارِ خيول؟
سهّلوا من نفوسهم كلّ صعبٍ
فالردى لا يُقبلُ مَنْ يستقيلُ
واستدلّوا على النفادِ بعاد:
يُذْهبُ الشكَّ باليقين الدّليلُ
أيّ رزءٍ حكاهُ مقولُ ناعٍ
صَمّ هذا الزمانُ عمّا يقولُ
فلقد فتّتَ القلوبَ وكادتْ
راسياتُ الجبالِ منه تزولُ
لم يمتْ أحمد أخو البأسِ حتّى
ماتَ ما بيننا العزاء الجميل
يومَ قامتْ بفقْدِهِ نائحاتٌ
في لَبُوسٍ من حزنِهنّ يهولُ
غُمستْ في السواد بيضُ وجوهٍ
فكأن الطلوعَ فيه أفولُ
وعلى مجلسِ التنعّمِ بُؤسٌ
فبديلُ السماعِ فيه العويل
وتولّتْ عند التناهي افتراقاً
ومضى ربّهُ الوفيّ الوصول
أسمعَ الرعدُ فيه صرخةَ حُزْنٍ
ملءُ ليل الحزين فيه أليل
ودموع السماء في كل أرضٍ
فوق خدّ الثرى عليه تَجُولُ
وحشا الجوِّ حَشْوَهُ نارُ برقٍ
إنّ في ضلوعه لغليلُ
أترى الغيثَ باتَ يبكي أخاه
فبكاءُ العُلى عليه طويلُ
قائدَ الخيلِ بالكماةِ سِراعَاً
والضحى من قَتَامِهِنّ أصيل
أيّ فضلٍ نبكيه منكَ بدمعٍ
ساكبٍ، فيه كلّ نفسٍ تسيلُ
أعفافاً أم نجدةً كنت فيها
قَسْوَرَ الغيل والكريهةُ غول
أم شباباً كأنَّما كان روضاً
ناضرا فاغتدى عليه الذبول
واكتسَى في ثرىً تغيّبَ فيه
صدأً ذلكَ الجبينُ الصقيلُ
كنت كالسيد للعدى، والمنايا
مقبلاتٌ كأنهنّ سيول
ولِصَوْبِ السهامِ حَوْلَيكَ وَبْلٌ
لاخضرار الحياة منه ذُبول
طارَ صرفُ الردى إليك برشقٍ
خفّ، والخطبُ في شَبَاهُ ثقيلُ
سهمُ غربٍ أصابَ ضيغم حربٍ
خاضَ في العيش منه نصلٌ قتولُ
هابكَ الموت إذ رآكَ مسحاً
بطلاً، لا يصولُ حيت تصول
لو بدا صورةً إليك لأضحى
في ثَرَى القبرِ وهو منكَ بديل
فَرَمَى عن دُجُنّةِ النقعِ نحرا
منكَ، والجوّ بالظّلامِ كحيل
وإذا خاف من شجاع جبانٌ
غالهُ منه جاهداً ما يغولُ
كنتَ سهمَ البلاءِ يرْفع سهمٌ
فيه للنفسِ بالحمام رسول
كم جوادٍ بكاكَ غيرَ صبورٍ
فنياحٌ عليكَ منه الصّهيل
وحسامٍ أطالَ في الجفنِ نوماً
لم يُنَبّهْهُ بالقِرَاعِ الصّلِيل
أيّها القائدُ الأبيّ عزاءً
فثواءُ المقيم منّا رحيلُ
وجليلٌ مُصَابُ أحمدَ لكنْ
يُصبرُ النفسَ للجليلِ الجليلُ