حوادث دمشق اليومية/سنة 1154

​حوادث دمشق اليومية​ المؤلف أحمد البديري
سنة 1154


قال البديري رحمه الله ما معناه: وفي سنة 1154 كان والياً بالشام الحاج علي باشا من الأتراك وذلك بعد مضي إحدى عشرة سنة من جلوس مولانا السلطان محمود خان بن السلطان مصطفى خان، أيد الله عرش هذه الدولة إلى آخر الدوران.

جرى على لسان العامة أنه سيحدث بدمشق الشام زلازل عظيمة تتهدم بسببها أماكن كثيرة، وأن الرجال ستقلب نساء، وأن أنهار الشام تجري طعاما. وتحدثوا في حوادث كثيرة من مثل هذه الخرافات، وصاروا يتداولونها فيما بينهم، ولم يحدث شيء فيما بعد من هذه السنة.

وكانت هذه السنة سنة غلاء في الأقوات وغيرها، حتى بلغت أوقية السمن بخمس مصاري ونصف ورطل الأرز بستة عشر مصرية، ومد الشعير بثمان مصاري والخبز الأبيض باثني عشر مصرية ورطل الكعك بأربعة عشر مصرية والخبز الأسمر رطله بخمسة مصاري.

وكان في العام الذي قبله الحاكم بدمشق الشام عثمان باشا المحصل، أخرج الأورطة التي للقبيقول من قلعة الشام. فمنهم من نفاه، ومنهم من قتله، والذي بقي كرّ له كور عمامته بعد شهادة جماعة من الناس بأنه غير زَرْبَه، ولا وقع منه فساد، وشتت شملهم في جميع البلاد، وكان ذلك إصلاحا. وقد قتل الشر من دمشق الشام واصطلحت أحوال الناس.

وكان مجيء الجوخدار من الحج مبشراً في اليوم السابع والعشرين من شهر المحرم. ودخل الكَتّاب تلك السنة ليلة الأربعاء ثالث ليلة من شهر صفر. وكان الكَتّاب باكر بشة الحمامي ومعه جماعة. ودخول الحج إلى الشام كان نهار السبت ثاني يوم بعد مجيء الكَتّاب، ولم يزل ينجرّ وينسحب خمسة أيام حتى دخل المحمل. وذكر الحجاج أنهم داروا في هذه السنة دورتين بين الحرمين، وصار عليهم غلاء وبرد كثير، وقتل ابن مضيان شيخ العرب بين الحرمين بعد قتال وقع بينهم وبين والي الشام أمير الحج. ثم أقام مدة بعد مجيئه من الحج، والناس في أمن وأمان ثم عزل. ووجهت الدولة العلية على الشام سليمان باشا بن العظم، فأرسل سليمان باشا قبل دخوله للشام سلحداره زوج بنت الوفائي متسلماً وبقي نحو شهرين لم يدخل الشام، ثم أتى ونزل على البقاع، وأراد محاصرة جبل الدروز، فصالحوه بمال عظيم حتى أرضوه. ودخل الشام نهار الخميس ثاني عشر جمادى الثانية في هذه السنة المذكورة وهي سنة 1154. وبعد ثلاثة أيام من دخوله صلب ثلاثة أشقياء من العرب، وبعد ذلك أبقى كل شيء على حاله ولم يحرك ساكناً.

وكانت السنة التي دخل فيها بمظهر اسمين من أسمائه تعالى: وهما قيوم حفيظ لسنة 1154، نظمها الشيخ عبد الرحمن البهلول أحد أدباء الشام ببيت، فقال:

بهذا العام فيهم قد تجلى
مع التاريخ قيوم حفيظ

وفي هذه السنة كان صوم رمضان الجمعة، ثم ثبت في آخره أن الشهر كان أوله الخميس، وخرج المحمل الشريف مع الباشا في منتصف شوال نهار السبت، وثاني يوم جاء الحج الحلبي، ومعهم من العجم نحو الثلاث مئة. وبعد أربعة أيام خرج الحج، وبقيت شرذمة من الحاج لأجل دفتر دار السلطان محمود خان، فخرج ثاني يوم الخميس، وخروج الحاج كان في كانون الأول والبرد في غاية الشدة، وبقي الصقيع والجليد في الأرض نحواً من خمسة وعشرين يوماً، والشمس طالعة والجليد لا يذوب، حتى قيل إنه ما رؤي مثلها، فقد يبست الأشجار، وعدمت الثمار على الخصوص الليمون والكباد والنارنج، حتى بيع رطل الفحم بالشام بثلاثة مصاري. وأخبرت المزيرباتية بعد رجوعهم أنه بيع رطل الفحم كل ثلاثة أرطال بقرش.

وفي هذه السنة خرجت الجردة نهار السبت السابع والعشرين من ذي القعدة، وصار عليها سردار يعقوب باشا المتولي على مدينة حلب، وقد ذكر له سيرة مرضية وعدل بالرعية.

قال الشيخ أحمد البديري: وقد قلت في هذا العام، وهو عام 1154 هذا المواليا في حق من أظهر الكذب والأراجيف التي قدمنا ذكرها، حيث قلت:

من كثر كذب الروافض دبّ فينا الشيب
ما يعلموا الكذب أنه من شروط العيب
من جهة الزلزلة قالوا كلام الريب
هم الملاعين صاروا يعلموا بالغيب

غيره:

في ليلة السبت خامس عشر في محرم
مالو لقول الروافض زور ومحرّم
من جهة الزلزلة النوم تحرم
من نام تحت السقوفة يا أخي بالليل
شم الهوى بين أطرافه بيتحرم

غيره

يا ناس كذب الروافض شاع في الأقطار
وصيّرونا نسا نقعد بوسط الدار
ينزل عليهم غضب واحد أحد قهار
روّعوا الخلق في هل زلزلة يا ناس
همو حمير اليهود جوا سقر في النار

غيره

بثبوت إن الرافض يوم الحشر يا أخيار
حمير للركب للخاخان والجوقار
راموا دسيسة بجلّق عمت الأقطار
في ليلة السبت قالوا الزلزلة بتصير
هل يعلم الغيب إلا الواحد القهار

غيره

في ليلة السبت قالوا الزلزلة بتصير
والطفل من عجبها بين الورى بتحير
أسألك يا رب بمن جا للأنام بشير
تمسح روافض أهل الشام يا معبود
واحرق آباهم وغوّر كورهم والبير
قد قالت الناس كذبة ما سمعناها
أنهار الشام يا أخي ينقع ماءها
تجري طعام بدال الماء مجراها
فاختية ورز أصفر ولحم سمين
قوموا انظروا للكبب والسمن غطّاها

غيره

سمعت واحد يقول يا أخي قساطلكم
هي عاطلة تاقوم معكم أعاونكم
لأن أدهان ها الألوان تساعدكم
وتخبوها لأيام الغلا والقحط
لا يحبسوها الكبب في دربها عنكم

غيره

في سنة أربع مع الخمسين يا سادات
سمعت أخبار ما سمعت بها عادات
زادوا بإسرافهم ما سمعوا الكلمات
الكل لله والأعمال بالنيات

غيره

استغفر الله ربي باعث الأرزاق
واحد مهيمن تجد كلها إطلاق
وامدح المصطفى هو صفوة الخلاق
يغفر لكم ومعكم أحمد الحلاق
حوادث دمشق اليومية أحمد البديري
المقدمة | سنة 1154 | سنة 1155| سنة 1156 | سنة 1157 | سنة 1158 | سنة 1159 | سنة 1160 | سنة 1161 | سنة 1162 | سنة 1163 | سنة 1164 | سنة 1165 | سنة 1166 | سنة 1167 | سنة 1168 | سنة 1169 | سنة 1170 | سنة 1171 | سنة 1172 | سنة 1173 | سنة 1174 | سنة 1175 |