الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مجموع الفتاوى/المجلد الخامس/سئل شيخ الإسلام ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obaydb (نقاش | مساهمات)
استيراد تلقائي للمقالات - كتابة على الأعلى
ط تصليح
سطر 11:
سئل شيخ الإسلام:
 
العالم الرباني تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله تعالى. ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} <ref name="طه: 5">[طه: 5]</ref> وقوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ} <ref>[لأعراف: 54]</ref> وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعا أَوْ كَرْها قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} <ref>[فصلت: 11]</ref> إلى غير ذلك من آيات الصفات وأحاديث الصفات كقوله: {{صل}} «إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن» وقوله: «يضع الجبار قدمه في النار» إلى غير ذلك وما قالت العلماء فيه وابسطوا القول في ذلك مأجورين إن شاء الله تعالى.
 
فأجاب - رضي الله عنه -:
سطر 29:
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
 
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي علىلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن. اقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} <ref>[ name="طه: 5]<"/ref> {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} <ref>[فاطر: 10]</ref> واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} <ref>[الشورى: 11]</ref> {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما} <ref>[طه: 110]</ref> ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ا ه. ويقول الآخر منهم: لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان وها أنا أموت على عقيدة أمي ا ه. ويقول الآخر منهم: أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام. ثم هؤلاء المتكلمون المخالفون للسلف إذا حقق عليهم الأمر: لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر ولم يقعوا من ذلك على عين ولا أثر كيف يكون هؤلاء المحجوبون المفضلون المنقوصون المسبوقون الحيارى المتهوكون: أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء فضلا عن سائر الأمم الذين لا كتاب لهم وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة - لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته - من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟ أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضلال اليهود والنصارى والصابئين وأشكالهم وأشباههم: أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان وإنما قدمت هذه المقدمة لأن من استقرت هذه المقدمة عنده عرف طريق الهدى أين هو في هذا الباب وغيره وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم وإعراضهم عما بعث الله به محمدا {{صل}} من البينات والهدى وتركهم البحث عن طريقة السابقين والتابعين والتماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله بإقراره على نفسه وبشهادة الأمة على ذلك وبدلالات كثيرة؛ وليس غرضي واحدا معينا وإنما أصف نوع هؤلاء ونوع هؤلاء. وإذا كان كذلك: فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسوله {{صل}} من أولها إلى آخرها ثم عامة كلام الصحابة والتابعين ثم كلام سائر الأئمة: مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلى الأعلى وهو فوق كل شيء وهو على كل شيء وإنه فوق العرش وأنه فوق السماء: مثل قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ} <ref>[فاطر: من الآية10]</ref> {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} <ref>[آل عمران: من الآية55]</ref> {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} <ref>[الملك: 16]</ref> {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} <ref>[الملك: 17]</ref> {بَلْ رَفَعَهُ الله إِلَيْهِ} <ref>[النساء: من الآية158]</ref> {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} <ref>[المعارج: من الآية4]</ref> {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} <ref>[السجدة: من الآية5]</ref> {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} <ref>[النحل: من الآية 50]</ref> {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} <ref>[لأعراف: من الآية54]</ref> في ستة مواضع {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} <ref>[ name="طه: 5]<"/ref> {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} <ref>[غافر: من الآية36]</ref> {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبا} <ref>[غافر: من الآية37]</ref> {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} <ref>[فصلت: من الآية42]</ref> {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} <ref>[الأنعام: من الآية114]</ref> إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى إلا بكلفة. وفي الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى إلا بالكلفة مثل قصة معراج الرسول {{صل}} إلى ربه ونزول الملائكة من عند الله وصعودها إليه؛ وقوله في الملائكة الذين يتعاقبون فيكم بالليل والنهار: فيخرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم فيسألهم وهو أعلم بهم. وفي الصحيح في حديث الخوارج: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء» وفي حديث الرقية الذي رواه [[أبو داود]] وغيره «ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع» قال رسول الله {{صل}} «إذا اشتكى أحد منكم أو اشتكى أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء» وذكره. وقوله في حديث الأوعال «والعرش فوق ذلك والله فوق عرشه وهو يعلم ما أنتم عليه» رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وقوله في الحديث الصحيح للجارية «أين الله؟» قالت في السماء قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله قال: «أعتقها فإنها مؤمنة». وقوله في الحديث الصحيح: «إن الله لما خلق الخلق كتب في كتاب موضوع عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي» وقوله في حديث قبض الروح «حتى يعرج بها إلى السماء التي فيها الله تعالى». وقول عبد الله بن رواحة الذي أنشده للنبي {{صل}} وأقره عليه:
 
شهدت بأن وعد الله حق ** وأن النار مثوى الكافرينا
سطر 43:
شرجعا ما يناله بصر العي ** ن ترى دونه الملائك صورا
 
وقوله في الحديث الذي في المسند: «إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا». وقوله في الحديث: «يمد يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب». إلى أمثال ذلك مما لا يحصيه إلا الله مما هو من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية التي تورث علما يقينا من أبلغ العلوم الضرورية أن الرسول {{صل}} المبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوين - أن الله سبحانه على العرش وأنه فوق السماء كما فطر الله على ذلك جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام؛ إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته. ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مائين أو ألوفا. ثم ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله {{صل}} ولا عن أحد من سلف الأمة - لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف - حرف واحد يخالف ذلك لا نصا ولا ظاهرا. ولم يقل أحد منهم قط إن الله ليس في السماء ولا إنه ليس على العرش ولا إنه بذاته في كل مكان ولا إن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ولا إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا إنه لا متصل ولا منفصل ولا إنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها؛ بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن «النبي {{صل}} لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات في أعظم مجمع حضره الرسول {{صل}} جعل يقول: ألا هل بلغت؟ فيقولون: نعم. فيرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إليهم ويقول: اللهم اشهد غير مرة» وأمثال ذلك كثيرة. فلئن كان الحق ما يقوله هؤلاء السالبون النافون للصفات الثابتة في الكتاب والسنة؛ من هذه العبارات ونحوها؛ دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصا وإما ظاهرا فكيف يجوز على الله تعالى ثم على رسوله {{صل}} ثم على خير الأمة: أنهم يتكلمون دائما بما هو إما نص وإما ظاهر في خلاف الحق ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط ولا يدلون عليه لا نصا ولا ظاهرا؛ حتى يجيء أنباط الفرس والروم وفروخ اليهود والنصارى والفلاسفة يبينون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مكلف أو كل فاضل أن يعتقدها. لئن كان ما يقوله هؤلاء المتكلمون المتكلفون هو الاعتقاد الواجب وهم مع ذلك أحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم وأن يدفعوا بما اقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة نصا أو ظاهرا؛ لقد كان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة: أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير؛ بل كان وجود الكتاب والسنة ضررا محضا في أصل الدين. فإن حقيقة الأمر على ما يقوله هؤلاء: إنكم يا معشر العباد لا تطلبوا معرفة الله عز وجل وما يستحقه من الصفات نفيا وإثباتا لا من الكتاب ولا من السنة ولا من طريق سلف الأمة. ولكن انظروا أنتم فما وجدتموه مستحقا له من الصفات فصفوه به - سواء كان موجودا في الكتاب والسنة أو لم يكن - وما لم تجدوه مستحقا له في عقولكم فلا تصفوه به. ثم هم ههنا فريقان: أكثرهم يقولون: ما لم تثبته عقولكم فانفوه - ومنهم من يقول: بل توقفوا فيه - وما نفاه قياس عقولكم - الذي أنتم فيه مختلفون ومضطربون اختلافا أكثر من جميع من على وجه الأرض - فانفوه وإليه عند التنازع فارجعوا. فإنه الحق الذي تعبدتكم به؛ وما كان مذكورا في الكتاب والسنة مما يخالف قياسكم هذا أو يثبت ما لم تدركه عقولكم - على طريقة أكثرهم - فاعلموا أني أمتحنكم بتنزيله لا لتأخذوا الهدى منه؛ لكن لتجتهدوا في تخريجه على شواذ اللغة ووحشي الألفاظ وغرائب الكلام. أو أن تسكتوا عنه مفوضين علمه إلى الله مع نفي دلالته على شيء من الصفات؛ هذا حقيقة الأمر على رأي هؤلاء المتكلمين. وهذا الكلام قد رأيته صرح بمعناه طائفة منهم وهو لازم لجماعتهم لزوما لا محيد عنه ومضمونه: أن كتاب الله لا يهتدي به في معرفة الله وأن الرسول معزول عن التعليم والإخبار بصفات من أرسله وأن الناس عند التنازع لا يردون ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول؛ بل إلى مثل ما كانوا عليه في الجاهلية وإلى مثل ما يتحاكم إليه من لا يؤمن بالأنبياء كالبراهمة والفلاسفة - وهم المشركون - والمجوس وبعض الصابئين. وإن كان هذا الرد لا يزيد الأمر إلا شدة؛ ولا يرتفع الخلاف به؛ إذ لكل فريق طواغيت يريدون أن يتحاكموا إليهم وقد أمروا أن يكفروا بهم. وما أشبه حال هؤلاء المتكلمين بقوله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدا} <ref>[النساء: 60]</ref> {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ الله وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودا} <ref>[النساء: 61]</ref> {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِالله إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانا وَتَوْفِيقا} <ref>[النساء: 62]</ref>. فإن هؤلاء إذا دعوا إلى ما أنزل الله من الكتاب وإلى الرسول - والدعاء إليه بعد وفاته هو الدعاء إلى سنته - أعرضوا عن ذلك وهم يقولون: إنا قصدنا الإحسان علما وعملا بهذه الطريق التي سلكناها والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية. ثم عامة هذه الشبهات التي يسمونها دلائل: إنما تقلدوا أكثرها عن طاغوت من طواغيت المشركين أو الصابئين أو بعض ورثتهم الذين أمروا أن يكفروا بهم مثل فلان وفلان أو عمن قال كقولهم؛ لتشابه قلوبهم. قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما} <ref>[النساء: 65]</ref> {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ الله النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} <ref>[البقرة: من الآية213]</ref> الآية. ولازم هذه المقالة: أن لا يكون الكتاب هدى للناس ولا بيانًا ولا شفاء لما في الصدور ولا نورا ولا مردا عند التنازع لأنا نعلم بالاضطرار أن ما يقوله هؤلاء المتكلفون: إنه الحق الذي يجب اعتقاده: لم يدل عليه الكتاب والسنة لا نصا ولا ظاهرا. وإنما غاية المتحذلق أن يستنتج هذا من قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ} <ref>[الإخلاص: 4]</ref> {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا} <ref name="مريم: من الآية65">[مريم: من الآية65]</ref>. وبالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دل الخلق على أن الله ليس على العرش ولا فوق السموات ونحو ذلك بقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا} <ref>[ name="مريم: من الآية65]<"/ref> لقد أبعد النجعة وهو إما ملغز وإما مدلس لم يخاطبهم بلسان عربي مبين. ولازم هذه المقالة: أن يكون ترك الناس بلا رسالة: خيرا لهم في أصل دينهم. لأن مردهم قبل الرسالة وبعدها واحد؛ وإنما الرسالة زادتهم عمى وضلالة. يا سبحان الله كيف لم يقل الرسول يوما من الدهر ولا أحد من سلف الأمة: هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه. ولكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم أو اعتقدوا كذا وكذا. فإنه الحق وما خالف ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره أو انظروا فيها فما وافق قياس عقولكم فاقبلوه وما لا فتوقفوا فيه أو انفوه ؟. ثم رسول الله {{صل}} قد أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة فقد علم ما سيكون. ثم قال: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله». وروي عنه أنه قال في صفة الفرقة الناجية: «هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي». فهلا قال من تمسك بالقرآن أو بدلالة القرآن أو بمفهوم القرآن أو بظاهر القرآن في باب الاعتقادات: فهو ضال؟ وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم وما يحدثه المتكلمون منكم بعد القرون الثلاثة - في هذه المقالة - وإن كان قد نبغ أصلها في أواخر عصر التابعين. ثم أصل هذه المقالة - مقالة التعطيل للصفات - إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين؛ فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام - أعني أن الله سبحانه وتعالى ليس على العرش حقيقة وأن معنى استوى بمعنى استولى ونحو ذلك - هو الجعد بن درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان؛ وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه. وقد قيل إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم: اليهودي الساحر الذي سحر النبي {{صل}}. وكان الجعد بن درهم هذا - فيما قيل - من أهل حران وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة - بقايا أهل دين نمرود والكنعانيين الذين صنف بعض المتأخرىن في سحرهم - ونمرود هو ملك الصابئة الكلدانيين المشركين كما أن كسرى ملك الفرس والمجوس وفرعون ملك مصر والنجاشي ملك الحبشة وبطليموس ملك اليونان وقيصر ملك الروم. فهو اسم جنس لا اسم علم. فكانت الصابئة - إلا قليلا منهم - إذ ذاك على الشرك وعلماؤهم هم الفلاسفة وإن كان الصابئ قد لا يكون مشركا؛ بل مؤمنا بالله واليوم الآخر كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} <ref>[البقرة: 62]</ref>. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} <ref>[المائدة: 69]</ref> . لكن كثيرا منهم أو أكثرهم كانوا كفارا أو مشركين؛ كما أن كثيرًا من اليهود والنصارى بدلوا وحرفوا وصاروا كفارا أو مشركين فأولئك الصابئون - الذين كانوا إذ ذاك - كانوا كفارا أو مشركين وكانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل. ومذهب النفاة من هؤلاء في الرب: أنه ليس له إلا صفات سلبية أو إضافية أو مركبة منهما وهم الذين بعث إليهم إبراهيم الخليل {{صل}}؛ فيكون الجعد قد أخذها عن الصابئة الفلاسفة. وكذلك أبو نصر الفارابي دخل حران وأخذ عن فلاسفة الصابئين تمام فلسفته وأخذها الجهم أيضا - فيما ذكره الإمام أحمد وغيره، لما ناظر السمنية بعض فلاسفة الهند، وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات، فهذه أسانيد جهم ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين والفلاسفة الضالون هم إما من الصابئين وإما من المشركين. ثم لما عربت الكتب الرومية واليونانية في حدود المائة الثانية: زاد البلاء؛ مع ما ألقى الشيطان في قلوب الضلال ابتداء من جنس ما ألقاه في قلوب أشباههم. ولما كان في حدود المائة الثالثة: انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية؛ بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته وكلام الأئمة مثل مالك و[[سفيان بن عيينة]] و[[ابن المبارك]] وأبي يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق والفضيل بن عياض وبشر الحافي وغيرهم: كثير في ذمهم وتضليلهم. وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس - مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب التأويلات وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه تأسيس التقديس ويوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء مثل أبي على الجبائي وعبد الجبار بن أحمد الهمداني وأبي الحسين البصري وأبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي وغيرهم - هي بعينها تأويلات بشر المريسي التي ذكرها في كتابه؛ وإن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضا ولهم كلام حسن في أشياء. فإنما بينت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات بشر المريسي ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمان [[البخاري]] صنف كتابا سماه: رد عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضي أن المريسي أقعد بها وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرىن الذين اتصلت إليهم من جهته وجهة غيره ثم رد ذلك عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي: علم حقيقة ما كان عليه السلف وتبين له ظهور الحجة لطريقهم وضعف حجة من خالفهم. ثم إذا رأى الأئمة - أئمة الهدى - قد أجمعوا على ذم المريسية وأكثرهم كفروهم أو ضللوهم وعلم أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرىن هو مذهب المريسي: تبين الهدى لمن يريد الله هدايته ولا حول ولا قوة إلا بالله. والفتوى لا تحتمل البسط في هذا الباب وإنما أشير إشارة إلى مبادئ الأمور والعاقل يسير وينظر. وكلام السلف في هذا الباب موجود في كتب كثيرة لا يمكن أن نذكر ههنا إلا قليلا منه؛ مثل كتاب السنن للالكائي والإبانة لابن بطة والسنة لأبي ذر الهروي والأصول لأبي عمرو الطلمنكي وكلام أبي عمر بن عبد البر والأسماء والصفات للبيهقي وقبل ذلك السنة للطبراني ولأبي الشيخ الأصبهاني ولأبي عبد الله بن منده ولأبي أحمد العسال الأصبهانيين. وقبل ذلك السنة للخلال والتوحيد لابن خزيمة وكلام أبي العباس بن سريج والرد على الجهمية لجماعة: مثل البخاري وشيخه عبد الله بن محمد بن عبد الله الجعفي وقبل ذلك السنة لعبد الله بن أحمد والسنة لأبي بكر بن الأثرم والسنة لحنبل وللمروزي ولأبي داود السجستاني ولابن أبي شيبة والسنة لأبي بكر بن أبي عاصم وكتاب خلق أفعال العباد للبخاري وكتاب الرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم. وكلام أبي العباس عبد العزيز المكي صاحب الحيدة في الرد على الجهمية وكلام نعيم بن حماد الخزاعي وكلام غيرهم وكلام الإمام [[أحمد بن حنبل]] و[[سحاقإسحاق بن راهويه]] ويحيى بن سعيد ويحيى بن يحيى النيسابوري وأمثالهم. وقبل: لعبد الله بن المبارك وأمثاله وأشياء كثيرة. وعندنا من الدلائل السمعية والعقلية ما لا يتسع هذا الموضع لذكره. وأنا أعلم أن المتكلمين النفاة لهم شبهات موجودة ولكن لا يمكن ذكرها في الفتوى فمن نظر فيها وأراد إبانة ما ذكروه من الشبه فإنه يسير. فإذا كان أصل هذه المقالة - مقالة التعطيل والتأويل - مأخوذا عن تلامذة المشركين والصابئين واليهود فكيف تطيب نفس مؤمن - بل نفس عاقل - أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم أو الضالين ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟
 
{{هامش}}
 
{{مجموع الفتاوى/5}}
 
[[تصنيف:مجموع الفتاوى|{{SUBPAGENAME}}]]