الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مجموع الفتاوى/المجلد الخامس/إنكار جماعة على أبي طالب بعض كلامه في الصفات»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obaydb (نقاش | مساهمات)
استيراد تلقائي للمقالات - كتابة على الأعلى
ط تصليح
 
سطر 35:
وهكذا كثير مما يصف الرب نفسه بالعلم بأعمال العباد؛ تحذيرًا وتخويفًا ورغبة للنفوس في الخير. ويصف نفسه بالقدرة، والسمع، والرؤية، والكتاب. فمدلول اللفظ مراد منه، وقد أريد أيضا لازم ذلك المعنى. فقد أريد ما يدل عليه اللفظ في أصل اللغة بالمطابقة والالتزام؛ فليس اللفظ مستعملًا في اللازم فقط بل أريد به مدلوله الملزوم، وذلك حقيقة.
 
وأما القرب فذكره تارة بصيغة المفرد، كقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ} <ref name="البقرة: 186">[البقرة: 186]</ref>، وفي الحديث: «ارْبَعُوا على أنفسكم» إلى أن قال: «إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته».
 
وتارة بصيغة الجمع كقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} <ref name="ق: 16">[ق: 16]</ref>، وهذا مثل قوله: {نَتْلُوا عَلَيْكَ} <ref>[القصص: 3]</ref>، و{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} <ref>[يوسف: 3]</ref>، و{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} <ref>[القيامة: 17]</ref>، و{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} <ref>[القيامة: 19]</ref>، فالقراءة هنا حين يسمعه من جبريل، والبيان هنا بيانه لمن يبلغه القرآن.
 
ومذهب سلف الأمة وأئمتها وخلفها: أن النبي {{صل}} سمع القرآن من جبريل، وجبريل سمعه من الله عز وجل. وأما قوله: {نَتْلُوا}، و{نَقُصُّ} ونحوه، فهذه الصيغة في كلام العرب للواحد العظيم، الذي له أعوان يطيعونه، فإذا فعل أعوانه فعلًا بأمره قال: نحن فعلنا. كما يقول الملك: نحن فتحنا هذا البلد. وهو منا هذا الجيش ونحو ذلك.
 
ومن هذا الباب قوله تعالى: {الله يَتَوَفى الْأَنفُسَ} <ref>[الزمر: 42]</ref>، فإنه سبحانه يتوفاها برسله الذين مقدمهم ملك الموت، كما قال: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} <ref>[الأنعام: 61]</ref>، {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ} <ref>[السجدة: 11]</ref>، وكذلك ذوات الملائكة تقرب من المحتضر، وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} <ref>[ name="ق: 16]<"/ref>.
 
فإنه سبحانه وتعالى هو وملائكته يعلمون ما توسوس به نفس العبد، من حسنة وسيئة، والهم في النفس قبل العمل. فقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} <ref>[ name="ق: 16]<"/ref> هو قرب ذوات الملائكة، وقرب علم الله؛ فذاتهم أقرب إلى قلب العبد من حبل الوريد؛ فيجوز أن يكون بعضهم أقرب إلى بعضه من بعض؛ ولهذا قال في تمام الآية: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} <ref>[ق: 17]</ref>، فقوله: "إذ" ظرف. فأخبر أنهم أقرب إليه من حبل الوريد حين يتلقى المتلقيان ما يقول. فهذا كله خبر عن الملائكة.
 
وقوله: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} <ref>[ name="البقرة: 186]<"/ref>، و«هو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته»، هذا إنما جاء في الدعاء، لم يذكر أنه قريب من العباد في كل حال، وإنما ذكر ذلك في بعض الأحوال، كما في الحديث: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» ونحو ذلك.
 
وقوله: «من تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة»، فقرب الشيء من الشيء مستلزم لقرب الآخر منه، لكن قد يكون قرب الثاني هو اللازم من قرب الأول، ويكون منه أيضا قرب بنفسه.
سطر 59:
ثم إن هذا النزول: هل هو كدنوه عشية عرفة، لا يحصل لغير الحاج في سائر البلاد إذ ليس بها وقوف مشروع، ولا مباهاة الملائكة، وكما أن تفتيح أبواب الجنة، وتغليق أبواب النار، وتصفيد الشياطين إذا دخل شهر رمضان، إنما هو للمسلمين الذين يصومون رمضان؛ لا الكفار الذين لا يرون له حرمة، وكذلك اطلاعه يوم بدر، وقوله لهم: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْْ» كان مختصًا بأولئك أم هو عام؟ فيه كلام ليس هذا موضعه. والكلام في هذا القرب من جنس الكلام في نزوله كل ليلة، ودنوه عشية عرفة، وتكليمه لموسى من الشجرة، وقوله: {أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} <ref>[النمل: 8]</ref>.
 
وقد ذكرنا في غير هذا الموضع ما قاله السلف في مثل ذلك؛ مثل حماد بن زيد، و[[سحاقإسحاق بن راهويه]]، وغيرهما، من أنه ينزل إلى سماء الدنيا ولا يخلو منه العرش، وبينا أن هذا هو الصواب، وإن كان طائفة ممن يدعى السنة يظن خلو العرش منه.
 
وقد صنف أبوالقاسم عبد الرحمن بن مندة في ذلك مصنفًا، وزيف قول من قال: ينزل ولا يخلو منه العرش، وضعف ما قيل في ذلك عن [[أحمد بن حنبل]] في رسالته إلى مُسَدَّد، وطعن في هذه الرسالة. وقال: إنها مكذوبة على أحمد وتكلم على راويها البردعي أحمد بن محمد. وقال: إنه مجهول لا يعرف في أصحاب أحمد.
سطر 77:
ومن الناس من غلط فظن أن قربه من جنس حركة بدن الإنسان، إذا مال إلى جهة انصرف عن الأخرى، وهو يجد عمل روحه يخالف عمل بدنه؛ فيجد نفسه تقرب من نفوس كثيرين من الناس، من غير أن ينصرف قربها إلى هذا عن قربها إلى هذا.
 
وبالجملة فقرب الرب من قلوب المؤمنين، وقرب قلوبهم منه، أمر معروف لا يجهل؛ فإن القلوب تصعد إليه على قدر ما فيها من الإيمان والمعرفة، والذكر والخشية والتوكل. وهذا متفق عليه بين الناس كلهم، بخلاف القرب الذي قبله؛ فإن هذا ينكره الجهمي، الذي يقول: ليس فوق السموات رب يعبد، ولا إله يصلى له ويسجد، وهذا كفر وفَنَدٌ. <ref>[الفَنَد: الخَرَف والخطأ في الرأي والقول، والكذب]</ref>
 
والأول ينكره الكلابية، ومن يقول: لا تقوم الأمور الاختيارية به، ومن أتباع الأشعري من أصحاب أحمد وغيره، من يجعل الرضا والغضب والفرح والمحبة هي الإرادة، وتارة يجعلونها صفات أخر قديمة غير الإرادة.
سطر 92:
 
{{مجموع الفتاوى/5}}
 
[[تصنيف:مجموع الفتاوى|{{SUBPAGENAME}}]]