الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مجموع الفتاوى/المجلد الخامس/فصل في وجوب إثبات العلو لله تعالى»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obaydb (نقاش | مساهمات)
استيراد تلقائي للمقالات - كتابة على الأعلى
ط تصليح
 
سطر 13:
أحدها: أن يقال: إن القرآن والسنن المستفيضة المتواترة وغير المتواترة وكلام السابقين والتابعين، وسائر القرون الثلاثة مملوء بما فيه إثبات العلو لله تعالى على عرشه بأنواع من الدلالات، ووجوه من الصفات، وأصناف من العبارات، تارة يخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش. وقد ذكر الاستواء على العرش في سبعة مواضع.
 
وتارة يخبر بعروج الأشياء وصعودها، وارتفاعها إليه، كقوله تعالى: {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا} <ref name="النساء: 158">[النساء: 158]</ref>، {إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} <ref>[آل عمران: 55]</ref>، {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} <ref>[المعارج: 4]</ref>، وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} <ref name="فاطر: 10">[فاطر: 10]</ref> وتارة يخبر بنزولها منه أو من عنده، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} <ref>[الأنعام: 114]</ref>، {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} <ref>[النحل: 201]</ref>، {حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} <ref>[فصلت: 1، 2]</ref>، {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} <ref>[الأحقاف: 1، 2]</ref>.
 
وتارة يخبر بأنه العلى الأعلى، كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} <ref>[الأعلى: 1]</ref> وقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} <ref>[البقرة: 255]</ref>.
سطر 77:
<ref>[الزخرف: 45]</ref>، وقال تعالى عنه: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ} <ref>[القصص: 39 42]</ref>. وفرعون هو إمام النفاة.
 
ولهذا صرح محققو النفاة بأنهم على قوله، كما يصرح به الاتحادية من الجهمية النفاة؛ إذ هو أنكر العلو وكذب موسى فيه، وأنكر تكليم الله لموسى، قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} <ref name="غافر: 36، 37">[غافر: 36، 37]</ref>.
 
والله تعالى قد أخبر عن فرعون أنه أنكر الصانع بلسانه، فقال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} <ref>[الشعراء: 32]</ref> ؟ وطلب أن يصعد ليطلع إلى إله موسى، فلو لم يكن موسى أخبره أن إلهه فوق لم يقصد ذلك؛ فإنه هو لم يكن مقرًا به، فإذا لم يخبره موسى به لم يكن إثبات العلو لا منه ولا من موسى عليه الصلاة والسلام فلا يقصد الاطلاع، ولا يحصل به ما قصده من التلبيس على قومه، بأنه صعد إلى إله موسى، ولكان صعوده إليه كنزوله إلى الآبار والأنهار، وكان ذلك أهون عليه، فلا يحتاج إلى تكلف الصرح.
سطر 143:
فأما من علم الحق بدليله الموافق لبيان رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فليس للواقف الشاك الحائر أن ينكر على هذا العالم الجازم المستبصر المتبع للرسول، العالم بالمنقول والمعقول.
 
الرابع: أن يقال: السلف كلهم أنكروا على الجهمية النفاة، وقالوا بالإثبات وأفصحوا به، وكلامهم في الإثبات والإنكار على النفاة أكثر من أن يمكن إثباته في هذا المكان، وكلام الأئمة المشاهير مثل مالك، والثوري، و[[الأوزاعي]]، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وعبد الرحمن بن مهدي، ووَكِيع بن الجراح، والشافعي، و[[أحمد بن حنبل]]، و[[سحاقإسحاق بن راهويه]]، وأبي عبيد، وأئمة أصحاب مالك وأبي حنيفة، والشافعي وأحمد موجود كثير لا يحصيه أحد.
 
وجواب مالك في ذلك صريح في الإثبات، فإن السائل قال له: يا أبا عبد الله، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} <ref name="طه: 5">[طه: 5]</ref> كيف استوى؟ فقال مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، وفي لفظ: استواؤه معلوم - أو معقول - والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فقد أخبر رضي الله عنه بأن نفس الاستواء معلوم، وأن كيفية الاستواء مجهولة، وهذا بعينه قول أهل الإثبات.
 
وأما النفاة، فما يثبتون استواء حتى تجهل كيفيته، بل عند هذا القائل الشاك وأمثاله أن الاستواء مجهول، غير معلوم، وإذا كان الاستواء مجهولًا لم يحتج أن يقال: الكيف مجهول، لا سيما إذا كان الاستواء منتفيًا، فالمنتفي المعدوم لا كيفية له حتى يقال: هي مجهولة أو معلومة. وكلام مالك صريح في إثبات الاستواء، وأنه معلوم، وأن له كيفية، لكن تلك الكيفية مجهولة لنا لا نعلمها نحن.
سطر 163:
وسلف الأمة وأئمتها متفقون على الإثبات، رادون على الواقفة والنفاة، مثل ما رواه [[البيهقي]] وغيره عن [[الأوزاعي]] قال: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته.
 
وقال أبو مطيع البلخي في كتاب الفقه الأكبر المشهور: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض. قال: قد كفر؛ لأن الله عز وجل يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} <ref>[ name="طه: 5]<"/ref>، وعرشه فوق سبع سمواته، فقلت: إنه يقول: على العرش استوى، ولكن لا يدري العرش في السماء أو في الأرض، فقال: إذا أنكر أنه في السماء كفر؛ لأنه تعالى في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل.
 
وقال عبد الله بن نافع: كان [[مالك بن أنس]] يقول: الله في السماء، وعلمه في كل مكان. وقال مَعْدَان: سألت [[سفيان الثوري]] عن قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} <ref name="الحديد: 4">[الحديد: 4]</ref> قال: علمه.
 
وقال حماد بن زيد فيما ثبت عنه من غير وجه رواه [[ابن أبي حاتم]] و[[البخاري]] وعبد الله بن أحمد وغيرهم : إنما يدور كلام الجهمية على أن يقولوا: ليس في السماء شيء.
 
وقال علي بن الحسن بن شَقِيق: قلت لعبد الله بن المبارك: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه. قلت: بحَدّ؟ قال: بحد لا يعلمه غيره، وهذا مشهور عن [[ابن المبارك]]، ثابت عنه من غير وجه، وهو أيضا صحيح ثابت عن [[أحمد بن حنبل]]، و[[سحاقإسحاق بن راهويه]]، وغير واحد من الأئمة.
 
وقال رجل لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، قد خفت الله من كثرة ما أدعو على الجهمية. قال: لا تخف، فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء.
سطر 181:
وهكذا ذكر أهل الكلام الذين ينقلون مقالات الناس مقالة أهل السنة وأهل الحديث كما ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي صنفه في اختلاف المصلين، ومقالات الإسلاميين، فذكر فيه أقوال الخوارج والروافض والمعتزلة والمرجئة وغيرهم.
 
ثم قال: ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث، وجملة قولهم: الإقرار بالله عز وجل وملائكته، وكتبه ورسله، وبما جاء من عند الله، وبما رواه الثقات عن رسول الله {{صل}}، لا يردون من ذلك شيئا إلى أن قال : وأن الله على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} <ref name="طه: 5">[طه: 5]</ref>، وأن له يدين بلا كيف كما قال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} <ref name="ص: 75">[ص: 75]</ref>.
 
وأقروا أن لله علما كما قال: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} <ref>[النساء: 166]</ref>، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} <ref>[ فاطر: 11]</ref>، وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة، وقالوا: إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله، كما قال: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله} <ref>[الإنسان: 30]</ref> إلى أن قال : ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق؛ ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله {{صل}}، مثل: «إن الله ينزل إلى سماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟» كما جاء في الحديث.
سطر 187:
ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} <ref>[الفجر: 22]</ref>، وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء، كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} <ref>[ق: 16]</ref>. وذكر أشياء كثيرة، إلى أن قال: فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه، وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب.
 
قال الأشعري أيضا في مسألة الاستواء قال أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم، ولا يشبه الأشياء، وأنه على عرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} <ref>[ name="طه: 5]<"/ref>.
 
ولا نتقدم بين يدي الله ورسوله في القول، بل نقول: استوى بلا كيف، وأن له يدين بلا كيف كما قال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} <ref>[ name="ص: 75]<"/ref>.
 
وإن الله ينزل إلى سماء الدنيا، كما جاء في الحديث.
 
قال: وقالت المعتزلة: استوى على عرشه بمعنى استولى. وقال الأشعري أيضا في كتابه الإبانة في أصول الديانة في باب الاستواء: إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل: نقول له: إن الله مستو على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} <ref>[ name="طه: 5]<"/ref>. ، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} <ref>[ name="فاطر: 10]<"/ref>، وقال: {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا} <ref>[ name="النساء: 158]<"/ref>.
 
وقال حكاية عن فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} <ref>[ name="غافر: 36، 37]<"/ref> كذب فرعون موسى في قوله: إن الله فوق السموات. وقال الله تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} <ref>[الملك: 16]</ref>. فالسموات فوقها العرش، وكل ما علا فهو سماء، وليس إذا قال: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} يعني: جميع السموات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السموات، ألا ترى أنه ذكر السموات فقال: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} <ref>[نوح: 16]</ref>، ولم يرد أنه يملأ السموات جميعًا؟
 
ورأينا المسلمين جميعًا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن الله مستوٍ على العرش الذي هو فوق السموات، فلولا أن الله على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش.
سطر 209:
وقال أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة : الذي يذهب إليه أهل العلم: أن الله تعالى على عرشه فوق سمواته، وعلمه محيط بكل شيء، قد أحاط بجميع ما خلق في السموات العلى، وجميع ما في سبع أرضين، يرفع إليه أفعال العباد.
 
فإن قال قائل: أي شيء معنى قوله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} <ref name="المجادلة: 7">[المجادلة: 7]</ref>. قيل له: علمه، والله على عرشه وعلمه محيط بهم، كذا فسره أهل العلم. والآية يدل أولها وآخرها أنه العلم، وهو على عرشه. هذا قول المسلمين.
 
والقول الذي قاله الشيخ محمد بن أبي زيد وإنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه قد تأوله بعض المبطلين بأن رفع المجيد. ومراده أن الله هو المجيد بذاته، وهذا مع أنه جهل واضح، فإنه بمنزلة أن يقال: الرحمن بذاته، والرحيم بذاته، والعزيز بذاته.
سطر 225:
وإن الأحاديث التي ثبتت عن النبي {{صل}} في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ويثبتونها، من غير تكييف، ولا تمثيل، وأن الله بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستوٍ على عرشه في سمائه دون أرضه. وذكر سائر اعتقاد السلف وإجماعهم على ذلك.
 
وقال يحيى بن عثمان <ref> [هو أبو زكريا يحيى بن عثمان بن صالح بن صفوان السهمي المصري، العلامة الحافظ الإخباري، كان عالمًا بأخبار مصر وبموت العلماء، مات في ذي القعدة سنة 282ه] </ref> في رسالته: لا نقول كما قالت الجهمية: إنه بداخل الأمكنة، وممازج كل شيء، ولا نعلم أين هو، بل نقول: هو بذاته على عرشه، وعلمه محيط بكل شيء، وسمعه وبصره وقدرته مدركة لكل شيء، وهو معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} <ref>[ name="الحديد: 4]<"/ref>.
 
وقال الشيخ العارف معمر بن أحمد شيخ الصوفية في هذا العصر: أحببت أن أوصى أصحابي بوصية من السنة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين. فذكر أشياء من الوصية إلى أن قال فيها: وإن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تأويل، والاستواء معلوم، والكيف مجهول؛وأنه مستو على عرشه، بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، بلا حلول ولا ممازجة ولا ملاصقة، وأنه عز وجل سميع، بصير، عليم، خبير، يتكلم، ويرضى، ويسخط، ويضحك، ويعجب، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء، بلا كيف ولا تأويل، ومن أنكر النزول، أو تأول، فهو مبتدع ضال.
سطر 237:
قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} <ref>[ طه: 5]</ref>، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} <ref>[الفرقان: 59]</ref>، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} <ref>[ الأنعام: 18]</ref>، {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
 
<ref>[النحل: 50]</ref>، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} <ref>[ name="فاطر: 10]<"/ref>، {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}
 
<ref>[ الملك: 16]</ref> وأراد من فوق السماء؛ كما قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} <ref>[طه: 71]</ref> بمعنى: على جذوع النخل. وقال: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ} <ref>[التوبة: 2]</ref> أي: على الأرض، وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السموات. فمعنى الآية: أأمنتم من على العرش، كما صرح به في سائر الآيات. قال: وفيما كتبنا من الآيات دلالة على إبطال قول من زعم من الجهمية: أن الله بذاته في كل مكان، وقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} <ref>[ name="الحديد: 4]<"/ref>: إنما أراد بعلمه لا بذاته.
 
وقال [[أبو عمر بن عبد البر]] في [[شرح الموطأ]] لما تكلم على حديث النزول قال: هذا حديث لم يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة قال: وهذا أشهر عند الخاصة والعامة، وأعرف من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم.
 
وقال أبو عمر أيضا : أجمع علماء الصحابة والتابعين، الذين حمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} <ref>[ name="المجادلة: 7]<"/ref>: هو على العرش وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.
 
فهذا ما تلقاه الخلف عن السلف؛ إذ لم ينقل عنهم غير ذلك؛ إذ هو الحق الظاهر الذي دلت عليه الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، فنسأل الله العظيم أن يختم لنا بخير ولسائر المسلمين، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، بمنه وكرمه، إنه أرحم الراحمين، والحمد لله وحده.
سطر 250:
 
{{مجموع الفتاوى/5}}
 
[[تصنيف:مجموع الفتاوى|{{SUBPAGENAME}}]]