الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مجموع الفتاوى/المجلد الخامس/فصل في الجمع بين علو الرب عز وجل وبين قربه من داعيه وعابديه»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obaydb (نقاش | مساهمات)
استيراد تلقائي للمقالات - كتابة على الأعلى
ط تصليح
 
سطر 27:
فالأولى: كقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} <ref>[الحديد: 4]</ref>، والثانية: كقوله: {إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} <ref>[النحل: 128]</ref>، إلى غير ذلك من الآيات.
 
وأما القرب فهو كقوله: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} <ref name="البقرة: 186">[البقرة: 186]</ref>، وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} <ref name="ق: 16">[ق: 16]</ref>، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ} <ref>[الواقعة: 85]</ref>.
 
وقد افترق الناس في هذا المقام أربع فرق:
سطر 37:
وقسم ثان يقولون: إنه بذاته في كل مكان، كما يقوله النجارية، وكثير من الجهمية عبادهم، وصوفيتهم، وعوامهم يقولون: إنه عين وجود المخلوقات، كما يقوله أهل الوحدة، القائلون بأن الوجود واحد ومن يكون قوله مركبًا من الحلول والاتحاد، وهم يحتجون بنصوص المعية والقرب؛ ويتأولون نصوص العلو، والاستواء. وكل نص يحتجون به حجة عليهم؛ فإن المعية أكثرها خاصة بأنبيائه وأوليائه، وعندهم أنه في كل مكان.
 
وفي النصوص ما يبين نقيض قولهم؛ فإنه قال: {سَبَّحَ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} <ref>[الحديد: 1]</ref>، فكل من في السموات والأرض يسبح والمسبح غير المسبح، ثم قال: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} <ref>[الحديد: 2]</ref>، فبين أن الملك له، ثم قال: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} <ref name="الحديد: 3">[الحديد: 3]</ref>.
 
وفي الصحيح: «أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء»، فإذا كان هو الأول كان هناك ما يكون بعده، وإذا كان آخرًا كان هناك ما الرب بعده، وإذا كان ظاهرًا ليس فوقه شيء كان هناك ما الرب ظاهر عليه، وإذا كان باطنًا ليس دونه شيء كان هناك أشياء نفي عنها أن تكون دونه.
سطر 63:
وكان النبي {{صل}} يقول: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، فهو سبحانه مع المسافر في سفره ومع أهله في وطنه، ولا يلزم من هذا أن تكون ذاته مختلطة بذواتهم، كما قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ} <ref>[الفتح: 29]</ref>: أي معه على الإيمان، لا أن ذاتهم في ذاته بل هم مصاحبون له. وقوله: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} <ref>[النساء: 146]</ref> يدل على موافقتهم في الإيمان وموالاتهم، فالله تعالى عالم بعباده وهو معهم أينما كانوا، وعلمه بهم من لوازم المعية؛ كما قالت المرأة: زوجي طويل النَّجَاد، عظيم الرَّماد، قريب البيت من الناد. فهذا كله حقيقة، ومقصودها: أن تعرف لوازم ذلك وهو طول القامة، والكرم بكثرة الطعام، وقرب البيت من موضع الأضياف.
 
وفي القرآن: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} الآية <ref name="الزخرف: 80">[الزخرف: 80]</ref>، فإنه يراد برؤيته وسمعه إثبات علمه بذلك، وأنه يعلم هل ذلك خير أم شر، فيثيب على الحسنات ويعاقب على السيئات.
 
وكذلك إثبات القدرة على الخلق كقوله: {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء} <ref>[العنكبوت: 22]</ref>، وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ} <ref>[العنكبوت: 4]</ref>، والمراد التخويف بتوابع السيئات ولوازمها من العقوبة والانتقام.
سطر 71:
ويصف نفسه بالقدرة والسمع والرؤية والكتاب، فمدلول اللفظ مراد منه، وقد أريد أيضا لازم ذلك المعنى؛ فقد أريد ما يدل عليه اللفظ في أصل اللغة بالمطابقة وبالالتزام، فليس اللفظ مستعملًا في اللازم فقط، بل أريد به مدلوله الملزوم وذلك حقيقة.
 
وأما لفظ القرب فقد ذكره تارة بصيغة المفرد، وتارة بصيغة الجمع، فالأول إنما جاء في إجابة الداعي: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} <ref>[ name="البقرة: 186]<"/ref>، وكذلك في الحديث: «اربَعُوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا قريبًا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عُنُق راحلته»، وجاء بصيغة الجمع في قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} <ref>[ name="ق: 16]<"/ref>، وهذا مثل قوله: {نَتْلُوا عَلَيْكَ} <ref>[القصص: 3]</ref>، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} <ref>[يوسف: 3]</ref>، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} <ref name="القيامة: 18">[القيامة: 18]</ref> و{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه} <ref>[القيامة: 17]</ref>، و{عَلَيْنَا بَيَانَهُ} <ref>[القيامة: 19]</ref>. فالقرآن هنا حين يسمعه من جبريل، والبيان هنا بيانه لمن يبلغه القرآن.
 
ومذهب سلف الأمة وأئمتها وخلفها: أن النبي {{صل}} سمع القرآن من جبريل، وجبريل سمعه من الله عز وجل.
 
وأما قوله: {نتلو} و{نقص}، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} <ref>[ name="القيامة: 18]<"/ref>، فهذه الصيغة في كلام العرب للواحد العظيم الذي له أعوان يطيعونه، فإذا فعل أعوانه فعلًا بأمره قال: نحن فعلنا: كما يقول الملك: نحن فتحنا هذا البلد، وهزمنا هذا الجيش، ونحو ذلك؛ لأنه إنما يفعل بأعوانه، والله تعالى رب الملائكة، وهم لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهو مع هذا خالقهم وخالق أفعالهم وقدرتهم وهو غني عنهم، وليس هو كالملك الذي يفعل أعوانه بقدرة وحركة يستغنون بها عنه، فكان قوله لما فعله بملائكته: نحن فعلنا، أحق وأولى من قول بعض الملوك.
 
وهذا اللفظ هو من المتشابه، الذي ذكر أن النصارى احتجوا به على النبي {{صل}}، على التثليث، لما وجدوا في القرآن {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} <ref>[الفتح: 1]</ref> ونحو ذلك، فذمهم الله حيث تركوا المحكم من القرآن: أن الإله واحد، وتمسكوا بالمتشابه الذي يحتمل الواحد الذي معه نظيره، والذي معه أعوانه الذين هم عبيده وخلقه، واتبعوا المتشابه يبتغون بذلك الفتنة، وهي فتنة القلوب بتوهم آلهة متعددة، وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، فإنهما قولان للسلف وكلاهما حق.
سطر 87:
ومن هذا قول الله تعالى: {الله يَتَوَفي الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} <ref>[الزمر: 42]</ref>؛ فإنه سبحانه يتوفاها برسله كما قال: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} <ref>[الأنعام: 61]</ref>، {يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ} <ref>[السجدة: 11]</ref>؛ فإنه يتوفاها برسله الذين مقدمهم ملك الموت.
 
وقوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} <ref>[ name="القيامة: 18]<"/ref> هو قراءة جبريل له عليه، والله قرأه بواسطة جبريل كما قال: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} <ref>[الشورى: 51]</ref>، فهو مكلم لمحمد بلسان جبريل وإرساله إليه، وهذا ثابت للمؤمنين، كما قال تعالى: {قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ} <ref>[التوبة: 94]</ref>، وإنباء الله لهم إنما كان بواسطة محمد إليهم.
 
وكذلك قوله: {قُولُواْ آمَنَّا بِالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} <ref>[البقرة: 136]</ref>، {وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ} <ref>[البقرة: 231]</ref>، فهو أُنزل على المؤمنين بواسطة محمد {{صل}}.
 
وكذلك ذوات الملائكة تقرب من ذات المحتضر، وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} <ref name="ق: 16">[ق: 16]</ref> فإنه سبحانه هو وملائكته يعلمون ما توسوس به نفس العبد، كما ثبت في الصحيحين: «إذا هم العبد بحسنة فلم يعملها قال الله لملائكته: اكتبوها له حسنة، فإن عملها قال: اكتبوها له عشر حسنات، وإذا هَمَّ بسيئة» إلى آخر الحديث. فالملائكة يعلمون ما يهم به من حسنة وسيئة، والهم إنما يكون في النفس قبل العمل. وأبلغ من ذلك أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهو يوسوس له بما يهواه فيعلم ما تهواه نفسه.
 
فقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} <ref>[ name="ق: 16]<"/ref> هو قرب ذوات الملائكة وقرب علم الله منه، وهو رب الملائكة والروح، وهم لا يعلمون شيئا إلا بأمره؛ فذاتهم أقرب إلى قلب العبد من حبل الوريد، فيجوز أن يكون بعضهم أقرب إليه من بعض؛ ولهذا قال في تمام الآية: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} <ref name="ق: 17، 18">[ق: 17، 18]</ref>، وهذا كقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} <ref>[ name="الزخرف: 80]<"/ref>، فقوله: "إذ" ظرف، فأخبر أنهم {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} <ref>[ name="ق: 16]<"/ref> حين يتلقى المتلقيان، ما يقول {عن اليمين} قعيد {وعن الشمال} قعيد ثم قال: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} <ref>[ name="ق: 17، 18]<"/ref> أي: شاهد لا يغيب.
 
فهذا كله خبر عن الملائكة، فقوله: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} <ref name="البقرة: 186">[البقرة: 186]</ref>، و«هو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته»، فهذا إنما جاء في الدعاء لم يذكر أنه قريب من العباد في كل حال، وإنما ذكر ذلك في بعض الأحوال، وقد قال في الحديث: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»
 
وقال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} <ref>[العلق: 19]</ref>، والمراد القرب من الداعي في سجوده، كما قال: «وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم» <ref> [أي: فخليق وجدير]</ref> فأمر بالاجتهاد في الدعاء في السجود مع قرب العبد من ربه وهو ساجد. وقد أُمر المصلي أن يقول في سجوده: «سبحان ربي الأعلى». رواه أهل السنن.
سطر 121:
وكل هذه النصوص حجة عليهم، فإذا فصل تبين ذلك، فالداعي والساجد يوجه روحه إلى الله، والروح لها عروج يناسبها، فتقرب من الله تعالى بلا ريب بحسب تخلصها من الشوائب، فيكون الله عز وجل منها قريبًا قربًا يلزم من قربها، ويكون منه قرب آخر كقربه عشية عرفة، وفي جوف الليل، وإلى من تقرب منه شبرًا تقرب منه ذراعًا. وفي الزهد لأحمد عن عمران القصير؛ أن موسى عليه السلام قال: «يا رب، أين أبغيك؟ قال: ابغني عند المنكسرة قلوبهم، إني أدنو منهم كل يوم باعًا، لولا ذلك لانهدموا»، فقد يشبه هذا قوله: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» إلى آخره.
 
وظاهر قوله: {فّإنٌَي قّّرٌيبِ} <ref>[ name="البقرة: 186]<"/ref> يدل على أن القرب نعته، ليس هو مجرد ما يلزم من قرب الداعي والساجد ودنوه عشية عرفة، هو لما يفعله الحاج ليلتئذ من الدعاء، والذكر، والتوبة، وإلا فلو قدر أن أحدًا لم يقف بعرفة لم يحصل منه سبحانه ذلك الدنو إليهم؛ فإنه يباهي الملائكة بأهل عرفة، فإذا قدر أنه ليس هناك أحد لم يحصل؛ فدل ذلك على قربه منهم بسبب تقربهم، كما دل عليه الحديث الآخر.
 
والناس في آخر الليل يكون في قلوبهم من التوجه والتقرب والرقة ما لا يوجد في غير ذلك الوقت، وهذا مناسب لنزوله إلى السماء الدنيا، وقوله: «هل من داع؟ هل من سائل؟ هل من تائب؟».
سطر 133:
وطائفة تقف، لا تقول: يخلو، ولا: لا يخلو، وتنكر على من يقول ذلك، منهم الحافظ عبد الغني المقدسي، وأما من يتوهم أن السموات تنفرج ثم تلتحم، فهذا من أعظم الجهل، وإن وقع فيه طائفة من الرجال.
 
وأما من لا يعتقد أن الله فوق العرش، فهو لا يعتقد نزوله، لا بخلو ولا بغير خلو، وقال بعض أكابرهم لبعض المثبتين: ينزل أمره. فقال: من عند من ينزل؟ أنت ليس عندك هناك أحد. أثبت أنه هناك ثم قل: ينزل أمره. وهذا نظير قول [[سحاقإسحاق بن راهويه]] بحضرة الأمير عبد الله بن طاهر.
 
والصواب قول السلف: أنه ينزل، ولا يخلو منه العرش، وروح العبد في بدنه لا تزال ليلًا ونهارًا إلى أن يموت، ووقت النوم تعرج وقد تسجد تحت العرش، وهي لم تفارق جسده، وكذلك «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» وروحه في بدنه، وأحكام الأرواح مخالف لأحكام الأبدان؛ فكيف بالملائكة؟ فكيف برب العالمين؟
سطر 141:
والنصوص الواردة فيها الهدى والشفاء، والذي بلغها بلاغًا مبينًا، هو أعلم الخلق بربه وأنصحهم لخلقه وأحسنهم بيانًا، وأعظمهم بلاغًا، فلا يمكن أحد أن يعلم ويقول مثل ما علمه الرسول وقاله، وكل مَنْ منَّ الله عليه ببصيرة في قلبه تكون معه معرفة بهذا، ثم قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} <ref>[سبأ: 6]</ref> وقال في ضدهم: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} <ref>[الأنعام: 39]</ref>.
 
وقوله تعالى: {الظَّاهِر} <ref>[ name="الحديد: 3]<"/ref> ضمن معنى العالي، كما قال: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ} <ref>[الكهف: 97]</ref>، ويقال: ظهر الخطيب على المنبر، وظاهر الثوب أعلاه، بخلاف بطانته. وكذلك ظاهر البيت أعلاه، وظاهر القول ما ظهر منه وبان، وظاهر الإنسان خلاف باطنه، فكلما علا الشيء ظهر؛ ولهذا قال: «أنت الظاهر فليس فوقك شيء»، فأثبت الظهور وجعل موجب الظهور أنه ليس فوقه شيء، ولم يقل: ليس شيء أبين منك ولا أعرف.
 
0وبهذا تبين خطأ من فسر الظاهر بأنه المعروف كما يقوله من يقول: الظاهر بالدليل، الباطن بالحجاب، كما في كلام أبي الفرج وغيره، فلم يذكر مراد الله ورسوله، وإن كان الذي ذكره له معنى صحيح، وقال: «أنت الباطن فليس دونك شيء» فيهما معنى الإضافة، لا بد أن يكون البطون والظهور لمن يظهر ويبطن، وإن كان فيهما معنى التجلي، والخفاء، ومعنى آخر كالعلو في الظهور، فإنه سبحانه لا يوصف بالسُّفول.
سطر 150:
 
{{مجموع الفتاوى/5}}
 
[[تصنيف:مجموع الفتاوى|{{SUBPAGENAME}}]]