الفرق بين المراجعتين لصفحة: «ألف ليلة وليلة/الجزء الثالث»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 736:
 
الليلة الثانية والتسعين
 
بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة المكان أرسلت الخادم يفتش عليه وقالت له :
إذا وجدته فلاطفه وائتني به برفق .
فخرج الخادم يتأمل في الناس ويدوس بينهم وهم نائمون فلم يجد أحد مستيقظاً ، فجاء إلى الوقاد فوجده قاعداً مكشوف الرأس فدنا منه وقبض على يده وقال له :
أنت الذي كنت تنشد الشعر .
فخاف على نفسه وقال :
لا يا مقدم القوم ما هو أنا .
فقال الخادم :
لا أتركك حتى تدلني على من كان ينشد الشعر لأني لا أقدر الرجوع إلى سيدتي من دونه .
فلما سمع الوقاد كلام الخادم خاف على ضوء المكان وبكى بكاء شديداً وقال للخادم :
والله ما هو أنا وإنما سمعت إنساناً عابر سبيل ينشد فلا تدخل في خطيئتي فإني غريب وجئت من بلاد القدس .
فقال الخادم للوقاد :
قم أنت معي إلى سيدتي وأخبرها بفمك فإني ما رأيت أحداً مستيقظاً غيرك .
فقال الوقاد :
أما جئت ورأيتني في الموضع الذي أنا قاعد فيه وعرفت مكاني وما أحد يقدر في هذه الساعة ينشد شيئاً من الشعر سواء كان بعيداً أو قريباً لا تعرفه إلا مني .
ثم باس رأس الخادم وأخذ بخاطره فتركه الخادم ودار دورة وخاف أن يرجع إلى سيدته بلا فائدة فاستتر في مكان غير بعيد من الوقاد فقام الوقاد إلى ضوء المكان ونبهه وقال له :
اقعد حتى أحكي لك ما جرى .
وحكى له ما وقع فقال له :
دعني فإني لا أبالي بأحد فإن بلادي قريبة .
فقال الوقاد لضوء المكان :
لأي شيء أنت مطاوع نفسك وهواك ولا تخاف من أحد وأنا خائف على روحي وروحك ، بالله عليك أنك لا تتكلم بشيء من الشعر حتى ندخل بلدك وأنا ما كنت أظنك على هذه الحالة ، أما علمت أن زوجة الحاجب تريد زجرك لأنك أقلقتها وقد كانت ضعيفة وتعبانة من السفر ، وكم مرة قد أرسلت الخادم يفتش عليك .
فلم يلتفت ضوء المكان إلى كلام الوقاد بل صاح ثالثاً وأنشد هذه الأبيات :
تركـت كــل لائم ........ ملامه أقلـقـنـي
يعذلنـي ومـا درى ........ بابه حـرضـنـي
قال الوشاة قد سـلا ........ قلت لحب الوطـن
قالوا فمـا أحـنـه ........ قلت فما أعشقنـي
قالوا فـمـا أعـزه ........ قلت فمـا أذلـنـي
هيهات أن أتـركـه ........ لو ذقت كأس الشجن
وما أطعـت لائمـاً ........ في الهوى يعذلنـي
وكان الخادم يسمعه وهو مستخف فما فرغ من شعره إلا والخادم على رأسه فلما رآه الوقاد فر ووقف بعيداً ينظر ما يقع بينهما ، فقال الخادم :
السلام عليكم يا سيدي .
فقال ضوء المكان :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
فقال الخادم :
يا سيدي .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة الثالثة والتسعين
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الخادم قال لضوء المكان :
يا سيدي إني أتيت إليك في هذه الليلة ثلاث مرات لأن سيدتي تطلبك عندها .
قال ضوء المكان :
ومن أين هذه الكلبة حتى تطلبني مقتها الله ومقت زوجها معها .
ونزل في الخادم شتماً فما قدر الخادم أن يرد عليه لأن سيدته أوصته أن لا يأتي به إلا بمراده هو فإن لم يأت معه يعطيه الألف دينار ، فجعل الخادم يلين له الكلام ويقول له :
يا ولد أنا ما أخطأت معك ولا جرنا عليك ، فالقصد أن تصل بخواتك الكريمة إلى سيدتنا وترجع في خير وسلامة ، ولك عندنا بشارة .
فلما سمع ذلك الكلام قام ومشى بين الناس والوقاد ماشي خلفه ، ونظر إليه وهو يقول في نفسه :
يا خسارة شبابه في الغد يشنقونه .
وما زال الوقاد ماشياً حتى قرب من مكانهم وقال :
ما أخسه إن كان يقول علي هو الذي قال لي أنشد الأشعار .
هذا ما كان من أمر الوقاد .
وأما ما كان من أمر ضوء المكان فإنه ما زال ماشياً مع الخادم حتى وصل إلى المكان ودخل الخادم على نزهة الزمان وقال لها :
قد جئت بما تطلبينه وهو شاب حسن الصورة وعليه أثر النعمة .
فلما سمعت ذلك خفق قلبها وقالت له :
أأمره أن ينشد شيئاً من الشعر حتى أسمعه ومن قرب وبعد ذلك أسأله عن اسمه ومن أي البلاد هو .
فخرج الخادم إليه وقال له :
أنشد شيئاً من الشعر حتى تسمعه سيدتي فإنها حاضرة بالقرب منك وأخبرني عن اسمك وبلدك وحالك .
فقال :
حباً وكرامة ولكن حيث سألتني عن اسمي فإنه محي ورسمي فني وجسمي بلي ولي حكاية تدون بالإبر على آفاق البصر وها أنا في منزلة السكران الذي أكثر الشراب وحلت به الأوصاب فتاه عن نفسه واحتار في أمره وغرق في بحر الأفكار .
فلما سمعت نزهة الزمان هذا الكلام بكت وزادت في البكاء والأنين وقالت للخادم :
قل له هل فارقت أحداً ممن تحب مثل أمك وأبيك ?
فسأله الخادم كما أمرته نزهة الزمان فقال ضوء المكان :
نعم فارقت الجميع وأعزهم عندي أختي التي فرق الدهر بيني وبينها .
فلما سمعت نزهة الزمان منه هذا الكلام قالت :
الله يجمع شمله بمن يحب .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة الرابعة والتسعين
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان لما سمعت كلامه قالت :
الله يجمع شمله بمن يعشق .
ثم قالت للخادم :
قل له أن يسمعنا شيئاً من الأشعار المتضمنة لشكوى الفراق .
فقال له الخادم كما أمرته سيدته فصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات :
ليت شعري لو دروا ........ أي قلب ملـكـوا
وفـؤادي لـو درى ........ أي شعب سلكـوا
أتراهم سـلـمـوا ........ أم تراهم هلـكـوا
حار أرباب الهـوى ........ في الهوى وارتبكوا
وأنشد أيضاً هذه الأبيات :
أضحى التنائي بديلاً من تدانـينـا ........ وناب عن طيب لقيانا تجافـينـا
بنتم وبنا فما ابتلت جـوانـحـنـا ........ شوقاً إليكم ولا جفت مـآقـينـا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا ........ بأن نغص فقال الدهـر آمـينـا
إن الزمان الذي ما زال يضحكنـا ........ أنا بقربكم قـد عـاد يبـكـينـا
يا جنة الخلد بدلنا بسلـسـلـهـا ........ والكوثر العذاب زقوماً وغسلينـا
ثم سكب العبرات وأنشد هذه الأبيات :
لله نـذران أزر مـكـانـي ........ وفيه أختي نزهة الـزمـان
لأقضين بالصفـا زمـانـي ........ ما بين غيدي خرد حـسـان
وصوت عود مطرب الألحان ........ مع ارتضاع كأس بنت الحان
ورشف اللمى فاتر الأجفـان ........ بشط نهر سال في بسـتـان
فلما فرغ من شعره وسمعته نزهة الزمان كشفت ذيل الستارة عن المحفة ونظرت إليه فلما وقع بصرها على وجهه عرفته غاية المعرفة فصاحت قائلة :
يا أخي يا ضوء المكان .
فرفع بصره إليها فعرفها وصاح قائلاً :
يا أختي يا نزهة الزمان .
فألقت نفسها عليه فتلقاها في حضنه ووقع الاثنان مغشياً عليهما فلما رآهما الخادم على تلك الحالة تحير في أمرهما وألقى عليهما شيئاً سترهما به وصبر حتى أفاقا من غشيتهما ، وفرحت نزهة الزمان غاية الفرح وزال عنها الهم والترح وتوالت عليها المسرات وأنشدت هذه الأبيات :
الدهر أقسـم لا يزال مـكـدري ........ حنثت يمينك يا زمان فـكـفـر
السعد وافى والحبيب مسـاعـدي ........ فانهض إلى داعي السرور وشمر
ما كنت أعتقد السـوالـف جـنة ........ حتى ظفرت من اللمى بالكوثـر
فلما سمع ذلك ضوء المكان ضم أخته إلى صدره وفاضت لفرط سروره من أجفانه العبرات وأنشد هذه الأبيات :
ولقد ندمت على تفرق شملنـا ........ ندماً أفاض الدمع من أجفاني
ونذرت أن عاد الزمان يلمنـا ........ لا عدت أذكر فرقة بلسانـي
هجم السرور علي حتى أنـه ........ من فرط ما قد سرني أبكاني
يا عين صار الدمع عندك عادة ........ تبكين من فرح ومن أحـزان
وجلسا على باب المحفة ساعة ثم قالت :
قم ادخل المحفة واحك لي ما وقع لك وأنا أحكي لك ما وقع لي .
فقال ضوء المكان :
احكي لي أنت أولاً .
فحكت له جميع ما وقع لها منذ فارقته من الخان وما وقع لها من البدوي والتاجر وكيف اشتراها منه وكيف أخذها التاجر إلى أخيها شركان وباعها له وأن شركان أعتقها من حين اشتراها وكتب كتابه عليها ودخل بها وأن الملك إباها سمع بخبرها فأرسل إلى شركان يطلبها منه .
ثم قالت له :
الحمد لله الذي من علي بك ومثل ما خرجنا من عند والدنا سوية نرجع إليه سوية .
ثم قالت له :
إن أخي شركان زوجني بهذا الحاجب لأجل أن يوصلني إلى والدي وهذا ما وقع لي من الأول إلى الآخر ، فاحك لي أنت ما وقع لك بعد ذهابي من عندك .
فحكى لها جميع ما وقع له من الأول إلى الآخر وكيف من الله عليه بالوقاد وكيف سافر معه وأنفق عليه ماله وأنه كان يخدمه في الليل والنهار فشكرته على ذلك ثم قال لها :
يا أختي إن هذا الوقاد فعل معي من الإحسان فعلاً لا يفعله أحد مع أحد من أحبابه ولا الوالد مع ولده حتى أنه كان يجوع ويطعمني ويمشي ويركبني وكانت حياتي على يديه .
فقالت نزهة الزمان :
إن شاء الله تعالى نكافئه بما نقدر عليه .
ثم إن نزهة الزمان صاحت على الخادم فحضر وقبل يد ضوء المكان فقالت له نزهة الزمان :
خذ بشارتك يا وجه الخير لأن جمع شملي بأخي على يديك ، فالكيس الذي معك وما فيه لك ، فاذهب وائتني بسيدك عاجلاً .
ففرح الخادم وتوجه إلى الحاجب ودخل عليه ودعاه إلى سيدته فأتى به ودخل على زوجته نزهة الزمان فوجد عندها أخاها فسأل عنه فحكى له ما وقع لهما من أوله إلى آخره ثم قالت :
اعلم أيها الحاجب أنك ما أخذت جارية وإنما أخذت بنت الملك عمر النعمان فأنا نزهة وهذا أخي ضوء المكان .
فلما سمع الحاجب القصة منها تحقق ما قالته وبان له الحق الصريح وتيقن أنه صار صهر الملك عمر النعمان فقال في نفسه :
مصيري أن آخذ نيابة على قطر من الأقطار .
ثم أقبل على ضوء المكان وهنأه بسلامته وجمع شمله بأخته ، ثم أمر خدمه في الحال أن يهيئوا لضوء المكان خيمة ركوبه من أحسن الخيول فقالت له زوجته :
إنا قد قربنا من بلادنا ، فأنا أختلي بأخي ونستريح مع بعضنا ونشبع من بعضنا قبل أن نصل إلى بلادنا ، فإن لنا زمناً طويلاً ونحن متفرقان .
فقال الحاجب :
الأمر كما تريدان .
ثم أرسل إليهما الشموع وأنواع الحلاوة وخرج من عندهما وأرسل إلى ضوء المكان ثلاث بدلات من أفخر الثياب وتمشى إلى أن جاء إلى المحفة وعرف مقدار نفسه ، فقالت له نزهة الزمان :
أرسل إلى الخادم وأمره أن يأتي بالوقاد ويهيئ له حصاناً ويركبه ويرتب له سفرة طعام في الغداة والعشي ويأمره أن لا يفارقنا .
فعند ذلك أرسل الحاجب إلى الخادم وأمره أن يفعل ذلك فقال :
سمعاً وطاعة .
ثم إن الخادم أخذ غلمانه وراح يفتش على الوقاد إلى أن وجده في آخر الركب وهو يشد حماره ويريد أن يهرب ودموعه تجري على خده من الخوف على نفسه ومن حزنه على فراق ضوء المكان وصار يقول :
نصحته في سبيل الله فلم يسمع مني ، يا ترى كيف حاله .
فلم يتم كلامه إلا والخادم واقف فوق رأسه ورأى الغلمان حوله فاصفر لونه وخاف .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة الخامسة والتسعين
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الوقاد لما أراد أن يشد حماره ويهرب وصار يكلم نفسه ويقول :
يا ترى كيف حاله .
فما أتم كلامه إلا والخادم واقف فوق رأسه والغلمان حوله ، فالتفت الوقاد فرأى الخادم واقفاً على رأسه فارتعدت فرائصه وخاف وقال وقد رفع صوته بالكلام :
إنه ما عرف مقدار ما عملته معه من المعروف فأظن أنه غمز الخادم وهؤلاء الغلمان علي وأنه أشركني معه في الذنب .
وإذا بالخادم صاح عليه وقال له :
من الذي كان ينشد الأشعار ، يا كذاب ? كيف تقول لي أنا ما أنشد الأشعار ولا أعرف من أنشدها وهو رفيقك فأنا لا أفارقك من هنا إلى بغداد والذي يجري على رفيقك يجري عليك .
فلما سمع الوقاد كلامه قال في نفسه :
ما خفت منه وقعت فيه ثم أنشد هذا البيت :
كان الذي خفت أن يكونا ........ إنا إلى الله راجعـونـا
ثم إن الخادم صاح على الغلمان وقال لهم :
أنزلوه عن الحمار .
فأنزلوا الوقاد عن حماره وأتوا له بحصان فركبه ومشى صحبة الركب والغلمان حوله محدقون به وقال لهم الخادم :
إن عدم منه شعرة كانت بواحد منكم ولكن أكرموه ولا تهينوه .
فلما رأى الوقاد الغلمان حوله يئس من الحياة والتفت إلى الخادم وقال له :
يا مقدم أنا ما لي أخوة ولا أقارب وهذا الشاب لا يقرب لي ولا أنا اقرب له وإنما أنا رجل وقاد في حمام ووجدته ملقى على المزبلة مريضاً .
وصار الوقاد يبكي ويحسب في نفسه ألف حساب والخادم ماش بجانبه ولم يعرفه بشيء بل يقول له :
قد أقلقت سيدتنا بإنشادك الشعر أنت وهذا الصبي ولا تخف على نفسك .
وصار الخادم يضحك عليه سراً ، وإذا نزلوا أتاهم الطعام فيأكل هو والوقاد في آنية واحدة فإذا أكلوا أمر الخادم الغلمان أن يأتوا بقلة سكر فشرب منها ويعطيها للوقاد فيشرب لكنه لا تنشف له دمعة من الخوف على نفسه والحزن على فراق ضوء المكان وعلى ما وقع لهما في غربتهما وهما سائران والحاجب تارة يكون من باب المحفة لأجل خدمة ضوء المكان ابن الملك عمر النعمان ونزهة الزمان وتارة يلاحظ الوقاد وصارت نزهة الزمان وأخوها ضوء المكان في حديث وشكوى .
ولم يزالا على تلك الحالة وهم سائرون حتى قربوا من البلاد ولم يبق بينهم وبين البلاد إلا ثلاثة أيام فنزلوا وقت المساء واستراحوا ولم يزالوا نازلين إلى أن لاح الفجر فاستيقظوا وأرادوا أن يحملوا وإذا بغبار عظيم قد لاح فهم وأظلم الجو منه حتى صار كالليل الداجي ، فصاح الحاجب قائلاً :
أمهوا ولا تحملوا .
وركب هو ومماليكه وساروا نحو ذلك الغبار ، فلما قربوا منه بان من تحته عسكر جرار كالبحر الزخار وفيه رايات وأعلام وطبول وفرسان وأبطال فتعجب الحاجب من أمرهم ، فلما رآهم العسكر افترقت منه فرقة قدر خمسمائة فارس وأتوا إلى الحاجب هو ومن معه وأحاطوا بهم وأحاط كل خمسة من العسكر بمملوك من مماليك الحاجب فقال لهم الحاجب :
أي شيء الخبر ومن أين هذه العساكر حتى تفعل معنا هذه الأفعال ?
فقالوا له :
من أنت ومن أين أتيت وإلى أن تتوجه ?
فقال لهم :
أنا حاجب أمير دمشق الملك شركان ابن الملك عمر النعمان صاحب بغداد وأرض خراسان أتيت من عنده بالخراج والهدية متوجهاً إلى والده ببغداد .
فلما سمعوا كلامه أرخوا مناديلهم على وجوههم وبكوا وقالوا :
إن الملك عمر النعمان قد مات وما مات إلا مسموماً ، فتوجه وما عليك بأس حتى تجتمع بوزيره الأكبر الوزير دندان .
فلما سمع الحاجب ذلك الكلام بكى بكاء شديداً وقال :
واخيبتاه في هذه السفرة .
وصار يبكي هو ومن معه إلى أن اختلطوا بالعسكر فاستأذنوا له الوزير دندان فأذن له وأمر الوزير بضرب خيامه وجلس على سرير في وسط الخيمة وأمر الحاجب بالجلوس ، فلما جلس سأله عن خبره فأعلمه أنه حاجب أمير دمشق وقد جاء بالهدايا وخراج دمشق .
فلما سمع الوزير دندان ذلك بكى عند ذكر الملك عمر النعمان ، ثم قال له الوزير دندان :
أن عمر النعمان قد مات مسموماً وبسبب موته اختلف الناس فيمن يولونه بعده حتى أوقعوا القتل في بعضهم ولكن منعهم عن بعضهم الأكابر والأشراف والقضاة الأربعة واتفق جميع الناس على أن ما أشار به القضاة الأربعة لا يخالفهم فيه أحد ، فوقع الاتفاق على أننا نسير إلى دمشق ونقصد ولده الملك شركان ونجيء به ونسلطنه من مملكة أبيه ، وفيهم جماعة يريدون ولده الثاني وقالوا أنه يسمى ضوء المكان وله أخت تسمى نزهة الزمان وكانا قد توجها إلى أرض الحجاز ومضى لهما خمسن سنين ولم يقع لهما أحد على خبر .
فلما سمع الحاجب ذلك علم أن القضية التي وقعت لزوجته صحيحة فاغتم لموت الملك غماً عظيماً ولكنه فرح فرحاً شديداً وخصوصاً بمجيء ضوء المكان لأنه يصير سلطاناً ببغداد مكان أبيه .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة السادسة والتسعين
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن حاجب شركان لما سمع من الوزير دندان ما ذكره من خبر الملك عمر النعمان تأسف إلى الوزير دندان وقال :
إن قصتكم أعجب من العجائب ، اعلم أيها الوزير الكبير أنكم حيث صادفتموني الآن أراحكما لله من التعب وقد جاء الأمر كما تشتهون على أهون سبب لأن الله رد ضوء المكان هو وأخته نزهة الزمان وانصلح الأمر وهان .
فلما سمع الوزير دندان هذا الكلام فرح به فرحاً شديداً ثم قال :
أيها الحاجب أخبرني بقصتهما وبما جرى لهما وبسبب غيابهما .
فحدثه بحديث نزهة الزمان وأنها صارت زوجته ، وأخبره بحديث ضوء المكان من أوله إلى آخره .
فلما فرغ الحاجب من حديثه أرسل الوزير دندان إلى الأمراء والوزراء وأكابر الدولة وأطلعهم على القصة ففرحوا بذلك فرحاً شديداً وتعجبوا من هذا الاتفاق .
ثم اجتمعوا كلهم وجاؤوا عند الحاجب ووقفوا في خدمته وقبلوا الأرض بين يديه ، وأقبل الوزير من ذلك الوقت على الحاجب ووقف بين يديه ، ثم إن الحاجب عمل في ذلك اليوم ديواناً عظيماً وجلس هو والوزير دندان على التخت وبين أيديهما جميع الأمراء والكبراء وأرباب المناصب على حسب مراتبهم ثم بلوا السكر في ماء الورد وشربوا ، ثم قعد الأمراء للمشورة وأعطوا بقية الجيش أذناً في أن يركبوا مع بعضهم ويتقدموا قليلاً حتى يتموا المشورة ويلحقوهم فقبلوا الأرض بين يدي الحاجب وركبوا وقدامهم رايات الحرب .
فلما فرغ الكبار من مشورتهم ركبوا ولحقوا العساكر ، ثم أرسل الحاجب إلى الوزير دندان وقال له :
الرأي عندي أن أتقدم وأسبقكم لأجل أن أهيء للسلطان مكاناً يناسبه وأعلمه بقدومكم وأنكم اخترتموه على أخيه شركان سلطاناً عليكم .
فقال الوزير دندان :
نعم الرأي الذي رأيته .
ثم نهض الوزير دندان تعظيماً له وقدم له التقاديم وأقسم عليه أن يقبلها وكذلك الأمراء والكبار وارباب المناصب قدموا له التقاديم ودعوا له وقالوا له :
لعلك تحدث السلطان ضوء المكان في أمرنا ليبقينا مستمرين في مناصبنا .
فأجابهم لما سألوه ، ثم أمر غلمانه بالسير فأرسل الوزير دندان الخيام مع الحاجب وأمر الفراشين أن ينصبوها خارج المدينة بمسافة يوم .
فامتثلوا لأمره وركب الحاجب وهو في غاية الفرح وقال في نفسه :
ما أبرك هذه السفرة .
وعظمت زوجته في عينه وكذلك ضوء المكان ثم جد في السفر إلى أن وصل إلى مكان بينه وبين المدينة مسافة يوم ثم أمر بالنزول فيه لأجل الراحة وتهيئة مكان لجلوس السلطان ضوء المكان ابن الملك عمر النعمان ثم نزل من بعيد هو ومماليكه وأمر الخدام أن يستأذنوا السيدة نزهة الزمان في أن تدخل عليهما فاستأذنوها في شأن ذلك فأذنت له فدخل عليها واجتمع بها وبأخيها وأخبرهما بموت أبيهما وأن ضوء المكان جعله الرؤساء ملكاً عليهم عوضاً عن أبيه عمر النعمان وهنأهما بالملك وفي غد يكون هو والجيش كله في هذا المكان وما بقي في الأمر أيها الملك إلا أن تفعل ما أشاروا به لأنهم كلهم اختاروك سلطاناً وأن لم تفعل سلطنوا غيرك وأنت لا تأمن على نفسكم من الذي يتسلطن غيرك فربما يقتلك أو يقع الفشل بينكما ويخرج الملك من أيديكما فأطرق برأسه ساعة من الزمان ثم قال :
قبلت هذا الأمر لأنه لا يمكن التخلي عنه .
وتحقق أن الحاجب تكلم بما فيه الرشاد ثم قال للحاجب :
يا عم وكيف أعمل مع أخي شركان ?
فقال :
يا ولدي أخوك يكون سلطان دمشق وأنت سلطان بغداد ، فشد عزمك وجهز أمرك .
فقبل منه ضوء المكان ذلك ، ثم إن الحاجب قدم إليه البدلة التي كانت مع الوزير دندان من ملابس الملوك وناوله النمشة وخرج من عنده وأمر الفراشين أن يختاروا موضعاً عالياً وينصبوا فيه خيمة واسعة عظيمة للسلطان ليجلس فيها إذا أقدم عليه المراء ، ثم أمر الطباخين أن يطبخوا طعاماً فاخراً ويحضروه ، وأمر السقائين أن ينصبوا حياض الماء ، وبعد ساعة طار الغبار حتى سد الأقطار ، ثم انكشف ذلك الغبار وبان من تحته عسكر جرار مثل البحر الزخار .
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة السابعة والتسعين
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب لما أمر الفراشين أن ينصبوا خيمة واسعة لاجتماع الناس عند الملك نصبوا خيمة عظيمة على عادة الملوك ، فلما فرغوا من أشغالهم وإذا بغبار قد طار ثم محق الهواء ذلك الغبار وبان من تحته عسكر جرار وتبين أن ذلك العسكر عسكر بغداد وخراسان ومقدمه الوزير دندان وكلهم فرحوا بسلطنة ضوء المكان وقابلهم لابساً خلعة الملك متقلداً بسيف الموكب فقدم له الحاجب الفرس فركب وسار هو ومماليكه وجميع من في الخيام مشى في خدمته حتى دخل القبة الكبيرة وجلس ووضع النمشة على فخذيه ووقف الحاجب في خدمته بين يديه ووقفت مماليكه في دهليز الخيمة وشهروا في أيديهم السيوف ثم أقبلت العساكر والجيوش وطلبوا الإذن فدخل الحاجب واستأذن لهم ضوء المكان فأمر أن يدخلوا عليه عشرة عشرة فأعلمهم الحاجب بذلك فأجابوه بالسمع والطاعة ووقف الجميع على باب الدهليز فدخل عشرة منهم فشق بهم الحاجب في الدهليز ودخل بهم على السلطان ضوء المكان .
فما رأوه هابوه فتلقاهم أحسن ملتقى ووعدهم بكل خير فهنئوه بالسلامة ودعوا له وحلفوا له الإيمان الصادقة أنهم لا يخالفون له أمراً ثم قبلوا الأرض بين يديه وانصرفوا ودخل عشرة آخرين ففعل بهم مثل ما فعل بغيرهم ولم يزالوا يدخلون عشرة بعد عشرة حتى لم يبق غير الوزير دندان ، فدخل عليه وقبل الأرض بين يديه فقام إليه ضوء المكان وأقبل عليه وقال له :
مرحباً بالوزير والوالد الكبير ،
إن فعلك فعل المشير العزيز والتدبير بيد اللطيف الخبير .
ثم إن الملك ضوء المكان قال للوزير دندان :
أؤمر العسكر بالإقامة عشرة أيام حتى أختلي بك وتخبرني بسبب قتل أبي .
فامتثل الوزير قول السلطان وقال :
لابد من ذلك .
ثم خرج إلى وسط الخيام وأمر العسكر بالإقامة عشرة أيام فامتثلوا أمره ، ثم إن الوزير أعطاها إذناً أنهم يتفرجون ولا يدخل أحد من أرباب الخدمة عند الملك مدة ثلاثة أيام فتضرع جميع الناس ودعوا لضوء المكان بدوام العز .
ثم أقبل عليه الوزير وأعلمه بالذي كان فصبر إلى الليل ودخل على أخته نزهة الزمان وقال لها :
أعلمت بسبب قتل أبي ولم نعلم بسببه كيف كان ?
فقالت :
لم أعلم سبب قتله .
ثم إنها ضربت لها ستارة من حرير وجلس ضوء المكان خارج الستارة وأمر بإحضار الوزير دندان فحضر بين يديه فقال له :
أريد أن تخبرني تفصيلاً بسبب قتل أبي الملك عمر النعمان .
قال الوزير دندان :
لما أتى الملك عمر النعمان من الصيد والقنص وجاء إلى المدينة سأل عنكما فلم يجدكما فعلم أنكما قد قصدتما الحج فاغتم لذلك وازداد به الغيظ وضاق صدره وأقام نصف سنة وهو يستخبر عنكما كل شارد ووارد فلم يخبره أحد عنكما .
فبينما نحن بين يديه يوماً من الأيام بعدما مضى لكما سنة كاملة من تاريخ فقدكما وإذا بعجوز عليها آثار العبادة قد وردت علينا ومعها خمس جوار نهد أبكار كأنهن الأقمار وحوين من الحسن والجمال ما يعجز عن وصفه اللسان ، ومع كمال حسنهن يقرأن القرآن ويعرفن الحكمة وأخبار المتقدمين فاستأذنت تلك العجوز في الدخول على الملك فأذن لها فدخلت عليه وقبلت الأرض بين يديه وكنت أنا جالساً بقرب الملك فلما دخلت عليه قربها إليه لما رأى عليها آثار الزهد والعبادة ، فلما استقرت العجوز عنده أقبلت عليه وقالت له :
اعلم أيها الملك أن معي خمس جوار ما ملك أحد من الملوك مثلهن لأنهن ذوات عقل وجمال وحسن وكمال يقرأن القرآن والروايات ويعرفن العلوم وأخبار الأمم السالفة وهن بين يديك وواقفات في خدمتك يا ملك الزمان وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان .
فنظر المرحوم والدك إلى الجواري من أخبار الناس الماضين والأمم السابقين .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة الثامنة والتسعين
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال للملك ضوء المكان :
فتقدمت واحدة منهن وقبلت الأرض بين يديه وقالت :
اعلم أيها الملك أنه ينبغي لذي الأدب أن يتجنب الفضول ويتحلى بالفضائل وأن يؤدي الفرائض ويبتعد عن الكبائر ويلازم ذلك ملازمة من لو أفرد عنه لهلك وأساس الأدب مكارم الأخلاق واعلم أن أسباب المعيشة طلب الحياة والقصد من الحياة عبادة الله ، فينبغي أن تحسن خلقك مع الناس وأن لا تعدل عن تلك السنة فإن أعظم الناس خطراً أحوجهم إلى التدبير والملوك أحوج إليه من السوقة لأن السوقة قد تفيض في الأمور من غير نظر في العافية ، وأن تبدل في سبيل الله نفسك ومالك واعلم أن العدو خصم تخصيمه بالحجة وتحرز منه ، وأما الصديق فليس بينك وبينه قاض يحكم غير حسن الخلق .
فاختر صديقك لنفسك بعد اختياره فإن كان من الإخوان الآخرة فليكن محافظاً على أتباع الظاهر من الشعر عارفاً بباطنه على حسن الإمكان وإن كان من إخوان الدنيا فليكن حراً صادقاً ليس بجاهل ولا شرير فإن الجاهل أهل لأن يبتعد منه أبوانا والمنافق لا يكون صديقاً لأن الصديق مأخوذ من الصدق الذي يكون ناشئاً عن صميم القلب فكيف به إذا أظهر الكذب على اللسان ، واعلم أن أتباع الشرع ينفع صاحبه فتودد لأخيك إذا كان بهذه الصفة ولا تقطعه وإن ظهر لك منه ما تكره فإنه ليس كالمرأة يمكن طلاقها ومراجعتها بل قلبه كالزجاج إذا تصدع لا ينجبر ، ولله در القائل :
احرص على صون القلوب من الأذى ........ فرجوعها بعد التـنافـر يعـسـر
إن القـلـوب إذا تـنـافـر ودهـا ........ مثل الزجاجة كسرهـا لا يجـبـر
وقالت الجارية في آخر كلامها وهي تشير إلينا :
إن أصحاب العقول قالوا :
خير الإخوان أشدهم في النصيحة خير الأعمال أجملها عاقبة وخير الثناء ما كان على أفواه الرجال .
وقد قيل :
لا ينبغي للعبد أن يغفل عن شكر الله خصوصاً على نعمتين العافية والعقل .
وقيل :
من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهرته ، ومن عظم صغائر المصائب ابتلاه الله بكبارها ، ومن أطاع الهوى ضيع الحقوق ومن أطاع الواشي ضيع الصديق ، ومن ظن بك خيراً فصدق ظنه ومن بالغ في الخصومة أثم ومن لم يحذر الحيف لم يأمن السيف . وها أنا أذكر لك شيئاً من آداب القضاة .
اعلم أيها الملك أنه لا ينفع حكم بحق إلا بعد التثبيت وينبغي للقاضي أن يجعل الناس في منزلة واحدة حتى لا يطمع شريف في الجور ولا ييأس ضعيف من العدل وينبغي أيضاً أن يجعل البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حرماً أو حرم حلالاً ، وما شككت فيه اليوم فراجع فيه عقلك وتبين به رشدك لترجع فيه إلى الحق فالحق فرع والرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل ، ثم اعرف الأمثال وافقه المقال وسو بين الأخصام في الوقوف وليكن نظرك على الحق موقوفاً وفوض أمرك إلى الله عز وجل واجعل البينة على من ادعى فإن حضرت بينته أخذت بحقه وإلا فحلف المدعى عليه وهذا حكم الله ، واقبل شهادة عدو المسلمين بعضهم على بعض ، فإن الله تعالى أمر الحكام أن تحكم بالظاهر وهو يتولى السرائر ، ولزاماً على القاضي أن يتوفى الألم والجوع وأن يقصد بقضائه بين الناس وجه الله تعالى فإن من خلصت نيته وأصلح ما بينه وبين نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس .
وقال الزهري :
ثلاث إذا كن في قاض :
كان منعزلاً إذا أكرم اللئام وأحب المحامد وكره العزل .
وقد عزل عمر بن عبد العزيز قاضياً فقال له :
لم عزلتني ?
فقال عمر :
قد بلغني عنك أن مقالك أكبر من مقامك .
حكي أن الإسكندر قال لقاضيه :
إني وليتك منزلة واستودعتك فيها روحي وعرضي ومروءتي فاحفظ هذه المنزلة لنفسك وعقلك .
وقال لطباخه :
إنك مسلط على جسمي فارفق بنفسك فيه .
وقال لكاتبه :
إنك متصرف في عقلي فاحفظني فيما تكتبه عني .
ثم تأخرت الجارية الأولى وتقدمت الثانية .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة التاسعة والتسعين
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان :
ثم تأخرت الجارية الأولى وتقدمت الثانية وقبلت الأرض بين يدي الملك والدك سبع مرات ثم قالت :
قال لقمان لابنه :
ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثة مواطن لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا عند الحرب ولا أخوك إلا عند حاجتك إليه .
وقيل :
إن الظالم نادم وإن مدحه الناس والمظلوم سليم وإن ذمه الناس .
وقال الله تعالى :
ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم .
وقال عليه الصلاة والسلام :
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .
واعلم أيها الملك أن أعجب ما في الإنسان قلبه لأن به زمام أمره فإن هاج به الطمع أهلكه الحرص وإن ملكه الأسى قتله الأسف وإن عظم عنده الغضب اشتد به العطب وإن سعد بالرضى أمن من السخط وإن ناله الخوف شغله الحزن وإن أصابته مصيبة ضمنه الجزع وإن استفاد مالاً ربما اشتغل به عن ذكر ربه ، وإن أغصته فاقة أشغله الهم وإن أجهده الجذع أقعده الضعف ، فعلى كل حالة لا صلاح له إلا بذكر الله واشتغاله بما فيه تحصيل معاشه وصلاح معاده .
وقيل لبعض العلماء :
من أشر الناس حالاً ?
قال :
من غلبت شهوته مروءته وبعدت في المعالي همته فاتسعت معرفته وضاقت معذرته .
وما أحسن ما قاله قيس :
وإني لأغني الناس عن متكـلـف ........ يرى الناس ضلالاً وما هو مهتدي
وما المال والأخلاق إلا مـعـارة ........ فكل بما يخفيه في الصدر مرتدي
إذا ما أتيت الأمر من غير بـابـه ........ ضللت وإذ تدخل من الباب تهتدي
ثم إن الجارية قالت :
وأما أخبار الزهد فقد قال هشام بن بشر :
قلت لعمر بن عبيد :
ما حقيقة الزهد ?
فقال لي :
قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :
الزاهد من لم ينس القبر والبلا وآثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد عداً من أيامه وعد نفسه في الموتى .
وقيل :
إن أبا ذر كان يقول :
الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلي من الصحة .
فقال بعض السامعين :
رحم الله أبا ذر أما أنا فأقول :
من أتكل على حسن الاختيار من الله تعالى رضي بالحالة التي اختارها الله له .
وقال بعض الثقات :
صل بنا ابن أبي أو في صلاة الصبح فقراً يا أيها المدثر حتى بلغ قوله تعالى فإذا نقر في الناقور فخر ميتاً .
ويروى أن ثابتاً البناني بكى حتى كادت أن تذهب عيناه فجاؤوا برجل يعالجه قال :
أعالجه بشرط أن يطاوعني .
قال ثابت :
في أي شيء ?
قال الطبيب :
في أن لا تبكي .
قال ثابت :
فما فضل عيني أن لم تبكيا .
وقال رجل لمحمد بن عبد الله :
أوصني .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .