الفرق بين المراجعتين لصفحة: «ألف ليلة وليلة/الجزء الثالث»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 1٬067:
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة المئة
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان :
وقالت الجارية الثانية لوالدك المرحوم عمر النعمان :
وقال رجل لمحمد بن عبد الله :
أوصني .
فقال :
أوصيك أن تكون في الدنيا مالكاً زاهداً وفي الآخرة مملوكاً طامعاً .
قال :
وكيف ذلك ?
قال :
الزاهد في الدنيا يملك الدنيا والآخرة .
وقال غوث بن عبد الله :
كان إخوان في بني إسرائيل قال أحدهما للآخر :
ما أخوف عمل عملته ?
قال له :
إني مررت ببيت فراخ فأخذت منها واحدة ورميتها في ذلك البيت ولكن بيت الفراخ التي أخذها منه فهذا أخوف عمل عملته . فما أخوف ما عملته أنت ?
قال :
أما أنا فأخوف عمل أعمله أني إذا قمت للصلاة أخاف أن أكون لا أعمل ذلك إلا للجزاء .
وكان أبوهما يسمع كلامهما فقال :
اللهم إن كانا صادقين فاقبضهما إليك .
فقال بعض العقلاء :
إن هذين من أفضل الأولاد .
وقال سعيد بن صبر :
صحبت ابن عبيد فقلت له :
أوصني .
فقال :
احفظ عني هاتين الخصلتين :
أن لا تشرك بالله شيئاً وأن لا تؤذي من خلق الله أحداً ، وأنشد هذين البيتين :
كن كيف شئت فإن الله ذو كرم ........ وأنف الهموم فما في الأمر من بأس
إلا اثنتين فما تـقربهـما ابـداً ........ الشرك بالله والإضرار بـالـنـاس
وما أحسن قول الشاعر :
إذا أنت لم يصحبك زاد من التقى ........ ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثلـه ........ وإنك لم ترصد كما كان أرصدا
ثم تقدمت الجارية الثالثة بعد أن تأخرت الثانية وقالت :
إن باب الزهد واسع جداً ولكن ذكر بعض ما يحضرني فيه عن السلف الصالح .
قال بعض العارفين :
أنا أستبشر بالموت ولا أتيقن فيه راحة فيراني علمت أن الموت يحول بين المرء وبين الأعمال فأرجو مضاعفة العمل الصالح وانقطاع العمل السيء ، وكان عطاء السلمي إذا فرغ من وصيته انتفض وارتعد وبكى بكاء شديداً فقيل له :
لم ذلك ?
فقال :
إني أتريد أن أقبل على أمر عظيم وهو الانتصاب بين يدي الله تعالى للعمل بمقتضى الوصية .
ولذلك كان علي زين العابدين بن الحسين يرتعد إذا قام للصلاة ، فسئل عن ذلك فقال :
أتدرون لمن أقوم ولمن أخاطب ?
وقيل كان بجانب سفيان الثوري رجل ضرير فإذا كان يوم القيامة آتي بأهل القرآن فيميزون بعلامة مزيد الكرامة عمن سواهم .
وقال سفيان :
لو أن النفس استقرت في القلب كما ينبغي لطار فرحاً وشوقاً إلى الجنة وحزناً وخوفاً من النار .
وعن سفيان الثوري أنه قال :
النظر إلى وجه الظالم خطيئة .
ثم تأخرت الجارية الثالثة وتقدمت الجارية الرابعة وقالت :
وها أنا أتكلم ببعض ما يحضرني من أخبار الصالحين :
روي أن بشر الحافي قال :
سمعت خالداً يقول :
إياكم وسرائر الشرك .
فقلت له :
وما سرائر الشرك ?
قال :
أن يصلي أحدكم فيطيل ركوعه وسجوده حتى يلحقه الحدب .
وقال بعض العارفين :
فعل الحسنات يكفر السيئات .
وقال بعض العارفين :
التمست من بشر الحافي شيئاً من سرائر الحقائق فقال :
يا بني هذا العلم لا ينبغي أن نعلمه كل أحد فمن كل مائة خمسة مثل زكاة الدرهم .
قال إبراهيم بن أدهم :
فاستحليت كلامه واستحسنته فبينما أنا أصلي وإذا ببشر يصلي ، فقمت وراءه أركع إلى أن يؤذن المؤذن فقام رجل رث الحالة وقال :
يا قوم احذروا الصدق الضار ولا بأس بالكذب النافع وليس مع الاضطرار اختيار ولا ينفع الكلام عند العدم كما لا يضر السكوت عند وجود الوجود .
وقال إبراهيم :
رأيت بشر سقط منه دانق فقمت إليه وأعطيته درهماً فقال :
لا آخذه .
فقلت :
إنه من خالص الحلال .
فقال :
أنا لست أستبدل نعم الدنيا بنعم الآخرة .
ويروى أن أخت بشر الحافي قصدت أحمد بن حنبل .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح . الليلة الواحدة بعد المئة
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان :
إن الجارية قالت لوالدك :
إن أخت بشر الحافي قصدت أحمد بن حنبل فقالت له :
يا إمام الدين إنا قوم نغزل بالليل ونشتغل بمعاشنا في النهار وربما تمر بنا مشاعل ولاة بغداد ونحن على السطح نغزل في ضوئها فهل يحرم علينا ذلك ?
قال لها :
من أنت ?
قالت :
أخت بشر الحافي .
فقال :
يا أهل بشر لا أزال أستنشق الورع من قلوبكم .
وقال بعض العارفين :
إذا أراد الله بعبد خيراً فتح عليه باب العمل .
وكان ملك بن دينار إذا مر في السوق ورأى ما يشتهيه يقول :
يا نفس اصبري فلا أوافقك على ما تريدين .
وقال أيضاً :
سلامة النفس في مخالفتها وبلاؤها في متابعتها .
وقال منصور بن عمار :
حججت حجة فقصدت مكة من طريق الكوفة وكانت ليلة مظلمة وإذا بصارخ يصرخ في جوف الليلة ويقول :
إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتك مخالفتك وما أنا جاهل بك ولكن خطيئة قضيتها علي في قديم أزلك فاغفر لي ما فرط مني فإني قد عصيتك بجهلي .
فلما فرغ من دعائه تلا هذه الآية :
يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة .
وسمعت سقطة لم أعرف لها حقيقة فمضيت ، فلما كان الغد مشينا إلى مدرجنا وإذا بجنازة خرجت وراءها عجوز ذهبت قوتها فسألتها عن الميت فقالت :
هذه جنازة رجل كان مر بنا البارحة وولدي قائم يصلي فتلا آية من كتاب الله تعالى فانفطرت مرارة ذلك الرجل فوقع ميتاً .
ثم تأخرت الجارية الرابعة وتقدمت الجارية الخامسة وقالت :
ها أنا أذكر بعض ما يحضرني من أخبار السلف الصالح :
كان مسلمة بن دينار يقول :
عند تصحيح الضمائر نغفر الصغائر والكبائر ، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتاه الفتوح وقال :
كل نعمة لا تقرب إلى الله فهي بلية وقليل الدنيا يشغل عن كثير الآخرة وكثيرها ينسيك قليلها .
وسئل أبو حازم :
من أيسر الناس ?
فقال :
رجل امضى عمره في طاعة الله .
قال :
فمن أحمق الناس ?
قال :
رجل باع آخرته بدنيا غيره .
وروي أن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين قال :
رب إني لما أنزلت لي من خير فقير .
فسأل موسى ربه ولم يسأل الناس وجاءت الجاريتان فسقى لهما ولم تصدر الرعاء فلما رجعتا أخبرتا أباهما شعيباً فقال لهما :
لعله جائع .
ثم قال لإحداهن :
ارجعي إليه وادعيه .
فلما أتته غطت وجهها وقالت :
إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا .
فكره موسى ذلك وأراد أن لا يتبعها وكانت امرأة ذات عجز فكانت الريح تضرب ثوبها فيظهر لموسى عجزها فيغض بصره ثم قال :
لهاك كوني خلفي .
فمشت خلفه حتى دخل على شعيب والعشاء مهيأ .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
 
الليلة الثانية بعد المئة
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان :
وقالت الجارية الخامسة لوالدك :
فدخل موسى على شعيب عليهما السلام والعشاء مهيأ فقال شعيب لموسى :
يا موسى إني أريد أن أعطيك أجر ما سقيت لهما .
فقال موسى :
أنا من أهل بيت لا نبيع شيئاً من عمل الآخرة بما على الأرض من ذهب وفضة .
فقال شعيب :
يا شاب ولكن أنت ضيفي وإكرام الضيف عادتي وعادة آبائي بإطعام الطعام .
فجلس موسى فأكل ، ثم إن شعيباً استأجر موسى ثماني حجج أي ثماني سنين وجعل أجرته على ذلك تزويجه إحدى ابنتيه وكان عمل موسى لشعيب صداقاً لها كما قال تعالى حكاية عنه :
أني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تؤجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك .
وقال رجل لبعض أصحابه وكان له مدة لم يره :
إنك أوحشتني أني ما رأيتك منذ زمان .
قال :
اشتغلت عنك بابن شهاب أتعرفه ?
قال :
نعم هو جاري منذ ثلاثين سنة إلا أنني لم أكلمه .
قال له :
إنك نسيت الله فنسيت جارك ولو أحببت الله لأحببت جارك ، أما علمت أن للجار علي حقاً كحق القرابة ?
وقال حذيفة :
دخلنا مكة مع إبراهيم بن أدهم وكان شقيق البلخي قد حج في تلك السنة فاجتمعنا في الطواف فقال إبراهيم لشقيق :
ما شأنكم في بلادكم ?
فقال شقيق :
إننا إذا رزقنا أكلنا وإذا جعنا صبرنا .
فقال :
كذا تفعل كلاب بلخ ولكننا إذا رزقنا آثرنا وإذا جعنا شكرنا .
فجلس شقيق بين يدي إبراهيم قال له :
أنت أستاذي .
وقال محمد بن عمران :
سأل رجل حاتماً الأصم فقال له :
ما أمرك في التوكل على الله تعالى ?
قال :
على خصلتين ، علمت أن رفاقي لا يأكله غيري فاطمأنت نفسي به وعلمت أني لم أخلق من غير علم الله فاستحييت منه .
ثم تأخرت الجارية الخامسة وتقدمت العجوز وقبلت الأرض بين يدي والدك تسع مرات وقالت :
قد سمعت أيها الملك ما تكلم به الجميع في باب الزهد وأنا تابعة لهن فاذكر بعض ما بلغني عن أكابر المتقدمين .
قيل :
كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقسم الليل ثلاثة أقسام :
الثلث الأول للعلم والثاني للنوم والثالث للتهجد .
وكان الإمام أبو حنيفة يحيي نصف الليل فأشار إليه إنسان وهو يمشي وقال الآخران : إن هذا يحيي الليل كله .
فلما سمع ذلك قال :
إني أستحي من الله أن أوصف بما ليس في .
فصار بعد ذلك يحيي الليل كله .
وقال الربيع :
كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان سبعين مرة كل ذلك في الصلاة .
وقال الشافعي رضي الله عنه :
ما شبعت من خبز الشعير عشر سنين لأن الشبع يقسي القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن القيام .
وروي عن عبد الله ومحمد السكري أنه قال :
كنت أنا وعمرة نتحدث فقال لي :
ما رأيت أروع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي .
واتفق أنني خرجت أنا والحرث بن لبيب الصغار وكان الحرث تلميذ المزني وكان صوته حسناً فقرأ قوله تعالى :
هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون .
فرأيت الإمام الشافعي تغير لونه واقشعر جلده واضطرب اضطراباً شديداً وخر مغشياً عليه فلما أفاق قال :
أعوذ بالله من مقام الكذابين وأعراض الغافلين اللهم لك خشعت قلوب العارفين ، اللهم هب لي غفران ذنوبي من جودك وجملني بسترك واعف عن تقصيري بكرم وجهك .
ثم قمت وانصرفت .
وقال بعض الثقات :
لما دخلت بغداد كان الشافعي بها فجلست على الشاطئ لأتوضأ للصلاة إذ مر بي إنسان فقال لي :
يا غلام أحسن وضوءك يحسن الله إليك في الدنيا والآخرة .
فالتفت وإذا برجل يتبعه جماعة فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفوا أثره فالتفت إلي وقال :
هل لك من حاجة ?
فقلت :
نعم تعلمني مما علمك الله تعالى .
فقال :
اعلم أن من صدق الله ونجا ومن نجا ومن أشفق على دينه سلم من الردى ومن زهد في الدنيا قرت عيناه غداً أفلا أزيدك ?
قلت :
بلى .
قال :
كن في الدنيا زاهداً وفي الآخرة راغباً واصدق في جميع أمورك تنج مع الناجين .
ثم مضى فسألت عنه فقيل لي :
هذا الإمام الشافعي .
وكان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول :
وددت أن الناس ينتفعون بهذا العلم على أن لا ينسب إلي منه شيء .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة الثالثة بعد المئة
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان :
قالت العجوز لوالدك :
كان الإمام الشافعي يقول :
وددت أن الناس ينتفعون بهذا العلم على أن لا ينسب إلي منه شيء .
وقال :
ما ناظرت أحداً إلا أحببت أن يوفقه الله تعالى للحق ويعينه على إظهاره وما ناظرت أحداً قط إلا لأجل إظهار الحق وما أبالي أن يبين الله الحق على لساني أو على لسانه .
وقال رضي الله تعالى عنه :
إذا خفت على علمك العجب فاذكر رضا من تطلب وفي أي نعيم ترغب ومن أي عقاب ترهب .
وقيل لأبي حنيفة :
إن أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور قد جعلك قاضياً ورسم لك بعشرة آلاف درهم فما رضي ، فلما كان اليوم الذي توقع أن يؤتى إليه فيه بالمال صلى الصبح ثم تغشى بثوبه فلم يتكلم ثم جاء رسول أمير المؤمنين بالمال فلما دخل عليه وخاطبه لم يكلمه فقال له رسول الخليفة :
إن هذا المال حلال .
فقال :
اعلم أنه حلال لي ولكني أكره أن يقع في قلبي مودة الجبابرة .
فقال له :
لو دخلت إليهم وتحفظت من ودهم .
قال :
هل آمن أن ألج البحر ولا تبتل ثيابي .
من كلام الشافعي رضي الله عنه :
ألا يا نفس إن ترضي بقولي ........ فأنت عزيزة أبـداً غـنـية
دعي عنك المطامع والأماني ........ فكم أمنية جلبـت غـنـية
ومن كلام سفيان النوري فيما أوصى به علي بن الحسين السلمي :
عليك بالصدق وإياك والكذب والخيانة والرياء فإن العمل الصالح يحيطه الله بخصلة من هذه الخصال ولا تأخذ دينك إلا عمن هو مشفق على دينه وليكن جليسك من يزهدك في الدنيا وأكثر ذكر الموت وأكثر الاستغفار واسأل الله السلامة فيما بقي من عمرك وانصح كل مؤمن إذا سألك عن أمر دينه وإياك أن تخون مؤمناً فإن من خان مؤمناً فقد خان الله ورسوله ، وإياك الجدال والخصام ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك تكن سليماً وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر تكن حبيب الله وأحسن سريرتك يحسن الله علانيتك واقبل المعذرة ممن اعتذر إليك ولا تبغض أحداً من المسلمين وصل من قطعك واعف عمن ظلمك تكن رفيق الأنبياء وليكن أمرك مفوضاً إلى الله في السر والعلانية واخش الله من خشية من قد علم أنه ميت ومبعوث وسائر إلى الحشر والوقوف بين يدي الجبار واذكر مصيرك إلى إحدى الدارين أما إلى جنة عالية وأما إلى نار حامية .
ثم إن العجوز جلست إلى جانب الجواري فلما سمع والدك المرحوم كلامهن علم أنهن أفضل أهل زمانهن ورأى حسنهن وجمالهن وزيادة أدبهن فأواهن إليه وأقبل على العجوز فأكرمها وأخلى لها هي وجواريها القصر الذي كانت فيه الملكة إبريزة بنت ملك الروم ونقل إليهن ما يحتجن إليه من الخيرات فأقامت عنده عشرة أيام وكلما دخل عليها يجدها معتكفة على صلاتها وقيامها في ليلها وصيامها فوقع في قلبه محبتها وقال لي :
يا وزير إن هذه العجوز من الصالحات وقد عظمت في قلبي مهابتها .
فلما كان اليوم الحادي عشر اجتمع بها من جهة دفع ثمن الجواري إليها فقالت له :
أيها الملك اعلم أن ثمن هذه الجواري فوق ما يتعامل الناس به فإني ما أطلب فيهن ذهباً ولا فضة ولا جواهر قليلاً كان ذلك .
فلما سمع والدك كلامها تحير وقال :
أيها السيدة وما ثمنهن ?
قالت :
ما أبيعهن لك إلا بصيام شهر كامل تصوم نهاره وتقوم ليله لوجه الله تعالى فإن فعلت ذلك فهن لك في قصرك تصنع بهن ما شئت .
فتعجب الملك من كمال صلاحها وزهدها وورعها وعظمت في عينه وقال نفعنا الله بهذه المرأة الصالحة ثم اتفق معها على أن يصوم الشهر كما اشترطته عليه .
فقالت :
وأنا أعينك بدعوات أدعو بهن لك فائتني بكوز ماء .
فأخذته وقرأت عليه وهممت وقعدت ساعة تتكلم بكلام لا تفهمه ولا تعرف منه شيئاً ، ثم غطته بخرقة وختمته وناولته لوالدك وقالت له :
إذا صمت العشرة الأولى فأفطر في الليلة الحادية عشرة على ما في هذا الكوز فإنه ينزع حب الدنيا من قلبك ويملأه نوراً وإيماناً وفي غد أخرج إلى أخواني وهم رجال الغيب فإني اشتقت إليهم ثم أجيء إليك إذا مضت العشرة الأولى .
فأخذ والدك الكوز ثم نهض وأفرد له خلوة في القصر ووضع الكوز فيها وأخذ مفتاح الخلوة في جيبه فلما كان النهار صام السلطان وخرجت العجوز إلى حال سبيلها .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة الرابعة بعد المئة
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان :
فلما كان النهار صام وخرجت العجوز في حال سبيلها وأتم الملك صوم العشرة أيام وفي اليوم الحادي عشر فتح الكوز وشربه فوجد له في فؤاده فعلاً جميلاً وفي العشرة أيام الثانية من الشهر جاءت العجوز ومعها حلاوة في ورق أخضر يشبه ورق الشجر فدخلت على والدك وسلمت عليه فلما رآها قام وقال لها :
مرحباً بالسيدة الصالحة .
فقالت له :
أيها الملك أن رجال الغيب يسلمون عليك لأني أخبرتهم عنك فرحوا بك وأرسلوا معي هذه الحلاوة وهي من حلاوة الآخرة فأفطر عليها في آخر النهار .
ففرح والدك فرحاً زائداً وقال :
الحمد لله الذي جعل لي إخواناً من رجال الغيب .
ثم شكر العجوز وقبل يديها وأكرمها وأكرم الجواري غاية الإكرام ثم مضت مدة عشرين يوماً وأبوك صائم وعند رأس العشرين يوماً أقبلت عليه العجوز وقالت :
أيها الملك اعلم أني أخبرت رجال الغيب بما بيني وبينك من المحبة وأعلمتهم بأني تركت الجواري عندك ، ففرحوا حيث كانت الجواري عند ملك مثلك لأنهم إذا رأوهن يبالغون في الدعاء المستجاب فأريد أن أذهب بهن إلى رجال الغيب لتحصيل نفحاتهم لهن وربما أنهن لا يرجعن إليك إلا ومعهن كنز من كنوز الأرض حتى أنك بعد تمام صومك تشتغل بكسوتهن وتستعين بالمال الذي يأتيك به على أغراضك .
فلما سمع والدك كلامها شكرها على ذلك وقال لها :
لولا أني أخشى مخالفتي لك ما رضيت بالكنز ولا بغيره ولكن متى تخرجن بهن ?
فقالت له :
في الليلة السابعة والعشرين فأرجع بهن إليك في رأس الشهر وتكون أنت قد أوفيت الصوم وحصل استبراؤهن وصرن لك وتحت أمرك ، والله أن كل جارية ثمنها أعظم من ملكك مرات .
فقال لها :
وأنا أعرف ذلك أيتها السيدة الصالحة .
فقالت له :
بعد ذلك ولا بد أن ترسل معهن من يعز عليك من القصر حتى تجد الأنس ويلتمس البركة من رجال الغيب .
فقال لها :
عندي جارية رومية اسمها صفية ورزقت منها بولدين أنثى وذكر ولكنهما فقدا منذ سنتين فخذيها معهن لأجل أن تحصل البركة .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة الخامسة بعد المئة
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان :
لعل رجال الغيب يدعون الله لها بأن يرد عليها ولديها ويجمع شملنا بهما .
فقالت العجوز :
نعم ما قلت وكان ذلك أعظم غرضها .
ثم إن والدك أخذ في تمام صيامه ، فقالت له :
يا ولدي إني متوجهة إلى رجال الغيب فأحضر لي صفية .
فدعا بها في ساعتها فسلمها إلى العجوز فخلطتها بالجواري ، ثم دخلت العجوز مخدعها وخرجت للسلطان بكأس مختوم وناولته له وقالت :
إذا كان يوم الثلاثين فادخل الحمام ثم اخرج منه وادخل خلوة من الخلاوي التي في قصرك واشرب هذا الكأس وثم فقد نلت ما تطلب والسلام مني عليك .
فعند ذلك فرح الملك وشكرها وقبل يدها فقالت له :
أستودعك الله .
ثم قال لها :
ومتى أراك أيتها السيدة الصالحة فإني أود أن لا أفارقك ?
فدعت له وتوجهت ومعها الجواري والملكة صفية وقعد الملك بعدها ثلاثة أيام ثم قام ودخل الحمام وخرج منه إلى الخلوة التي في القصر وأمر أن لا يدخل عليه أحد ورد الباب عليه ثم شرب الكأس ونام ونحن قاعدون في انتظاره إلى آخر النهار فلم يخرج من الخلوة قلنا :
لعله تعبان من الحمام ومن سهر الليل وصيام النهار فبسبب ذلك نام .
فانتظرناه ثاني يوم فلم يخرج فوقفنا بباب الخلوة وأعلنا برفع الصوت لعله ينتبه ويسأل عن الخبر فلم يحصل منه صوت ، فخلعنا الباب ودخلنا عليه فوجدناه قد تمزق لحمه وتفتت عظمه .
فلما رأيناه على هذه الحالة عظم علينا ذلك وأخذنا الكأس فوجدنا في غطائه قطعة من ورق مكتوباً فيها :
من أساء لا يستوحش منه وهذا جزاء من يحتال على بنات الملوك ويفسدهن والذي نعلم به كل من وقف على هذه الورقة .
إن شركان لما جاء بلادنا أفسد علينا الملكة إبريزة وما كفاه ذلك حتى أخذها من عندنا وجاء بها إليكم ثم أرسلها مع عبد أسود فقتلها ووجدناها مقتولة في الخلاء مطروحة على الأرض ، فهذا ما هو فعل الملوك ، وهذا جزاء من يفعل هذا الفعل إلا ما حل به ، وأنتم لا تتهموا أبداً بقتله ، ما قتله إلا العاهرة الشاطرة التي اسمها ذات الدواهي ، وها أنا أخذت زوجة الملك صفية ومضيت بها إلى والدها أفريدون ملك القسطنطينية ، ولا بد أن نغزوكم ونقتلكم ونأخذ منكم الديار فتهلكون عن آخركم ولا يبقى منكم ديار ولا من ينفخ النار إلا من يعبد الصليب والزنار .
فلما قرأنا هذه الورقة علمنا أن العجوز خدعتنا وتمت حيلتها علينا فعند ذلك صرخنا ولطمنا على وجوهنا وبكينا فلما يفدنا البكاء شيئاً ، واختلفت العساكر فيمن يجعلونه سلطاناً عليهم فمنهم من يريدك ومنهم من يريد أخاك شركان ولم نزل في هذا الاختلاف مدة شهر ، ثم جمعنا بعضنا وأردنا أن نمضي إلى أخيك شركان فسافرنا إلى أن وجدناك ، وهذا سبب موت الملك عمر النعمان .
فلما فرغ الوزير من كلامه بكى ضوء المكان هو وأخته نزهة الزمان وبكى الحاجب أيضاً .
ثم قال الحاجب لضوء المكان :
أيها الملك أن البكاء لا يفيدك شيئاً ولا يفيدك إلا أن تشد قلبك وتقوي عزمك وتؤيد مملكتك ومن خلف ذلك .
فعند ذلك سكت عن بكائه وأمر بنصب السرير خارج الدهليز ، ثم أمر أن يعرضوا عليه العساكر ووقف الحاجب بجانبه والسلحدراية من ورائه ووقف الوزير دندان قدامه ووقف كل واحد من الأمراء وأرباب الدولة في مرتبته ، ثم إن الملك ضوء المكان قال للوزير دندان :
أخبرني بخزائن أبي .
فقال الوزير دندان :
سمعاً وطاعة .
وأخبره بخزائن الأموال وبما فيها من الذخائر والجواهر وعرض عليه ما في خزانته من الأموال فأنفق على العساكر وخلع على الوزير دندان خلعة سنية ، وقال له :
أنت في مكانك .
فقبل الأرض بين يديه ودعا له بالبقاء ثم خلع على الأمراء ثم إنه قال للحاجب :
أعرض علي الذي معك من خراج دمشق .
فعرض عليه صناديق المال والتحف والجواهر فأخذها وفرقها على العساكر .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح . الليلة السادسة بعد المئة
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن ضوء المكان أمر الحاجب أن يعرض عليه ما أتى به من خراج دمشق فعرض عليه صناديق المال والتحف والجواهر فأخذها وفرقها على العساكر ولم يبق منها شيئاً ، فقبل الأمراء الأرض بين يدي ضوء المكان ودعوا له بطول البقاء وقالوا :
ما رأينا ملكاً يعطي مثل هذه العطايا .
ثم إنهم مضوا إلى خيامهم فلما أصبحوا أمرهم بالسفر فسافروا ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أشرفوا على بغداد فدخلوا المدينة فوجدوها قد تزينت ، وطلع السلطان ضوء المكان قصر أبيه وجلس على السرير ووقف أمراء العسكر والوزير دندان وحاجب دمشق بين يديه فعند ذلك أمر كاتب السر أن يكتب كتاباً إلى أخيه شركان ويذكر فيه ما جرى من الأول إلى الآخر ويقول في آخره :
وساعة وقوفك على هذا المكتوب تجهز أمرك وتحضر بعسكرك حتى تتوجه إلى غزو الكفار ونأخذ منهم الثأر ونكشف العار .
ثم طوى الكتاب وختمه وقال للوزير دندان :
ما يتوجه بهذا الكتاب إلا أنت ولكن ينبغي أن تتلطف به في الكلام وتقول له :
إن أردت ملك أبيك فهو لك وأخوك نائباً عنك في دمشق كما أخبرنا بذلك .
فنزل الوزير دندان من عنده وتجهز للسفر ، ثم إن ضوء المكان أمر أن يجعلوا للوقاد مكاناً حسناً ويفرشوه بأحسن الفرش ، وذلك الوقاد له حديث طويل .
ثم إن ضوء المكان توجه يوماً إلى الصيد والقنص وعاد إلى بغداد فقدم له بعض الأمراء من الخيول والجياد ومن الجواري الحسان ما يعجز عن وصفه اللسان فأعجبته جارية منهن فاختلى بها ودخل عليها في تلك الليلة فعلقت منه من ساعتها .
وبعد مدة عاد الوزير دندان من سفره وأخبره بخبر أخيه شركان وإنه قادم عليه وقال له :
ينبغي أن تخرج وتلاقيه .
فقال له ضوء المكان :
سمعاً وطاعة .
فخرج إليه مع كبار دولته من بغداد مسيرة يوم ، ثم نصب خيامه هناك لانتظار أخيه .
وعند الصباح أقبل الملك شركان في عساكر الشام ما بين فارس مقدام وأسد ضرغام وبطل مصدام ، فلام أشرفت الكتائب وقدمت النجائب وأقبلت المصائب وخفقت أعلام المراكب توجه ضوء المكان هو ومن معه لملاقاتهم فلما عاين ضوء المكان أراد أن يترجل إليه فأقسم عليه شركان أن لا يفعل ذلك ، وترجل شركان ومشى نحوه فلما صار بين يدي ضوء المكان رمى ضوء المكان نفسه عليه فاحتضنه شركان إلى صدره وبكيا بكاءاً شديداً وعزى بعضهما بعضاً .
ثم ركب الاثنان وسار العسكر معهما إلى أن أشرفوا على بغداد ونزلوا ، ثم تقدم ضوء المكان هو وأخوه شركان إلى قصر الملك وباتا تلك الليلة ، وعند الصباح نهض ضوء المكان وأمر أن يجمعوا العساكر من كل ناحية وينادون بالغزو والجهاد ثم أقاموا ينتظرون مجيء الجيوش من سائر البلدان وكل من حضر يكرمونه ويعدونه بالجميل إلى أن مضى على ذلك الحال مدة شهر كامل والقوم يأتون أفواجاً متتابعة ، ثم قال شركان لأخيه :
يا أخي أعلمني بقضيتك .
فأعلمه بجميع ما وقع له من الأول إلى الآخر ، وبما صنعه معه الوقاد من المعروف ، فقال له :
يا أخي ما كافأته إلى الآن ولكن أكافئه إن شاء الله تعالى لما أرجع من الغزوة .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الليلة السابعة بعد المئة
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن شركان قال لأخيه ضوء المكان :
أما كافأت الوقاد على معروفه ?
فقال له ضوء المكان :
يا أخي ما كافأته إلى الآن ولكن إن شاء الله تعالى لما أرجع من الغزوة وأتفرغ له .
فعند ذلك عرف شركان أن أخته نزهة الزمان صادقة في جميع ما أخبرته به ، ثم كتم أمره وأمرها وأرسل إليها السلام مع الحاجب زوجها فبعثت له أيضاً معه السلام ودعت له وسألت عن ابنتها قضى فأخبرها أنها بعافية وأنها في غاية ما يكون من الصحة والسلامة فحمدت الله تعالى وشكرته ، ورجع شركان إلى أخيه يشاوره في أمر الرحيل فقال له :
يا أخي لما تتكامل العساكر وتأتي العربان من كل مكان .
ثم أمر بتجهيز المسيرة وإحضار الذخيرة ودخل ضوء المكان إلى زوجته وكان مضى لها خمسة أشهر وجعل أرباب الأقلام وأهل الحساب تحت طاعتها ورتب لها الجرايات والجوامك وسافر في ثالث شهر من حين نزول عسكر الشام بعد أن قدمت العربان وجميع العساكر من كل مكان وسارت الجيوش والعساكر وتتابعت الجحافل وكان اسم رئيس عسكر الديلم رستم واسم رئيس عسكر الترك بهرمان .
وسار ضوء المكان في وسط الجيوش وعن يمينه أخوه شركان وعن يساره الحاجب صهره ولم يزالوا سائرين مدة شهر وكل جمعة ينزلون في مكان يستريحون فيه ثلاثة أيام لأن الخلق كثيرة ، ولم يزالوا سائرين على هذه الحالة حتى وصلوا إلى بلاد الروم فنفر أهل القرى والضياع والصعاليك وفروا إلى القسطنطينية فلما سمع أفريدون ملكهم بخبرهم قام وتوجه إلى ذات الدواهي فإنها هي التي دبرت الحيل وسافرت إلى بغداد حتى قتلت الملك عمر النعمان ، ثم أخذت جواريها الملكة صفية ورجعت بالجميع إلى بلادها .
فلما رجعت إلى ولدها ملك الروم وأمنت على نفسها قالت لابنها :
قر عيناً فقد أخذت لك بثأر ابنتك إبريزة وقتلت الملك النعمان وجئت بصفية ، فقم الآن وتوجه إلى ملك القسطنطينية وأظن أن المسلمين لا يثبتون على قتالنا .
فقال :
أمهلي أن يقربوا من بلادنا حتى نجهز أحوالنا .
ثم أخذوا في جمع رجالهم وتجهز أحوالهم فلما جاءهم الخبر كانوا قد جهزوا حالهم وجمعوا الجيوش وسارت في أوائلهم ذات الدواهي فلما وصلوا إلى القسطنطينية سمع الملك الأكبر ملكها أفريدون بقدوم حردوب ملك الروم فخرج لملاقاته فلما اجتمع أفريدون بملك الروم سأله عن حاله وعن سبب قدومه فأخبره بما عملته أمه ذات الدواهي من الحيل وأنها قتلت ملك المسلمين وأخذت من عنده الملكة صفية وقالوا أن المسلمين جمعوا عساكرهم .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح . الليلة الثامنة بعد المئة
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك السعيد أن أفريدون قال لملك الروم :
أن المسلمين جمعوا عساكرهم وجاؤوا ونريد أن نكون جميعاً يداً واحدة ونلقاهم .
ففرح الملك أفريدون بقدوم ابنته وقتل عمر النعمان وأرسل إلى سائر الأقاليم طالباً منهم النجدة ويذكر لهم أسباب قتل الملك عمر النعمان فهرعت إليه جيوش النصارى فما مر ثلاثة شهور حتى تكاملت جيوش الروم ، ثم أقبلت الإفرنج من سائر أطرافها كالفرنسيس والنمسا ودوبره وجورنه وبندق وجنوير وسائر عساكر بني الأصفر ، فلما تكاملت العساكر وضاقت بهم الأرض من كثرتهم أمرهم الملك الأكبر أفريدون أن يرحلوا من القسطيطينية فرحلوا واستمر تابع عساكرهم في الرحيل عشرة أيام وساروا حتى نزلوا بواد واسع الأطراف وكان ذلك الوادي قريباً من البحر المالح فأقاموا ثلاثة أيام ، وفي اليوم الرابع أرادوا أن يرحلوا فأتتهم الأخبار بقدوم عساكر الإسلام وحماة ملة خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام فأقاموا فيه ثلاثة أيام أخرى ، وفي اليوم الرابع رأوا غباراً طار حتى سد الأقطار فلم تمض ساعة من النهار حتى انجلى ذلك الغبار وتمزق إلى الجو وطارت ومحت ظلمته كواكب الأسنة والرماح وبريق بيض الصفاح وبان من تحته رايات إسلامية وأعلام محمدية ، وأقبلت الفرسان كاندفاع البحار في دروع تحسبها سحباً مزررة على أقمار ، فعند ذلك تقابل الجيشان والتطم البحران ووقعت العين في العين فأول من برز للقتال الوزير دندان هو وعساكر الشام وكانوا عشرين ألف عنان .
وكان مع الوزير مقدم الترك ومقدم الديلم رستم وبهرام في عشرين ألف فارس وطلع من ورائهم رجال من صوباً لبحر المالح وهم لابسون زرود الحديد وقد صاروا فيه كالبدور السافرة في الليالي العاكرة وصارت عساكر النصارى ينادون عيسى ومريم والصليب ثم انطبقوا على الوزير دندان ومن معه من عساكر الشام وكان هذا كله تدبير العجوز ذات الدواهي لأن الملك أقبل عليها قبل خروجه وقال لها :
كيف العمل والتدبير وأنت السبب في هذا الأمر العسير ؟
فقالت :
اعلم أيها الملك الكبير والكاهن الخطير أني أشير عليك بأمر يعجز عن تدبيره إبليس ولو استعان عليه بحزبه المتاعيس .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
الليلة التاسعة بعد المئة
 
قالت شهرزاد :
 
بلغني أيها الملك أن هذا كله كان تدبير العجوز لأن الملك كان أقبل عليها قبل خروجها وقال لها :
كيف العمل والتدبير وأنت السبب في هذا الأمر العسير ؟
فقالت :
اعلم أيها الملك الكبير والكاهن الخطير أني أشير عليك بأمر يعجز عن تدبيره إبليس وهو أن ترسل خمسين ألفاً من الرجال ينزلون في المراكب ويتوجهون في البحر إلى أن يصلوا إلى جبل الدخان فيقيمون هناك ولا يرحلون من ذلك المكان حتى تأتيكم أعلام الإسلام فدونكم وإياهم ، ثم تخرج إليهم العساكر من البحر ويكونون خلفهم ونحن نقابلهم من البر فلا ينجو منهم أحد وقد زال عنا العناء ودام لنا الهناء .
فاستصوب الملك أفريدون كلام العجوز وقال :
نعم الرأي رأيك يا سيدة العجائز الماكرة ومرجع الكهان في الفتن الثائرة .
وحين هجم عليهم عسكر الإسلام في ذلك الوادي لم يشعر إلا والنار تلتهب في الخيام والسيوف تعمل في الأجسام ، ثم أقبلت جيوش بغداد وخراسان وهم في مائة وعشرين ألف فارس وفي أوائلهم ضوء المكان ، فلما رآهم عسكر الكفار الذين كانوا في البحر طلعوا إليهم من البحر وتبعوا أثرهم فلما رآهم ضوء المكان قال :
ارجعوا إلى الكفار يا حزب النبي المختار وقاتلوا أهل الكفار والعدوان في طاعة الرحمن الرحيم .
وأقبل شركان بطائفة أخرى من عساكر المسلمين نحو مائة ألف وعشرين ألفاً وكانت عساكر الكفار نحو ألف ألف وستمائة ألف ، فلما اختلط المسلمون ببعض قويت قلوبهم ونادوا قائلين :
إن الله وعدنا بالنصر وأوعد الكفار بالخذلان .
ثم تصادموا بالسيف والسنان واخترق شركان الصفوف وهاج في الألوف وقاتل قتالاً تشيب منه الأطفال ولم يزل يجول في الكفار ويعمل فيهم بالصارم البتار وينادي الله أكبر حتى رد القوم إلى ساحل البحر وكانت منهم الأجسام ونصر دين الإسلام والناس يقاتلون وهم سكارى بغير مدام وقد قتل من القوم في ذلك الوقت خمسة وأربعون ألفاً وقتل من المسلمين ثلاثة آلاف وخمسمائة .
ثم إن أسد الدين الملك شركان لم ينم في تلك الليلة لا هو ولا أخوه ضوء المكان بل كانا يباشران الناس وينقذان المرضى ويهنئانهم بالنصر والسلامة والثواب في القيامة .
هذا ما كان من أمر المسلمين .
وأما ما كان من أمر الملك أفريدون ملك القسطنطينية وملك الروم وأمه العجوز ذات الدواهي فإنهم جمعوا أمراء العسكر وقالوا لبعضهم :
إنا كنا بلغنا المراد وشفينا الفؤاد ولكن إعجابنا بكثرتنا هو الذي خذلنا .
فقالت لهم العجوز ذات الدواهي :
إنه لا ينفعكم إلا أنكم تتقربون للمسيح وتتمسكون بالاعتقاد الصحيح ، فوحق المسيح ما قوى عسكر المسلمين إلا هذا الشيطان الملك شركان .
فقال الملك أفريدون :
إني قد عولت في غد على أن أصف لهم الصفوف وأخرج لهم الفارس المعروف لوقابن شملوط فإنه إذا برز إلى الملك شركان قتله وقتل غيره من الأبطال حتى لم يبق منهم أحد ، وقد عولت في هذه الليلة على تقديسكم بالبخور الأكبر .
فلما سمعوا كلامه قبلوا الأرض .
وكان البخور الذي أراده أخوه البطريق الكبير ذو الإنكار والنكير فإنهم كانوا يتنافسون فيه ويستحسنون مساويه حتى كانت أكابر بطارقة الروم يبعثونه إلى سائر أقاليم بلادهم في خرق من الحرير ويمزجونه بالمسك والعنبر فإذا وصل خراؤه إلى الملوك يأخذون منه كل درهم بألف دينار حتى كان الملوك يرسلون في طلبه من أجل بخور العرائس وكانت البطارقة يخلطونه بخرائهم فإن خره البطريق الكبير لا يكفي عشرة أقاليم وكان خواص ملوكهم يجعلون قليلاً منه في كحل العيون ويداوون به المريض والمبطون ، فلما أصبح الصباح وأشرق بنوره ولاح وتبادرت الفرسان إلى حمل الرماح .
 
 
 
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .