الفرق بين المراجعتين لصفحة: «ويكي مصدر:مشاريع ويكي مصدر»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
سطر 1:
{{رأس الصفحة
| العنوان = مشاريع ويكي مصدر
|القسم=
|السابق = → [[ويكي مصدر:مجتمع|مجتمع]]
|التالي =
|اختصار =
|ملاحظات = تشرح هذه الصفحة طبيعة المشاريع في ويكي مصدر، وتقدم معلومات حول بداية مشروع جديد. بالإضافة إلى قائمة من المشاريع الحالية.
 
}}
 
'''مشروع ويكي مصدر''' هو مجموعة من الصفحات المخصصة لتنسيق العمل على مهمة محددة طويلة الأمد في مشروع ويكي مصدر.
 
 
 
الحق
السطر 1٬193 ⟵ 1٬180:
 
كان أول من أراد انتهاز هذه الفرصة والإغارة علي المدينة هم بنو أسد ـ حلفاء قريش ـ فلم ينتظر النبي أسرع إلى إرسال سرية يقودها أبو سلمة المخزومي في مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وأمره بالسير إلى أراضى بني أسد فسار في هلال المحرم من السنة الرابعة للهجرة حتى بلغ قطنا (جبل لبني أسد شرقي المدينة) فأغار عليهم فهربوا من منازلهم وهكذا رد الله كيد المشركين وكانت الدائرة عليهم وغنم المسلمون ما وجدوه من إبل وغنم فأخذوها وساقوها إلى المدينة التي وصلوها بعد أحد عشر يوماً من خروجهم منها
 
 
 
رحمته صلى الله عليه وسلم بالكفار
 
 
 
 
و إن كان الكافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر إلا أنه ما زال من البشر ينظر إليه النظرة الإسلامية التي يستحق معها رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصاً إن رجي منهم الخير والإسلام .
 
فهذه الرحمة المهداة يفعل به أهل مكة و أهل الطائف ما فعلوا ثم يأتيه جبريل فيقول هذا ملك الجبال إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين قال : ( بل أرجو أن يخر ج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له )1
 
 
ورحمته صلى الله عليه وسلم لازمته ( في أعصب الساعات عندما حاول المشركون في أحد اغتياله وألجئوه إلى حفرة لـيُكَب فيها ، ونظر إلى زهرة أصحابه فوجدهم مضرجين بدمائهم على الثرى ، ونظر إليه بقية أصحابه فإذا خده قد شُق وسنه قد سقطت .. في هذه الأزمة قيل له : ادع على
 
المشركين ، فغلبه رفقه وجعلت نفسه العالية تستميح لأعدائه العذر ، فكان دعاؤه : ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون )2
 
 
فهو يرجوا إيمانهم وإسلامهم ، لذلك لا يستجيب إلى طلباتهم الصبيانية التي تؤدي بهم للهلاك وحسب فعندما طلبت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع ربه ليجعل الصفا ذهباً ويؤمنوا
 
به ، قال وتفعلون قالوا نعم قال فدعا فأتاه جبريل فقال إن ربك عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول : إن شئت أصبح لهم الصفا ذهباً فمن كفر بعد ذلك عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة ، قال : بل باب التوبة والرحمة )3
 
 
وكان ينهى عن قتل كل من لا يواجه المسلمين بسيف من الكفار من الشيوخ والصبيان و النساء وقد أنكر قتل امرأة في إحدى مغازيه
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم
 
 
( لقد أراد الله تعالى أن يمتن على العالم برجل يمسح آلامه ، ويخفف أحزانه ، و يرثى لخطاياه ويستميت في هدايته ، ويأخذ بناصر الضعيف ، ويقاتل دونه قتال الأم عن صغارها ويخضد شوكة القوي حتى يرده إنساناً سليم الفطرة لا يضرى ولا يطغى .. فأرسل محمد عليه الصلاة والسلام ، وسكب في قلبه من العلم والحلم . وفي خلقه من الإيناس والبر وفي طبعه من السهولة والرفق ، وفي يده من السخاوة والندى ، ما جعله أزكى عباد الله رحمة ، وأوسعهم عاطفة وأرحبهم صدراً )1
 
 
وليس من آية في القرآن تذكره صلى الله عليه وسلم إلا وتحكي خصلة من طيب شمائله ، وعبير ذكراه ...وذكر سبحانه رحمة نبيه في عدد من الآيات .وإن حصرت هذه الآيات في أقل من عدد أصابع اليد إلا أن دلا لتها ومعانيها تفوق الوصف ... لكن نشير إلى أهم ما ذُكر في معانيها ومراميها
ومع ترتيب المصحف نقف عند قوله تعالى : (( فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لنفضوا من حولك ))1 .
 
 
( فهي رحمة الله التي نالته ونالتهم فجعلته صلى الله عليه وسلم رحيماً بهم ليناً معهم ولو كان فظاً غليظ القلب ما تآلفت حوله القلوب ولا تجمعت حوله المشاعر فالناس في حاجة إلى كنف رحيم وإلى عناية فائقة ، وإلى بشاشةٍ سمحة وإلى ودٍ يسعهم وحِلمٍ لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم ، وفي حاجةٍ إلى قلبٍ كبير يعطيهم ولا يحتاج إلى عطائهم ويحمل هموهم ولا يعنيهم بهمه .
 
ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية و العطف والسماحة والود والرضا .. وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت حياته مع الناس ، ما غضب لنفسه قط ، ولا ضاق صدره بضعفهم البشري .. )2 .
ويقول سبحانه وتعالى في معرض ذكر إيذاء المنافقين للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في سورة التوبة (( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم ... ))1 .
 
 
ففي هذه الآية يدافع الله عن نبيه ويرد على المنافقين ما يرمون به المصطفى صلى الله عليه وسلم من أنه سريع الاغترار بكل ما يسمع فأجاب سبحانه نعم هو كذلك كما قلتم أذن لكن في الخير وهو
خير لكم يؤمن بالله ويصدق المؤمنين ، وهو رحمة ( لأنه يجري أحكام الناس على الظاهر ولا ينقب على أحوالهم ، ولا يهتك أسرارهم )2 .
 
وقال سبحانه : (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ))1 .
قال ابن كثير ( يقول تعالى ممتناً على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولاً من أنفسهم أي من جنسهم وعلى لغتهم ... (( عزيز عليه ما عنتم )) أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها ، ولهذا جاء في الحديث : ( بعثت بالحنيفية السمحة ) وفي الصحيح : ( أن الدين يسر ) وشريعته كلها سهلة سمحة يسيرة على من يسرها الله عليه ...
(( حريص عليكم )) أي على هدايتكم2 ووصول النفع الدنيوي و الأخروي إليكم ... )3 .
(( بالمؤمنين رؤوف رحيم )) ( يعني أنه صلى الله عليه وسلم رؤوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين )4 .
وكونه بالمؤمنين رؤوف رحيم لا يعني ذلك أنه لا يقسوا عليهم أحياناً فقد ( تأخذ الرحمة الحقة طابع القسوة ، وليست كذلك .. ولذلك قال الشاعر :
فـاليزدجروا ومن يـك راحمــــــاً فليقس أحيانـاً على من يرحـــــم
فليست الرحمة حناناً لا عقل معه أو شفقة تتنكر للعدل والنظام . كلا إنها عاطفة تراعي هذه الحقوق جميعا )5 .
 
لذلك كان من رحمته بكم أن حثكم على الجهاد وهو ما فيه من مشقة وعسر ( وركوب الصعاب فما ذلك من هوان بكم عليه ، ولا بقسوة في قلبه وغلظة إنما هي الرحمة في صورة من صورها . ورحمة بكم عن الذل و الهوان ، والرحمة بكم من الذنب و الخطيئة ، والحرص عليكم أن يكون لكم شرف حمل الدعوة وحفظ رضوان الله و الجنة التي وعد المتقون )6 .
 
 
وقد بوَّب البيهقي في شعب الإيمان ( فصل في حدب النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم ) ثم ساق الآية (( لقد جاءكم ... )) ونقل عن الفارسي قوله ( وهل وصف الله عز وجل أحداً من عباده بهذا الوصف من الشفقة والرحمة التي وصف بها حبيبه صلى الله عليه وسلم )1 وجاء مثل ذلك عن الحسين بن الفضل حيث قال [ لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسماءه إلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم فإنه قال : (( بالمؤمنين رؤوف رحيم )) وقال : (( إن الله بالناس لرؤوف رحيم )) ]2
 
 
 
وقال سبحانه : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))1 .
( يخبر تعالى أن الله جعل محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أي أرسله رحمة لهم كلهم فمن قَبِل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ، ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة )2
( فإن قيل أي رحمة حصلت لمن كفر به فالجواب ما رواه أبو جعفر بن جرير بسنده عن ابن عباس قال ( من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ولمن لا يؤمن بالله ورسوله عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف . )3 ويدل عليه قوله تعالى : (( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ))4 .
وأيضاً فإن الرحمة الحاصلة من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بقمع ذئاب البشر الذين أبَو إلا اعتراض هذه الرحمة المرسلة ووضع العراقيل حتى تنقطع عن الناس ، فيهلكوا في أودية الحيرة
والجهالة ، فلم يكن بد من إزالة هذه العوائق و الإغلاظ لأصحابها ويوم ينقطع تعرّضهم وتحديهم تشملهم هذه الرحمة
 
 
 
رحمته بالأمة
رحمته بالأمة تتجلى في:بكائه من أجلها .ودعائه على من شق على أمته .وضمانه الدين لمن ترك ديناً
و شفاعته للأمة .ويسأل ربه التخفيف على الأمة ولا يأمرهم بما يشق عليهم ويترك المداومة على بعض العبادات رحمة بهم ويغضب إذا فعل ما يكون في اتباعه مشقة على أمته ويتجوز في العبادة خوف المشقة .
بكائه من أجلها .
ما زال أمر أمته يؤرقه ، ويقلق مضجعه .. فهو وإن كان العبد الشكور الذي يقضي ليله صافـاً قدميه بين يدي رب العالمين يرجو رحمته ، فهو يجتهد بالدعاء لطلب نجاتها ، بل وتسيل عبراته خوفاً عليها ، حتى تأتيه البشارة من ربه بإرضائه وعدم إساءته في أمته ..
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم (( رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني )) ... الآية . وقال عيسى عليه السلام (( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )) فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله : ( يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك )1 ( قال صاحب التحرير هو تأكيد للمعنى أي لا نحزنك لأن الإرضاء يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى : نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع )2 .
وهذا الإرضاء من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يترجم في صور عدة . منها إدخال أمته الجنّة ، واختصاص نبينا بالشفاعة لأمته ، وهذه الشفاعة وإن كانت اختصاص واصطفاء من الله لإعلاء مقام نبيه دون غيره من الأنبياء ، إلا أنها أيضاً مظهر من مظاهر رحمة النبي بهذه الأمة ، في الدنيا والآخرة .
ففي الدنيا عندما خيّره ربه بين إدخال نصف أمته الجنّة أو الشفاعة لأمته جميعاً فاختار الشفاعة ، فرحمته بهذه الأمة تأبى عليه أن يرى نصفها الآخر لا ينالون رحمة الله ، فعمت رحمته الجميع ، فاختار الشفاعة وحرص أن ينالها كل مؤمن ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أتاني آتِ من ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنّة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة ، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً )3 .
ومظهر رحمته في الآخرة بانكبابه ساجداً بين يدي رب العزة والجلال ، ويناجي ربه أمتي .. أمتي وكل الخلائق يقولون نفسي نفسي ...
حتى من اختصهم الله بحمل رسالته ، من أولي العزم من الرسل تتوجه إليهم الخليقة لعلهم يشفعون لهم عند ربهم وكل منهم يقول نفسي نفسي حتى يصلون إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أنا لها أنا لها فيذهب فيسجد تحت عرش الرحمن ( ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفّع – فيقول صلى الله عليه وسلم : فأرفع رأسي فأقول : أمتي يا رب أمتي يا رب ، فيقال يا محمد ادخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس في سوى ذلك من الأبواب )1 وفي رواية ( ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنّة ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود )2 .
وضم إلى شفاعته لأمته دعوته المستجابة فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لكل نبي دعوة فدعا بها واستجيب ، فجعلتُ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ) وظاهر الحديث ( أن لكل نبي دعوة مستجابة فقط ، والجواب أن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها ، وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة ... _ وفي هذا الحديث أيضاً _ بيان فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة ولم يجعلها أيضاً دعاءً عليهم بالهلاك ... )1.
قال النووي ( فيه كمال شفقته على أمته ورأفته بهم واعتناؤه بالنظر في مصالحهم فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم )2 .
ومن مظاهر رحمته بأمته أنه يسأل ربه التخفيف على أمته في التكاليف :
 
 
كما حدث ذلك في فرض الصلاة فبعد أن فرضت خمسين صلاة ما زال النبي يراجع ربه حتى غدت خمس صلوات .1
وكان يتجنب كل أمر أو فعل فيه مشقة على أمته ،
 
 
كقوله : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )2 .
وقال في صلاة العشاء ( ولولا الضعيف والسقيم أحببت أن أؤخر هذه ، الصلاة إلى شطر الليل )3
وامتنع من الخروج في الليلة الثالثة من رمضان لما كثر الناس وقال : ( قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أنني خشيت أن تفرض عليكم )4 .
قال الحليمي ( والمعنى أن يفرض عليكم ..فلا ترعوه حق رعايته فتصيروا في استيجاب الذم أسوة من قبلكم وهذا كله رأفة ورحمة ، صلى الله عليه وسلم وجزاه عنّا أفضل ما جازى رسولاً ونبياً
عن أمته )5 .
وقالت عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يستن به الناس فيفرض عليهم ، وكان رسول الله صلى الله عيه وسلم يحب ما خف على الناس من الفرائض )1 .
وإن صدر منه عمل رأى أنه ربما شق على الناس ، لام نفسه لذلك ، فعنها رضي الله عنها قالت : خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس فرجع إلي وهو حزين فقلت له فقال : ( إني دخلت الكعبـة وودت أني لم أكن فعلت إني أخاف أن أكـون أتعبت أمـتي من
بعدي )2 .
ويتعدى هذا الغضب لكل من شق على المسلمين في أداء عبادة ، كما قال لمعاذ : ( أفتان أنت يا معاذ وغضب غضباً شديداً ... )3 .
وقد خص صلى الله عليه وسلم أفراد من أمته برحمة فائقة ، ورعاية حانية .. لكونهم لا يَحضون بعناية و رعاية كافية من المجتمع فلربما أغفلتهم الأنظار ، لضعف حالهم وليس وراء على ذلك مردود مادي ... فرتب عليه الصلاة والسلام على العنايـة بهم ورعايـة شئونهم الأجور العظيمة وحذّر من إغفـال شئونهم ، بل جعل ذلك حق واجب لهم .
فأوجب عيادة المريض وتشييع الجنازة ، وكفالة اليتيم إلى غير ذلك من مظاهر الحرص على رعاية الضعفاء في المجتمع1 .
وتعدت رحمته لكل فرد ألمت به عوارض الزمان ، فاحتاج للاستدانة من أموال الغير ثم جهد في سدادها ، فوافاه الأجل قبل ذلك .. فتعهد النبي صلى الله عليه وسلم بسدادهــا...
لعلمه صلى الله عليه وسلم خطورة التعرض لأموال الناس ، وحقوقهم دون ضمان لها .. وكان لا يصلي على من مات وعليه دين لم يسدد ، حثاً للناس على سداد حقوق الغير لينالوا شرف صلاته عليهم ثم لما فتح الله على بيت أموال المسلمين تصدى النبي لكل صاحب دين لم يستطع سداده بسداد دينه من بيت مال المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم : ( أنا ولي المؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً فعلي قضاؤه )2 .
ثم انظر رحمك الله إلى حرصه على إيصال الأجر لكل مسلم لم يستطع شراء أضحية ليضحي بها ..
بسبب الفقر ، فقد حرص المصطفى صلى الله عليه وسلم على أن ينال من الأجر مثل ما نال إخوانه المضحين فهاهو ذا يضحي بكبشين فقال في أولها : ( اللهم لمحمد وآل محمد ) وقال في آخرهما : ( اللهم عن محمد وعن من لم يضح من أمة محمد )3 ( وهو يدل على أن أمته أمواتهم وأحياءهم قد نالهم النفع والأجر بتضحيته )4 .
( قال الحليمي : وهذا أبلغ ما يكون من البر والشفقة )5 .
ويسترسل الحديث بنا في ذكر رحمته ... فننـتقل إلى تخصيص هذه الرحمة ، من كونها للأمة بعامة إلى من عاش في عصره من أصحابه رجالاً و نساءً وأطفالاً وخدماً وعبيداً وكفاراً ومنافقين لنرى كيف كانت رحمته بهم .
 
 
 
 
 
رحمته بالأطفال.
ومن فئات المجتمع الذين يستحقون مزيداً من العطف والعناية ، والرحمة .. الأطفال ففي مواقفه صلى الله عليه وسلم مع الأطفال تتجلى لنا صورة رائعة من الرحمة بهم .
فقد كان يقبّلهم .ويشتاق لهم .ويمازحهم .ويحملهم ولو كان في الصلاة .وربما صعد على ظهره وهو ساجد .
ولا يصبر أن يرى أذىً يصيبهم ولو كان في مقام الخطبة .وإن سمع بكاء طفل في الصلاة خففها .
ويحزن لموت الأطفال . وإن كان من أبناء الكفار .فقد كان ينطلق إلى ابنه إبراهيم عند مرضعته ليقبله ثم يرجع 1 ...
 
وتعجب بعض الأعراب من تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم للصبيان فقال له صلى الله عليه وسلم :
( أو ما أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة )2 .
 
وشوقه لهم كما روى ذلك أبو هريرة قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة فقال : أثم لكع يعني حسناً . فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخاباً . فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني احبه فأحبه وأحب من يحبه )3 .
وتعددت صور ممازحته للأطفال رحمة بهم كما قال محمود بن الربيع رضي الله عنه ( عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجّـة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو )4
وكان صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن أو الحسين فيهبش نحوه الصبي فيرفع لسانه5 وهكذا.. ومر يوماً والحسن مع الغلمان يلعب فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه قال : ( فطفق الصبي هاهنا مرة وهاهنا مرة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه .قال. فوضع إحدى يديه تحت قفاه و الأخرى تحت ذقنه ، فوضع فاه على فيه فقبله ... )6 .
وكان يحملهم ولو كان في صلاة كما صح عن حمله لأمامه بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها .1
 
 
وربما صعد على ظهره في الصلاة فلا ينـزله حتى ينـزل هو بطواعيته كما فعل معه الحسن أو الحسين فقام على ظهره وهو ساجد ، فأطال السجود حتى رفع بعض الصحابة ليروا ما سبب
تأخره . ثم سألوا الرسول بعد انقضاء الصلاة فقال : ( ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته )2 .
ولا يصير على أذى يصيب أحدهم فعن عائشة أن أسامة بن زيد عثر بأسكفة الباب أو عتبة الباب فشج في جبهته فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أميطي عنه الأذى أو نحي عنه الأذى قالت فتقذرته قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص عنه الدم ويمجه عن وجهه ... )3
 
وكان يوماً على المنبر يخطب إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنـزل صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ، ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله : (( إنما أموالكم وأولادكم فتنة )) فنظرت إلى هذين الصبيان يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما )4 .
وإن كان في صلاة فسمع صوت بكاء طفل تجوّز فيها كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه )5 .
 
أما حزنه لموت الأطفال فعندما رفع إلى رسول الله ابن بنته ونفسه تقعقع فاضت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سعد يا رسول الله ما هذا فقال : ( هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء )1 .وفي رواية ( إلا الرحماء ) والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة ومقتضاه أن رحمة الله تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها ... _ وفي الحديث ( الترغيب في الشفقة على خلق الله والرحمة لهم والترهيب من قساوة القلب وجمود العين )2 .
 
وعن الوضيين أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنّا كنّا أهل جاهلية وعبادة أوثان فكنّا نقتل الأولاد ، وكانت عندي ابنة لي ، فلما أجابت وكانت مسرورة بدعائي إذ دعوتها فرديت بها في البئر ، و كان آخر عهدي بها أن تقول يا أبتاه يا أبتاه فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وكف دمع عينيه ، فقال رجل من جلساء رسول الله صلى الله عليه وسلم أحزنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ، كفّ فإنه يسأل عمّا أهمه ، ثم قال له أعد على حديثك فأعاده فبكى حتى وكف الدمع من عينيه على لحيته ثم قال له إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا فاستأنف عملك )3
 
 
 
 
رحمته بالخدم.
 
و ( من مواطن الرحمة أن نحسن معاملة الخدم وأن نرفق معهم فيما نكلفهم من أعمال ، وأن نتجاوز عن هفواتهم ... )1
ومن أفراد المجتمع في عهده صلى الله عليه وسلم الخدم . قد نالهم قسط وافر من رحمته عليه الصلاة والسلام .وهذا كله كان من هديه وفعله صلى الله عليه وسلم
فما ضرب خادماً قط ، بل ما نهره كما يروي ذلك أنس رضي الله عنه .
ووقف على أبي مسعود وهو يضرب غلاماً له بالسوط فقال له : ( اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك هذا الغلام فقال : يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى فقال : أما لو لم تفعل لفحتك النار )2
 
 
 
 
رحمته بالحيوانات.
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالحيوان .
( حيث بيّن أن الإنسان على عظم قدره يدخل النار في إساءة يرتكبها مع دابة عجماء )
لقوله صلى الله عليه وسلم : ( دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض )1
 
كما بين أن كبائر المعاصي تمحها رحمة بهذا الحيوان فقال : إن امرأة بغي رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر ، قد أدلع لسانه من العطش فنـزعت له موقها فغُفر لها به )[1]
 
وبين أن الحيوان وإن كنّا نذبحه فلا نخيفه قبل الذبح ، ولنحسن ذبحه لقوله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته )[2]
 
وذلك إن فعلته رحمة له فقد رحمك الله فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأرحم الشاة أن أذبحه فقال : والشاة إن رحمته رحمك الله )[3]
 
( ودخل يوماً حائطاً من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سَراَتَه و ذِ فراه فسكن فقال من صاحب الجمل ، فجاء فتى من الأنصار فقال هو لي يا رسول الله فقال : أما تتقي الله في هذه البهيمة التي مَلّككها الله إنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه )1
 
وفي رواية أن الجمل شكا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد ذبحه فاشتراه منه النبي وجعله من إبل الصدقة .2
 
وعن عبد الله بن مسعود قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منـزلاً فانطلق إنسان إلى غيضة فأخرج منها بيض حُمَّرَة فجاءت الحمرة ترف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ورءوس أصحابه فقال أيكم فجع هذه فقال رجل من القوم أنا أصبت لها بيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ردوه )3 وفي رواية ( رده رحمة لها )4
 
ونهى عن صبر البهائم5 وهو أن تحبس حية لتقتل بالرمي وتتخذ غرضاً .
ورحمته شملت الحيوانات المفترسة فقد صلى الفجر فإذا هو بقريب من مائة ذئب قد أقعين وفودُ الذئاب ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترضخوا لهم من طعامكم وتأمنوا على ما سوى ذلك تشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحاجة قال فآذنوهن فخرجن ولهن عواء )
 
 
 
رحمته بالجماد
 
 
ولم تكتف رحمته أن شملت كل ما دب على وجه الأرض حتى تعداه للجمادات أيضاً ، كيف لا وهو الرحمة المهداة .
فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب إلى لزِق جذع ، واتخذوا له منبراً فخطب عليه فحن الجذع حنين الناقة ، فنـزل النبي صلى الله عليه وسلم فمسه فسكن ،
 
 
وفي رواية ( خار حتى تصدّع وانشق فنـزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده حتى سكن ثم رجع إلى المنبر فكان إذا صلى صلّى إليه فلما هُدم المسجد وغُيِر أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب ، وكان عنده في بيته حتى بلي فأكلته الأرض وعاء رفاتاً )1 وعند أحمد ( ولو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة ) .
 
 
 
الخاتمة
فهذا ما سمح المقام بذكره في رحمته صلى الله عليه وسلم ، وإن الحديث لاينقضي لكن ما ذكر فيه إشارة وتذكير لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
فبعد بيان رحمة هذا النبي الكريم ، كيف يكون للمتكبر عن اتباع هديه وسنـته عذر أو سبيل .
وبعد أن تعرفنا على مواطن رحمته هل أدركنا حقاً عظم مكانته ومنـزلته وهل علمنا ما يجب علينا تجاهه من حبه أكثر من أنفسنا ولزوم اتباع هديه وتعظيمه وتبجيله ...
ولا يسعني ختاماً إلا أن أوصي القارئ الكريم بإدامة الصلاة عليه في كل وقت وحين .. وخصوصاً في كل صباحٍ ومساء عشراً لننال شفاعته .
 
 
وهذا التهامي يوصينا بالصلاة عليه فيقول :
يا رب صل على النبي الـمجتـبى مـا غـرد في الأيـك ساجعـة الرُبـــــا
 
يا رب صل على النبي وآلــــه مـا اهتـزت الأثلاث من نَفَس الصبـــــا
 
يا رب صل على النبي وآلــــه مــا لاح برقٌ في الأباطـح أو قبــ ـــا
 
يا رب صـل على النبـي وآلـــه مــا أمـت الزوار طيبـة يثربــــا
 
يا رب صـل على النبـي وآلـــه مـا قال ذو كـرم لضيف مرحبــــا
 
يا رب صـل على النبـي وآلـــه مـا كوكب في الجو قابل كوكبــــا
 
بـالله يـا متلذذيـن بذكــــره صلـوا عليـه فمـا أحـق وأوجبـــا
صـلوا على المختار فهـو شفيعكـم في يـوم يبعث كل طفـل أشيبــــا
صـلوا على من ظـلّلتـه غمـامـة والجذع حن له وأفـصـحت الصبـــا
صـلوا عليـه وسلمـوا وتـرحـموا وردوا به حـوض الكرامـة مشربـــا
صـلوا علـى من تدخـلون بجامعـه دار السلامـة تبلغون المـطـلبــــا
صلـى وسلم ذي الـجلال عليـه ما من نور طلعتــه يشـق الفيهبــــا
صـلى وسلم ذو الجـلال عليـك ما أزكـاك في الرسـل الكرام وأطيبـــا
ومن رحمته أنه كان ينهى عن التفرقة بين الوالدة وولدها والأخ وأخيه من الإماء والعبيد رحمة بهم .3
وقد وهب الرسول صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين لعلي رضي الله عنه ، فقال علي فبعت أحدهما فقال : ما فعل الغلامان قلت : بعت أحدهما قال : رده )4