الفرق بين المراجعتين لصفحة: «موافقات الشاطبي - الجزء الأول»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 64 كلمة مستهدفة حالياً.
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
سطر 86:
95 وإنما نزلت سورة الفتح بعد ما خالطهم الحزن والكآبة لشدة الإشكال عليهم والتباس الأمر ولكنهم سلموا وتركوا رأيهم حتى نزل القرآن فزال الإشكال والالتباس وصار مثل ذلك أصلا لمن بعدهم فالتزم التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبى حتى فقهوا ونالوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالما اشتهر في الناس الأخذ عنه إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك وقلما وجدت فرقة زائغة ولا أحد مخالف للسنة إلا وهو مفارق لهذا الوصف وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهرى وأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ ولا تأدب بآدابهم وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة وأشباههم والثالثة الاقتداء بمن أخذ عنه والتأدب بأدبه كما علمت من اقتداء الصحابة بالنبى واقتداء التابعين بالصحابة وهكذا في كل قرن وبهذا الوصف امتاز مالك عن أضرابه أعنى بشدة الإتصاف به وإلا فالجميع ممن يهتدى به في الدين كذلك كانوا ولكن مالكا اشتهر بالمبالغة في هذا المعنى فلما ترك هذا الوصف رفعت البدع رؤوسها لأن ترك الاقتداء دليل على أمر حدث عند التارك أصله اتباع الهوي ولهذا المعنى تقرير في كتاب الاجتهاد بحول الله تعالى
96 فصل وإذا ثبت أنه لا بد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقان أحدهما المشافهة وهى أنفع الطريقين وأسلمهما لوجهين الأول خاصية جعلها الله تعالى بين المعلم والمتعلم يشهدها كل من زاول العلم والعلماء فكم من مسألة يقرؤها المتعلم في كتاب ويحفظها ويرددها على قلبه فلا يفهمها فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة وحصل له العلم بها بالحضرة وهذا الفهم يحصل إما بأمر عادى من قرائن أحوال وإيضاح موضع إشكال لم يخطر للمتعلم ببال وقد يحصل بأمر غير معتاد ولكن بأمر يهبه الله لمتعلم عند مثوله بين يدى المعلم ظاهر الفقر بادى الحاجة إلى ما يلقى إليه وهذا ليس ينكر فقد نبه عليه الحديث الذى جاء أن الصحابة أنكروا أنفسهم عند ما مات رسول الله وحديث حنظلة الأسيدى حين شكا إلى رسول الله أنهم إذا كانوا عنده وفى مجلسه كانوا على حالة يرضونها فإذا فارقوا مجلسه زال ذلك عنهم فقال رسول الله لو أنكم تكونون كما تكونون عندى لأظلتكم الملائكة بأجنحتها اخرجه مسلم والترمذي صحيح وقد قال عمر بن الخطاب وافقت ربى في ثلاث وهى من فوائد مجالسة العلماء إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم مالا يفتح له دونهم ويبقى ذلك النور لهم بمقدار ما بقوا في متابعة معلمهم وتأدبهم معه واقتدائهم به فهذا الطريق نافع على كل تقدير وقد كان المتقدمون لا يكتب منهم إلا القليل وكانوا يكرهون ذلك وقد كرهه مالك فقيل له فما نصنع قال تحفظون وتفهمون حتى تستنير قلوبكم ثم لا تحتاجون إلى الكتابة وحكى عن عمر بن الخطاب كراهية الكتابة وإنما ترخص الناس في ذلك عندما حدث النسيان وخيف على الشريعة الاندراس
97 الطريق الثانى مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين وهو أيضا نافع في بابه بشرطين الأول أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ما يتم له به النظر في الكتب وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء أو مما هو راجع إليه وهو معنى قول من قال كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد والشرط الثاني أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين وأصل ذلك التجربة والخبر أما التجربة فهو أمر مشاهد في أي علم كان فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما ما بلغه المتقدم وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي أو نظري فأعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم ودينهم على خلاف أعمال المتأخرين وعلومهم في التحقيق أقعد فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين والتابعون ليسوا كتابعيهم وهكذا إلى الآن ومن طالع سيرهم وأقوالهم وحكاياتهم أبصر العجب في هذا المعنى وأما الخبر ففي الحديث خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم رواه الخمسة وفي هذا إشارة إلى أن كل قرن مع ما بعده كذلك وروى عن النبي أول دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك وجبرية ثم ملك عضوض رواه ابراهيمإبراهيم الحربي عن ابي ثعلبة ولم يذكر منزلته من الصحة ولا يكون هذا إلا مع قلة الخير وتكاثر الشر شيئا بعد شىء
98 ويندرج ما نحن فيه تحت الإطلاق وعن ابن مسعود أنه قال ليس عام إلا الذى بعده شر منه لا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام ولا أمير خير من أمير ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فيهدم الإسلام ويثلم ومعناه موجود في الصحيح في قوله ولكن ينتزعه مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون رواه البخاري وقال عليه السلام إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قيل من الغرباء قال النزاع من القبائل رواه مسلم وفى رواية قيل ومن الغرباء يا رسول الله قال الذين يصلحون عند فساد الناس رواه الطبراني وعن أبى إدريس الخولانى إن للإسلام عرى يتعلق الناس وإنها تمتلخ عروة عروة وعن بعضهم تذهب السنة سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة وتلا أبو هريرة قوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح الآية ثم قال والذى نفسى بيده ليخرجن من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا وعن عبد الله قال أتدرون كيف ينقص الإسلام قالوا نعم كما ينقص صبغ الثوب وكما ينقص سمن الدابة فقال عبد الله ذلك منه ولما نزل قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم بكى عمر فقال عليه والسلام ما يبكيك قال يا رسول الله إنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذا كمل فلم يكمل شىء قط إلا نقص فقال عليه السلام صدقت اخرجه ابن ابي شيبة والأخبار هنا كثيرة وهى تدل على نقص الدين والدنيا وأعظم ذلك العلم فهو إذا في نقص بلا شك
99 فلذلك صارت كتب المتقدمين وكلامهم وسيرهم أنفع لمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم على أي نوع كان وخصوصا علم الشريعة الذى هو العروة الوثقى والوزر الأحمى وبالله تعالى التوفيق المقدمة الثالثة عشرة كل أصل علمى يتخذ إماما في العمل فلا يخلوا إما أن يجرى به العمل على مجارى العادات في مثله بحيث لا ينخرم منه ركن ولا شرط أولا فإن جرى فذلك الأصل صحيح وإلا فلا وبيانه أن العلم المطلوب إنما يراد بالفرض لتقع الأعمال في الوجود على وفقه من غير تخلف كانت الأعمال قلبية أو لسانية أو من أعمال الجوارح فإذا جرت في المعتاد على وفقه من غير تخلف فهو حقيقة العلم بالنسبة إليه وإلا لم يكن بالنسبة إليه علما لتخلفه وذلك فاسد لأنه من باب انقلاب العلم جهلا ومثاله في علم الشريعة الذى نحن في تأصيل أصوله أنه قد تبين في أصول الدين امتناع التخلف في خبر الله تعالى وخبر رسوله وثبت في الأصول الفقهية امتناع التكليف بما لا يطاق وألحق به امتناع التكليف بما فيه حرج خارج عن المعتاد فإذا كل أصل شرعى تخلف عن جريانه على هذه المجارى فلم يطرد ولا استقام بحسبها في العادة فليس بأصل يعتمد عليه ولا قاعدة يستند إليها ويقع ذلك في فهم الأقوال ومجارى الأساليب والدخول في الأعمال فأما فهم الأقوال فمثل قوله تعالى ولن يجعل الله للكافرين على
سطر 116:
125 بيانه أنه إذا كانت الإباحة غير موجودة في الخارج على التعيين كان وضعها في الأحكام الشرعية عبثا لأن موضوع الحكم هو فعل المكلف وقد فرضناه واجبا فليس بمباح فيبطل قسم المباح أصلا وفرعا إذ لا فائدة شرعا في إثبات حكم لا يقضي على فعل من أفعال المكلف والثالث أنه لو كان كما قال لوجب مثل ذلك في جميع الأحكام الباقية لإستلزامها ترك الحرام فتخرج عن كونها أحكاما مختلفة وتصير واجبة فإن التزم ذلك باعتبار الجهتين حسبما نقل عنه فهو باطل لأنه يعتبر جهة الاستلزام فلذلك نفى المباح فليعتبر جهة الاستلزام في الأربعة الباقية فينفيها وهو خلاف الإجماع والمعقول فإن اعتبر في الحرام والمكروه جهة النهي وفي المندوب جهة الأمر كالواجب لزمه اعتبار جهة التخيير في المباح إذ لا فرق بينهما من جهة معقولهما فإن قال يخرج المباح عن كونه مباحا بما يؤدي إليه أو بما يتوسل به إليه فذلك غير مسلم وإن سلم فذلك من باب ما لا يتم الواجب إلا به والخلاف فيه معلوم فلا نسلم أنه واجب وإن سلم فكذلك الأحكام الأخر فيصير الحرام والمكروه والمندوب واجبات والواجب من جهة واحدة واجبا من جهتين وهذا كله لا يتحصل له مقصود معتبر في الشرع فالحاصل أن الشارع لا قصد له في فعل المباح دون تركه ولا في تركه دون فعله بل قصده جعله لخيرة المكلف فما كان من المكلف من فعل أو ترك فذلك قصد الشارع بالنسبة إليه فصار الفعل والترك بالنسبة إلى المكلف كخصال الكفارة أيهما فعل فهو قصد الشارع لا أن للشارع قصدا
126 في الفعل بخصوصه ولا في الترك بخصوصه لكن يرد على مجموع الطرفين إشكال زائد على ما تقدم في الطرف الواحد وهو أنه قد جاء في بعض المباحات ما يقتضي قصد الشارع إلى فعله على الخصوص وإلى تركه على الخصوص فأما الأول فأشياء منها الأمر بالتمتع بالطيبات كقوله تعالى يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا وقوله يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله وقوله يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إلى أشباه ذلك مما دل الامر به على قصد الإستعمال وأيضا فإن النعم المبسوطة في الأرض لتمتعات العباد التي ذكرت المنة بها وقررت عليهم فهم منها القصد إلى التنعم بها لكن بقيد الشكر عليها ومنها أنه تعالى أنكر على من حرم شيئا مما بث في الأرض من الطيبات وجعل ذلك من أنواع ضلالهم فقال تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا أي خلقت لأجلهم خالصة يوم القيامة لإتباعة فيها ولا إثم فهذا ظاهر في القصد إلى استعمالها دون تركها ومنها أن هذه النعم هدايا من الله للعبد وهل يليق بالعبد عدم قبول هدية السيد هذا غير لائق في محاسن العادات ولا في مجاري الشرع بل قصد المهدي أن تقبل هديته وهدية الله إلى العبد ما أنعم به عليه فليقبل ثم ليشكر له عليها وحديث ابن عمر وأبيه عمر في مسألة قصر الصلاة ظاهر في هذا المعنى حيث قال عليه
127 السلام إنها صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته رواه مسلم باسقاط لفظ انها زاد في حديث ابن عمر الموقوف عليه أرأيت لو تصدقت بصدقة فردت عليك ألم تغضب وفي الحديث إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه رواه احمد وغالب الرخص في نمط الإباحة نزولا عن الوجوب كالفطر في السفر أو التحريم كما قاله طائفة في قوله من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات إلى آخرها وإذا تعلقت المحبة بالمباح كان راجح الفعل فهذه جملة تدل على أن المباح قد يكون فعله أرجح من تركه وأما ما يقتضي القصد إلى الترك على الخصوص فجميع ما تقدم من ذم التنعمات والميل إلى الشهوات على الجملة وعلى والخصوص قد جاء ما يقتضي تعلق الكراهة في بعض ما ثبتت له الإباحة كالطلاق السنى فإنه جاء في الحديث وإن لم يصح أبغض الحلال إلى الله الطلاق رواه ابوأبو داود ولذلك لم يأت به صيغة أمر في القرآن ولا في السنة كما جاء في التمتع بالنعم وإنما جاء مثل قوله الطلاق مرتان فإن طلقها فلا تحل له من بعد يأيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ولا شك أن جهة البغض في المباح مرجوحة وجاء كل لهو
128 باطل إلا ثلاثة اخرجه ابن خزيمة وكثير من أنواع اللهو مباح واللعب أيضا مباح وقد ذم فهذا كله يدل على أن المباح لا ينافى قصد الشارع لأحد طرفيه على الخصوص دون الآخر وذلك مما يدل على أن المباح يتعلق به الطلب فعلا وتركا على غير الجهات المتقدمة والجواب من وجهين أحدهما إجمالي والآخر تفصيلي فالإجمالي أن يقال إذا ثبت أن المباح عند الشارع هو المتساوى الطرفين فكل ما ترجح أحد طرفيه فهو خارج عن كونه مباحا إما لأنه ليس بمباح حقيقة وإن أطلق عليه لفظ المباح وإما لأنه مباح في أصله ثم صار غير مباح لأمر خارج وقد يسلم أن المباح يصير غير مباح بالمقاصد والأمور الخارجة وأما التفصيلي فإن المباح ضربان أحدهما أن يكون خادما لأصل ضروري أو حاجي أو تكميلي والثاني أن لا يكون كذلك فالأول قد يراعى من جهة ما هو خادم له فيكون مطلوبا ومحبوبا فعله وذلك أن التمتع بما أحل الله من المأكل والمشرب ونحوها مباح في نفسه وإباحته بالجزء وهو خادم لأصل ضروري وهو إقامة الحياة فهو مأمور به من هذه الجهة ومعتبر ومحبوب من حيث هذا الكلي المطلوب فالأمر به
129 راجع إلى حقيقته الكلية لا إلى اعتباره الجزئي ومن هنا يصح كونه هدية يليق فيها القبول دون الرد لا من حيث هو جزئى معين والثاني إما أن يكون خادما لما ينقض أصلا من الأصول الثلاثة المعتبرة أولا يكون خادما لشىء كالطلاق فإنه ترك للحلال الذي هو خادم لكلى إقامة النسل في الوجود وهو ضروري ولإقامة مطلق الألفة والمعاشرة واشتباك العشائر بين الخلق وهو ضروري أو حاجي أو مكمل لأحدهما فإذا كان الطلاق بهذا النظر خرما لذلك المطلوب ونقضا عليه كان مبغضا ولم يكن فعله أولى من تركه إلا لمعارض أقوى كالشقاق وعدم إقامة حدود الله وهو من حيث كان جزئيا في هذا الشخص وفى هذا الزمان مباح وحلال وهكذا القول فيما جاء من ذم الدنيا وقد تقدم ولكن لما كان الحلال فيها قد يتناول فيخرم ما هو ضروري كالدين على الكافر والتقوى على العاصي كان من تلك الجهة مذموما وكذلك اللهو واللعب والفراغ من كل شغل إذا لم يكن في محظور ولا يلزم عنه محظور فهو مباح ولكنه مذموم ولم يرضه العلماء بل كانوا يكرهون أن لا يرى الرجل في إصلاح معاش ولا في إصلاح معاد لأنه قطع زمان فيما لا يترتب عليه فائدة دنيوية ولا أخروية وفى القرآن ولا تمش في الأرض مرحا إذ يشير إلى هذا المعنى وفي الحديث كل لهو باطل إلا ثلاثة ويعنى بكونه باطلا أنه عبث
سطر 125:
134 واجبا بالكل والجزء فإن العلماء إنما أطلقوا الواجب من حيث النظر الجزئي وإذا كان واجبا بالجزء فهو كذلك بالكل من باب أولى ولكن هل يختلف حكمه بحسب الكلية والجزئية أم لا أما بحسب الجواز فذلك ظاهر فإنه إذا كانت هذه الظهر المعينة فرضا على المكلف يأثم بتركها ويعد مرتكب كبيرة فينفذ عليه الوعيد بسببها إلا أن يعفو الله فالتارك لكل ظهر أو لكل صلاة أحرى بذلك وكذلك القاتل عمدا إذا فعل ذلك مرة مع من كثر ذلك منه وداوم عليه وما أشبه ذلك فإن المفسدة بالمداومة أعظم منها في غيرها وأما بحسب الوقوع فقد جاء ما يقتضى ذلك كقوله عليه السلام في تارك الجمعة من ترك الجمعة ثلاث مرات طبع الله على قلبه رواه ابن خزيمة في صحيحه وهو على شرط مسلم فقيد بالثلاث كما ترى وقال في الحديث الآخر من تركها استخفافا بحقها أو تهاونا على شرط مسلم كذلك مع أنه لو تركها مختار غيرمتهاون ولا مستخف لكان تاركا للفرض فإنما
135 قال ذلك لأن مرات أولى في التحريم وكذلك لو تركها قصدا للاستخفاف والتهاون وانبنى على ذلك في الفقه أن من تركها ثلاث مرات من غير عذر لم تجز شهادته قاله سحنون وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون إذ تركها مرارا لغير عذر لم تجز شهادته قاله سحنون وكذلك يقول الفقهاء فيمن ارتكب إثما ولم يكثر منه ذلك إنه لا يقدح في شهادته إذا لم يكن كبيرة فإن تمادى وأكثر منه كان قادحا في شهادته وصار في عداد من فعل كبيرة بناء على أن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة وأما إن قلنا إن الواجب ليس بمرادف للفرض فقد يطرد فيه ما تقدم فيقال إن الواجب إذ كان واجبا بالجزء كان فرضا بالكل لا مانع يمنع من ذلك فانظر فيه وفى أمثلته منزلا على مذهب الحنفية وعلى هذه الطريقة يستتب التعميم فيقال في الفرض إنه يختلف بحسب الكل والجزء كما تقدم بيانه أول الفصل وهكذا القول في الممنوعات أنها تختلف مراتبها بحسب الكل والجزء وإن عدت في الحكم في مرتبة واحدة وقتا ما أو في حالة ما فلا تكون كذلك في أحوال أخر بل يختلف الحكم فيها كالكذب من غير عذر وسائر الصغائر مع المداومة عليها فإن المداومة لها تأثير في كبرها وقد ينضاف الذنب إلى الذنب فيعظم بسبب الإضافة فليست
136 سرقة نصف النصاب كسرقة ربعه ولا سرقة النصاب كسرقة نصفه ولذلك عدوا سرقة لقمة والتطفيف بحبة من باب الصغائر مع أن السرقة معدودة من الكبائر وقد قال الغزالي قلما يتصور الهجوم على الكبيرة بغتة من غير سوابق ولواحق من جهة الصغائر قال ولو تصورت كبيرة وحدها بغتة ولم يتفق عوده إليها ربما كان العفو إليها أرجى من صغيرة واظب عليها عمره فصل هذا وجه من النظر مبنى على أن الأفعال كلها تختلف أحكامها بالكلية والجزئية من غير اتفاق ولمدع أن يدعى اتفاق أحكامها وإن اختلفت بالكلية والجزئية أما في المباح فمثل قتل كل مؤذ والعمل بالقراض والمساقاة وشراء العرية والإستراحة بعد التعب حيث لا يكون ذلك متوجه الطلب والتداوي إن قيل إنه مباح فإن هذه الأشياء إذا فعلت دائما أو تركت دائما لا يلزم من فعلها ولا من تركها إثم ولا كراهة ولا ندب ولا وجوب وكذلك لو ترك الناس كلهم ذلك اختيارا فهو كما لو فعلوه كلهم وأما في المندوب فكالتداوي إن قيل بالندب فيه لقوله عليه السلام تداووا اخرجه ابوأبو داود عن ابي الدرداء وكالإحسان في قتل الدواب المؤذية لقوله إذا قتلتم فأحسنوا القتلة رواه الخمسة الا البخاري فإن هذه
137 الأمور لو تركها الإنسان دائما لم يكن مكروها ولا ممنوعا وكذلك لو فعلها دائما وأما في المكروه فمثل قتل النمل إذا لم تؤذ والاستجمار بالحممة والعظم وغيرهما مما ينقى إلا أن فيه تلويثا أو حقا للجن فليس النهى عن ذلك نهى تحريم ولا ثبت أن فاعل ذلك دائما يحرج به ولا يؤثم وكذلك البول في الجحر واختناث الأسقية في الشرب وأمثال ذلك كثيرة وأما في الواجب والمحرم فظاهر أيضا التساوي فإن الحدود وضعت على التساوي فالشارب للخمر مائة مرة كشاربها مرة واحدة وقاذف الواحد كقاذف الجماعة وقاتل نفس واحدة كقاتل مائة نفس في إقامة الحدود عليهم وكذلك تارك صلاة واحدة مع المديم الترك وما أشبه ذلك وأيضا فقد نص الغزالى على أن الغيبة أو سماعها والتجسس وسوء الظن وترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأكل الشبهات وسب الولد والغلام وضربهما بحكم الغضب زائدا على حد المصلحة وإكرام السلاطين الظلمة والتكاسل عن تعليم الأهل والولد ما يحتاجون إليه من أمر الدين جار دوامها مجرى الفلتات في غيرها لأنها غالبة في الناس على الخصوص كما كانت الفلتات في غيرها غالبة فلا يقدح في العدالة دوامها كما لا تقدح فيها الفلتات فإذا ثبت هذا استقامت الدعوى في أن الأحكام قد تستوي وإن اختلفت الأفعال بحسب الكلية والجزئية ولصاحب النظر الأول أن يجيب بأن ما استشهد به على الاستواء محتمل
138 أما الأول فإن الكلي والجزئي يختلف بحسب الأشخاص والأحوال والمكلفين ودليل ذلك أنا إذا نظرنا إلى جواز الترك في قتل كل مؤذ بالنسبة إلى آحاد الناس خف الخطب فلو فرضنا تمالؤ الناس كلهم على الترك داخلهم الحرج من وجوه عدة والشرع طالب لدفع الحرج قطعا فصال الترك منهيا عنه نهي كراهة إن لم يكن أشد فيكون الفعل إذا مندوبا بالكل إن لم نقل واجبا وهكذا العمل بالقراض وما ذكر معه فلا استواء إذا بين الكلي والجزئي فيه وبحسبك في المسألة أن الناس لو تمالئوا على الترك لكان ذريعة إلى هدم معلم شرعى وناهيك به نعم قد يسبق ذلك النظر إذا تقارب ما بين الكلي والجزئي وأما إذا تباعد ما بينهما فالواقع ما تقدم ومثل هذا النظر جار في المندوب والمكروه وأما ما ذكره في الواجب والمحرم فغير وارد فإن اختلاف الأحكام في الحدود ظاهر وان اتفقت في بعض وما ذكره الغزالي فلا يسلم بناء على هذه القاعدة وإن سلم ففى العدالة وحدها لمعارض راجح وهو أنه لو قدح دوام ذلك فيها لندرت العدالة فتعذرت الشهادة فصل إذا تقرر تصوير الكلية والجزئية في الأحكام الخمسة فقد يطلب الدليل على صحتها والأمر فيها واضح مع تأمل ما تقدم في أثناء التقرير بل
سطر 143:
152 فصل المكروه إذا اعتبرته كذلك مع الممنوع كان كالمندوب مع الواجب وبعض الواجبات منه ما يكون مقصودا وهو أعظمها ومنه ما يكون وسيلة وخادما للمقصود كطهارة الحدث وستر العورة واستقبال القبلة والأذان للتعريف بالأوقات وإظهار شعائر الإسلام مع الصلاة فمن حيث كان وسيلة حكمه مع المقصود حكم المندوب مع الواجب يكون وجوبه بالجزء دون وجوبه بالكل وكذلك بعض الممنوعات منه ما يكون مقصودا ومنه ما يكون وسيلة له كالواجب حرفا بحرف فتأمل ذلك المسألة الثامنة ما حد له الشارع وقتا محدودا من الواجبات أو المندوبات فإيقاعه في وقته لا تقصير فيه شرعا ولا عتب ولا ذم وإنما العتب والذم في إخراجه عن وقته سواء علينا أكان وقته مضيقا أو موسعا لأمرين أحدهما أن حد الوقت إما أن يكون لمعنى قصده الشارع أو لغير معنى وباطل أن يكون لغير معنى فلم يبق إلا أن يكون لمعنى وذلك المعنى هو أن يوقع الفعل فيه فإذا وقع فيه فذلك مقصود الشارع من ذلك التوقيت وهو
153 يقتضى قطعا موافقه الأمر في ذلك الفعل الواقع فيه فلو كان فيه عتب أو ذم للزم أن يكون لمخالفة قصد الشارع في إيقاعه في ذلك الوقت الذى وقع فيه العتب بسببه وقد فرضناه موافقا هذا خلف والثاني أنه لو كان كذلك للزم أن يكون الجزء من الوقت الذى وقع فيه العتب ليس من الوقت المعين لأنا قد فرضنا الوقت المعين مخيرا في أجزائه إن كان موسعا والعتب مع التخيير متنافيان فلا بد أن يكون خارجا عنه وقد فرضناه جزءا من أجزائه هذا خلف محال وظهور هذا المعنى غير محتاج إلى دليل فإن قيل قد ثبت أصل طلب المسارعة إلى الخيرات والمسابقة إليها وهو أصل قطعى وذلك لا يختص ببعض الأوقات دون بعض ولا ببعض الأحوال دون بعض إذا كان السبق إلى الخيرات مطلوبا بلابد فالمقصر عنه معدود في المقصرين والمفرطين ولا شك أن من كان هكذا فالتعب لاحق به في تفريطه وتقصيره فكيف يقال لا عتب عليه ويدل على تحقيق هذا ما روى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه لما سمع قول النبى أول الوقت رضوان الله وآخره عفوا الله رواه الترمذي قال رضوان الله أحب الينا من عفوه فإن رضوانه للمحسنين وعفوه عن المقصرين وفى مذهب مالك ما يدل على هذا أيضا فقد قال في المسافرين يقدمون الرجل لسنه يصلي بهم فيسفر بصلاة الصبح قال يصلي الرجل وحده في أول الوقت أحب إلي من أن يصلي بعد الإسفار في جماعة فقدم كما ترى
154 حكم المسابقة ولم يعتبر الجماعة التى هي سنة يعد من تركها مقصرا فأولى أن يعد من ترك المسابقة مقصرا وجاء عنه أيضا فيمن أفطر في رمضان لسفر أو مرض ثم قدم أو صح في غير شعبان من شهور القضاء فلم يصمه حتى مات فعليه الإطعام وجعله مفرطا كمن صح أو قدم في شعبان فلم يصمه حتى دخل رمضان الثانى مع أن القضاء ليس على الفور عنده قال اللخمى جعله مترقبا ليس على الفور ولا على التراخي فإن قضى في شعبان مع القدرة عليه قبل شعبان فلا إطعام لأنه غير مفرط وإن مات قبل شعبان فمفرط وعليه الإطعام نحو قول الشافعية في الحج إنه على التراخى فإن مات قبل الأداء كان آثما فهذا أيضا رأي الشافعية مضاد لمقتضى الأصل المذكور فأنت ترى أوقاتا معينة شرعا إما بالنص وإما بالإجتهاد ثم صار من قصر عن المسابقة فيها ملوما معاتبا بل آثما في بعضها وذلك مضاد لما تقدم فالجواب أن أصل المسابقة إلى الخيرات لا ينكر غير أن ما عين له وقت معين من الزمان هل يقال إن إيقاعه في وقته المعين له مسابقة فيكون الأصل المذكور شاملا له أم يقال ليس شاملا له والأول هو الجارى على مقتضى الدليل فيكون قوله عليه السلام حين سئل عن أفضل الأعمال فقال الصلاة لأول وقتها ذكره ابوأبو داود والترمذي في الترغيب والترهيب يريد به وقت الاختيار مطلقا ويشير إليه أنه عليه السلام حين علم الأعرابي الأوقات صلى فى
155 أوائل الأوقات وأواخرها وحد ذلك حدا لا يتجاوز ولم ينبه فيه على تقصير وإنما نبه على التقصير والتفريط بالنسبة إلى ما بعد ذلك من أوقات الضرورات إذا صلى فيها من لا ضرورة له إذ قال تلك صلاة المنافقين عن الستة الا البخاري الحديث فبين أن وقت التفريط هو الوقت الذى تكون الشمس فيه بين قرني الشيطان فإنما ينبغى أن يخرج عن وصف المسابقة والمسارعة من خرج عن الإيقاع في ذلك الوقت المحدود وعند ذلك يسمى مفرطا ومقصرا وآثما أيضا عند بعض الناس وكذلك الواجبات الفورية وأما المقيدة بوقت العمر فإنها لما قيد آخرها بأمر مجهول كان ذلك علامة على طلب المبادرة والمسابقة في أول أزمنة الإمكان فإن العاقبة مغيبة فإذا عاش المكلف ما في مثله يؤدى ذلك المطلوب فلم يفعل مع سقوط الأعذار عد ولابد مفرطا وأثمه الشافعي لأن المبادرة هي المطلوب لا أنه على التحقيق مخير بين أول الوقت وآخره فإن آخره غير معلوم وإنما المعلوم منه ما في اليد الآن فليست هذه المسألة من أصلنا المذكور فلا تعود عليه بنقض وأيضا فلا ينكر استحباب المسابقة بالنسبة إلى الوقت المعين لكن بحيث لا يعد المؤخر عن أول الوقت الموسع مقصرا وإلا لم يكن الوقت على حكم التوسعة وهذا كما في الواجب المخير في خصال الكفارة فإن للمكلف الإختيار في الأشياء المخير فيها وإن كان الأجر فيها يتفاوت فيكون بعضها أكثر أجرا من بعض كما يقول بذلك في الإطعام في كفارة رمضان مع وجود التخيير في الحديث وقول مالك به وكذلك العتق في كفارة الظهار أو القتل أو غيرهما هو مخير في أي الرقاب شاء مع أن الأفضل أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ولا يخرج بذلك التخيير عن بابه ولا يعد مختار غير الأعلى
156 مقصرا ولا مفرطا وكذلك مختار الكسوة أو الإطعام في كفارة اليمين وما أشبه ذلك من المطلقات التى ليس للشارع قصد في تعيين بعض أفرادها مع حصول الفضل في الأعلى منها وكما أن الحج ماشيا أفضل ولا يعد الحاج راكبا مفرطا ولامقصرا وكثرة الخطا إلى المساجد أفضل من قلتها ولا يعد من كان جار المسجد بقلة خطاه له مقصرا بل المقصر هو الذى قصر عما حد له وخرج عن مقتضى الأمر المتوجه إليه وليس في مسألتنا ذلك وأما حديث أبى بكر رضي الله عنه فلم يصح وإن فرضنا صحته فهو معارض بالأصل القطعي وإن سلم فمحمول على التأخير عن جميع الوقت المختار وإن سلم فأطلق لفظ التقصير على ترك الأولى من المسارعة إلى تضعيف الأجور لا أن المؤخر مخالف لمقتضى الأمر وأما المسائل مالك فلعل استحبابه لتقديم الصلاة وترك الجماعة مراعاة للقول بأن للصبح وقت ضرورة وكان الإمام قد أخر إليه وما ذكر في إطعام التفريط في قضاء رمضان بناء على القول بالفور في القضاء فلا يتعين فيها ما ذكر في السؤال فلا اعتراض بذلك وبالله التوفيق المسألة التاسعة الحقوق الواجبة على المكلف على ضربين كانت من حقوق الله كالصلاة والصيام والحج أو من حقوق الآدميين كالديون والنفقات والنصيحة وإصلاح ذات البين وما أشبه ذلك أحدهما حقوق محدودة شرعا والآخر حقوق غير محدودة فأما المحدودة المقدرة فلازمة لذمة المكلف مترتبهة عليه دينا حتى يخرج عنها كأثمان المشتريات وقيم المتلفات ومقادير الزكوات وفرائض الصلوات وما أشبه ذلك فلا إشكال في أن مثل هذا مترتب في ذمته دينا