الفرق بين المراجعتين لصفحة: «موافقات الشاطبي - الجزء الرابع»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 37 كلمة مستهدفة حالياً.
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
سطر 99:
99 ثبت عمومه في التحقيق الأول العام ويقيد به ما ثبت إطلاقه في الأول أو يضم قيدا أو قيودا لما ثبت له في الأول بعض القيود هذا معنى تحقيق المناط هنا وبقي الدليل على صحة هذا الاجتهاد فإن ما سواه قد تكفل الأصوليون ببيان الدلالة عليه وهو داخل تحت عموم تحقيق المناط فيكون مندرجا تحت مطلق الدلالة عليه ولكن إن تشوف أحد إلى خصوص الدلالة عليه فالأدلة عليه كثيرة نذكر منها ما تيسر بحول الله فمن ذلك أن النبي سئل في أوقات مختلفة عن أفضل الأعمال وخير الأعمال وعرف بذلك في بعض الأوقات من غير سؤال فأجاب بأجوبة مختلفة كل واحد منها لو حمل على إطلاقه أو عمومه لاقتضى مع غيره التضاد في التفصيل ففي الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام سئل أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله قال ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قال ثم ماذا قال حج مبرور وسئل عليه الصلاة والسلام أي الأعمال أفضل قال الصلاة لوقتها قال ثم أي قال بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله وفي النسائي عن أبي إمامة قال أتيت النبي فقلت مرني بأمر آخذه عنك قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له وفي الترمذي أي الأعمال أفضل درجة عند الله يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات وفي الصحيح في قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ
100 قال ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به الحديث وفي النسائي ليس شيء أكرم على الله من الدعاء وفي البزار أي العبادة أفضل قال دعاء المرء لنفسه وفي الترمذي ما من شيء أفضل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وفي البزار يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما وفي مسلم أي المسلمين خير قال من سلم المسلمون من لسانه ويده وفيه سئل أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وفي الصحيح وما أعطى أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر وفي الترمذي خيركم من تعلم القرآن وعلمه وفيه أفضل العبادة انتظار الفرج إلى أشياء من هذا النمط جميعها يدل على أن التفضيل ليس بمطلق ويشعر إشعارا ظاهرا بأن القصد إنما هو بالنسبة إلى الوقت أو إلى حال السائل وقد دعا عليه السلام لأنس بكثرة المال فبورك له فيه وقال لثعلبة بن حاطب حين سأله الدعاء له بكثرة المال قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه وقال لأبي ذر يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك
101 ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم ومعلوم أن كلا العملين من أفضل الأعمال لمن قام فيه بحق الله وقد قال في الإمارة والحكم إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الحديث وقال أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ثم نهاه عنهما لما علم له خصوصا في ذلك من الصلاح وفي أحكام اسماعيلإسماعيل بن اسحاق عن ابن سيرين قال كان أبو بكر يخافت وكان عمر يجهر يعني في الصلاة فقيل لأبي بكر كيف تفعل قال أناجي ربي وأتضرع إليه وقيل لعمر كيف تفعل قال أوقظ الوسنان وأخسأ الشيطان وأرضي الرحمن فقيل لأبي بكر ارفع شيئا وقيل لعمر اخفض شيئا وفسر بأنه عليه الصلاة والسلام قصد إخراج كل واحد منهما عن اختياره وإن كان قصده صحيحا وفي الصحيح أن ناسا جاؤا إلى النبي فقالوا إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال وقد وجدتموه قالوا نعم قال ذلك صريح الإيمان وفي حديث آخر من وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله وعن ابن عباس في مثله قال إذا وجدت شيئا من ذلك
102 فقل هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام بأجوبة مختلفة وأجاب ابن عباس بأمر آخر والعارض من نوع واحد وفي الصحيح إني أعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار وآثر عليه الصلاة والسلام في بعض الغنائم قوما ووكل قوما إلى إيمانهم لعلمه بالفريقين وقبل عليه الصلاة والسلام من أبي بكر ماله كله وندب غيره إلى استبقاء بعضه وقال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك وجاء آخر بمثل البيضة من الذهب فردها في وجهه وقال علي حدثوا الناس بما يفهمون أتريدون أن يكذب الله ورسوله فجعل إلقاء العلم مقيدا فرب مسألة تصلح لقوم دون لقوم وقد قالوا في الرباني إنه الذي يعلم بصغار العلم قبل كباره فهذا الترتيب من ذلك وروى عن الحرث ابن يعقوب قال الفقيه كل الفقيه من فقه في القرآن وعرف مكيدة الشيطان
103 فقوله وعرف مكيدة الشيطان هو النكتة في المسألة وعن أبي رجاء العطاردي قال قلت لزبير بن العوام مالي أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة قال نبادر الوسواس هذا مع أن التطويل مستحب ولكن جاء ما يعارضه ومثله حديث أفتان أنت يا معاذ ولو تتبع هذا النوع لكثر جدا ومنه ما جاء عن الصحابة والتابعين وعن الأئمة المتقدمين وهو كثير وتحقيق المناط في الأنواع واتفاق الناس عليه في الجملة مما يشهد له كما تقدم وقد فرع العلماء عليه كما قالوا في قوله تعالى إنما جزاء الذي يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا الآية إن الآية تقتضي مطلق التخيير ثم رأوا أنه مقيد بالاجتهاد فالقتل في موضع والصلب في موضع والقطع في موضع والنفي في موضع وكذلك التخيير في الأسارى من الفن والفداء وكذلك جاء في الشريعة الأمر بالنكاح وعدوه من السنن ولكن قسموه إلى الأحكام الخمسة ونظروا في ذلك في حق كل مكلف وإن كان نظرا نوعيا فإنه لا يتم إلا بالنظر الشخصي فالجميع في معنى واحد والاستدلال على الجميع واحد ولكن قد يستبعد ببادىء الرأي وبالنظر الأول حتى يتبين مغزاة ومورده من الشريعة وما تقدم وأمثاله كاف مفيد للقطع بصحة هذا الاجتهاد وإنما وقع التنبيه عليه لأن العلماء قلما نبهوا عليه على الخصوص وبالله التوفيق فإن قيل كيف تصح دعوى التفرقة بين هذا الاجتهاد المستدل عليه
سطر 127:
127 الإرادة وقد قال تعالى هدى للمتقين وقال يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا ومر بيانه في كتاب الأوامر فمسألة المتشابهات من الثاني لا من الأول وإذا كان كذلك لم يدل على وضع الاختلاف شرعا بل وضعها للابتلاء فيعمل الراسخون على وفق ما أخبر الله عنهم ويقع الزائغون في إتباع أهواءهم ومعلوم أن الراسخين هم المصيبون وإنما أخبر عنهم أنهم على مذهب واحد في الإيمان بالمتشابهات علموها أو لم يعلموها وأن الزائغين هم المخطئون فليس في المسألة إلا أمر واحد لا أمران ولا ثلاثة فإذا لم يكن إنزال المتشابه علما للاختلاف ولا أصلا فيه وأيضا لو كان كذلك لم ينقسم المختلفون فيه إلى مصيب ومخطئ بل كان يكون الجميع مصيبين لأنهم لم يخرجوا عن قصد الواضع للشريعة لأنه قد تقدم أن الإصابة إنما هى بموافقة قصد الشارع وأن
128 الخطأ بمخالفته فلما كانوا منقسمين إلى مصيب ومخطئ دل على أن الموضع ليس بموضع اختلاف شرعا وأما مواضع الاجتهاد فهي راجعة إلى نمط التشابه لأنها دائرة بين طرفي نفي وإثبات شرعيين فقد يخفى هنالك وجه الصواب من وجه الخطأ وعلى كل تقدير إن قيل بأن المصيب واحدا فقد شهد أرباب هذا القول بأن الموضع ليس مجال الاختلاف ولا هو حجة من حجج الاختلاف بل هو مجال استفراغ الوسع وإبلاغ الجهد في طلب مقصد الشارع المتحد فهذه الطائفة على وفق الأدلة المقررة أولا وإن قيل إن الكل مصيبون فليس على الإطلاق بل بالنسبة إلى كل مجتهد أو من قلده لاتفاقهم على أن كل مجتهد لا يجوز له الرجوع عما أداه إليه اجتهاده ولا الفتوى إلا به لأن الإصابة عندهم إضافية لا حقيقية فلو كان الاختلاف سائغا على الإطلاق لكان فيه حجة وليس كذلك فالحاصل أنه لا يسوغ على هذا الرأي إلا قول واحد غير أنه إضافي فلم يثبت به اختلاف مقرر على حال وإنما الجميع محومون على قول واحد هو قصد الشارع عند المجتهد لا قولان مقرران فلم يظهر إذا من قصد الشارع وضع أصل للاختلاف بل وضع موضع للاجتهاد في التحويم على إصابة قصد الشارع الذي هو واحد ومن هناك لا تجد مجتهدا يثبت لنفسه قولين معا أصلا وإنما يثبت قولا واحدا وينفي ما عداه
129 وقد مر جواب مسألة التصويب والتخطئة وأما تجويز أن يأتي دليلان متعارضان فإن أراد الذاهبون إلى ذلك التعارض في الظاهر وفي أنظار المجتهدين لا في نفس الأمر فالأمر على ما قالوه جائز ولكن لا يقضى ذلك بجواز التعارض في أدلة الشريعة وإن أرادوا تجويز ذلك في نفس الأمر فهذا لا ينتحله من يفهم الشريعة لورود ما تقدم من الأدلة عليه ولا أظن أن أحدا منهم يقوله وأما مسألة قول الصحابي فلا دليل فيه لأمرين أحدهما أن ذلك من قبيل الظنيات إن سلم صحة الحديث على أنه مطعون في سنده ومسألتنا قطعية ولا يعارض الظن القطع والثاني على تسليم ذلك فالمراد أنه حجة على انفراد كل واحد منهم أي أن من استند إلى قول أحدهم فمصيب من حيث قلد أحد المجتهدين لا أن كل واحد منهم حجة في نفس الأمر بالنسبة إلى كل واحد فإن هذا مناقض لما تقدم وأما قول من قال إن اختلافهم رحمة وسعة فقد روى ابن وهب عن مالك أنه قال ليس في اختلاف أصحاب رسول الله سعة وإنما الحق في واحد قيل له فمن يقول إن كل مجتهد مصيب فقال هذا لا يكون قولان مختلفين صوابين ولو سلم فيحتمل أن يكون من جهة فتح باب الاجتهاد وأن مسائل الاجتهاد قد جعل الله فيها سعة بتوسعة مجال الاجتهاد لا غير ذلك قال القاضي اسماعيلإسماعيل إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله
130 توسعة في اجتهاد الرأي فأما أن يكون توسعة أن يقول الإنسان بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا قال ابن عبد البر كلام إسماعيل هذا حسن جدا وأيضا فإن قول من قال إن اختلافهم رحمة يوافق ما تقدم وذلك لأنه قد ثبت أن الشريعة لا اختلاف فيها وإنما جاءت حاكمة بين المختلفين فيها وفي غيرها من متعلقات الدين فكان ذلك عندهم عاما في الأصول والفروع حسبما اقتضته الظواهر المتضافرة والأدلة القاطعة فما جاءتهم مواضع الاشتباه وكلوا ما لم يتعلق به عمل إلى عالمه على مقتضى قوله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ولم يكن لهم بد من النظر في متعلقات الأعمال لأن الشريعة قد كملت فلا يمكن خلو الوقائع عن أحكام الشريعة فتحروا أقرب الوجوه عندهم إلى أنه المقصود الشرعي والفطر والأنظار تختلف فوقع الاختلاف من هنا لا من جهة أنه من مقصود الشارع فلو فرض أن الصحابة لم ينظروا في هذه المشتبهات الفرعية ولم يتكلموا فيها وهم القدوة في فهم الشريعة والجري على مقاصدها لم يكن لمن بعدهم أن يفتح ذلك الباب للأدلة الدالة على ذم الاختلاف وأن الشريعة لا اختلاف فيها ومواضع الاشتباه مظان الاختلاف في إصابة الحق فيها فكان المجال يضيق على من بعد الصحابة فلما اجتهدوا ونشأ من اجتهادهم في تحري الصواب الاختلاف سهل على من بعدهم سلوك الطريق فلذلك والله أعلم قال عمر بن عبد العزيز ما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم وقال ما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا وأما اختلاف العلماء بالنسبة إلى المقلدين فكذلك أيضا لا فرق بين مصادفة المجتهد الدليل ومصادفة العامي المفتي فتعارض الفتويين عليه كتعارض الدليلين على المجتهد فكما أن المجتهد لا يجوز في حقه اتباع الدليلين معا ولا اتباع أحدهما
131 من غير اجتهاد ولا ترجيح كذلك لا يجوز للعامي اتباع المفتيين معا ولا أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح وقول من قال إذا تعارضا عليه تخير غير صحيح من وجهين أحدهما أن هذا قول بجواز تعارض الدليلين في نفس الأمر وقد مر فيه آنفا والثاني ما تقدم من الأصل الشرعي وهو أن فائدة وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه وتخييره بين القولين نقض لذلك الأصل وهو غير جائز فإن الشريعة قد ثبت أنها تشتمل على مصلحة جزئية في كل مسألة وعلى مصلحة كلية في الجملة أما الجزئية فما يعرب عنها دليل كل حكم وحكمته وأما الكلية فهي أن يكون المكلف داخلا تحت قانون معين من تكاليف الشرع في جميع تصرفاته اعتقادا وقولا وعملا فلا يكون متبعا لهواه كالبهيمة المسيبة حتى يرتاض بلجام الشرع ومتى خيرنا المقلدين في مذاهب الأئمة لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات في الاختيار وهذا مناقض لمقصد وضع الشريعة فلا يصح القول بالتخيير عل حال وانظر في الكتاب المستظهر للغزالي فثبت أنه لا اختلاف في أصل الشريعة ولا هى موضوعة على وجود الخلاف فيها أصلا يرجع إلية مقصودا من الشارع بل ذلك الخلاف راجع إلى أنظار المكلفين وإلى ما يتعلق بهم من الابتلاء وصح أن نفى الاختلاف في الشريعة وذمه على الإطلاق والعموم في أصولها وفروعها إذ لو صح فيها وضع فرع واحد على قصد الاختلاف لصح فيها وجود الاختلاف على الإطلاق لأنه إذا صح اختلاف ما صح كل الاختلاف وذلك معلوم البطلان فما أدى إليه مثله