الفرق بين المراجعتين لصفحة: «رسالة التوابع والزوابع»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
←‏نقاد الجن: تنسيق جزئي
ط تنسيق
سطر 2:
لله أبا بكر ظنٌّ رميته فأصميتَ، وحَدسٌ أملته فما أشويت أبدَيتَ بهما وجه الجليّة، وكشفت إن غُرَّةِ الحقيقة، حين لمحت صاحبك الذي تكسّبته ورأيته قد أخذ بأطراف السّماء، فألف بين قمريها، ونظم فرقديها، فكلما رأى ثغراً سدَّه بسُهاها، أو لمَح خرقاً رمَّه بزُباناها، إلى غير ذلك. فقلت: كيف أوني الحُكم صبياً، وهز بجدعِ نخلة الكلام فاساقط عليه رُطباً؛ أما إن به شيطاناً يهديه، وشيصباناَ يأتيه وأقسم أنَّ له تابعة تُنجدُه، وزابعة تؤيدّه، ليس هذا في قدرة الإنس، ولا هذا النفس لهذه النفس. فأما وقد قُلتها، أبا بكرٍ، فأصِخ أسمعك العجب العُجاب: كنت أيّام كُتاب الهجاء، أحِنُّ إلى الأدباء، وأصبُو إلى تأليف الكلام؛ فاتبعتُ الدَّواوين، وجلستُ إلى الأساتيذ، فنبض لي عِرقُ الفهم، ودرَّ لي شريانٌ العلم، بموادَّ روحانية، وقليلُ الالتماح من النظر يزيدني، ويَسييرُ المطالعةِ من الكتب يُفيدُني، إذ صادف شنٌّ العلم طبقة. ولم أكُن كالثلجِ تقتبس منه ناراً، ولا كالحمار يحملُ أسفاراً. فطعنت ثُغرة البيان دراكاً، وأعلقتُ رجل طيره أشراكاً، فانثالث لي العجائب، وانهالت عليَّ الرغائب. وكان لي أوائِل صبوتي هوى اشتدَّ به كلفي، ثم لحقني بعد مَلَلٌ في أثناء ذلك المَيل. فاتفق أن مات من كنتُ أهواه مدَّة ذلك المَلَل، فجَزِعتُ وأخذتُ في رثائه يوماً في الحائرِ، وقد أُبهمت علي أبوابُه، وانفردتُ فقلت:
 
{{قصيدة|تولى الحِمامُ بظبيِ الخُدُورِ،.......|وفازَ الرَّدى بالغزالِ الغريرِ}}
 
إلى أن انتهيتُ إلى الاعتذارِ من المَلَل الذي كان، فقلت:
 
{{قصيدة|وكنتُ مَلِتُكَ لا عن قِلىً،|ولا عن فسادٍ جرى في ضميري}}
وكـــــــنـــــــتُ مَـــــــلِــــــــــــــتُـــــــــــــــكَ لا عـــــــــــــــن قِـــــــــــــــلـــــــــــــــىً،.......ولا عـــــــن فــــــــســـــــــــــــادٍ جـــــــــــــــرى فـــــــــــــــي ضـــــــــــــــمـــــــــــــــيري
 
فأُرتجَ عليَّ القولُ وأُفحمتُ،فإذا أنا بفارسٍ ببابِ المجلِس على فرسٍ أدهم كما بَقَل وجهُه، قد اتكأ على رُمحه، وصاح بي: أعجزاً يا فتى الإنس؟ قلتُ: لا وأبيك، للكلامِ أحيان، وهذا شأنُ الإنسان! قال لي: قُل بعده:
 
{{قصيدة|كمِثلِ مَلالِ الفتى للنعيم،.......|إذا دامَ فـــــــــــــــيه،فيه، وحــــــــــــــــالِوحالِ الـــــــــــــــــــــــــــــــسُّـــــــــــــــــــــــــــــــرورِالسُّرورِ}}
 
فأثبتُّ إجازته، وقلت له: بأبي أنت! من أنت؟ قال: أنا زُهيرُ ابن نُمير من أشجعِ الجنِ. فقلتُ: وما الذي حداكَ إلى التصوُّرِ لي؟ فقال: هوى فيك، ورغبةٌ في اصطفائك. قلت: أهلاً بك أيها الوجهُ الوضاح، صادفن قلباً إليك مقلوباً، وهوى نحوك مجنوباً. وتحادثنا حيناً ثم قال: متى شِئتَ استِحضاري فأنشد هذه الأبيات:
 
{{قصيدة|والي زُهيرَ الحُبَّ، يا عز، إنـه.......إنه|إذا ذكرته الذَّاكـراتُالذَّاكراتُ أتـاهـاأتاها}}
{{قصيدة|إذا جرتِ الأفواهُ يوماً يذكرهـا.......يذكرها|يُخيَّلُ لي أني أقـبَّـلُأقبَّلُ فـاهـافاها}}
 
{{قصيدة|فأغشى ديار الذَّاكرين، وإن نأتُ.......|أجارعُ مِنْ داري، هوى لهواها}}
إذا جرتِ الأفواهُ يوماً يذكرهـا.......يُخيَّلُ لي أني أقـبَّـلُ فـاهـا
 
فأغشى ديار الذَّاكرين، وإن نأتُ.......أجارعُ مِنْ داري، هوى لهواها
 
وأوثب الأدهم جدار الحائط ثم غاب عني. وكنتُ، أبا بكرٍ، متى أُرتِجَ عليَّ، أو انقطع بي مسلك، أو خانني أُسلوبٌ أنشدُ الأبيات فيمثَّل لي صاحبي، فأسيرُ إلى ما أرغب، وأدركُ بقريحتي ما أطلُب. وتأكدت صًحبتنا، وجرت قصص لولا أن يطول الكتابُ لذكرتُ أكثرها، لكني ذاكرٌ بعضها.
السطر 35 ⟵ 33:
حتى انتهيتُ فيها إلى قول:
 
ومِـــن{{قصيدة|ومِن قُـــبّةٍقُبّةٍ لا يُدركُ الـــطَّـــرفُالطَّرفُ رأســـهــــا.......رأسها|تَزِلُّ بـهـــابها ريحُ الـــصَّـــبـــاالصَّبا فـــتـــحـــدَّرُفتحدَّرُ}}
 
تكلّفتُها والليلُ قد جاش بحرهُ، وقد جعلـت أمـواجـهُ تـتـكـسـرُ