الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مقدمة ابن خلدون - الجزء السادس»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط تصنيف using AWB
لا ملخص تعديل
سطر 1:
{{ترويسة
|عنوان = مقدمة ابن خلدون
|مؤلف = ابن خلدون
|باب =
|سابق =
|تالي =
|ملاحظات = {{مطبوعة|:تصنيف:مقدمة ابن خلدون:مطبوع}}
}}
كيفية العمل في استخراج أجوبة المسائل من زايرجة العالم بحول الله منقولا عمن لقيناه من القائمين عليها
السؤال له ثلثمائة و ستون جوابا عدة الدرج، و تختلف الأجوبة عن سؤال واحد في طالع مخصوص باختلاف الأسئلة المضافة إلى حروف الأوتار. و تناسب العمل من استخراج الأحرف من بيت القصيد.
السطر 462 ⟵ 470:
صرف ابن بقي موشحته و تبعه الباقون. و ذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع ابن زهر يقول: ما حسدت قط وشاحا على قول إلا ابن بقي حين وقع له:
أما ترى أحمد. في مجده العالي لا يلحق أطلعه الغرب. فأرنا مثله يا مشرق
و كان في عصرهما من الموشح
و كان في عصرهما من الموشحين المطبوعين أبو بكر الأبيض. و كان في عصرهما أيضا الحكيم أبو بكر بن باجة صاحب التلاحين المعروفة و من الحكايات المشهورة أنه حضر مجلس مخدومه ابن تيفلويت صاحب سرقسطة فألقى على بعض قيناته موشحته التي أولها:
جرر الذيل أيما جر وصل الشكر منك بالشكر
فطرب الممدوح لذلك لما ختمها بقوله:
عقد الله راية النصر لأمير العلا أبي بكر
فلما طرق ذلك التلحين سمع ابن تيفلويت صاح: و اطرباه: و شق ثيابه و قال: ما أحسن ما بدأت و ختمت و حلف بالأيمان المغلظة لا يمشي ابن باجة إلى داره إلا على الذهب. فخاف الحكيم سوء العاقبة فاحتال بأن جعل ذهبا في نعله و مشى عليه. و ذكر أبو الخطاب بن زهر أنه جرى في مجلس أبي بكر ابن زهير ذكر أبي بكر الأبيض الوشاح المتقدم الذكر فغص منه نعض الحاضرين فقال كيف تغص ممن يقول:
ما لذي شراب راح على رياض الأقاح لولا هضيم الوشاح إذا أسا في الصباح
أو في الأصيل أضحى يقول: ما للشمول لطمت خدي ؟
و للشمال هبت فمال غصن اعتدال ضمه بردي
مما أباد القلوبا يمشي لنا مستريبا يا لحظة رد نوبا و يا لماه الشنيبا
برد غليل صب عليل لا يستحيل فيه عن عهدي
و لا يزال في كل حال يرجو الوصال و هو في الصد
و اشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين محمد بن أبى الفضل بن شرف. قال الحسن بن دويدة: رأيت حاتم بن سعيد على هذا الافتتاح:
شمس قاربت بدرا راح و نديم
و ابن بهرودس الذي له:
يا ليلة الوصل و السعود بالله عودي
و ا بن مؤهل الذي له:
ما العيد في حلة و طاق. و شم و طيب. و إنما العيد في التلاقي. مع الحبيب.
و أبو إسحاق الرويني قال ابن سعيد: سمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول: إنه دخل على ابن زهير و قد أسن و عليه زي البادية إذ كان يسكن بحصن سبتة فلم يعرفة فجلس حيث انتهى به المجلس. و جرت المحاضرة فانشد لنفسه موشحة وقع فيها:
كحل الدجى يجري من مقلة الفجر على الصباح
و معصم النهر في حلل خضر من البطاح
فتحرك ابن زهير و قال أنت تقول هذا ؟ قال: اختبر ! قال: و من تكون فعرفة، فقال ارتفع فوالله ما عرفتك، قال ابن سعيد و سابق الحلبة الذي أدرك هؤلاء أبو بكر بن زهير و قد شرقت موشحاته و غربت، قال: و سمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول قيل لابن زهير لو قيل لك ما أبدع و أرفع ما وقع لك في التوشيح قال كنت أقول:
ما للموله من سكره لا يفيق. يا له سكران. من غير خمر. ما للكئيب المشوق. يندب الأوطان.
هل تستعاد. أيامنا بالخليج. و ليالينا
أو نستفاد. من النسيم الأريج. مسك دارينا
أو هل يكاد. حسن المكان البهيج. أن يحيينا ؟
روض أظله. دوح عليه أنيق. مورق الأفنان. و الماء يجري. و عائم و غريق. من جنى الريحان
و اشتهر بعده ابن حيون الذي له من الزجل المشهور قوله:
يفوق سهمه كل حين بما شئت من يد و عين
و ينشد في القصيد:
خلقت مليح علمت رامي فليس تخل ساع من قتال
و تعمل بذي العينين متاعي ما تعمل يدي بالنبال
و اشتهر معهما يومئذ بغرناطة المهر بن الفرس، قال ابن سعيد، و لما سمع ابن زهر قوله:
لله ما كان من يوم بهيج بنهر حمص على تلك المروج
ثم انعطفنا على فم الخليج نفض في حانه مسك الختام
عن عسجد زانه صافي المدام و رداء الأصيل ضمه كف الظلام
قال ابن زهر: أين كنا نحن عن هذا الرداء و كان معه في بلده مطرف. أخبر ابن سعيد عن والده أن مطرفا هذا دخل على ابن الفرس فقام له و أكرمه، فقال: لا تفغل ! فقال ابن الفرس: كيف لا أقوم لمن يقول:
قلوب تصاب بألحاظ تصيب فقل كيف تبقى بلا وجد
و بعد هذا ابن خزمون بمرسية. ذكر ابن الرائس أن يحيى الخزرجي دخل عليه في مجلسه فأنشده موشحة لنفسه فقال له ابن حزمون: لا يكون الموشح بموشح حتى يكون عاريا غن التكلف، قال على مثل ماذا ؟ قال على مثل قولي:
يا هاجري هل إلى الوصال منك سبيل
أو هل ترى عن هواك سالي قلب العليل
و أبو الحسن سهل بن مالك بغرناطة. قال ابن سعيد كان والدي يعجب بقوله:
إن سيل الصباح في الشرق عاد بحرا في أجمع الأفق
فتداعت نوادب الورق
أتراها خافت من الغرق فبكت سحرة على الورق
و اشتهر بأشبيلية لذلك العهد أبو الحسن بن الفضل، قال ابن سعيد عن والده، سمعت سهل ابن مالك يقول: له يا ابن الفضل لك على الوشاحين الفضل بقولك:
واحسرتا لزمان مضى عشية بأن الهوى و انقضى
و أفردت بالرغم لا بالرضى و بت على جمرات الغضى
أعانق بالفكر تلك الطلول و ألثم بالوهم تلك الرسوم
قال و سمعت أبا بكر بن الصابوني ينشد الأستاذ أبا الحسن الدباج موشحاته غير ما مرة، فما شنمعتة يقول له لله درك، إلا في قوله:
قسما بالهوى لذي حجر ما لليل المشوق من فجر
جمد الصبح ليس يطرد ما لليلي فيما أظن غد إصح ياليل إنك الأبد
أو قفصت قوادم النسر فنجوم السماء لا تسري
و من محاسن موشحات ابن الصابوني قوله:
ما حال صب ذي ضنى و اكتئاب أمرضة يا ويلتاه الطبيب
عامله محبوبه باجتناب ثم اقتدى فيه الكرى بالحبيب
جفا جفوني النوم لكنني لم أبكه ألا لفقد الخيال
و ذا الوصال اليوم قد غرني منه كما شاء و شاء الوصال
فلست باللائم من صدني بصورة الحق و لا بالمحال
و اشتهر ببر أهل العدوة ابن خلف الجزائري صاحب الموشحة المشهورة:
يد الاصباح قدحت زناد الأنوار في مجامز الزهر
و ابن خرز البجائي و له من موشحة:
ثغر الزمان موافق حباك منه بابتسام
و من محاسن الموشحات للمتأخرين موشحة ابن سهل شاعر أشبيلية و سبتة من بعدها فمنها قوله:
هل درى ظبي الحمى أن قد حمى قلب صب حله عن مكنس
فهو في نار و خفق مثل ما لعبت ريح الصبا بالقبس
و قد نسج على منواله فيها صاحبنا الوزير أبو عبد الله ابن الخطيب شاعر الأندلس و المغرب لعصره و قد مر ذكره فقال:
جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس
إذ يقود الدهر أشتات المنى ينقل الخطو على ما يرسم
زمرا بين فرادى و ثنا مثل ما يدعو الوفود الموسم
و الحيا قد جلل الروض سنى فثغور الزهر فيه تبسم
و روى النعمان عن ماء السما كيف يروي مالك عن أنس
فكساه الحسن ثوبا معلما يزذهي منه بأبهى ملبس
في ليال كتمت سر الهوى بالدجى لو لا شموس الغرر
مال نجم الكأس فيها و هوى مستقيم السير سعد الأثر
وطر ما فيه من غيب سوى أنه مر كلمح البصر
حين لذ النوم منا أو كما هجم الصبح هجوم الحرس
غارت الشهب بنا أو ربما أثرت فينا عيون النرجس
أي شيء لامرئ قد خلصا فيكون الروض قد مكن فيه
تنهب الأزهار فيه الفرصا أمنت من مكره ما تتقيه
فإذا الماء يناجي و الحصا و خلا كل خليل بأخيه
تبصر الورد غيورا برما يكتسي من غيظيه ما يكتسي
و ترى الآس لبيبا فهما يسرق الدمع بأذني فرس
يا أهيل الحي من وادي الغضا و بقلبي مسكن أنتم به
ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا لا أبالي شرقه من غربه
فأعيدوا عهد أنس قد مضى تنقذوا عانيكم من كربه
و اتقوا الله احيوا مغرما يتلاشى نفسا في نفس
حبس القلب عليكم كرما أفترضون خراب الحبس
و بقلبي منكم مقترب بأحاديث المنى و هو بعيد
قمر أطلع منه المغرب شقوة المغرى به و هو سعيد
قد تساوي محسن أو مذنب في هواه بين وعد و وعيد
ساحر المقلة معسول اللمى جال في النفس مجال النفس
سدد السهم فأصمى إذ رمى بفؤادي نبلة المفترس
إن يكن جار و خاب الأمل و فؤاد الصب بالشوق يذوب
فهو للنفس حبيب أول ليس في الحب لمحبوب ذنوب
أمره معتمل ممتثل في ضلوع قد براها و قلوب
حكم اللحظ بها فاحتكما لم يراقب في ضعاف الأنفس
ينصف المظلوم ممن ظلما و يجازي البر منها و المسي
ما لقلبي كلما هبت صبا عادة عيد من الشوق جديد ؟
كان في اللوح له مكتتبا قوله إن عذابي لشديد
جلب الهم له و الوصبا فهو للأشجان في جهد جهيد
لاعج في أضلعي قد أضرما فهي نار في هشيم اليبس
لم يدع من مهجتي إلا الدما كبقاء ألصبح بعد الغلس
سلمي يا نفس في حكم القضا و اعتبري الوقت برجعى و متاب
و اتركي ذكرى زمان قد مضى بين عتبى قد تقضت و عتاب
و اصرفي القول إلى المولى الرضى ملهم التوفيق في أم الكتاب
الكريم المنتهى و المنتمى أسد السرج و بدر المجلس
ينزل النصر عليه مثلما ينزل الوحي يروح القدس
و أما المشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الموشحات. و من أحسن ما وقع لهم في ذلك موشحة ابن سناء الملك التي اشتهرت شرقا و غربا و أولها:
حبيبي ارفع حجاب النور عن العذار
تنظر المسك على كافور في جلنار
كللي يا سحب تيجان الربى بالحلى و اجعلي
سوارها منعطف الجدول
و لما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس، و أخذ به الجمهور. لسلاسته و تنميق كلامه و ترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله. و نظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعراباً. و استحدثوا فنا سموه يالزجل، و التزموا النظم فيه على مناحيهم لهذا العهد، فجاءوا فيه بالغرائب و اتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة.
و أول من أبدع في هذه الطريقة. الزجلية أبو بكر بن قزمان. و إن كانت قيلت قبله بالأندلس، لكن لم يظهر حلاها، و لا انسبكت معانيها و اشتهرت رشاقتها إلا في زمانه. و كان لعهد الملثمين، و هو إمام الزجالين على الإطلاق. قال ابن سعيد: و رأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب. قال: و سمعت أبا الحسن بن جحدر الأشبيلي، إمام الزجالين في عصرنا يقول:
ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة، و قد خرج إلى منتزه مع بعض أصحابه، فجلسوا تحت عريش و أمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء من فيه على صفائح من الحجر متدرجة فقال:
و عريش قد قام على دكان بحال رواق
و أسد قد ابتلع ثعبان من غلظ ساق
و فتح فمه بحال إنسان بيه الفراق
و انطلق من ثم على الصفاح و ألقى الصياح
و كان ابن قزمان، مع أنه قرطبي الدار. كثيرا ما يتردد إلى إشبيلية و نيتاب نهرها، فاتفق أن اجتمع ذات يوم جماعة من أعلام هذا الشأن. و قد ركبوا في النهر للنزهة. و معهم غلام جميل الصورة من سروات أهل البلد و بيوتهم. و كانوا مجتمعين في زورق للصيد، فنظموا في وصف الحال، و بدأ منهم عيسى البليدي فقال:
يطمع بالخلاص قلبي و قد فاتو و قد ضمني عشقو لشهماتو
تراه قد حصل مسكين محلاتو يغلق و كذاك أمر عظيم صاباتو
توحش الجفون الكحل إن غابو وذيك الجفون الكحل أبلاتو
ثم قال أبو عمرو بن الزاهر الأشبيلي:
نشب و الهوى من لج فيه ينشب ترى ايش دعاه يشقى و يتعذب
مع العشق قام في بالوان يلعب و خلق كثير من ذا اللعب ماتوا
ثم قال أبو الحسن المقري الداني:
نهار مليح يعجبن أوصافو شراب و ملاح من حولي قد طافوا ‌
و المقلين يقول من فوق صفصافو و البوري أخرى فقلاتو
ثم قال أبو بكر بن مرتين:
الحق تريد حديث بقالي عاد في الواد النزيه و البوري و الصياد
لسنا حيتان ذيك الذي يصطاد قلوب الورى هي في شبيكاتو
ثم قال أبو بكر بن قزقان:
إذا شمر كمامو يرميها ترى البوري يرشق لذاك الجيها
و ليس مرادو أن يقع فيها إلا أن يقبل بدياتو
و كان في عصرهم يشرق الأندلس محلف الأسود، و له محاسن من الزجل منها قوله:
قد كنت منشوب و اختشيت النشب و ردني ذا العشق لأمر صعب
حتى تنظر الخد الشريق البهي تنتهي في الخمر إلما تنتهي
يا طالب الكيميا في عيني هي تنظر بها الفضة و ترجع ذهب
و جاءت. بعدهم حلبة كان سابقها مدغليس، وقعت له العجائب في هذه الطريقة، فمن قوله في زجله المشهور:
و رذاذ دق ينزل و شعاع الشمس يضرب
فترى الواحد يفضض و ترى الآخر يذهب
و النبات يشرب و يسكر و الغصون ترقص و تطرب
و تريد تجي إلينا ثم تستحي و تهرب
و من محاسن أزجاله قوله:
لاح الضيا و النجوم حيارى فقم بنا ننزع الكسل
شربت ممزوج من قراعا أحلى هي عندي من العسل
يا من يلمني كما تقلد قلدك الله بما تقول
يقول بان الذنوب تولد و أنه يفسد العقول
لارض الحجاز موريكن لك أرشد ايش ما ساقك معي في ذا الفضول
مر أنت للحج و الزيارا و دعني في الشرب منهمل
من ليس لو قدره و لا استطاع النية أبلغ من العمل
و ظهر بعد هؤلاء بأشبيلية ابن جحدر الذي فضل على الزجالين في فتح ميورقة بالزجل الذي أوله هذا:
من عاند التوحيد بالسيف يمحق أنا بري ممن يعاند الحق
قال ابن سعيد لقيتة و لقيت تلميذة المعمع صاحب الزجل المشهور الذي أوله:
يا ليتني ان رأيت حبيبي أفتل اذنو بالرسيلا
ليش أخذ عنق الغزيل و سرق فم الحجيلا
ثم جاء من بعدهم أبو الحسن سهل بن مالك إمام الأدب، ثم من بعدهم لهذه العصور صاحبنا الوزير أبو عبد الله بن الخطيب إمام النظم و النثر في الملة الإسلامية غير مدافع، فمن محاسنه في هذه الطريقة:
امزج الأكواس و املالي تجدد ما خلق المال إلا أن يبدد
و من قوله على طريقة الصوفية و ينحو منحى الششتري منهم:
بين طلوع و بين نزول اختلطت الغزول
و مضى من لم يكن و بقي من لم يزول
و من محاسنه أيضا قوله في ذلك المعنى:
البعد عنك يا بني أعظم مصايبي و حين حصل لي قربك سببت قاربي
و كان لعصر الوزير ابن الخطيب بالأندلس محمد بن عبد العظيم من أهل وادي آش، و كان إماما في هذه الطريقة و له من زجل يعارض به مدغليس في قوله:
لاح الضياء و النجوم حيارى بقوله:
حل المجون يا أهل الشطارا مذ حلت الشمس في الحمل
تجددوا كل يوم خلاعا لا تجعلوا بينها ثمل
إليها يتخلعوا في شنبل على خضورة ذاك النبات
و حل بغداد و اجتياز النيل أحسن عندي من ذيك الجهات
و طاقتها أصلح من أربعين ميل ان مرت الريح عليه و جات
لم تلتق الغبار امارا و لا بمقدار ما يكتحل
و كيف ولاش فيه موضع رقاعا إلا و نسرح فيه النحل
و هذه الطريقة الزجلية لهذا العهد هي فن العامة بالأندلس من الشعر. و فيها نظمهم حتى أنهم لينظمون بها في سائر البحور الخمسة عشر، لكن بلغتهم العامية و يسمونه الشعر الزجلي مثل قول شاعرهم:
دهر لي نعشق جفونك و سنين و أنت لا شفقة و لا قلب يلين
حتى ترى قلبي من أجلك كيف رجع صنعة السكة بين الحدادين
الدموع ترشرش و النار تلتهب و المطارق من شمال و من يمين
خلق الله النصارى للغزو و أنت تغزو قلوب العاشقين
و كان من المجيدين لهذه الطريقة لأول هذه المائة الأديب أبو عبد الله اللوشي و له فيها قصيدة يمدح فيها السلطان ابن الأحمر:
طل الصباح قم يا نديمي نشربو و نضحكو من بعدما نطربو
سبيكة الفجر أحكت شفق في ميلق الليل فقم قلبو
ترى عيارها خالص أبيض نقي فضة هو لكن الشفق ذهبو
فتنتفق سكتوا عند البشر نور الجفون من نورها يكسبو
فهو النهار يا صاحبي للمعاش عيش الغني فيه بالله ما أطيبو
والليل أيضا للقبل و العناق على سرير الوصل يتقلبو ‌‌
جاد الزمان من بعدما كان بخيل ولش ليفلت من يديه عقربو
كما جرع مرو فما قد مضى يشرب بيننو و ياكل طيبو
قال الرقيب يا أدبا إيش ذا في الشرب و العشق ترى ننجبو
و تعجبوا عذالي من ذا الخبر فقلت يا قوم من ذا تتعجبوا
نعشق مليح الا رقيق الطباع علاش تكفروا بالله أو تكتبوا
ليش يربح الحسن إلا شاعر أديب يفض بكرو و يدع ثيبو
أما الكاس فحرام نعم هو حرام على الذي ما يدري كيف يشربو
و يد الذي يحسن حسابه و لم يقدر يحسن الفاظ أن يجلبوا
و أهل العقل و الفكر و المجون يغفر ذنوبهم لهذا إن أذنبوا
ظبي بهي فيها يطفي الجمر و قلبي في جمر الغضى يلهبو
غزال بهي ينظر قلوب الأسود و بالوهم قبل النظر يذهبوا
ثم يحييهم إذا ابتسم يضحكوا و يفرحوا من بعدما يندبوا
فميم كالخاتم و ثغر نقي خطيب الأمة للقبل يخطبو
جوهر و مرجان أي عقد يا فلان قد صففه الناظم و لم يثقبو
و شارب أخضر يريد لاش يريد من شبهه بالمسك قد عيبو
يسبل دلال مثل جناح الغراب ليالي هجري منه يستغربوا
على بدن أبيض بلون الحليب ما قط راعي للغنم يحلبوا
و زوج هندات ما علمت قبلها ديك الصلايا ريت ما أصلبو
تحت العكاكن منها خصر رقيق من رقتو يخفي إذا تطلبوا
أرق هو من ديني فيما تقول جديد عتبك حق ما أكذبو
أي دين بقا لي معاك و أي عقل من يتبعك من ذا و ذا تسلبوا
تحمل ارداف ثقال كالرقيب جين ينظر العاشق و حين يرقبو
ان لم ينفس عدر أو ينقشع في طرف ديسا و البشر تطلبو
يصير إليك المكان حين تجي و حين تغيب ترجع في عيني تبو
محاسنك مثل خصال الأمير أو الرمل من هو الذي يحسبو
عماد الأمصار و فصيح العرب من فصاحة لفظه يتقربو
بحمل العلم انفرد و العمل و مع بديع الشعر ما أكتبو
ففي الصدور بالرمح ما أطعنه و في الرقاب بالسيف ما أضربو
من السماء يحسد في أربع صفات فمن يعد قلبي أو يحسبو
الشمس نورو و القمر همتو الغيث جودو و النجوم منصبو
يركب جواد الجود و يطلق عنان الاغنيا و الجند حين يركبوا
من خلعتو يلبس كل يوم بطيب منه بنات المعالي تطيبوا
نعمتو تظهر على كل من يجيه قاصد و وارد قط ما خيبوا
قد أظهر الحق و كان في حجاب لاش يقدر الباطل بعدما يحجبو
و قد بنى بالسر ركن التقى من بعد ما كان الزمان خربو
تخاف حين تلقاه كما ترتجيه فمع سماحة وجهو ما أسيبو
يلقى الحروب ضاحكا و هي عابسة غلاب هو لا شي في الدنيا يغلبو
إذا جبد سيفه ما بين الردود فليس شيء يغني من يضربو
و هو سمي المصطفى و الاله للسلطنة اختار و استنخبو
تراه خليفة أمير المؤمنين يقود جيوشو و يزين موكبو
لذي الإمارة تخضع الرؤوس نعم و في تقبيل يديه يرغبوا
ببيته بقى بدور الزمان يطلعوا في المجد و لا يغربوا
و في المعالي و الشرف يبعدوا و في التواضع و الحيا يقربوا
و الله يبقيهم ما دار الفلك و أشرقت شمسه و لاح كوكبو
و ما يغني ذا القصيد في عروض يا شمس خدر مالها مغربو
ثم استحدث أهل الأمصار بالمغرب فناً آخر من الشعر، في أعاريض مزدوجة موشح، نظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضا و سموه عروض البلد، و كان أول من حدثه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن عمير. فنظم قطعة بطريقة الموشح و لم يخرج فيها عن مذاهب الإعراب إلا قليلا مطلعها:
اني بشاطي النهر نوح الحمام على الغصن في البستان قريب الصباح
السحر يمحو مداد الظلام و ماء الندى يجري بثغر الاقاح
جرت الرياض و الطل فيها افتراق كثير الجواهر في نحور الجوار
مع النواعير ينهرق انهراق يحاكي ثعابين حلقت بالثمار
بالغصون خلخال على كل ساق و دار الجميع بالروض دور السوار
الندى تخرق جيوب الكمام و يحمل نسيم المسك عنها رياح
الصبا يطلى بمسك الغمام و جر النسيم ذيلو عليها و فاح
و يطير الحمام بين الورق في القضيب قد ابتلت ارياشو بقطر الندى
تنوح مثل ذاك المستهام الغريب قد التف من توبو الجديد في ردا
و لكن بما أحمر و ساقو خضيب ينظم سلوك جوهر و يتقلدا
جلس بين الأغصان جلسة المستهام جناحا توسد و التوى في جناح
و صار يشتكي ما في الفؤاد من غرام منها ضم منقاره لصدره و صاح
قلت يا حمام احرمت عيني الهجوع أراك ما تزال تبكي بدمع سفوح
قال لي بكيت حتى صفت لي الدموع بلا دمع نبقى طول حياتي ننوح
على فرخ طار لي لم يكن لو رجوع ألفت البكا و الحزن من عهد نوح
كذا هو الوفا و كذا هو الزمام انظر جفون صارت بحال الجراح
و أنتم من بكى منكم إذا تم عام يقول عناني ذا البكا و النواح
قلت يا حمام لو خضت بحر الضنى كنت تبكي و ترثي لي بدمع هتون
و لو كان بقلبك ما بقلبي أنا ما كان يصير تحتك فروع الغصون
اليوم نقاسي الهجر كم من سنا حتى لا سبيل جمله تراني العيون
و مما كسا جسمي النحول و السقام أخفاني نحولي عن عيون اللواح
لو جتنى المنايا كان يموت في المقام و من مات بعد يا قوم لقد استراح
قال لي لو رقدت لاوراق الرياض من خوفي عليه ودا النفوس للفؤاد
و تخضبت من دمعي و ذاك البياض طوق العهد في عنقي ليوم التناد
أما طرف منقاري حديثو استفاض بأطراف البلد و الجسم صار في الرماد
فاستحسنه أهل فاس و ولعوا به و نظموا على طريقته. و تركوا الإعراب الذي ليس من شأنهم، و كثر سماعه بينهم و استفحل فيه كثير منهم و نوعةه أصنافا إلى المزدوج و الكازي و الملعبة و الغزل. و اختلفت أسماؤها باختلاف ازدواجها و ملاحظاتهم فيها. فمن المزدوج ما قاله ابن شجاع من فصولهم و هو من أهل تازا:
المال زينة الدنيا و عز النفوس يبهي وجوها ليس هي باهيا
فها كل من هو كثير الفلوس ولوه الكلام و الرتبة العاليا
يكبر من كثر مالو و لو كان صغير و يصغر عزيز القوم اذ يفتقر
من ذا ينطبق صدري و من ذا تغير و كاد ينفقع لولا الرجوع للقدر
حتى يلتجي من هو في قومو كبير لمن لا أصل عندو و لا لو خطر
لذا ينبغي يحزن على ذي العكوس و يصبغ عليه ثوب فراش صافيا
اللي صارت الاذناب أمام الرؤوس و صار يستفيد الواد من الساقيا
ضعف الناس على ذا و فسد ذا الزمان ما يدروا على من يكثروا ذا العتاب
اللي صار فلان يصبح بو فلان و لو رأيت كيف يرد الجواب
عشنا و السلام حتى رأينا عيان أنفاس السلاطين في جلود الكلاب
كبار النفوس جدا ضعاف الاسوس هم ناحيا و المجد في ناحيا
يرو أنهم و الناس يروهم تيوس و جوه البلد و العمدة الراسيا
و من مذاهبهم قول ابن شجاع منهم في بعض مزدوجاته:
تعب من تبع ذا الزمان اهمل يا فلان لا يلعب الحسن فيك
ما منهم مليح عاهد إلا و خان قليل من عليه تحبس و يحبس عليك
يهبوا على العشاق و يتمنعوا و يستعمدوا تقطيع قلوب الرجال
و ان واصلوا من حينهم يقطعوا و ان عاهدوا خانوا على كل حال
مليح كان هويتو وشت قلبي معو و صيرت من خدي لقدمو نعال
و مهدت لو من وسط قلبي مكان و قلت لقلبي اكرم لمن حل فيك
و هون عليك ما يعتريك من هوان فلا بد من هول الهوى يعتريك
حكمتوا علي و ارتضيت بو أمير فلو كان يرى حالي اذا يبصرو
يرجع مثل در حولي بوجه الغدير مرديه و يتعطس بحال انحرو
و تعلمت من ساعا بسبق الضمير و يفهم مرادو قبل أن يذكرو
و يحتل في مطلو لوان كان عصر في الربيع أو في الليالي يريك
و يمشي بسوق كان و لو باصبهان وايش ما يقل يحتاج لو يجيك
حتى أتى على آخرها.
و كان منهم علي بن المؤذن بتلمسان، و كان لهذه العصور القريبة من فحولهم بزرهون من ضواحي مكناسة رجل يعرف بالكفيف. أبدع في مذاهب هذا الفن. و من أحسن ما علق له بمحفوظي قوله في رحلة السلطان أبي الحسن و بنى مرين إلى أفريقية يصف هزيمتهم بالقيروان. و يعزيهم عنها و يؤنسهم بما وقع لغيرهم بعد أن عيبهم على غزاتهم إلى إفريقية في ملعبة من فنون هذه الطريقة يقول في مفتتحها. و هو من أبدع مذاهب البلاغة في الأشعار بالمقصد في مطلع الكلام و افتتاحه و يسمى براعة الإستهلال:
سبحان مالك خواطر الامرا و نواصيها في كل حين و زمان
ان طعناه أعظم لنا نصرا و ان عصيناه عاقب بكل هوان
إلى أن يقول في السؤال عن جيوش المغرب بعد التخلص:
كن مرعى قل و لا تكن راعي فالراعي عن رعيته مسؤول
و استفتح بالصلاة على الداعي للإسلام و الرضا السني المكمول
على الخلفاء الراشدين و الاتباع و اذكر بعدهم اذا تحب و قول
أحجاجا تخللوا الصحرا ودوا سرح البلاد مع السكان
عسكر فاس المنيرة الغرا وين سارت بوعزايم السلطان
أحجاج بالنبي الذي زرتم و قطعتم لو كلاكل البيدا
عن جيش الغرب حين يسألكم المتلوف في افريقيا السودا
و من كان بالعطايا يزودكم و يدع برية الحجاز رغدا
قام قل للسد صادف الجزرا و يعجز شوط بعدما يخفان
و يزف كر دوم تهب في الغبرا أي ما زاد غزالهم سبحان
لو كان ما بين تونس الغربا و بلاد الغرب سد السكندر
مبنى من شرقها إلى غربا طبقا بحديد أو ثانيا بصفر
لا بد الطير أن تجيب نبا أو يأتي الريح عنهم بفرد خبر
ما أعوصها من أمور و ما شرا لو تقرا كل يوم على الديوان
لجرت بالدم و انصدع حجرا و هوت الخراب و خافت الغزلان
أدرلي بعقلك الفحاص و تفكر لي بخاطرك جمعا
ان كان تعلم حمام و لا رقاص عن السلطان شهر و قبله سبعا
تظهر عند المهيمن القصاص و علامات تنشر على الصمعا
الا قوم عاريين فلا سترا مجهولين لا مكان و لا امكان
ما يدروا كيف يصوروا كسرا و كيف دخلوا مدينة القيروان
امولاي أبو الحسن خطينا الباب قضية سيرنا إلى تونس
فقنا كنا على الجريد و الزاب واش لك في اعراب افريقيا القوبس
ما بلغك من عمر فتى الخطاب الفاروق فاتح القرى المولس
ملك الشام و الحجاز و تاج كسرى و فتح من افريقيا و كان
رد ولدت لو كره ذكرى و نقل فيها تفرق الاخوان
هذا الفاروق مردي الاعوان صرح في افريقيا بذا التصريح
و بقت حمى إلى زمن عثمان و فتحها ابن الزبير عن تصحيح
لمن دخلت غنائمها الديوان مات عثمان و انقلب علينا الريح
و افترق الناس على ثلاثة أمرا و بقي ما هو للسكوت عنوان
اذا كان ذا في مدة البرارا اش نعمل في أواخر الازمان
و أصحاب الحضر في مكناساتا و في تاريخ كأنا و كيوانا
تذكر في صحتها أبياتا شق و سطيح و ابن مرانا
ان مرين إذا تكف براياتا لجدا و تونس قد سقط بنيانا
قد ذكرنا ما قال سيد الوزرا عيسى بن الحسن الرفيع الشان
قال لي رأيت و أنا بذا أدري لكن إذا جاء القدر عميت الأعيان
و يقول لك ما دهى المرينيا من حضرة فاس إلى عرب دياب
أراد المولى بموت ابن يحيى سلطان تونس و صاحب الأبواب
ثم أخذ في ترحيل السلطان و جيوشه، إلى آخر رحلته و منتهى أمره، مع أعراب إفريقية. و أتى فيها بكل غريبة من الإيداع. و أما أهل تونس فاستحدثوا فن الملعبة أيضا على لغتهم الحضرية، إلا أن أكثره رديء و لم يعلق بمحفوظي منة شيء لرداءته.
الموشحات و الأزجال في المشرق
و كان لعامة بغداد أيضا فن من الشعر يسمونه المواليا، و تحته فنون كثيرة يسمون منها القوما، و كان و كان، و منه مفرد و منه في بيتين، و يسمونه دوبيت على الإختلافات المعتبرة عندهم في كل واحد منها، و غالبها مزدوجة من أربعة أغصان. و تبعهم في ذلك أهل مصر القاهرة و أتوا فيها بالغرائب. و تبحروا فيها في أساليب البلاغة بمقتضى لغتهم الحضرية، فجاؤوا بالعجائب. و رأيت في ديوان الصفي الحلي من كلامه أن المواليا من بحر البسيط، و هو ذو أربعة أغصان و أربع قواف، و يسمى صوتا و بيتين. و أنه من مخترعات أهل واسط، و أن كان و كان فهو قافية واحدة و أوزان مختلفة في أشطاره: الشطر الأول من البيت أطول من الشطر الثاني و لا تكون قافيته إلا مردفة بحرف العلة و أنه من مخترعات البغداديين. و أنشد فيه لنا:
بغمز الحواجب حديث تفسير و منو أوبو، و أم الأخرس تعرف بلغة الخرسان. انتهى كلام الصفي. و من أعجب ما علق بحفظى منه قول شاعرهم:
هذي جراحي طريا و الدما تنضح
و قاتلي يا أخيا في الفلا يمرح
قالوا و ناخذ بثارك قلت ذا أقبح
إلى جرحتي يداويني يكون أصلح
و لغيره:
طرقت باب الخبا قالت من الطارق فقلت مفتون لا ناهب ولا سارق
تبسمت لاح لي من ثغرها بارق رجعت حيران من بحر أدمعي غارق
و لغيره:
عهدي بها و هي لا تأمن علي البين و ان شكوت الهوى قالت فديتك العين
لمن يعاين لها غيري غلام الزين ذكرتها العهد قالت لك على دين
و لغيره في وصف الحشيش:
دي خمر صرف التي عهدي بها باقي تغني عن الخمر و الخمار و الساقي
قحبا و من قحبها تعمل على احراقي خبيتها في الحشى طلت من احداقي
و لغيره:
يا من و صالو لأطفال المحبة بح كم توجع القلب بالهجران أوه أح
أودعت قلبي حوحو و التصبر بح كل الورى كخ في عيني و شخصك دح
و لغيره:
ناديتها و مسيبي قد طواني طي جودي علي بقبلة في الهوى يا مي
قالت و قد كوت داخل فؤادي كي ما ظن ذا القطن يغشى فم من هو حي
و لغيره:
راني ابتسم سبقت سحب أدمعي برقه ماط اللثام تبدي بدر في شرقه
اسبل دجى الشعرتاه القلب في طرقه رجع هدانا بخيط الصبح من فرقه
و لغيره:
يا حادي العيس ازجر بالمطايا زجر وقف على منزل أحبابي قبيل الفجر
و صيح في حيهم يا من يريد الأجر ينهض يصلي على ميت قتيل الهجر
و لغيره:
عيني التي كنت ارعاكم بها باتت ترعى النجوم و بالتسهيد اقتاتت
و أسهم البين صابتني و لا فاتت و سلوتي عظم الله أجركم ماتت
و لغيره:
هويت في قنطرتكم يا ملاح الحكر غزال يبلى الأسود الضاريا بالفكر
غصن اذا ما انثنى يسبي البنات البكر وان تهلل فما للبدر عندو ذكر
و من الذي يسمونه دوبيت:
قد اقسم من أحبه بالباري أن يبعث طيفه مع الاسحار
يا نار أشواقي به فاتقدي ليلا فعساه يهتدي بالنار
و اعلم أن الأذواق كلها في معرفة البلاغة إنما تحصل لمن خالط تلك اللغة و كثر استعماله لها و مخاطبته بين أجيالها حتى يحصل ملكتها كما قلناه في اللغة العربية. فلا يشعر الأندلس بالبلاغة التي في شعر أهل المغرب و لا المغربي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس و المشرق و لا المشرقي بالبلاغة التي في شعر الأندلس و المغرب. لأن اللسان الحضري و تراكيبه مختلفة فيهم. و كل واحد منهم مدرك لبلاغة لغته و ذائق لمحاسن الشعر من أهل جلدته و في خلق السماوات والأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم آيات للعالمين و قد كدنا نخرج عن الغرض.
و جاء مصليا خلفه منهم ابن رافع، رأس شعراء المأمون ابن ذي النون صاحب طليطلة. قالوا و قد أحسن في ابتدائه في موشحته التي طارت له حيث يقول:
العود قد ترنم بأبدع تلحين و سقت المذانب رياض البساتين
و في انتهائه حيث يقول:
تخطر و لا تسلم عساك المأمون مروع الكتائب يحيى بن ذي النون
ثم جاءت الحلبة التي كانت في دولة الملثمين، فظهرت لهم البدائع، و سابق فرسان حلبتهم الأعمى الطليطلي، ثم يحيى بن بقي، و للطليطلي من الموشوحات المهذبة قوله:
كيف السبيل إلى صبري و في العالم أشجان
و الركب وسط الفلا بالخرد النواعم قد بان
 
خاتمة
و لذلك عزمنا أن نقبض العنان عن القول في هذا الكتاب الأول الذي هو طبيعة العمران و ما يعرض فيه و قد استوفينا من مسائله ما حسيناه كفاية له. و لعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح و علم مبين يغوف من مسائله على أكثر مما كتبنا فليس على مستنبط الفن إحصاء مسائله و إنما عليه تعيين موضع العلم و تنويع فصوله و ما يتكلم فيه و المتأخرون يلحقون المسائل من بعده شيئا فشيئا إلى أن يكمل. و الله يعلم و أنتم لا تعلمون.
قال مؤلف الكتاب عفى الله عنه: أتممت هذا الجزء الأول المشتمل على المقدمة بالوضع و التأليف قبل التنقيح و التهذيب في مدة خمسة أشهر آخرها منتصف عام تسعة و سبعين و سبعمائة. ثم نقحته بعد ذلك و هذبته و الحقت به تواريخ الأمم كما ذكرت في أوله و شرطته. و ما العلم إلا من عند الله العزيز الحكيم.
 
[[تصنيف:مقدمة ابن خلدون]]