الفرق بين المراجعتين لصفحة: «رسالة التوابع والزوابع/الفصل الرابع»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط استرجاع إلى آخر تعديل من قبل Obayd
لا ملخص تعديل
سطر 1:
|ومالي من برحِ الصَّبابة مخلصٌ،|ولاا لي من فيضِ السّقامِ مُغيثُ
{{لا فهرس}}
{{ترويسة|
|عنوان=[[رسالة التوابع والزوابع]]
|مؤلف= ابن شهيد الأندلسي
|باب=<br>الفصل ال - حيوان الجن
|سابق=→ [[رسالة التوابع والزوابع/الفصل الثالث|الفصل الثالث]]
|ملاحظات=
}}
 
===لغة الحمير===
 
ومشيتُ يوماً وزهير بأرض الجن أيضاً نتقرَّى الفوائد ونعتمدُ أندية أهل الآداب منهم، إذ أشرفنا على قرارةٍ غناء، تفنرُّ عن بركة ماء، وفيها عانةٌ من حُمُر الجن وبغالهم، قد أصابها أولق فهي تصطكُّ بالحوافر، وتنفُخ من المناخر، وقد اشتدَّ ضُراطُها، وعلا شحيجها وهاقها. فلما بصرت بنا أجفلت إلينا وهي تقول: جاءكم على رجليه! فارتعتُ لذلك، فتبسَّم زهيرٌ وقد عرف القصد، وقال لي: تهيأ للحكم. فلما لحقت بنا بد أني بالتفدية، وحيتني بالتكنية. فقلت: ما الخطبُ، حُمي حماك أيتها العانة، وأخصب مرعاك؟ قالت: شعران لحمارٍ وبغل من عشَّاقنا اختلفنا فيها، وقد رضيناك حكماً قلت: حتى أسمع. فقدَّمت إليَّ بغةٌ شهباء، عليها جلُّها وبرقُعها، لم تدخل فيما دخلت فيه العانةُ من سوء العجلة وسُخفِ الحركة، فقالت: أحدُ الشِّعرين لبغلٍ من بغالنا وهو:
 
{{قصيدة|علــى كـــل صـــب مـــن هـــواهُ دلـــيلُ:
|سقـامٌ عـلـى حـر الـــجـــوى، ونُـــحُـــولُ}}
 
وما زال هذا الحبُّ داءً مُبرحاً، إذا ما اعترى بغلاً فليس يزولُ
 
{{قصيدة1
|بنفسي التي أما ملاحظُ طرفها|فسـحـــرٌ، وأمـــا خـــدُّهـــا فـــأســـيلُ
|تعـبـتُ بـمـا حُـمـلـتُ مـن ثـقـل حُـبـــهـــا،|وإنـي لـبـغـلٌ لـلـــثـــقـــالِ حـــمُـــولُ
|ومـا نـلـتُ مـنـهـا نـــائلاً غـــير أنـــنـــي|إذا هـي بـالـت بُــلـــتُ حـــيثُ تـــبُـــولُ}}
 
والشِّعر الآخرُ لدُكينٍ الحمار:
 
{{قصيدة1
|دُهيتُ بهذا الحب منـذُ هـويثُ،|وراثت إراداتي فلـسـتُ أريثُ
|كّلفتُ بإلفي منذ عشرين حـجةً،|يجُولُ هواها في الحشا ويعـيثُ
|ومالي من برحِ الصَّبابة مخلصٌ،|ولا لي من فيضِ السّقامِ مُغيثُ
|وغير منها قلبها لـي نـمـيمةٌ،|نماها أحمُّ الخُصيتـينِ خـبـيثُ
|وما
|وما نلتُ منها نائلاً، غير أنّـنـي|إذا هي راثـتُ حـيثُ تـروثُ}}
 
ففضحك زهيرٌ، وتماسكتُ، وقلتُ للمنشدة: ما هويتُ؟ قالت: هو هويبُ، بلغة الحمير. فقلت: والله، إن للرَّوثِ رائحة كريهةً، وقد كان أنف الناقة أجدر أن يحكم في الشعر! فقالت: فهمت عنك وأشارت إلى العانة أنَّ دُكيناً مغلوباً؛ ثم انصرفت قانعة راضية.
 
وقالت لي البغلة: أما تعرفني أبا عامر؟ قلت: لو كانت ثمَّ علامة! فأماطت لثامها، فإذا هي بغلةُ أبي عيسى، والخالُ على خدها، فتباكينا طويلاً، وأخذنا في ذكر أيامنا، فقالت: ما أبقيت منك؟ قلت: ما ترين. قالت: شبَّ عمرٌو عن الطوق! فما فعل الأحبة بعدي، أهم على العهد؟ قلتُ: شبَّ الغِلمان، وشاخ الفتيان، وتنكرتِ الخلاَّن؛ ومن إخوانك من بلغ الإمارة، وانتهى إلى الوزارة. فتنفستِ الصُّعداء، وقالت: سقاهم الله سبل العهد، وإن حالوا عن العهد، ونسُوا أيام الود. بحرمة الأدب، إلاَّ ما أقرأتهم مني السلام؛ قلت: كما تأمرين وأكثر.
 
====الإوزة الأدبية====
 
وكانت في البركة بقُربنا إوزَّةٌ بيضاء شهلاء، في مثل جُثمانِ النّعامة، كأنما ذُرَّ عليها الكافور، أو لبست غلالةً من دمقس الحرير، لم أر أخفَّ من رأسها حركة، ولا أحسن للماء في ظهرها صباً، تثني سالفتها، وتكسر حدقتها، وتُلولبُ قمحدوتها، فترى الحُسن مستعاراً منها، والشكل مأخوذاً عنها، فصاحت بالبغلة: لقد حكمتُهم بالهور، ورضيتم من حاكمكم بغير الرّضا.
 
فقلتُ لزهير: ما شأنها؟ قال: هي تابعةُ شيخٍ من مشيختكم، تسمى العاقلة، وتُكنى أمَّ خفيف، وهي ذات حظٍ من الأدب، فاستعدَّ لها. فقلتُ: أيتها الإوزةُ الجميلة، العريضةُ الطويلة، أيحسنُ بجمال حدفتيك، واعتدال منكبيك، واستقامة جناحيك، وطول جيدك، وصغر رأسك، مقابلةُ الضَّيف بمثل هذا الكلام، وتلقي الطارئ الغريب بشبه هذا المقال؟ وأنا الذي همت بالإوزة صبابةً، واحتملت في الكلف بها عضَّ كل مقالة؛ وأنا الذي استرجعتها إلى الوطن المألوف، وحببتُها إلى كل غطريف، فاتخذتها السادة بأرضنا واستهلك عليها الظُّرفاء منا، ورضيت بدلاً من العصافير، ومُتكلمّات الزرازير، ونُسيت لذَّةُ الحمام، ونقارُ الدُّيوك، ونطاحُ الكباش.