الفرق بين المراجعتين لصفحة: «دلائل الإعجاز - الجزء الثالث»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
طلا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر 97:
جعل الألفاظ الأصل في النظم وجعله يتوخى فيها أنفسها وترك أن يفكر في الذي بيناه من أن النظم هو توخي معاني النحو في معاني الكلم وأن توخيها في متون الألفاظ محال فلما جعل هذا في نفسه ونشب هذا الاعتقاد به خرج له من ذلك أن الحاكي إذا أدى ألفاظ الشعر على النسق الذي سمعها عليه كان قد حكى نظم الشاعر كما حكى لفظه وهذه شبهة قد ملكت قلوب الناس وعششت في صدورهم وتشربتها نفوسهم حتى إنك لترى كثيرا منهم وهو من حلولها عندهم محل العلم الضروري بحيث إن أومأت له إلى شيء مما ذكرناه اشمأز لك وسك سمعه دونك وأظهر التعجب منك وتلك جريرة ترك النظر وأخذ الشيء من غير معدنه ومن الله التوفيق فصل في ضرورة ترتيب الكلام ونسبته إلى صاحبه اعلم أنا إذا أضفنا الشعر أو غير الشعر من ضروب الكلام إلى قائله لم تكن إضافتنا له من حيث هو كلم وأوضاع لغة ولكن من حيث توخي فيها النظم الذي بينا أنه عبارة عن توخي معاني النحو في معاني الكلم وذاك أن من شأن الإضافة الاختصاص فهي تتناول الشيء من الجهة التي تختص منها بالمضاف إليه فإذا قلت غلام زيد تناولت الإضافة للغلام من الجهة التي يختص منها بزيد وهو كونه مملوكا وإذا كان الأمر كذلك فينبغي لنا أن ننظر في الجهة التي يختص منها الشعر بقائله وإذا نظرنا وجدناه يختص به من جهة توخيه في معاني الكلم التي ألفه منها ما توخاه من معاني النحو ورأينا أنفس الكلم بمعزل عن الاختصاص ورأينا حالها معها حال الإبريسم مع الذي ينسج منه الديباج وحال الفضة والذهب مع من يصوغ منهما الحلي فما لا يشتبه الأمر في أن الديباج لا يختص بناسجه من حيث الإبريسم والحلي بصائغها من حيث الفضة والذهب ولكن من جهة العمل والصنعة كذلك ينبغي أن لا يشتبه أن الشعر لا يختص بقائله من جهة أنفس
الكلم وأوضاع اللغة ويزداد تبينا لذلك بأن ينظر في القائل إذا أضفته إلى الشعر فقلت امرؤ القيس قائل هذا الشعر من أين جعلته قائلا له أمن حيث نطق بالكلم وسمعت ألفاظها من فيه أم من حيث صنع في معانيها ما صنع وتوخى فيها ما توخى فإن زعمت أنك جعلته قائلا له من حيث إنه نطق بالكلم وسمعت ألفاظها من فيه على النسق المخصوص فاجعل راوي الشعر قائلا له فإنه ينطق بها ويخرجها من فيه على الهيئة والصورة التي نطق بها الشاعر وذلك ما لا سبيل لك إليه فإن قلت إن الراوي وإن كان نطق بألفاظ الشعر على الهيئة والصورة التي نطق بها الشاعر فإنه لم يبتدئىء فيها النسق والترتيب وإنما ذلك شيء ابتدأه الشاعر لذلك جعلته القائل له دون الراوي قيل لك خبرنا عنك أترى أنه يتصور أن يجب لألفاظ الكلم التي تراها في قوله الطويل قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل هذا الترتيب من غير أن يتوخى في معانيها ما تعلم أن أمرا القيس توخاه من كون نبك جوابا للأمر وكون من معدية له إلى ذكرى وكون ذكرى مضافة إلى حبيب وكون منزل معطوفا على حبيب أم ذلك محال فإن شككت في استحالته لم تكلم وإن قلت نعم هو محال قيل لك فإذا كان محالا أن يجب في الألفاظ ترتيب من غير أن يتوخى في معانيها معاني النحو كان قولك إن الشاعر ابتدأ فيها ترتيبا قولا بما لا يتحصل وجملة الأمر أنه لا يكون ترتيب في شيء حتى يكون هناك قصد إلى صورة وصنعة إن لم يقدم فيه ما قدم ولم يؤخر ما أخر وبدىء بالذي ثني به أو ثني بالذي ثلث به لم تحصل لك تلك الصورة وتلك الصنعة وإذا كان كذلك فينبغي أن ينظر إلى الذي يقصد واضع الكلام أن يحصل له من الصورة والصنعة أفي الألفاظ يحصل له ذلك أم في معاني الألفاظ وليس في الإمكان أن يشك عاقل إذا نظر أن ليس ذلك في الألفاظ وإنما الذي يتصور أن يكون مقصودا في الألفاظ هو الوزن وليس هو من كلامنا في شيء لأنا نحن فيما لا يكون الكلام إلا به وليس للوزن مدخل في ذلك
 
[[تصنيف:عبد القادر الجرجاني]]