الفرق بين المراجعتين لصفحة: «دلائل الإعجاز - الجزء الرابع»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
طلا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر 38:
فصل في الفصاحة والتشبيه والاستعارة قد أردت أن أعيد القول في شيء هو أصل الفساد ومعظم الآفة والذي صار حجازا يبن القوم وبين التأمل وأخذ بهم عن طريق النظر وحال بينهم وبين أن يصغوا إلى ما يقال لهم وأن يفتحوا للذي تبين أعينهم وذلك قولهم إن العقلاء قد اتفقوا على أنه يصح أن يعبر عن المعنى الواحد بلفظين ثم يكون أحدهما فصيحا والآخر غير فصيح وذلك قالوا يقتضي أن يكون للفظ نصيب في المزية لأنها لو كانت مقصورة على المعنى لكان محالا أن يجعل لأحد اللفظين فضل على الآخر مع أن المعبر عنه واحد وهذا شيء تراهم يعجبون به ويكثرون ترداده مع أنهم يؤكدونه فيقولون لولا أن الأمر كذلك لكان ينبغي أن لا يكون للبيت من الشعر فضل عل تفسير المفسر له لأنه إن كان اللفظ إنما يشرف من أجل معناه فإن لفظ المفسر يأتي على المعنى ويؤديه لا محالة إذ لو كان لا يؤديه لكان لا يكون تفسيرا له ثم يقولون وإذا لزم ذلك في تفسير البيت من الشعر لزم مثله في الآية من القرآن وهم إذا انتهوا في الحجاج إلى هذا الموضع ظنوا أنهم قد أتوا بما لا يجوز أن يسمع عليهم معه كلام وأنه نقض ليس بعده إبرام وربما أخرجهم الإعجاب به إلى الضحك والتعجب ممن يرى أن إلى الكلام عليه سبيلا وأن يستطيع أن يقيم على بطلان ما قالوه دليلا والجواب وبالله التوفيق أن يقال للمحتج بذلك قولك إنه يصح أن يعبر عن المعنى الواحد بلفظين يحتمل أمرين أحدهما أن تريد باللفظين كلمتين معناهما واحد في اللغة مثل الليث والأسد ومثل شحط وبعد وأشباه ذلك مما وضع اللفظان فيه لمعنى والثاني أن تريد كلامين فإن أردت الأول خرجت من المسألة لأن كلامنا نحن في فصاحة تحدث من بعد التأليف دون الفصاحة التي توصف بها اللفظة مفردة ومن غير أن
يعتبر حالها مع غيرها وإن أردت الثاني ولا بد لك من أن تريده فإن هاهنا أصلا من عرفه عرف سقوط هذا الاعتراض وهو أن يعلم أن سبيل المعاني سبيل أشكال الحلي كالخاتم والشنف والسوار فكما أن من شأن هذه الأشكال أن يكون الواحد منها غفلا ساذجا لم يعمل صانعه فيه شيئا أكثر من أن يأتي بما يقع عليه اسم الخاتم إن كان خاتما والشنف إن كان شنفا وأن يكون مصنوعا بديعا قد أغرب صانعه فيه كذلك سبيل المعاني أن ترى الواحد منها غفلا ساذجا عاميا موجودا في كلام الناس كلهم ثم تراه نفسه وقد عمد إليه البصير بشأن البلاغة وإحداث الصور في المعاني فيصنع فيه ما يصنع الصنع الحاذق حتى يغرب في الصنعة ويدق في العمل ويبدع في الصياغة وشواهد ذلك حاضرة لك كيف شئت وأمثلته نصب عينيك من أين نظرت تنظر إلى قول الناس الطبع لا يتغير ولست تستطيع أن تخرج الإنسان عما جبل عليه فترى معنى غفلا عاميا معروفا في كل جيل وأمة ثم تنظر إليه في قول المتنبي المتقارب يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل فتجده قد خرج في أحسن صورة وتراه قد تحول جوهرة بعد أن كان خرزة وصار أعجب شيء بعد أن لم يكن شيئا وإذ قد عرفت ذلك فإن العقلاء إلى هذا قصدوا حين قالوا إنه يصح أن يعبر عن المعنى الواحد بلفظين ثم يكون أحدهما فصيحا والآخر غير فصيح كأنهم قالوا إنه يصح أن تكون هاهنا عبارتان أصل المعنى فيهما واحد ثم يكون لإحداهما في تحسين ذلك المعنى وتزيينه وإحداث خصوصية فيه تأثير لا يكون للأخرى واعلم أن المخالف لا يخلو من أن ينكر أن يكون للمعنى في إحدى العبارتين حسن ومزية يكونان له في الأخرى وأن تحدث فيه على الجملة صورة لم تكن أو يعرف ذلك فإن أنكر لم يكلم لأنه يؤديه إلى أن لا يجعل للمعنى في قوله
 
[[تصنيف:عبد القادر الجرجاني]]