الفرق بين المراجعتين لصفحة: «إظهار الحق/الفصل الثاني: في إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obayd (نقاش | مساهمات)
صفحة جديدة: {{لا فهرس}} {{ترويسة |عنوان= إظهار الحق |مؤلف= رحمة الله الهندي |سابق= → [[إظهار الحق/الفصل الأول: ...
 
Obayd (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
سطر 7:
|ملاحظات=
}}
== الفصل الثاني: في إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام. ==
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
(القول الأول): في الآية الثالثة من الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا قول عيسى عليه السلام في خطاب الله هكذا: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته) فبين عيسى عليه السلام أن الحياة الأبدية، عبارة عن أن يعرف الناس أن الله واحد حقيقي وأن عيسى عليه السلام رسوله. وما قال إن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذاتك ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقي وأن عيسى إنسان وإله، أو أن عيسى إله مجسم ولما كان هذا القول في خطاب الله في الدعاء فلا احتمال ههنا للخوف من اليهود فلو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لبينه، وإذ ثبت أن الحياة الأبدية اعتقاد التوحيد الحقيقي للّه واعتقاد الرسالة للمسيح فضدهما يكون موتاً أبدياً وضلالاً بيناً ألبتة، والتوحيد الحقيقي ضد للتثليث الحقيقي كما عرفت مفصلاً في الفصل الأول، وكون المسيح رسولاً ضد لكونه إلهاً، لأن التغاير بين المرسِل والمرسَل ضروري، وهذه الحياة الأبدية توجد في أهل الإسلام بفضل الله. وأما غيرهم فالمجوس ومشركو الهند والصين محرومون منها لانتفاء الاعتقادين فيهم، وأهل التثليث من المسيحيين محرومون منها لانتفاء الاعتقاد الأول، واليهود كافة محرومون منها لانتفاء الاعتقاد الثاني.
 
(القول الثاني): في الباب الثاني عشر من إنجيل مرقس هكذا 28: (فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون، فلما رأى أنه أجابهم حسناً سأله: أية وصية هي أول الكل) 29: (فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد. [30]: وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك هذه هي الوصية الأولى [31] وثانية مثلها هي أن تحب قريبك كنفسك ليس وصية أخرى أعظم من هاتين [32] فقال له الكاتب جيداً يا معلم بالحق قلت لأنه) أي الله (واحد وليس آخر سواه) 33 (ومحبته من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح) 34 (فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له لست بعيداً عن ملكوت الله). وفي الباب الثاني والعشرين من إنجيل متى في قوله عليه السلام بعد بيان الحكمين المذكورين هكذا: (بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس والأنبياء). فعلم أن أول الوصايا الذي هو مصرح به في التوراة وفي جميع كتب الأنبياء وهو الحق وهو سبب قرب الملكوت، أن يعتقد أن الله واحد ولا إله غيره ولو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لكان مبيناً في التوراة وجميع كتب الأنبياء لأنه أول الوصايا، ولقال عيسى عليه السلام: أول الوصايا الرب واحد ذو أقانيم ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقي، لكنه لم يبين في كتاب من كتب الأنبياء صراحة ولم يقل عيسى عليه السلام هكذا فلم يكن مدار النجاة. فثبت أن مدارها هو اعتقاد التوحيد الحقيقي لا اعتقاد التثليث، وهوسات التثليثيين باستنباطه من بعض كتب الأنبياء لا يتم على المخالف لأن هذا الاستنباط خفي جداً مردود بمقابلة النص، وغرض المخالف هذا أن اعتقاد التثليث لو كان له دخل ما في النجاة لبينه الأنبياء الإسرائيلية بياناً واضحاً، كما بينوا التوحيد في الباب الرابع من كتاب الاستثناء - 35 (لتعلم أن الرب هو الله وليس غيره) 39 (فاعلم اليوم واقبل بقلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت وليس غيره). وفي الباب السادس من السفر المذكور 4 (اسمع يا إسرائيل إن الرب إلهنا فإنه رب واحد) 5 (حِب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك) وفي الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعياء 5 (أنا هو الرب وليس غيري وليس دوني إله شددتك ولم تعرفني) 6 (ليعلم الذين هم من مشرق الشمس والذين هم من المغرب أنه ليس غيري أنا الرب وليس آخر). فالواجب على أهل المشرق والمغرب أن يعلموا أن لا إله إلا الله وحده لا أن يعلموا أن الله ثالث ثلاثة. وفي الآية التاسعة من الباب السادس والأربعين من كتاب أشعياء 2 (إني أنا الله وليس غيري إلهاً وليس لي شبه).
 
(تنبيه) حرّف صاحب الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م قول المسيح عليه السلام بتبديل ضمير المتكلم بضمير الخطاب، وترجم هكذا: (الرب إلهك إله واحد) وضيع بهذا التحريف المقصود الأعظم لأن ضمير المتكلم ههنا دال على أن عيسى ليس برب بل عبد مربوب بخلاف ضمير الخطاب والظاهر أن هذا التحريف قصدي.
 
(القول الثالث) في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس قول المسيح عليه السلام هكذا: (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب) وهذا القول ينادي على بطلان التثليث لأن المسيح عليه السلام خصص علم القيامة بالله ونفى عن نفسه كما نفى عن عباد الله الآخرين وسوى بينه وبينهم في هذا، ولا يمكن هذا في صورة كونه إلهاً سيما إذا لاحظنا أن الكلمة وأقنوم الابن عبارتان عن علم الله وفرضنا اتحادهما بالمسيح وأخذنا هذا الاتحاد على مذهب القائلين بالحلول أو على مذهب اليعقوبية القائلين بالانقلاب فإنه يقتضي أن يكون الأمر بالعكس ولا أقل من أن يعلم الابن كما يعلم الأب، ولما لم يكن العلم من صفات الجسد فلا يجري فيه عذرهم المشهور أنه نفى عن نفسه باعتبار جسميته فظهر أنه ليس إلهاً لا باعتبار الجسمية ولا باعتبار غيرها.
 
(القول الرابع): في الباب العشرين من إنجيل متى هكذا: 20 (تقدمت إليه أم ابني زيدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئاً) 21 (فقال لها ماذا تريدين قالت له قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك) 22 (فأجاب يسوع) إلخ 23 (الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعدلهم من أبي) انتهى ملخصاً فنفى عيسى عليه السلام ههنا عن نفسه القدرة وخصصها بالله كما نفى عن نفسه علم الساعة وخصصه بالله ولو كان إلهاً لما صح هذا.
 
(القول الخامس): في الباب التاسع عشر من إنجيل متى هكذا: 16 (وإذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية) 17 (فقال له لماذا تدعوني صالحاً ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله) فهذا القول يقلع أصل التثليث وما رضي تواضعاً أن يطلق عليه لفظ الصالح أيضاً ولو كان إلهاً لما كان لقوله معنى ولكان عليه أن يبين لا صالح إلا الأب وأنا وروح القدس، ولم يؤخر البيان عن وقت الحاجة، وإذا لم يرض بقوله الصالح فكيف يرضى بأقوال أهل التثليث التي يتفوهون بها في أوقات صلاتهم (يا ربنا وإلهنا يسوع لا تضيع من خلقت بيدك) حاشا جنابه أن يرضى بها.
 
(القول السادس): في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: 46 (ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني) 50 (فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح). وفي الآية السادسة والأربعين من الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: (ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي) وهذا [ص 7] القول ينفي ألوهية المسيح رأساً سيما على مذهب القائلين بالحلول أو الانقلاب لأنه لو كان إلهاً لما استغاث بإله آخر بأن قال إلهي إلهي لماذا تركتني، ولما قال يا أبتاه في يدك أستودع روحي ولامتنع العجز والموت عليه.. الآية الثامنة والعشرون من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (أما عرفت أو ما سمعت إله سرمدي الرب الذي خلق أطراف الأرض لن يضعف ولن يتعب وليس فحصاً عن حكمته). والآية السادسة من الباب الرابع والأربعين من الكتاب المذكور هكذا: (هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود أنا الأول وأنا الآخر وليس إله غيري). والآية العاشرة من الباب العاشر من كتاب أرسياء هكذا: (أما الرب هو إله حق هو إله حي وملك سرمدي) إلخ. وفي الآية الثانية عشرة من الباب الأول من كتاب حقوق هكذا: (يا رب إله قدوسي ولا تموت). وفي الآية السابعة عشرة من الباب الأول من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس هكذا: (وملك الدهور الذي لا يفنى لا يرى الإله الحكيم وحده). فكيف يعجز ويموت الذي هو إله سرمدي بريء من الضعف والتعب حي قدوس لا يموت ولا إله غيره أيكون الفاني العاجز إلهاً حاشا وكلا بل الإله الحقيقي هو الذي كان عيسى عليه السلام يستغيث به هذا الوقت على زعمهم. والعجب أنهم لا يكتفون بموت الإله بل يعتقدون أنه بعد ما مات دخل جهنم أيضاً. نقل جواد ابن ساباط هذه العقيدة من كتاب الصلاة المطبوع سنة 1506 هكذا: (كما أن المسيح مات لأجلنا ودفن فكذا لا بد أن نعتقد أنه دخل جهنم) انتهى.
 
(وفيلبس كوادنولس) الراهب كتب في رد رسالة أحمد الشريف ابن زين العابدين الأصفهاني كتاباً بلسان العرب سماه بخيالات فيلبس وطبع هذا الكتاب سنة 1669 في الرومية الكبرى في بسلوقيت وحصلت لي بطريق العارية نسخة قديمة من هذا الكتاب من كتبخانة إنكليز في بلدة دهلي فكتب الراهب المستور في كتابه المذكور هكذا: (الذي تألم لخلاصنا وهبط إلى الجحيم ثم في اليوم الثالث قام من بين الأموات) انتهى. وفي بريئربوك في بيان عقيدة أتهانييش التي تؤمن بها المسيحيون لفظ (هل) موجود ومعناه الجحيم وقال جواد بن ساباط إن القسيس مارطيروس قال لي في توجيه هذه العقيدة إن المسيح لما قبل الجسم الإنساني فلا بد عليه أن يتحمل جميع العوارض الإنسانية فدخل جهنم وعُذب أيضاً ولما خرج من جهنم أخرج منها كل من كان معذباً فيها قبل دخوله. فسألته هل لهذه العقيدة دليل نقلي قال إنها غير محتاجة إلى الدليل، فقال رجل مسيحي من أهل ذلك المحفل على وجه الطرافة إن الأب كان قاسي القلب وإلا لما ترك الابن في الجحيم فغضب القسيس وطرده من المحفل فجاء هذا الرجل عندي وأسلم لكن أخذ العهد مني ألا أظهر حال إسلامه ما دام حياً ودخل يوسف ولف بلدة لكهنو سنة 1248 من الهجرة وسنة 1833 من الميلاد وكان من القسيسين المشهورين وكان يدعي الإلهام لنفسه وكان يدعي أن نزول المسيح يكون في سنة 1847 من الميلاد ووقعت المناظرة فيما بينه وبين مجتهد الشيعة تحريراً وتقريراً في هذا الباب فسأله مجتهد الشيعة عن هذه العقيدة أيضاً فقال نعم دخل المسيح الجحيم وعذب لكن لا بأس فيه لأن هذا الدخول كان لنجاة أمته، وبعض فرقهم يعتقدونها بأشنع حالة، قال بل في تاريخه في بيان فرقة مارسيوني. هذه الفرقة كانت تعتقد أن عيسى عليه السلام بعد ما مات دخل جهنم ونجى أرواح قابيل وأهل سدوم لأنهم حضروا عنده وكانوا غير مطيعين لإله خالق الشر وأبقى أرواح هابيل ونوح وإبراهيم والصلحاء الآخرين من القدماء في جهنم لأنهم خالفوا الفرقة الأولى. (وهذه الفرقة كانت تعتقد أن خالق العالم ليس منحصراً في الإله الذي أرسل عيسى ولذلك ما كانت تسلم كون كتب العهد العتيق إلهامية) انتهى.
 
فكانت عقيدة هذه الفرقة مشتملة على أمور:‏
 
‏1- جميع الأرواح سواء كانت أرواح الأنبياء والصلحاء أو الأشقياء كانت معذبة في جهنم قبل دخول عيسى عليه السلام.‏
 
2- أن عيسى عليه السلام دخل جهنم.‏
 
3- أن عيسى عليه السلام نجى أرواح الأشقياء من العذاب وأبقى أرواح الأنبياء والصلحاء فيه.‏
 
4- أن هؤلاء الصلحاء مخالفون لعيسى والأشقياء موافقون له.‏
 
5- أن خالق العالم إلهان خالق الخير وخالق الشر وعيسى عليه السلام رسول الأول والأنبياء الآخرون المشهورون رسل الثاني.‏
 
6- كتب العهد العتيق ليست إلهامية.
 
وقال صاحب ميزان الحق في كتابه المسمى بحل الإشكال في جواب كشف الأستار هكذا: (الحق أنه توجد في العقيدة المسيحية أن المسيح دخل جهنم وقام في اليوم الثالث وعرج إلى السماء لكن المراد ههنا من جهنم هاوس وهو موضع ما بين جهنم والفلك الأصلي والمعنى أنه دخل هاوس ليرى أهله جلاله وينبههم على أني مالك الحياة وأني أعطيت كفارة الذنب بالموت الصليبي وجعلت الشيطان وجهنم مغلوبين وللمؤمنين كالمعدومين) انتهى ملخصاً.
 
(أقول) أولاً: ثبت من ظاهر كتاب الصلاة وكلام فيلبس كوادلونس وثبت صراحة من إقرار مارطيروس ويوسف ولف ومن عقيدة اتهاني سيش أن جهنم على معناه، واعترف هو أيضاً أنه يوجد هذا في العقيدة ثم أول، فتأويله بدون الدليل لا يقبل ولا بد عليه أن يثبت من كتبه أن ما بين جهنم والفلك الأصلي مكان يسمى بهاوس ثم يثبت من هذه الكتب أن دخول المسيح في جهنم كان لأجل الإراءة والتنبيه المذكورين على أنه لا وجود للأفلاك عند حكماء أوروبا، وعلماء بروتستنت من المتأخرين يتابعونهم في هذا الرأي فكيف يصح هذا التوجيه على زعمهم.
 
(ثم أقول) ثانياً: إن هذا الهاوس محل السرور والثواب أو محل المحن والعقاب، فإن كان الأول فلا حاجة إلى تنبيه أهله لأنهم كانوا قبل هذا في سرور وعيشة راضية، وإن كان الثاني فلا فائدة في التأويل لأن جهنم الأرواح لا يكون إلا محل عذابها.
 
(ثم أقول) ثالثاً: إن كون الموت الصليبي كفارة الذنب غير معقول يقيناً لأن المراد بهذا الذنب على زعمهم الذنب الأصلي الذي صدر عن آدم عليه السلام لا الذنب الذي يصدر عن أولاده، ولا يجوز أن يعاقب أولاده على هذا الذنب الأصلي لأن الأبناء لا يؤاخذون بذنوب الآباء ولا بالعكس بل هو خلاف العدل.. الآية العشرون من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال هكذا: (النفس التي تخطئ فهي تموت والابن لا يحمل إثم الأب والأب لا يحمل إثم الابن وعدل العادل يكون عليه ونفاق المنافق يكون عليه).
 
(ثم أقول) رابعاً: ما معنى جعل الشيطان مغلوباً بالموت لأنه على حكم إنجيلهم مقيد بقيود أبدية قبل ميلاد عيسى عليه السلام. الآية السادسة من رسالة يهودا هكذا: (والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام). ثم العجب أنهم لا يكتفون بموت إلههم المزعوم ودخوله جهنم بل يزيدون عليهما أنه صار ملعوناً أيضاً والعياذ بالله وملعونيته مسلمة عند المسيحيين ويسلمها صاحب ميزان الحق أيضاً بكمال رضا الخاطر ويصرح بها في كتبه وصرح بها مقدسهم بولس أيضاً. الآية الثالثة عشرة من الباب الثالث من رسالته إلى أهل غلاطية هكذا: (المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة) وعندنا إطلاق مثل هذا اللفظ شنيع جداً بل لاعن الله واجب الرجم بحكم التوراة ورجم واحد على هذا الخطأ في عهد موسى عليه السلام كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من سفر الأخبار، بل لاعن الأبوين أيضاً واجب القتل فضلاً عن لاعن الله كما هو مصرح في الباب العشرين من السفر المذكور.
 
(القول السابع): في الآية السابعة عشرة من الباب العشرين من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام في خطاب مريم المجدلية هكذا: (لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) فسوى بينه وبين الناس في هذا القول (أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) لكيلا يتقولوا عليه الباطل فيقولوا إنه إله أو ابن إله فكما أن تلاميذه عباد الله وليسوا بأبناء الله حقيقة بل بالمعنى المجازي فكذلك هو عبد الله وليس بإبن الله حقيقة ولما كان هذا القول بعد ما قام عيسى عليه السلام من الأموات على زعمهم قبل العروج بقليل ثبت أنه كان يصرح بأني عبد الله إلى زمان العروج وهذا القول يطابق ما حكى الله عنه في القرآن المجيد: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم}.
 
(القول الثامن): في الآية الثامنة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام هكذا: (إن أبي أعظم مني) ففيه أيضاً نفي لألوهيته لأن الله ليس كمثله شيء فضلاً عن أن يكون أعظم منه.
 
(القول التاسع): في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام هكذا: (الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني) ففيه أيضاً تصريح بالرسالة وبأن الكلام الذي تسمعونه وحي من جانب الله.
 
(القول العاشر): في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى قول المسيح عليه السلام في خطاب تلاميذه هكذا: 9 (ولا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات) 10 (ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح) فهنا أيضاً صرح (بأن الله واحد وإني معلم لكم).
 
(القول الحادي عشر): في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى هكذا: 36 (حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جشيماني فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك) 37 (ثم أخذ معه بطرس وابني زيدي وابتدأ يحزن ويكتئب) 38 (فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت امكثوا ههنا واسهروا معي) 39 (ثم تقدم قليلاً وخر على وجهه وكان يصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ليس كما أريد بل كما تريد أنت) 40 (ثم جاء إلى التلاميذ الخ) 42 (فمضى أيضاً ثانية وصلى قائلاً يا أبتاه إن لم يكن أن تعبر عني هذه الكأس ألا أشربها فلتكن مشيئتك) 43 (ثم جاء الخ) 44 (فتركهم ومضى أيضاً وصلى ثالثة قائلاً ذلك الكلام بعينه) فأقواله وأحواله المندرجة في هذه العبارات تدل على عبوديته ونفى ألوهيته. أيحزن ويكتئب الإله ويموت ويصلي لإله آخر ويدعو بغاية التضرع لا والله. ولما جاء جنابه الشريف إلى العالم وتجسد ليخلص العالم بدمه الكريم من عذاب الجحيم فما معنى الحزن والاكتئاب وما معنى الدعاء: بأن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس.
 
(القول الثاني عشر): كان من عادته الشريفة أنه إذا عبر عن نفسه كان يعبر بابن الإنسان غالباً كما لا يخفى على ناظر هذا الإنجيل المروج أيضاً: مثلاً في الآية 20 باب 8 و 6 باب 9 و 13 و 27 باب 16 و 9 و 12 و 22 باب 17 و 11 باب 18 و 28 باب 19 و 18 و 28 باب 20 و 27 باب 24 و 24 و 45 و 64 باب 26 من إنجيل متى وهكذا في غيره وظاهر أن ابن الإنسان لا يكون إلا إنساناً.‏
 
 
== الفصل الثالث: في إبطال ألوهية المسيح المسيح ==
قد عرفت في الأمر الخامس من المقدمة أن كلام يوحنا مملوء من المجاز قلما تجد فقرة لا تحتاج إلى التأويل وقد عرفت في الأمر السادس أن الإجمال يوجد كثيراً في أقوال المسيح عليه السلام بحيث لم يفهمها معاصروه ولا تلاميذه في كثير من الأحيان ما لم يفسرها بنفسه وقد عرفت في الأمر الثاني عشر أن عيسى عليه السلام ما بين ألوهيته إلى العروج ببيان لا يبقى فيه شبهة ويفهم منه صراحة هذا المعنى، فالأقوال الذي يتمسك بها المسيحيون غالباً مجملة منقولة من إنجيل يوحنا وعلى ثلاثة أقسام
 
-بعضها لا يدل بحسب معانيها الحقيقية على مقصودهم فاستنباط الألوهية منها مجرد زعمهم، وهذا الاستنباط والزعم ليسا بمعتدّين ولا جائزين في مقابلة البراهين العقلية القطعية والنصوص العيسوية كما عرفت في الفصلين المذكورين،
 
-وبعضها أقوال يفهم تفسيرها من الأقوال المسيحية الأخرى ومن بعض مواضع الإنجيل ففيها أيضاً لا اعتبار لرأيهم
 
-وبعضها أقوال يجب تأويلها عندهم أيضاً فإذا وجب التأويل فنقول لا بد أن يكون هذا التأويل بحيث لا يخالف البراهين والنصوص، وأنى لهم ذلك؟! فلا حاجة إلى نقل الكل بل أنقل الأكثر ليتضح منه للناظر حال استدلالهم ويقيس الباقي عليه.
 
(الأول): من إطلاق لفظ ابن الله على المسيح عليه السلام: أقول هذا الدليل في غاية الضعف بوجهين:
 
أما أولاً فلأن هذا الإطلاق معارض بإطلاق ابن الإنسان كما عرفت وبإطلاق ابن داود فلا بد من التطبيق بحيث لا يثبت المخالفة للبراهين العقلية ولا يلزم منه محال، وأما ثانياً فلأنه لا يصح أن يكون لفظ الابن بمعناه الحقيقي لأن معناه الحقيقي باتفاق لغة أهل العالم من تولد من نطفة الأبوين وهذا محال ههنا، فلا بد من الحمل على المعنى المجازي المناسب لشأن المسيح وقد علم من الإنجيل أن هذا اللفظ في حقه بمعنى الصالح. الآية التاسعة والثلاثون من الباب الخامس عشر من إنجيل مرقس هكذا: (ولما رأى قائد المائة الواقف مقابله أنه صرح هكذا وأسلم الروح قال حقاً كان هذا الإنسان ابن الله) ونقل لوقا قول القائد في الآية السابعة والأربعين من الباب الثالث والعشرين من إنجيله هكذا: (بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً) ففي إنجيل مرقس لفظ ابن الله وفي إنجيل لوقا بدله لفظ البار واستعمل مثل هذااللفظ في حق الصالح غير المسيح أيضاً، كما استعمل مثل ابن إبليس في حق الصالح في الباب الخامس من إنجيل متى هكذا: (و) (طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون) 44 (وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم باركوا لأعينكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسبونكم) 54 (لكي تكون أبناء أبيكم الذي في السماوات) فأطلق عيسى عليه السلام على صانعي السلام والصلح على العاملين بالأعمال المذكورة لفظ أبناء الله وعلى الله لفظ الأب بالنسبة إليهم. وفي الباب الثامن من إنجيل يوحنا في المكالمة التي وقعت بين اليهود والمسيح هكذا: 41 (أنتم تعملون أعمال أبيكم فقالوا له إننا لم نولد من زنا لنا أب واحد وهو الله) 42 (فقال لهم يسوع لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني) الخ 44 (أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ذاك كان قتالاً للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذب وأبو الكذب) فاليهود ادعوا أن لنا أباً واحداً وهو الله وقال المسيح عليه السلام لا بل أبوكم الشيطان وظاهر أن الله والشيطان ليس أباً لهم بالمعنى الحقيقي فلا بد من الحمل على المعنى المجازي فغرض اليهود نحن صالحون ومطيعون لأمر الله، وغرض المسيح عليه السلام إنكم لستم كذلك بل أنتم صالحون مطيعون للشيطان وفي الباب الثالث من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: 9 (كل من هو مولود من الله لا يفعل خطيئة لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله) 10 (بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس) الخ وفي الآية السابعة من الباب الرابع من الرسالة المذكورة: (وكل من يحب فقد ولد من الله) وفي الباب الخامس من الرسالة المذكورة: (كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضاً) 2 (بهذا نعرف أننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه) والآية الرابعة عشرة من الباب الثامن من الرسالة الرومية هكذا: (لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله) وفي الباب الثاني من رسالة بولس إلى أهل فيلبس هكذا: 14 (افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة) 15 (لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء أولاد الله بلا عيب) ودلالة هذه الأقوال على ما قلت غير خفية، وإذا لم يفهم من إطلاق لفظ الله ومثله الألوهية كما عرفت في الأمر الرابع من المقدمة فكيف يفهم من لفظ ابن الله ومثله سيما إذا لاحظنا كثرة وقوع المجاز في كتب العهد العتيق والجديد، كما عرفت في المقدمة وسيما إذا لاحظنا أن استعمال الأب والابن في كتب العهدين جاء في المواضع الغير المحصورة وأنقل بعضها بطريق الأنموذج:
 
-[1] قال لوقا في الباب الثالث من إنجيله في بيان نسب المسيح عليه السلام أنه ابن يوسف وآدم ابن الله وظاهر أن آدم عليه السلام ليس ابناً للّه بالمعنى الحقيقي ولا إلهاً لكن لما ولد بلا أبوين نسبه إلى الله. وللّه در لوقا لقد أجاد ههنا لأنه لما كان المسيح عليه السلام مولوداً بلا أب فقط نسبه إلى يوسف النجار ولما كان آدم عليه السلام مولوداً بلا أبوين نسبه إلى الله.
 
-[2] في الباب الرابع من سفر الخروج قول الله هكذا: 22 (وتقول له هذا ما يقول الرب ابني بكري إسرائيل) 33 (فقلت له أطلق ابني ليعبدني وإن أبيت أن تطلقه هو ذا أنا سأقتل ابنك بكرك) فأطلق على إسرائيل لفظ ابن الله في الموضعين بل أطلق عليه لفظ الابن البكر.
 
-[3] في الزبور الثامن والثمانين قول داود عليه السلام في خطاب الله هكذا: 19 (حينئذ كلمت نبيك بالوحي وقلت إني وضعت عوناً على القوي ورفعت منتخباً من شعبي) 20 (وجدت داود عبدي فمسحته بدهن قدسي) 26 (هو يدعونني أنت أبي وإلهي وناصر خلاصي) 27 (وأنا أيضاً أجعله بكراً أعلى من كل ملوك الأرض) فأطلق على الله لفظ الأب وعلى داود لفظ القوي والمنتخب والمسيح وابن الله البكر وأعلى من كل ملوك الأرض.
 
-[4] الآية التاسعة من الباب الحادي والثلاثين من كتاب أرساء قول الله هكذا: (إني صرت أباً لإسرائيل وأفرام هو بكري) فأطلق على أفرام لفظ ابن الله البكر فلو كان إطلاق مثل هذه الألفاظ موجباً للألوهية لكان إسرائيل وداود وأفرام أحقاء بالألوهية لأن الابن البكر أحق بالإكرام من غيره بحسب الشرائع السابقة وبحسب الزواج العام أيضاً وإن قالوا جاء في حق عيسى عليه السلام لفظ الابن الوحيد قلنا إن الوحيد لا يمكن أن يكون بمعناه لأن الله أثبت له أخوة كثيرين وقال في حق الثلاثة منهم لفظ الابن البكر بل لا بد أن يكون بالمعنى المجازي مثل الابن.
 
-[5] في الباب السابع من سفر صموئيل الثاني قول الله تعالى في حق سليمان هكذا: (وأنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً) فلو كان إطلاق هذا اللفظ سبباً للألوهية لكان سليمان عليه السلام أحق من المسيح عليه السلام لسبقه وكونه من آباء المسيح عليه السلام.
 
-[6] في الآية الأولى من الباب الرابع عشر والآية التاسعة عشرة من الباب الثاني والثلاثين من كتاب الاستثناء، والآية الثانية من الباب الأول والآية الأولى من الباب الثلاثين، والآية الثامنة من الباب الثالث والستين من كتاب أشعيا، والآية العاشرة من الباب الأول من كتاب هوشع، جاء إطلاق أبناء الله على جميع بني إسرائيل.
 
-[7] في الآية السادسة عشرة من الباب الثالث والستين من كتاب أشعيا، قول أشعيا في خطاب الله هكذا: (فإنك أنت أبونا وإبراهيم لم يعرفنا وإسرائيل جهلنا أنت يا رب أبونا فخلصنا من الدهر اسمك). الآية الثامنة من الباب الرابع والستين من الكتاب المذكور هكذا: (والآن يا رب أنت أبونا) الخ، فصرح أشعيا عليه السلام في حقه وحق غيره من بني إسرائيل: بأن الله أبونا.
 
-[8] الآية السابعة من الباب الثامن والثلاثين من كتاب أيوب هكذا: (إذا كان تسبح لي نجوم الصبح جميعاً ويفرحون جميع بني الله).
 
-[9] قد عرفت في صدر الجواب أنه جاء إطلاق أبناء الله على الصالحين وعلى المؤمنين بالمسيح وعلى المحبين وعلى المطيعين لأمر الله، وعلى العاملين بالأعمال الحسنة.
 
-[10] الآية الخامسة من الزبور السابع والستين هكذا: (أبو اليتامى وحاكم الأرامل الله في موضع قدسه). فأطلق على الله لفظ أبي اليتامى.
 
-[11] في الباب السادس من سفر الخليقة هكذا 2: (فرأى بنو الله بنات الناس أنهن حسنات، واتخذوا لهم نساء من كل ما اختاروا) 4: (فأما الجبابرة كانوا في تلك الأيام على الأرض لأن من بعد ما دخل أبناء الله على بنات الناس وولدن، فهؤلاء هم أقوياء منذ الدهر مشهورون) والمراد بأبناء الله بنو الأشراف وببنات الناس بنات العامة، ولذا ترجم مترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م الآية الأولى هكذا: (رأى بنو الأشراف بنات العامة حساناً فاتخذوا لهم نساء) فجاء إطلاق أبناء الله على أبناء الأشراف مطلقاً، وفهم منه صحة إطلاق الله على الشريف أيضاً.
 
-[12] جاء في المواضع الكثيرة من الإنجيل، إطلاق لفظ أبيكم على الله في خطاب التلاميذ وغيرهم.
 
-[13] قد يضاف لفظ الابن والأب إلى شيء له مناسبة ما، بمعناها الحقيقي كإطلاق أبي الكذب على الشيطان كما عرفت، وكإطلاق أبناء جهنم وأولاد أورشليم على اليهود في كلام المسيح عليه السلام في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى، وجاء إطلاق أبناء الدهر على أهل الدنيا، وجاء إطلاق أبناء الله وأبناء القيامة على أهل الجنة، في قول المسيح عليه السلام في الباب العشرين من لوقا. وفي الآية الخامسة من الباب الخامس من الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي جاء إطلاق أبناء النور وأبناء النهار على أهل تسالونيقي.
 
الثاني في الآية الثالثة والعشرين من الباب الثامن من إنجيل يوحنا هكذا: (فقال لهم أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم) يعني أني إله نزلت من السماء وتجسمت.
 
(أقول): لما كان هذا القول مخالفاً للظاهر لأن عيسى عليه السلام كان من هذا العالم فأولوا بهذا التأويل وهو غير صحيح بوجهين: (الأول): أنه مخالف للبراهين العقلية والنصوص.(والثاني): أن عيسى عليه السلام قال مثل هذا القول في حق تلاميذه أيضاً في الآية التاسعة عشرة من الباب الخامس عشر من إنجيل يوحنا هكذا: (لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته، ولكن إنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم). وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا هكذا 14: (لأنهم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم) [16] (ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم) فقال في حق تلاميذه: إنهم ليسوا من العالم، وسوّى بينه وبينهم في عدم الكون من هذا العالم، فلو كان هذا مستلزماً للألوهية كما زعموا، لزم أن يكونوا كلهم آلهة والعياذ بالله، بل التأويل الصحيح: أنتم طالبو الدنيا الدنية وأنا لست كذلك، بل طالب الآخرة ورضاء الله، وهذا المجاز شائع في الألسنة يقال للزهاد والصلحاء إنهم ليسوا من الدنيا.
 
الثالث: في الآية الثلاثين من الباب العاشر من إنجيل يوحنا هكذا: (أنا والأب واحد) فهذا يدل على اتحاد المسيح بالله. أقول هذا الاستدلال غير صحيح بوجهين: (الأول): أن المسيح عليه السلام عندهم أيضاً إنسان ذو نفس ناطقة، وليس بمتحد بهذا الاعتبار. فيحتاجون إلى التأويل فيقولون: كما أنه إنسان كامل فكذلك إله كامل، فبالاعتبار الأول مغاير، وبالاعتبار الثاني متحد. وقد عرفت أن هذا التأويل باطل. (والثاني): إن مثل هذا وقع في حق الحواريين في الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا 21: (ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الأب فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني) 22 (وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد) 33 (أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكملين إلى واحد). فقوله ليكون الجميع واحداً وقوله [ص 20] ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد. وقوله يكونوا مكملين إلى واحد، تدل على اتحادهم. وسوّى في القول الثاني بين اتحاده بالله وبين اتحاده فيما بينهم. وظاهر أن اتحاده فيما بينهم ليس حقيقياً، فكذا اتحاده بالله، بل الحق أن الاتحادبالله عبارة عن إطاعة أحكامه والعمل بالأعمال الصالحة، وفي نفس هذا الاتحاد المسيح والحواريون وجميع أهل الإيمان متساوية الأقدام، وإنما الفرق باعتبار القوة والضعف، فاتحاد المسيح بهذا المعنى أشد وأقوى من اتحاد غيره. والدليل على كون الاتحاد عبارة عن هذا المعنى قول يوحنا في الباب الأول من رسالته الأولى وهو هكذا 5: (وهذا هو الخبر الذي سمعناه منه ونخبركم به أن الله نور وليس فيه ظلمة ألبتة 6 إن قلنا إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق 7 ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض). والآية السادسة والسابعة في التراجم الفارسية هكذا: 6 (اكر كونييم كه باوى متحديم ودرظلمت رفتا رنماييم در وغكوييم ودر راستي عمل نتماييم).‏ 7 وأكردر رو شنائى رفتا رنماييم جنا نجه أودر روشنائي مى باشد بايكد يكر متحد هستيم) فوقع فيها بدل لفظ الشركة لفظ الاتحاد فعلم أن الاتحاد بالله أو الشركة بالله عبارة عما قلنا.
 
الرابع: في الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 9 (الذي رآني فقد رأى الأب فكيف تقول أنت أرنا الأب‏10 ألست تؤمن أني أنا في الأب والأب فيّ الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الأب الحالّ فيّ هو يعمل الأعمال) فقوله: الذي رآني فقد رأى الأب، وقوله أنا في الأب والأب فيّ، وقوله الأب الحالّ فيّ دالة على اتحاد المسيح بالله، وهذا الاستدلال أيضاً ضعيف بوجهين: (أما الأول): فلأن رؤية الله في الدنيا ممتنعة عندهم كما عرفت في الأمر الرابع من المقدمة فيؤلونها بالمعرفة، ومعرفة المسيح باعتبار الجسمية أيضاً لا تفيد الاتحاد، فيقولون إن المراد بالمعرفة باعتبار الألوهية، والحلول الذي وقع في القول الثاني والثالث واجب التأويل عند جمهور أهل التثليث، فيقولون إن المراد به الاتحاد الباطني.فبعد هذه التأويلات يقولون إنه لما كان إنساناً كاملاً، وإلهاً عاملاً. صح أقواله الثلاثة بالاعتبار الثاني، وقد عرفت مراراً أنه باطل لأن التأويل يجب أن لا يخالف البراهين والنصوص. (وأما الثاني): فلأن الآية العشرين من الباب المذكور هكذا: (في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيّ وأني فيكم) وقد عرفت في جواب الدليل الثالث أن المسيح قال في حق الحواريين: (أنا فيهم وأنت فيّ) وبديهي أن حال الحال، حال في محل الحال. والآية التاسعة عشرة من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا: (أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم). والآية السادسة عشرة من الباب السادس من الرسالة الثانية إلى قورنيثوس هكذا: (وآية موافقة لهيكل الله مع الأوثان فإنكم أنتم هيكل الله الحي) الخ. والآية السادسة من الباب الرابع من الرسالة إلى أهل أفسس هكذا: (إله وأب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم). فلو كان الحلول مشعراً بالاتحاد ومثبتاً للألوهية لزم أن يكون الحواريون بل جميع أهل قورنيثوس وكذا جميع أهل أفسس آلهة بل الحق أن الأدنى إذا كان من اتباع الأعلى كأن يكون رسوله أو عبده أو تلميذه أو قريباً من أقربائه. فالأمر المنسوب إلى الأدنى من التعظيم والتحقير والمحبة وغيرها، ينسب إلى الأعلى مجازاً ولذلك قال المسيح عليه السلام في حق الحواريين: (من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني). كما وقع في الآية الأربعين من الباب العاشر من إنجيل متى وقال في حق الولد الصغير: (من قبل هذا الولد باسمي يقبلني ومن قبلني يقبل الذي أرسلني) كما هو مصرح في الآية في الآية الثامنة والأربعين من الباب التاسع من إنجيل لوقا. وقال في حق السبعين الذين أرسلهم اثنين اثنين إلى البلاد (الذي يسمع منكم يسمع مني والذي يرذلكم يرذلني والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني) كما هو مصرح في الآية السادسة عشرة في الباب العاشر من إنجيل لوقا.. وهكذا وقع في حق أصحاب اليمين وأصحاب الشمال في الباب الخامس والعشرين من إنجيل متى ولذلك قال الله على لسان أرمياء: (أكلني ابتلعني يختنصر ملك بابل جعلني كإناء فارغ ملأ بطنه من رخصتي وطردني) كما هو مصرح في الباب الحادي والخمسين من كتاب أرمياء ومثل هذا وقع في القرآن المجيد أيضاً: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم}. وقال مولانا المعنوي قدس سره في مثنويه:
 
كرتو خواهي همنشيتي باخدا * رونشين تودر حضور اوليا
 
فمعرفة المسيح بهذا الاعتبار بمنزلة معرفة الله وأما حلول الغير في الله أو حلول الله فيه، وكذا حلول الغير في المسيح أو حلول المسيح فيه، فعبارة عن إطاعة أمرهما. في الباب الثالث من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: (من يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه. وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا). وقد يتمسكون على ألوهيته ببعض حالاته فيستدلون تارة أنه ولد بلا أب وهذا الاستدلال ضعيف جداً، لأن العالم حادث بأسره وما مضى على حدوثه إلى هذا الزمان ستة آلاف سنة على زعمهم. وكل مخلوق من السماء والأرض والجماد والنبات والحيوان وآدم، خلق عندهم في أسبوع واحد فجميع الحيوانات مخلوقة بلا أب وأم فكل من هذه يشارك المسيح في كونه مخلوقاً بلا أب، ويفوق عليه في كونه بلا أم، وتتولد أصناف من الحشرات في كل سنة في موسم نزول المطر بلا أب وأم فكيف يكون هذا الأمر سبباً للألوهية. (ولو نظرنا إلى نوع الإنسان فآدم عليه السلام يفوق عليه، وكذلك ملكي صادوق الكاهن الذي هو معاصر إبراهيم عليه السلام). في الآية الثالثة من الباب السابع من الرسالة العبرانية حاله هكذا: (بلا أب بلا أم بلا نسب لا بداية أيام له ولا نهاية حياة) فيفوق المسيح في كونه بلا أم وفي كونه لا بداية له ويستدلون تارة بمعجزاته، وهذا أيضاً ضعيف لأن من أعظم معجزاته إحياء الموتى مع قطع النظر عن ثبوته، وعن أنه يفهم من هذا الإنجيل المتعارف تكذيبه. أقول إن عيسى عليه السلام بحسب هذا الإنجيل ما أحيا إلى زمان الصلب إلا ثلاثة أشخاص كما عرفت في الباب الأول، وأحيا حزقيال عليه السلام ألوفاً كما هو مصرح في الباب السابع والثلاثين من كتابه، فهو أولى بأن يكون إلهاً، وأحيا إيليا عليه السلام ميتاً كما هو مصرح في الباب السابع عشر من سفر الملوك الأول، وأحيا اليسع عليه السلام أيضاً ميتاً كما هو مصرح في الباب الرابع من سفر الملوك الثاني، وصدرت هذه المعجزة عن اليسع بعد موته، أن ميتاً ألقي في قبره فحيي بإذن الله كما هو مصرح في الباب الثالث عشر من السفر المذكور، وأبرأ الأبرص من برصه، كما هو مصرح في الباب الخامس من السفر المذكور. وقد يتمسكون ببعض آيات كتب العهد العتيق وببعض أقوال الحواريين.
 
وإني قد نقلت هذه التمسكات مع أجوبتها في كتاب إزالة الأوهام، فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إليه، وتركت ذكرها في هذا الكتاب لأن التمسكات الأولية ضعيفة جداً ومع قطع النظر عن الضعف لا يثبت منها الألوهية على زعمهم أيضاً ما لم يعترف أن المسيح إنسان كامل وإله كامل، وهذا التأويل باطل، كما عرفت مراراً، والتمسكات الثانوية حالها كحال التمسكات بالأحوال المسيحية غالباً فيعامل بها معاملة أقوال المسيح من الحالات الثلاث كما عرفت في صدر هذا الفصل. ولو فرضنا أن بعض القول منهم نص على هذا الأمر، فيحمل على أنه بحسب اجتهادهم. وقد عرفت في الباب الأول أن جميع تحريراتهم ليست بالإلهام، وأنه قد وقع منهم الأغلاط والاختلافات والتناقض يقيناً، وقول مقدسهم بولس غير مسلم عندنا لأنه ليس بحواري ولا واجب التسليم عندنا، بل لا نسلم وثاقته. واعلم أرشك الله تعالى إنما نقلت الأقوال المسيحية وأولتها لأجل إتمام الإلزام وإثبات أن تمسكهم بها ضعيف، وكذا ما قلت من أقوال الحواريين إنما هو على تقدير تسليم أنها أقوالهم، ولا يثبت عندنا أنها أقوال المسيح عليه السلام والحواريين لأجل فقدان إسناد هذه الكتب كما عرفت في الباب الأول، ولأجل وقوع التحريف فيها عموماً وفي هذه المسألة خصوصاً أيضاً كما عرفت في الباب الثاني أن عادتهم في مثل هذه الأمور كانت كذلك وعقيدتي أن المسيح والحواريين كانوا برآء من هذه العقيدة الكفرية يقيناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وأن الحواريين رسل رسول الله.
 
ووقعت بين الإمام الهمام الفخر الرازي عليه الرحمة وبين بعض القسيسين مناظرة بخوارزم ولما كان نقلها لا يخلو عن فائدة فأنقلها: قال قدس سره في المجلد الثاني من تفسيره في سورة آل عمران تحت تفسير قوله تعالى: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} الآية. اتفق أني حين كنت بخوارزم أخبرت أنه جاء نصراني يدعي التحقيق والتعمق في مذهبهم فذهبت إليه وشرعنا في الحديث، فقال لي ما الدليل على نبوة محمد {{صل}}. فقلت له: كما نقل إلينا ظهور الخوارق على يد موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام، نقل إلينا ظهور الخوارق على يد محمد {{صل}} فإن رددنا التواتر أو قبلناه لكن قلنا إن المعجزة لا تدل على الصدق فحينئذ بطلت نبوة سائر الأنبياء عليهم السلام، وإن اعترفنا بصحة التواتر واعترفنا بدلالة المعجزة على الصدق ثم إنهما حاصلان في حق محمد {{صل}}، وجب الاعتراف قطعاً بنبوة محمد عليه السلام ضرورة. إذ عند الاستواء في الدليل لا بد من الاستواء في حصول المدلول.. فقال النصراني لا أقول في عيسى عليه السلام إنه كان نبياً، بل أقول إنه كان إلهاً. فقلت له الكلام في النبوة لا بد وأن يكون مسبوقاً بمعرفة الإله، وهذا الكلام الذي تقوله باطل ويدل عليه أن الإله عبارة عن موجود واجب الوجود لذاته، يجب ألا يكون جسماً ولا متحيزاً ولا عرضاً, وعيسى عبارة عن هذا الشخص البشري الجسماني الذي وجد بعد أن كان معدوماً، وقتل بعد أن كان حياً على قولكم، وكان طفلاً أولاً ثم صار مترعرعاً، ثم صار شاباً. وكان يأكل ويشرب وَيُحْدِث وينام ويستيقظ. وقد تقرر في بداهة العقول أن المحدث لا يكون قديماً. والمحتاج لا يكون غنياً والممكن لا يكون واجباً والمتغير لا يكون دائماً. (والوجه الثاني) في إبطال هذه المقالة أنكم تعترفون بأن اليهود أخذوه وصلبوه وتركوه حياً على الخشبة، وقد مزقوا ضلعه وأنه كان يحتال في الهرب منهم وفي الاختفاء عنهم، وحين عاملوه بتلك المعاملات أظهر الجزع الشديد. فإن كان إلهاً أو كان الإله حالاً فيه أو كان جزء من الإله حالاً فيه فَلِمَ لَمْ يدفعهم عن نفسه ولِمَ لَمْ يهلكهم بالكلية، وأية حاجة به إلى إظهار الجزع منهم والاحتيال في الفرار منهم. وبالله إنني لأتعجب جداً أن العاقل كيف يليق به أن يقول هذا القول، ويعتقد صحته. فتكاد أن تكون بداهة العقل شاهدة بفساده. (الوجه الثالث) وهو أنه إما أن يقال بأن الإله هو هذا الشخص الجسماني المشاهد، أو يقال حل الإله بكليته. أو حل بعض الإله وجزأ منه فيه والأقسام الثلاثة باطلة: أما الأول، فلأن إله العالم لو كان هو ذلك الجسم فحين قتله اليهود كان ذلك قولاً بأن اليهود قتلوا إله العالم فكيف بقي العالم بعد ذلك من غير إله. ثم إن أشد الناس ذلاً ودناءة اليهود فالإله الذي تقتله اليهود إله في غاية العجز. وأما الثاني وهو أن الإله بكليته حل في هذا الجسم فهو أيضاً فاسد لأن الإله إن لم يكن جسماً ولا عرضاً امتنع حلوله في الجسم، وإن كان جسماً فحينئذ يكون حلوله في جسم آخر عبارة عن اختلاط أجزائه بأجزاء ذلك الجسم، وذلك يوجب وقوع التفرق في أجزاء ذلك الإله. وإن كان عرضاً كان محتاجاً إلى المحل وكان الإله محتاجاً إلى غيره. وكل ذلك سخيف. وأما الثالث وهو أنه حل فيه بعض من أبعاض الإله وجزء من أجزائه فذلك أيضاً محال، لأن ذلك الجزء إن كان معتبراً في الإلهية فعند انفصاله عن الإله وجب أن لا يبقى الإله إلهاً وإن لم يكن معتبراً في تحقيق الإلهية لم يكن جزءاً من الإله. فثبت فساد هذه الأقسام فكان قول النصارى باطلاً. (الوجه الرابع) في بطلان قول النصارى ما ثبت بالتواتر من أن عيسى عليه السلام كان عظيم الرغبة في العبادة والطاعة ولو كان إلهاً لاستحال ذلك لأن الإله لا يعبد نفسه. فهذه وجوه في غاية الجلاء والظهور دالة على فساد قولهم.
 
ثم قلت للنصراني وما الذي دلك على كونه إلهاً فقال الذي دل عليه ظهور العجائب عليه من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وذلك لا يمكن حصوله إلا بقدرة الإله تعالى. فقلت له هل تسلم أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول أم لا. فإن لم تسلم لزمك من نفي العالم في الأزل نفي الصانع، وإن سلمت أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول فأقول لما جوزت حلول الإله في بدن عيسى عليه السلام فكيف عرفت أن الإله ما حل بدني وبدنك ومن بدن كل حيوان ونبات وجماد. فقال الفرق ظاهر وذلك لأني إنما حكمت بذلك الحلول لأنه ظهرت تلك الأفعال العجيبة عليه، والأفعال العجيبة ما ظهرت على يدي ولا على يدك فعلمنا أن ذلك الحلول مفقود ههنا. فقلت له تبين الآن أنك ما عرفت معنى قولي إنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول، وذلك لأن ظهور تلك الخوارق دالة على حلول الإله في بدن عيسى عليه السلام، فعدم ظهور تلك الخوارق مني ومنك ليس فيه إلا أنه لم يوجد ذلك الدليل، فإذا ثبت أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول لا يلزم من عدم ظهور تلك الخوارق مني ومنك عدم الحلول في حقي وفي حقك بل وفي حق الكلب والسنور والفأر، ثم قلت إن مذهباً يؤدي القول به إلى تجويز حلول ذات الله في بدن الكلب والذباب لفي غاية الخسة والركاكة. ثم إن قلب العصا حية أبعد في العقل من إعادة الميت حياً، لأن المشاكلة بين بدن الحي وبدن الميت أكثر من المشاكلة بين الخشبة وبين بدن الثعبان، فإذا لم يوجب قلب العصا حية كون موسى عليه السلام إلهاً وابناً للإله فبأن لا يدل إحياء الموتى على الإلهية كان ذلك أولى وعند هذا انقطع النصراني ولم يبق له كلام والله أعلم. انتهى كلامه بعبارته الشريفة.
 
{{إظهار الحق}}