الفرق بين المراجعتين لصفحة: «ألف ليلة وليلة/الجزء الثالث»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 396:
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
 
 
== الليلة السادسة والستين ==
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملكة أبريزة لما قالت للبطريق ذلك قال: وحق المسيح لقد قلت الحق ولكن ما يخرج له ولا غيري فقالت الجارية: اصبر حتى أذهب إليه وأعرفه بحقيقة الأمر وأنظر ما عنده من الجواب فإن أجاب الأمر كذلك وإن أبى فلا سبيل لكم إليه وأكون أنا ومن في الدير فداءه. ثم أقبلت على شركان وأخبرته بما كان فتبسم وعلم أنها لم تخبر أحداً بأمره وإنما شاع خبره حتى وصل إلى الملك بغير إرادتها فرجع باللوم على نفسه وقال: كيف رميت روحي في بلاد الروم؟ ثم إنه لما سمع كلام الجارية قال لها: إن بروزهم لي واحداً واحد جحاف بهم فهلا يبرزون لي عشرة بعد عشرة؟ وبعد ذلك وثب على قدميه وسار إلى أن أقبل عليهم وكان معه سيفه وآلة حربه، فلما رآه البطريق وثب إليه وحل عليه فقابله شركان كأنه الأسد وضربه بالسيف على عاتقه فخرج السيف يلمع من أمعائه، فلما نظرت الجارية ذلك عظم قدر شركان عندها وعرفت أنها لم تصرعه حين صرعته بقوتها بل بحسنها وجمالها. ثم إن الجارية أقبلت على البطارقة وقالت لهم: خذوا بثأر صاحبكم فخرج له أخو المقتول وكان جباراً عنيداً فحمل على شركان فلم يمهله شركان دون أن ضربه بالسيف على عاتقه فخرج السيف يلمع من أمعائه.
فعند ذلك نادت الجارية وقالت: يا عباد المسيح خذوا بثأر صاحبكم، فلم يزالوا يبرزوا إليه واحداً بعد واحد وشركان يلعب فيهم بسيفه حتى قتل منهم خمسين بطريقاً والجارية تنظر غلتهم وقد قذف الله الرعب في قلوب من بقي منهم وقد تأخروا عن البراز ولم يجسروا على البراز إليه واحداً واحداً بل حملوا عليه حملة واحدة بأجمعهم وحمل عليهم بقلب أقوى من الحجر إلى أن طحنهم طحن الدروس وسلب منهم العقول والنفوس فصاحت الجارية على جواريها وقالت لهن: من بقي في الدير؟ فقلن لها: لم يبق إلا البوابين، ثم إن الملكة لاقته وأخذته بالأحضان وطلع شركان معها إلى القصر بعد فراغه من القتال، وكان قد بقي منهم قليل كامن في زوايا الدير فلما نظرت الجارية إلى ذلك لقليل قامت من عند شركان ثم رجعت إليه وعليها زردية ضيقة العيون وبيدها صارم مهند وقالت: وحق المسيح لا أبخل بنفسي على ضيفي ولا أتخلى عنه ولم أبق بسبب ذلك معيرة في بلاد الروم ثم إنها تأملت البطارقة فوجدتهم قد قتل منهم ثمانون وانهزم منهم عشرون، فلما نظرت إلى ما صنع بالقوم قالت له: بمثلك تفتخر الفرسان فلله درك يا شركان، ثم إنه قام بعد ذلك يمسح سيفه من دم القتلى وينشد هذه الأبيات:
السطر 423 ⟵ 425:
فلما سمع شركان من ذلك الفارس هذا الكلام، رفع طرف إليه وأمعن النظر فيه فوجده الملكة إبريزة التي وقع له معها ما وقع في الدير، فلما عرفها رمى السيف من يده وقبل الأرض بين يديها، وقال لها: ما حملك على هذه الأفعال؟ فقالت له: أردت أن أختبرك في الميدان، وأنظر ثباتك في الحرب والطعان وهؤلاء الذين معي كلهن جواري وكلهن بنات أبكار وقد قهرن فرسانك في حزمة الميدان ولولا أن جوادي قد عثر بي، لكنت ترى قوتي وجلادي فتبسم شركان من قولها وقال: الحمد لله على السلامة وعلى اجتماعي بك يا ملكة الزمان، ثم إن الملكة إبريزة صاحت على جواريها وأمرتهن بالرحيل بعد أن يطلقن العشرين أسيراً الذين كن أسرتهن من قوم شركان، فامتثلت الجواري أمرها ثم قبلن الأرض بين يديها، فقال لهن: مثلكن من يكون عند الملوك مدخراً للشدائد ثم إنه أشار إلى أصحابه أن يسلموا عليها فترجلوا جميعاً وقبلوا الأرض بين يدي الملكة إبريزة ثم ركب المائتا فارس وساروا في الليل والنهار مدة ستة أيام وبعد ذلك أقبلوا على الديار، فأمر شركان الملكة إبريزة وجواريها أن ينزعن ما عليهن من لباس الإفرنج، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
 
 
== وفي الليلة السابعة والستين ==
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن شركان أمر الملكة إبريزة وجواريها أن ينزعن ما عليهن من الثياب وأن يلبسن لباس بنات الروم ففعلن ذلك، ثم إنه أرسل جماعة من أصحابه إلى بغداد ليعلم والده عمر النعمان بقدومه، ويخبره أن الملكة إبريزة بنت ملك الروم جاءت صحبته لأجل أن يرسل مركباً لملاقاتهم ثم إنهم نزلوا من وقتهم وساعتهم في المكان الذي وصلوا إليه وباتوا فيه إلى الصباح فلما أصبح ركب شركان هو ومن معه وركبت أيضاً الملكة إبريزة هي ومن معها واستقبلوا المدينة وإذا بالوزير دندان قد أقبل في ألف فارس من أجل ملاقاة الملكة إبريزة هي وشركان وكان خروجه بإشارة الملك عمر النعمان كما أرسل إليه ولده شركان فلما قربوا منهما توجهوا إليهما وقبلوا الأرض بين أيديهما، ثم ركبا وركبوا معهما وصاروا في خدمتهما حتى وصلا إلى المدينة وطلعا قصر الملك ودخل شركان على والده، فقام إليه واعتنقه وسأل عن الخبر فأخبره بما قالته الملكة إبريزة وما اتفق له معها، وكيف فارقت مملكتها وفارقت أباها، وقال لها إنها اختارت الرحيل معنا والقعود عندنا وأن ملك القسطنطينية أراد أن يعمل لنا حيلة من أجل صفية بنته لأن ملك الروم قد أخبره بحكايتها وبسبب إهدائها إليك وأن ملك الروم ما كان يعرف ذلك ما كان أهداها إليك بل كان يردها إلى والدها ثم قال شركان لوالده: وما يخلصنا من هذه الحيل والمكايد إلا إبريزة بنت ملك القسطنطينية وما رأينا أشجع منها ثم أنه شرع يحكي لأبيه ما وقع له معها من أوله إلى آخره من أمر المصارعة والمبارزة.
فلما سمع الملك عمر النعمان من ولده شركان ذلك الكلام عظمت إبريزة عنده وصار يتمنى أن يراها، ثم إنه طلبها لأجل أن يسألها فعند ذلك ذهب شركان إليها وقال لها: إن الملك يدعوك فأجابت بالسمع والطاعة، فأخذها شركان وأتى بها إلى والده وكان والده قاعداً على كرسيه وأخرج من كان عنده ولم يبق عنده غير الخدم فلما دخلت الملكة إبريزة على الملك عمر النعمان وقبلت الأرض بين يديه وتكلمت بأحسن الكلام فتعجب الملك من فصاحتها وشكرها على ما فعلت مع ولده شركان وأمرها بالجلوس فجلست وكشفت عن وجهها فلما رآها الملك خبل بينه وبين عقله ثم إنه قربها إليه وأدناها منه وأفرد لها قصراً مختصاً بها وبجواريها ورتب ثم أخذ يسألها عن تلك الخرزات الثلاث التي تقدم ذكرها سابقاً فقالت له: إن تلك الخرزات معي يا ملك الزمان ثم إنها قامت ومضت إلى محلها وفتحت صندوقاً وأخرجت منه علبة وأخرجت من العلبة حقاً من الذهب وفتحته وأخرجت منه تلك الخرزات الثلاث ثم قبلته وناولتها للملك وانصرفت فأخذت قلبه معها وبعد انصرافها أرسل إلى ولده شركان فحضر فأعطاه خرزة من الثلاث خرزات فسأله عن الاثنتين الأخريين فقال: يا ولدي قد أعطيت منهما واحد لأخيك ضوء المكان والثانية لأختك نزهة الزمان.
السطر 440 ⟵ 444:
فقالت لها: هاتيه عندي حتى أحدثه، فخرجت له مرجانة وقالت له: يا غضبان قد أسعدك الله إن قبلت من سيدتك ما تقوله لك من الكلام ثم أخذت بيده واقبلت على سيدتها فلما رآها قبل الأرض بين يديها فحين رأته نفر قلبها منه لكنها قالت في نفسها: إن الضرورة لها أحكام وأقبلت عليه تحدثه وقلبها نافر منه وقالت له: يا غضبان هل فيك مساعدة لنا على غدرات الزمان وإذا أظهرتك على أمري تكون كاتماً له. فلما نظر العبد إليها ورأى حسنها ملكت قلبه وعشقها لوقته وقال لها: يا سيدتي إن أمرتيني بشيء لا أخرج عنه فقالت له: أريد منك في هذه الساعة أن تأخذني وتأخذ جاريتي هذه وتشد لنا راحلتين وفرسين من خيل الملك وتضع على كل فرس خرجاً من المال وشيئاً من الزاد وترحل معنا إلى بلادنا وإن أقمت عندنا زوجناك من تختارها من جواري وإن طلبت الرجوع إلى بلادك أعطيناك ما تحب ثم ترجع إلى بلادك بعد أن تأخذ ما يكفيك من المال.
فلما سمع الغضبان ذلك الكلام فرح فرحاً شديداً وقال: يا سيدتي إني أخدمكما بعيوني وأمضي معكما وأشد لكما الخيل. ثم مضى وهو فرحان وقال في نفسه: قد بلغت ما أريد منهما، وإن لم يطاوعني قتلتهما وأخذت ما معهما من المال وأضمر ذلك في سره، ثم مضى وعاد ومعه راحلتان وثلاث من الخيل وهو راكب إحداهن وأقبل على الملكة إبريزة وقدم إليها فرساً فركبتها وهي متوجعة من الطلق فما قدرت أن تمسك نفسها على الفرس، فقالت للغضبان: أنزلني فقد لحقني الطلق وقالت لمرجانة: انزلي واقعدي تحتي وولديني، فعند ذلك نزلت مرجانة من فوق رأسها ونزل الغضبان من فوق فرسه وشد لجام الفرسين ونزلت الملكة إبريزة من فوق فرسها وهي غائبة عن الدنيا من شدة الطلق، وحين رآها الغضبان نزلت على الأرض وقف الشيطان في وجهه فشهر حسامه في وجها وقال: يا سيدتي ارحميني بوصلك، فلما سمعت مقالته التفتت إليه وقالت له: ما بقي إلا العبيد السود بعد ما كنت لا أرضى بالملوك الصناديد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
 
 
== وفي الليلة الثامنة والستين ==