الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الرد على اليهود والنصارى»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obayd (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
Obayd (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
سطر 81:
 
وهذه الفتيا لا تسع البسط الكثير فإذا تبين صدقهم وجب التصديق في كل ما أخبروا به ووجب الحكم بكفر من آمن ببعض وكفر ببعض والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين.
 
'''سئل عن عرضِ الأديان عند الموت:'''
هل لذلك أصل في الكتاب والسنة أم لا؟ وقوله {{صل}}: (إنكم لتفتنون في قبوركم) مالمراد بالفتنة؟ وإذا ارتد العبد والعياذ بالله هل يجازى بأعماله الصالحة قبل الردة أم لا؟ أفتونا مأجورين.
 
فأجاب: الحمد لله رب العالمن، أما عرض الأديان على العبد وقت الموت فليس هو أمرا عاما لكل أحد ولا هو أيضا منتفيا عن كل أحد بل من الناس من تعرض عليه الاديان قبل موته ومنهم من لا تعرض عليه وقد وقع ذلك لأقوام وهذا كله من فتنة المحيا والممات التي أمرنا أن نستعيذ منها في صلاتنا.
 
منها ما في الحديث الصحيح: أمرنا النبي {{صل}} أن نستعيذ في صلاتنا من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. ولكن وقت الموت أحرص ما يكون الشيطان على إغواء بني آدم، لأنه وقت الحاجة. وقد قال النبي {{صل}} في الحديث الصحيح: (الأعمال بخواتيمها) وقال {{صل}} (إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى مايكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ). ولهذا روى: (أن الشيطان أشد ما يكون على ابن آدم حين الموت، يقول لأعوانه: دونكم هذا، فإنه إن فاتكم لن تظفروا به أبدا). وحكاية عبدالله بن أحمد بن حنبل مع أبيه وهو يقول: لا، بعد، مشهورة. ولهذا يقال: إن من لم يحج يخاف عليه من ذلك لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي {{صل}} قال (من ملك زادا أو راحلة تبلغه اي بيت الله الحرام ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا). قال الله تعالى: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾ <ref>( آل عمران:97)</ref> قال عكرمة لما نزلت هذه الاية: ﴿ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ <ref>(آل عمران: 85)</ref> قالت اليهود والنصارى: نحن المسلمون فقال الله لهم ﴿ولله على الناس حج البيت﴾ فقالوا: لا نحجه. فقال تعالى: ﴿ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾. وأما الفتنة في القبور فهي الامتحان والاختبار للميت حين يسأله الملكان فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم (محمد)؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فيقول المؤمن: الله ربي والاسلام ديني ومحمد نبيي وقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه فينتهرانه انتهارة شديدة وهي آخر فتنة التي يفتن بها المؤمن فيقولان له كما قالا أولا. وقد تواترت الاحاديث عن النبي {{صل}} في هذه الفتنة من حديث البراء بن عازب وأنس بن مالك وأبي هريرة وعيرهم رضي الله عنهم وهي عامة للمكلفين، إلاّ لا يفتنون لأن المحنة إنما تكون للمكلفين، وهذا قول القاضي وابن عقيل. وعلة هذا فلا يلقنون بعد الموت وقيل: يلقنون ويفتنون أيضا وهذا قول أبي حكيم وأبي الحسن بن عبدوس ونقله عن أصحابه وهو مطابق لقول من يقول إنهم يكلفون يون القيامة كما هو قول اكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكلام وهو الذي ذكره ألو الحسن الاشعري – رضي الله عنه – عن أهل السنة واختاره وهو مقتضى نصوص الامام أحمد. وأما الردة عن الاسلام بأن يصير الرجل كافرا مشركا أو كتابيا فإنه إذا مات على ذلك حبط عمله باتفاق العلماء كما نطق بذلك القرآن الكريم في غير موضع كقوله: ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة﴾ <ref>(البقرة: 217)</ref> وقوله: ﴿ومن يكفر بالايمان فقد حبط علمه﴾ (المائدة: 5) وقوله: ﴿ولوا أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون﴾ <ref>(الانعام: 88)</ref> وقوله: ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ <ref>(الزمر: 65)</ref>. ولكن تنازعوا فيما إذا ارتد ثم عاد الى الاسلام هل تحبطج الاعمال التي عملها قبل الردة أم لا تحبط إلا إذا مات مرتدا؟ على قولين مشهورين هما قولان في مذهب الامام أحمد والحبوط: مذهب أبي حنيفة ومالك والوقوف: مذهب الشافعي. وتنازع الناس أيضا – في المرتد هل يقال: كان له إيمان صحيح يحيط بالردة؟ أم يقال بل بالردة تبينا أن إيمانه كان فاسدا؟ وأن الايمان الصحيح لا يزول البتة؟ على قولين لطوائف الناس وعلى ذلك يبني قول قول المستثنى: أنا مؤمن – إن شاء الله هل يعود الاستثناء الى كمال الايمان؟ أو يعود الى الموافاة في المآل، والله أعلم.
 
'''وسئل: هل جميع الخلق – حتى الملائكة – يموتون؟'''
 
فأجاب:
 
الذي عليه أكثر الناس: أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة، وحتى عزرائيل ملك الموت، وروى في ذلك حديث مرفوع الى النبي {{صل}} والمسلمون واليهود والنصارى متفقون على إمكان ذلك وقدرة الله عليه وإنما يخالف في ذلك طوائف من المتفلسفة أتباع أرسطو وأمثالهم ومن دخل معهم من المنتسبين الى الاسلام أو اليهود والنصارى كأصحاب (رسائل إخوان الصفا) وأمثالهم ممن زعم أن الملائكة هي العقول والنفوس وأنه لا يمكن موتها بحال بل هي عندهم آلهة وأرباب لهذا العالم. والقرآن وسائر الكتب تنطق بأن الملائكة عبيد مدبرون كما قال سبحانه ﴿لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا﴾ <ref>(النساء: 172)</ref> وقال تعالى ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهو بأمره يعملون. يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾ <ref>(الانبياء: 26-28)</ref>، وقال: ﴿وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلاّ من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى﴾ <ref>(النجم:26)</ref>. والله – سبحانه – قادر على أن يميتهم ثم يحييهم كما هو قادر على إماتة البشر والجن ثم إحيائهم وقد قال سبحانه: ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى﴾ <ref>(الروم: 27)</ref>. وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي {{صل}} من غير وجه وعن غير واحد من الصحابة أنه قال: (إن الله إذا تكلم بالوحي أخذ الملائكة مثل الغشى) وفي رواية: (إذا سمعت الملائكة كلامه صعقوا) وفي رواية: (سمعت الملائكة كجر السلسة على الصفوان فيصعقون فإذا فزع عن قلوبهم) أي: أزيل الفزع عن قلوبهم ( قالوا: ما قال ربكم؟ قالوا: الحق فينادون: الحق، الحق) فقد أخبر هذه الأحاديث الصحيحة أنهم يصعقون صعق الغشي فإذ جاز عليهم صعق الغشي جاز صعق الموت وهؤلاء المتفلسفة لا يجوزون لا هذا ولا هذا وصعق الغشي وهو مثل صعق موسى – عليه السلام – قال تعالى ﴿فملا تجلى ربه للجبل جعله دكاء وخر موسى صعقا﴾ <ref>(الاعراف: 143)</ref>.
 
والقرآن قد أخبر بثلاث نفخات:نفخة الفزع ذكرها في سورة النمل في قوله ﴿ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلاّ من شاء الله وكل أتوه داخرين﴾ <ref>(النمل: 87)</ref>. ونفخة الصعق والقيام ذكرهما في قوله: ﴿ويوم ينفه في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلاّ من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون﴾ <ref>(الزمر: 68)</ref> وأما الاستثناء فهو متناول لمن في الجنة من الحو العين فإن الجنة ليس فيها موت ومتناول لغيرهم ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله فإن الله أطلق في كتابه. وقد ثبت في الصحيح أن النبي {{صل}} قال: (إن الناس يُصعقون يوم القيامة فأكون أول من يُفيق فأجد موسى آخذا بساق العرش فلا أدري هل أفاق قبلي أم كان ممن استثناه الله؟) وهذه الصعقة قد قيل: إنها رابعة وقيل إنها من المذكورات في القرآن.
 
وبكل حال: النبي {{صل}} قد توقف في موسى وهل هو داخل في الاستثناء فيمن استثناه الله أم لا. فإذا كان النبي {{صل}} لم يخبر بكل من استثنى الله لم يمكنا نحن أن نجزم بذلك وصار هذا مثل العلم بوقت الساعة وأعيان الانبياء وأمثال ذلك مما لم يخبر به وهذا العلم لا ينال إلا بالخبر والله أعلم، {{صل}}.
 
قال شيخ الاسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية – رحمه الله:-
 
==فصل==
 
مذهب سائر المسلمين بل وسائر أهل الملل إثبات القيامة الكبرى وقيام الناس من قبورهم والثواب والعقاب هناك وإثبات الثواب والعقاب في البرزخ – ما بين الموت الى يوم القيامة هذا قول السلف قاطبة وأهل السنة والجماعة، وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع.
 
لكن من أهل الكلام من يقول: هذا إنما يكون على البدن فقط كأنه ليس عنده نفس تفارق البدن كقول من يقول ذلك من المعتزة والأشعرية.
 
ومنهم من يقول:بل هو على النفس فقط بناء على أنه ليس في البرزخ عذاب على البدن ولا نعيم كما يقول ذلك ابن ميسرة وابن حزم.
 
ومن من يقول: بل البدن ينعم ويعذب بلا حياة فيه كما قاله طائفة من أهل الحديث وابن الزاغوني يميل الى هذا في مصنفه في حياة الانبياء في قبورهم وقد بسط الكرم على هذا في مواضع. والمقصود هنا أن كثيرا من أهل الكلام ينكر أن يكون للنفس وجود بعد الموت ولا ثواب ولا عقاب ويزعمون أنه لم يدل على ذلك القرآن والحديث كما أن الذين أنكروا عذاب القبر والبرزخ مطلقا زعموا أنه لم يدل على ذلك القرآن وهو غلط، بل القرآن قد بين في غير موضع بقاء النفس بعد فراق البدن وبين النعيم والعذاب في البرزخ. وهو – سبحانه – وتعالى في السورة الواحدة يذكر (القيامة الكبرى) و(الصغرى) كما في سورة الواقعة، فإنه ذكر في أولها القيامة الكبرى وأن الناس يكونون أزواجا ثلاثة كما قال تعالى ﴿إذا وقعت الواقعة. ليس لوقعتها كاذبة. خافضة رافعة. إذا رجت الأرض رجا. وبست الجبال بسا. فكانت هباءً منبثا. وكنتم أزواجا ثلاثة﴾ <ref>(الواقعة: 1-7)</ref>. ثم إنه في آخرها ذكر القيامة الصغرى بالموت وأنهم ثلاثة أصناف بعد الموت، فقال: ﴿فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون. ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون. فلولا إن كنتم غير مدينين. ترجعونها إن كنتم صادقين. فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم. وأما إن كان من أصحاب اليمين. فسلام لك من أصحاب اليمين. وأما إن كان من المكذبين الضالين. فنزل من حميم وتصلية جحيم﴾ <ref>(الواقعة: 83-94)</ref> فهذا فيه أن النفس تبلغ الحلقوم وأنهم لا يمكنهم رجعها وبين حال المقربين وأصحاب اليمين والمكذبين حينئذ. وفي سورة القيامة ذكر أيضا القيامتين فقال: ﴿لا أقسم بيوم القيامة﴾ <ref>(القيامة: 1)</ref> ثم قال: ﴿ولا أقسم بالنفس اللوامة﴾ <ref>(القيامة: 2)</ref> وهي نفس الانسان. وقد قيل: إن النفس تكون لوامة وغير لوامة وليس كذلك بل نفس كل انسان لوامة فإنه ليس بشر إلا يلوم نفسه ويندم إما في الدنيا وإما في الآخرة فهذا إثبات النفس، ثم ذكر معاد البدن فقال ﴿أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه. بلا قادرين على أن نسوي بنانه. بل يريد الانسان ليفجر أمامه. يسئل أيان يوم القيامة﴾ <ref>(القيامة: 3-6)</ref> ووصف حال القيامة الى قوله ﴿تظن أن يفعل بها فاقرة﴾ <ref>(القيامة: 25)</ref>. ثم ذكر الموت فقال: ﴿كلا إذا بلغت التراقي﴾ <ref>(القيامة:26)</ref> وهذا إثبات للنفس وأنها تبلغ التراقي كما قال هناك ﴿بلغت الحلقوم﴾ <ref>(الواقعة: 83)</ref> والتراقي متصلة بالحلقوم. ثم قال: ﴿وقيل من راق﴾ <ref>(القيامة: 27)</ref> يرقيها وقيل: من صاعد يصعد بها الى الله والاول أظهر، لاأن هذا قبل الموت فإنه قال ﴿وظن أنه الفراق﴾ <ref>(القيامة: 28)</ref> فدل على أنهم يرجونه ويطلبون له راقيا يرقيه، وأيضا فصعودها لا يفتقر الى طلب من يرقي بها فإن لله ملائكة يفعلون مايؤمرون والرقية أعظم الأدوية فإنها دواء روحاني ولهذا قال النبي {{صل}} في صفة المتوكلين: (لا يسترقون) والمراد أنه يخاف الموت ويرجو الحياة بالراقي ولهذا قال: ﴿وظن أنه الفراق﴾. ثم قال: ﴿والتفت الساق بالساق. الى ربك يومئذ المساق﴾ <ref>(القيامة: 29-30)</ref> فدل على نفس موجودة قائمة بنفسها تساق الى ربها والعرض القائم بغيره لا يساق ولا بدن الميت فهذا نص في اثبات نفس تفاق البدن تساق الى ربها كما نطقت بذلك الاحاديث المستفيضة في قبض روح المؤمن وروح الكافر. ثم ذكر بعد هذا صفة الكافر بقوله مع هذا الوعيد الذي قدمه: ﴿فلا صدّق ولا صلى﴾ <ref>(القيامة: 31)</ref> وليس المراد أن كل نفس من هذه النفوس كذلك. وكذلك سورة (ق) هي في ذكر وعي القيامة ومع هذا قال فيها ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد﴾ <ref>(ق: 19)</ref> ثم قال بعد ذلك ﴿ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد﴾ <ref>(ق: 20)</ref> فذكر القيامتين الصغرى والكبرى وقوله ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق﴾ أي: جاءت بما بعد الموت من ثواب وعقاب وهو الحق الذي أخبرت به الرسل ليس مراده أنها جاءت بالحق الذي هو الموت فإن هذا مشهور لم ينازع فيه ولم يقل أحد: إن الموت باطل حتى يقال: جاءت بالحق.
 
وقوله: ﴿ذلك ما كنت منه تحيد﴾ فالانسان وإن أكره الموت فهو يعلم أنه تلاقيه ملائكته وهذا كقوله ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ <ref>(الحجر: 99)</ref> واليقين ما بعد الموت كما قال النبي {{صل}} (أما عثمان ن مظعون فقد جاءه اليقين من ربه) وإلا فنفس الموت – مجر عما بعده – أمر مشهود لم ينازع فيه أحد حتى يسمى يقينا. وذكر عذاب القيامة والبرزخ معا في غير موضع وذكره في قصة آل فرعون فقال ﴿وحاق بآل فرعون سوء العذاب ﴾. <ref>(غافر: 45-46)</ref> وقال في قصة نوح ﴿مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا﴾ <ref>(نوح: 25)</ref> مع إخبار نوح لهم بالقيامة في قوله ﴿والله أنبتكم من الارض نباتا. ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا﴾ <ref>(نوح: 17-18)</ref>. وقد ذكرنا في غير موضع أن الرسل قبل محمد أنذروا بالقيامة الكبرى تكذيبا لمن نفى ذلك من المتفلسفة وقال عن المنافقين ﴿سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم﴾ <ref>(التوبة: 101)</ref> قال غير واحد من العلماء: المرة الاولى في الدنيا والثانية في البرزخ ﴿ثم يردون الى عذاب عظيم﴾ في الآخرة. وقال تعالى في الانعام ﴿ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون. ولقج جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم﴾ <ref>(الانعام: 93-94)</ref> وهذه صفة حال الموت وقوله ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ دل على وجود النفس التي تخرج من البدن وقوله ﴿اليوم تجزون عذاب الهون﴾ دل على وقوع الجزاء عقب الموت. وقال تعالى في الانفال ﴿ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق. ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلاّم للعبيد﴾ <ref>(الانفال: 50-51)</ref> وهذا ذوق له بعد الموت. وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن النبي {{صل}} لما أتى المشركين يوم بدر في القليب ناداهم (يافلان، يفلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فقد وجدت ما وعدني ربي حقا) وهذا دليل على وجودهم وسماعهم وأنهم وجدوا ما وعدوه بعد الموت من العذاب وأما نفس قتلهم فقد علمه الاحياء منهم. وقال تعالى في سورة النساء ﴿إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وسائت مصيرا﴾ <ref>(النساء: 97)</ref> وهذا خطاب لهم إذا توفتهم الملائكة وهم لا يعاينون الملائكة إلاّ وقد يئسوا من الدنيا ومعلوم أن البدن لم يتكلم لسانه بل هو شاهد يعلم أن الذي يخاطب الملائكة هو النفس والمخاطب لا يكون عرضا. وقال تعالى في النحل: ﴿الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون. فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين﴾ <ref>(النحل:28-29)</ref> وهذا القاء للسلم اى حين الموت وقول للملائكة ﴿ماكنا نعمل من سوء﴾ وهذا إنما يكون من النفس. وقد قال في النحل: ﴿الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون﴾ <ref>(النحل: 32)</ref> وقال في السجدة ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون﴾ <ref>(فصلت: 30-31)</ref> وقد ذكروا أن هذا التنزل عند الموت. وقال تعالى في سورة آل عمران ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين﴾ <ref>(آل عمران: 169-171)</ref> وقال قبل ذلك في سورة البقرة ﴿ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون﴾ <ref>(البقرة: 154)</ref>. وأيضا فقال تعالى ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى إلى أجل مسمى﴾ <ref>(الزمر: 42)</ref> وهذا بيان لكون النفس تقبض وقت الموت ثم منها ما يمسك فلا يرسل الى بدنهخ وهو الذي قضى عليه الموت ومنها مايرسل الى أجل مسمى وهذا إنما يكون في شيء يقوم بنفسه لا في عرض قائم بغيره فهو بيان لوجود النفس المفارقة بالموت. والأحاديث الصحيحة توافق هذا كقول النبي {{صل}} (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) وقال – لما ناموا عن صلاة الصبح (إن الله قبض أرواحنا حيث شاء). وقال تعالى ﴿وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون. وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم ليفرطون. ثم ردوا الى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين﴾ <ref>(الانعام: 60-62)</ref> فهذا توف لها بالنوم الى أجل الموت لذي ترجع فيه الى الله واخبار أن الملائكة تتوفاها بالموت ثم يردون الى الله والبدن وما يقوم به من الاعراض لا يرد إنما يرد الروح. وهو مثل قوله في يونس ﴿وردوا الى الله﴾ <ref>(يونس: 3)</ref> وقال تعالى ﴿إن الى ربك الرجعى﴾ <ref>(العلق: 8)</ref> وقال تعالى ﴿يا أيتها النفس المطمئنة. ارجعي الى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي. وادخلي جنتي﴾ <ref>(الفجر: 27-30)</ref> وقال تعالى: ﴿قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم الى ربكم ترجعون﴾ <ref>(السجدة: 11)</ref> وتوفي الملك إنما يكون لما هو موجود قائم بنفسه وإلاّ فالعرض القائم بغيره لا يتوفى فالحياة القائمة بالبدن لاتتوفى بل تزول وتعدم كما تعدم حركته وإدراكه. وقال تعالى في المؤمنين ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون. لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلاّ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون﴾ <ref>(المؤمنون:99،10)</ref> فقوله ﴿ارجعون﴾ طلب لرجع النفس الى البدن كما قال في الواقعة ﴿فلولا إن كنتم غير مدينين. ترجعونها إن كنتم صادقين﴾ <ref>(الواقعة: 86-87)</ref> وهو يبين أن النفس موجودة تفارق البدن بالموت قال تعالى ﴿إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون﴾ <ref>(المؤمنون: 100)</ref> آخره. ،والحمد لله رب العالمين.
 
'''سئل شيخ الاسلام – رحمه الله – عن (الروح المؤمنة) أن الملائكة تتلقاها وتصعد بها الى السماء التي فيها الله.'''
 
فأجاب:أما الحديث المذكور في (قبض روح المؤمن وأنه يصعد بها الى السماء التي فيها الله) فهذا حديث معروف جيد الاسناد وقوله (فيها الله) بمنزلة قوله تعالى ﴿أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الارض فإذا هي تمور. أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير﴾ <ref>(الملك: 16-17)</ref> وبمنزلة ماثبت في الصحيح أن النبي {{صل}} قال لجارية معاوية بن الحكم: (أين الله؟) قالت في السماء، قال: (من أنا؟) قالت أنت رسول الله قال (أعتقها فإنها مؤمنة). وليس المراد بذلك أن السماء تحصر الرب وتحويه كما تحوي الشمس والقمر وغيرهما فإن هذا لايقوله مسلم ولا يتقده عاقل فقد قال – سبحانه وتعالى – ﴿وسع كرسيه السماوات والارض﴾ <ref>(البقرة: 255)</ref> والسماوات في الكرسي كحلقة ملقاة في أرض فلاة والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة والرب – سبحانه – فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.
 
وقال تعالى ﴿ولأُصلبنكم في جذوع النخل﴾ <ref>(طه: 71)</ref> وقال ﴿فسيحوا في الأرض﴾ <ref>(التوبة: 2)</ref> وقال ﴿يتيهون في الأرض﴾ <ref>(المائدة: 26)</ref> وليس المراد أنهم في جوف النخل وجوف الارض بل معنى ذلك أنه فوق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش. وقال ﴿ياعيسى إني متوفيك ورافعك الي﴾ <ref>(آل عمران: 55)</ref> وقال تعالى ﴿تعرج الملائكة والروح اليه﴾ <ref>(المعارج: 4)</ref> وقال ﴿بل رفعه الله إليه﴾ <ref>(النساء: 158)</ref> وأمثال ذلك في الكتاب والسنة وجواب هذه المسألة مبسوط في غير هذا الموضع.
 
==هامش==
* http://www.almeshkat.com/books/open.php?cat=25&book=854
<references/>
 
[[تصنيف:ابن تيمية]]
[[تصنيف:الملل والفرق]]