الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مقدمة ابن خلدون - الجزء السادس»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 37 كلمة مستهدفة حالياً.
ط تصنيف using AWB
سطر 24:
و اعلم أن قوى الحروف ثلاثة أقسام: الأول و هو أقلها قوة تظهر بعد كتابتها، فتكون كتابته لعالم روحاني مخصوص بذلك الحرف المرسوم، فمتى خرج ذلك الحرف بقوة نفسانية و جمع همة كانت قوى الحروف مؤثرة في عالم الأجسام. الثاني قوتها في الهيئة الفكرية و ذلك ما يصدر عن تصريف الروحانيات لها، فهي قوة في الروحانيات العلويات، و قوة شكلية في عالم الجسمانيات. الثالث و هو يجمع الباطن، أعني القوة النفسانية على تكوينه، فتكون قبل النطق به صورة في النفس، بعد النطق به صورة في الحروف و قوة في النطق.
و أما طبائعها فهي الطبيعيات المنسوبة للمتولدات في الحروف و هي الحرارة و اليبوسة، و الحرارة و الرطوبة و البرودة و اليبوسة و البرودة و الرطوبة، فهذا سر العدد اليماني، و الحرارة جامعة للهواء و النار و هما: ا هـ ط م ف ش ذ ج ز ك س ق ث ظ، و البرودة جامعة للهواء و الماء ب و ى ن ص ت ض د ح ل ع ر خ غ، و اليبوسة جامعة للنار و الأرض ا هـ ط م ف ش ذ ب و ى ن ص ت ض، فهذه نسبة حروف الطبائع و تداخل أجزاء بعضها في بعض. و تداخل أجزاء العالم فيها علويات و سفليات بأسباب الأمهات الأول، أعني الطبائع الأربع المنفردة، فمتى أردت استخراج مجهول من مسئلة ما، فحقق طالع السائل أو طالع مسئلته واستنطق حروف أوتارها الأربعة: الأول و الرابع و السابع و العاشر مستوية مرتبة، و استخرج أعداد القوى و الأوتار كما سنبين، و احمل و انسب و استنتج الجواب يخرج لك المطلوب، إما بصريح اللفظ أو بالمعنى. و كذلك في كل مسئلة تقع لك. بيانه: إذا أردت أن تستخرج قوى حروف الطالع. مع اسم السائل والحاجة. فاجمع أعدادها بالجمل الكبير، فكان الطالع الحمل رابعه السرطان سابعه الميزان عاشره الجدي. و هو أقوى هذه الأوتاد. فاسقط من كل برج حرفي التعريف. و انظر ما يخص كل برج من الأعداد المنطقة الموضوعة في دائرتها، و احذف أجزاء الكسر في النسب الإستنطاقية كلها و أثبت تحت كل حرف ما يخصه من ذلك، ثم أعداد حروف العناصر الأربعة و ما يخصها كالأول. و ارسم ذلك كله أحرفا و رتب الأوتاد و القوى و القرائن سطرا ممتزجا. و كسر و اضرب ما يضرب لاستخراج الموازين. و اجمع و استنتج الجواب يخرج لك الضمير و جوابه. مثاله افرض أن الطالع الحمل كما تقدم. ترسم ح م ل: فللحاء من العدد ثمانية لها النصف و الربع و الثمن د ب ا الميم لها من العدد أربعون. لها النصف و الربع و الثمن و العشر و نصف العشر إذا أردت التدقيق م ك ى ه د ب، اللام لها من العدد ثلاثون، لها النصف و الثلثان و الثلث و الخمس و السدس و العشر ك ى و هـ ج. و هكذا تفعل بسائر حروف المسئلة و الاسم من كل لفظ يقع لك. و أما استخراج الأوتار فهو أن تقسم مربع كل حرف على أعظم جزء يوجد له. مثاله: حرف د له من الأعداد أربعة مربعها ستة عشر. إقسمها على أعظم جزء يوجد لها و هو اثنان يخرج وترا لدال ثمانية. ثم تضع كل وتر مقابلا لحرفه. ثم تستخرج النسب العنصرية، كما تقدم في شرح الاستنطاق. و لها قاعدة تطرد في استخراجها من طبع الحروف و طبع البيت الذي يحل فيه من الجدول كما ذكر الشيخ لمن عرف الاصطلاح. و الله أعلم.
 
 
فصل في الاستدلال على ما في الضمائر الخفية بالقوانين الحرفية
السطر 79 ⟵ 78:
لو حدث الأشعري عمن له إلى رأيه انتماء
لقال أخبرهم بأني مما يقولونه براء
 
 
الفصل الثالث و الثلاثون: في انكار ثمرة الكيميا و استحالة وجودها و ما ينشأ من المفاسد عن انتحالها
السطر 120 ⟵ 118:
فلا توغلن إذا ما سبحت فإن السلامة في الساحل
فيكون مأمونا من النظر في سياسته مستقيم النظر في معاملة أبناء جنسه فيحسن معاشه و تندفع آفاته و مضاره باستقامة نظره. و فوق كل ذي علم عليم. و من هنا يتبين أن صناعة المنطق غير مأمونة الغلط لكثرة ما فيها من الانتزاع، و بعدها عن المحسوس فإنها تنظر في المعقولات الثواني. و لعل المواد فيها ما يمانع تلك الأحكام و ينافيها عند مراعاة التطبيق اليقيني. و أما النظر في المعقولات الأول و هي التي تجريدها قريب فليس كذلك لأنها خيالية و صور المحسوسات حافظة مؤذنة بتصديق انطباقه. و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق.
 
 
الفصل الثالث و الأربعون: في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم
السطر 127 ⟵ 124:
الفصل الرابع و الأربعون: في أن العجمة إذا سبقت إلى اللسان قصرت بصاحبها في تحصيل العلوم عن أهل اللسان العربي
و السر في ذلك أن مباحث العلوم كلها إنما هي في المعاني الذهنية و الخيالية، من بين العلوم الشرعية، التي هي أكثر مباحثها في الألفاظ و مودها من الأحكام المتلقاة من الكتاب و السنة و لغاتها المؤدية لها، و هي كلها في الخيال، و بين العلوم العقلية، و هي في الذهن. و اللغات إنما هي ترجمان عما في الضمائر من تلك المعاني، يؤديها بعض إلى بعض بالمشافهة بالمناظرة و التعليم، و ممارسة البحث بالعلوم لتحصيل ملكاتها بطول المران على ذلك. و الألفاظ و اللغات وسائط و حجب بين الضمائر، و روابط و ختام بين المعاني. و لابد في اقتياض تلك الضمائر من المعاني من ألفاظها لمعرفة دلالاتها اللغوية عليها، و جودة الملكة لناظر فيها، و إلا فيعتاض عليه اقتناصها زيادة على ما يكون في مباحثها الذهنية من الاعتياص. و إذا كانت ملكته في تلك الدلالات راسخة، بحيث يتبادر المعاني إلى ذهنه من تلك الألفاظ عن استعمالها، أن البديهي والجبلي، زال ذاك الحجاب بالجملة بين المعاني و الفهم أو خف، و لم يبق إلا معاناة ما في المعاني من المباحث فقط. هذا كله إذا كان التعاليم تلقينا و بالخطاب و العبارة. و أما إن احتاج المتعلم إلى الدراسة و التقييد بالكتاب و مشافهة الرسوم الخطية من الدواوين بمسائل العلوم، كان هنالك حجاب آخر بين الخط و رسومه في الكتاب، و بين الألفاظ المقولة في الخيال. لأن رسوم الكتاب لها دلالة خاصة على الألفاظ المقولة. و ما لم تعرف تلك الدلالة تعذرت معرفة العبارة. و إن عرفت بملكة قاصرة كانت معرفتها أيضا قاصرة، و يزداد على الناظر و المتعلم بذلك حجاب آخر بينه و بين مطلوبه، من تحصيل ملكات العلوم أعوص من الحجاب الأول. و إذا كانت ملكته في الدلالة اللفظية و الخطية مستحكمة ارتفعت الحجب بينه و بين المعاني. و صار إنما يعاني فهم مباحثها فقط. هذا شأن المعاني مع الألفاظ و الخط بالنسبة إلى كل لغة. و المتعلمون لذلك في الصغر أشد استحكاما لملكاتهم، ثم إن الملة الإسلامية لما اتسع ملكها و اندرجت الأمم في طيها و درست علوم الأولين بنبوتها و كتابها، و كانت أمية النزعة و الشعار، فأخذ الملك و العزة و سخرية الأمم لهم بالحضارة و التهذيب، و صيروا علومهم الشرعية صناعة، بعد أن كانت نقلا، فحدثت فيهم الملكات، و كثرت الدواوين و التآليف، و تشوفوا إلى علوم الأمم فنقلوها بالترجمة إلى علومهم و أفرغوها في قالب أنظارهم، و جردوها من تلك اللغات الأعجمية إلى لسانهم و أربوا فيها على مداركهم، و بقيت تلك الدفاتر التي بلغتهم الأعجمية نسيا منسيا و طللا مهجورا و هباء منثورا. و أصبحت العلوم كلها بلغة العرب، و دواوينها المسطرة بخطهم، و احتاج القائمون بالعلوم إلى معرفة الدلالات اللفظية و الخطية في لسانهم دون ما سواه من الألسن، لدروسها و ذهاب العناية بها. و قد تقدم لنا أن اللغة ملكة في اللسال، و كذا الخط صناعة ملكتها في اليد، فإذا تقدمت في اللسان ملكة العجمة، صار مقصرا في اللغة العربية، لما قدمناه من أن الملكة إذا تقدمت في صناعة بمحل، فقل أن يجيد صاحبها ملكة في صناعة أخرى، و هو ظاهر. و إذا كال مقصرا في اللغة العربية و دلالاتها اللفظية و الخطية اعتاص عليه فهم المعاني منها كما مر. إلا أن تكون ملكة العجمة السابقة لم تستحكم حين انتقل منها إلى العربية، كأصاغر أبناء العجم الذين يربون مع العرب قبل أن تستحكم عجمتهم. فتكون اللغة العربية كأنها السابقة لهم، و لا يكون عندهم تقصير في فهم المعاني من العربية. و كذا أيضا شأن من سبق له تعلم الخط الأعجمي قبل العربي. و لهذا نجد الكثير من علماء الأعاجم في دروسهم و مجالس تعليمهم يعدلون عن نقل التفاسير من الكتب إلى قراءتها ظاهرا يخففون بذلك عن أنفسهم مؤونة بعض الحجب ليقرب عليهم تناول المعاني. و صاحب الملكة في العبارة و الخط مستغن عن ذلك، بتمام ملكته، و إن صار له فهم الأقوال من الخط، و المعاني من الأقوال كالجبلة الراسخة، و ارتفعت الحجب بينه و بين المعاني. و ربما يكون الدؤوب على التعليم و المران على اللغة، و ممارسة الخط يفيضان لصاحبهما إلى تمكن الملكة، كما نجده في الكثير من علماء الأعاجم، إلا أنه في النادر. و إذا قرن بنظيره من علماء العرب و أهل طبقته منهم، كان باع العرب أطول و ملكته أقوى، لما عند المستعجم من الفتور بالعجمة السابقة التي يؤثر القصور بالضرورة و لا يعترص ذلك بما تقدم بأن علماء الإسلام أكثرهم العجم، لأن المراد بالعجم هنالك عجم النسب لتداول الحضارة فيهم التي قررنا أنها سبب لانتحال الصنائع و الملكات و من جملتها العلوم. و أما عجمة اللغة فليست من ذلك و هي المرادة هنا. و لا يعترض ذلك أيضا مما كان لليونانيين في علومهم من رسوخ القدم فأنهم إنما تعلموها من لغتهم السابقة لهم و خطهم المتعارف بينهم. و الأعجمي المتعلم للعلم في الملة الإسلامية يأخذ العلم بغير لسانه الذي سبق إليه، و من غير خطه الذي يعرف ملكته. فلهذا يكون له ذلك حجابا كما قلناه. و هذا عام في جميع أصناف أهل اللسان الأعجمي من الفرس و الروم و الترك و البربر و الفرنج. و سائر من ليس من أهل اللسان العربي. و في ذلك آيات للمتوسمين.
 
 
الفصل الخامس و الأربعون: في علوم اللسان العربي
السطر 837 ⟵ 833:
كيف السبيل إلى صبري و في العالم أشجان
و الركب وسط الفلا بالخرد النواعم قد بان
 
 
خاتمة
و لذلك عزمنا أن نقبض العنان عن القول في هذا الكتاب الأول الذي هو طبيعة العمران و ما يعرض فيه و قد استوفينا من مسائله ما حسيناه كفاية له. و لعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح و علم مبين يغوف من مسائله على أكثر مما كتبنا فليس على مستنبط الفن إحصاء مسائله و إنما عليه تعيين موضع العلم و تنويع فصوله و ما يتكلم فيه و المتأخرون يلحقون المسائل من بعده شيئا فشيئا إلى أن يكمل. و الله يعلم و أنتم لا تعلمون.
قال مؤلف الكتاب عفى الله عنه: أتممت هذا الجزء الأول المشتمل على المقدمة بالوضع و التأليف قبل التنقيح و التهذيب في مدة خمسة أشهر آخرها منتصف عام تسعة و سبعين و سبعمائة. ثم نقحته بعد ذلك و هذبته و الحقت به تواريخ الأمم كما ذكرت في أوله و شرطته. و ما العلم إلا من عند الله العزيز الحكيم.
 
[[تصنيف:مقدمة ابن خلدون]]