الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الزير سالم»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
سطر 11:
 
 
* والنار في مهجتي قد أحرقت كبدي من جور قوم ما لهم أنصاف
* قولك صحيح ما لنا عندة قيمة ولا كلام ونحن من الاشراف
* سبعة أقاليم ملك تبع حازها وعلى المدائن والقريات طاف
* والكرام والنخل والآثمار جمع حاز الجميع من البلدان والآطراف
* روحي ياسعاد خلى ناقتك ترعى بين الروم ولست منة أخاف
*
 
(قال الراوي ) فلما انتهى جساس من شعرة ونظامة فرحت العجوز وانشرح صدرها فقبلت يدة وخرجت من عندة وقالت لعبدها خذوا هذة الناقة واتركوها ترعى في البستان المعروف بحي كليب واجعلوها تهدم الحيطان وتقطع الاشجار وتاكل
الاغصان واذا اعترضكم فاشتموة وسبوة واذا أقتضى الامر اقتلوة ولا تخافوا سمعا وطاعة ثم أخذوا الناقة وساروا بها إلى ذلك المكان .
سطر 31:
يجب ان اقتلك بحد سيفي ياعارض النساء
 
ثم طوت الكتاب ووضعته في مكانة وقام العبد فنهض وركب جواده وصار حتى وصل ديوان الامير كليب ودخل عليه وقبل الارض بين يديه وناوله الكتاب فأخذه وقراه ولما وقف على معناه أغتاظ غيظا شديدا وأراد أن يقتل العبد ولكنه كان رجلا عاقلا موصوفا بالحلم والحزم فأطرق رأسه إلى الآرض وتفكر قليلا قال في سره لعل الامير جساس كتب لي هذا اكتاب وهوفي حاله السكر غائب عن الصواب فمزق الورقة وأمر بضرب العبد
* فضرب وقال له اذهب ياابن اللئام
* إلى عند مولاك بسلام
* والا سقتيك كأس الحمام
فقام وهو أخر رمق وركب حصانه وسار إلى عند جساس وقال له انه بحال ما قرا الكتاب مزقه وأمر بضربي وقد شتمك وسبك وهذا الذي تم وجرى .
(قال الراوي ) فلما سمع جساس هذا الكلام صار الضيا في عينيه كا لظلام فنهض في الحال ودخل إلى الخزانه السلاح ولبس ألة الحرب والكفاح وركب ظهر حصانه وأنحدف إلى صيوانه وصاح على أبطاله وأخواته وفرسانه فجاؤا اليه ودادروا حواليه فأعلمهم بواقعة الحال وما جرى بينه وبين كليب من النزاع والجدال وقال لهم استعدوا لقتال بني تغلب الانذال وأخذ يكلمهم بهذا الشعر والنظام :
 
* يقول جساس نار القلب مشتعلة على الضمائر ياقوم لها لهيب
* ياقومنا اسمعوا قولي وأصغوا قول صحيح بلا تكذيب
* كليب خلى كال أحوالنا عبر حكم البلاد مشارق ومغيب
* وليس يحسب لنا قدر ومنزلة الكل عندهم غنم وهو بينهم ديب
* ناقة نزيلي ذبحها ما ما خشى أجدا أجرى الىدمها شبة الآنابيب
* انت عجوز فألقت جلد ناقتها بعد مابكت بدمع سكيب
* تنهدت ثم قالت يا ولدمرة ابن عمك كليب عليك يعيب
* هكذا كليب يفعل بنزيلك مالك قيمة عندة ولاترحيب
* فقلت لها اصبري ياعجوز علي فأنالك منة ثمنها أجيب
* أرسلت له أبو اليقظان عندي بكتاب مافيه أسا ولاتعذيب
* شق الكتاب وأرمى العبد بضربه ومن كثرة الضرب ما أظنه يطيب
* أترضون المذلة ياأهل قومي الذل لايرضاه سوى كل معيب
*
 
 
(قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وعرف قومه فحوى قصده ومرامه فما أحد طاوعه على هذا المرام وقالوا له عن فرد لسان بئس هذا الرأي وهل يجوز لنا ياأمير لاجل ناقة حقيرة تقاتل ابن عمنا الامير كليب ونرفع في وجهة السلاح بعد أن صاننا وحمانا بسيفه وقتل الملك تبع حسان واستولى على الاقاليم والبلدان وجعل لنا ذكرا عظيما في قبائل العربان على طول الزمان فان كان لك عليه دم أو ثأر فدونك واياه فلا تطلب منا مساعده ولانجده فلما سمع كلامهم تركهم وقصد بيت العجوز ولما اجتمع بها قال لها لقد جئت اليك لارضيك بالعطايا خوفا من ازدياد الشر ووقوع البلايا فاطلبي ثمن ناقتك لاعطيك اياه ولو كان مهما كان قالت بالنجوم
السطر 61 ⟵ 65:
فاصرع واضربني بها فيتتهي الحال ثم نزل كليب عن ظهر المهر ومشى أمامه أما جساس فانه قد تألم بهذا القدر حتى أنه لم يعد تمكنه القيام واذا بعبد العجوز أقبل اليه وجذبه من يده فأوقفه وقال والله انك من أحقر الرجال ثم أعلمه بحال وكيف العجوز أرسلته خافه لاجل تلك القضيه فتحمس جساس ونهض ومسك له العبد الركاب فركب ثم تقدم نحو كليب وهز في يدة الرمح وطعنه في صدره خرج يلمع من ظهره فوقع على الارض يختبط بدمه فبكى كليب ملء عينيه ودمعه يسبل على خديه فلما راه جساس علىتلك الحال ندم وتأسف على مافعل فتقدم اليه وقبله في لحيته وعارضيه وضمه إلى صدره ووضع رأسه على ركبتيه وقال سلامتك يا ابن اعمي يا أبا اليمامه فقد حلت بي الندامه فوالله أني فعلت ذلك بدون عقل ولاتميز فسامحني على هذا الارتكاب القبيح فأجابه كليب على حلاوه الروح وقال هذا حكم الاله المتعال ماكان أملي منك أ، تباديني بهذه الفعال وتشمت في الاعداء والانذال وتفرق بيني وبين اليتامى والاطفال وما بكائي على مال ولانوال وانما بكائي على اليتامى ولكن لهم رب لايغفل ولاينام وابكي على غدرك فانك قتلتني بالغدر والعدوان ولست من أقرني في الميدان ولا في ملتقى الفرسان ولكن سيجازيك العادل الديان وسوف ترى ما يحال بك من الهون ولاأظن بأنه يصفي لك الزمان بعد الآن فقم واذهب إلى الخيام وأقرى الايتام مني جزيل السلام ولكن اسقني قبل رواحك شربة ماء لان قلبي قد احترق من الظمأ وأشار بهذه القصيدة يقول
 
* يقول كليب اسمع يا ابن عمي أياجساس قد أهرقت دمي
* أيا غدار تطعني برمح ولست انت في الميدان خصمي
* واشمت الاحاسد والاعادي وباتت اخوتي تبكي وامي
* على ناقه تقتل ابن عمك أمير كريم من لحمك ودمك
* بيوم الضيق كان يزيل همك ويردي الضد في يوم النزال
*
 
(قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره ونظامه فخاف جساس وأصفر لونه وارتعش قلبه وقال والله يا ابن عمي لايعرف الانسان ماذا مقدر عليه ثم انه رفع راسه عن ركبته واتى له بماء فأسقاه ثم ركب وتركه وخلاه وهو يركض وياتفت وراءه قاصدا أهله وحماه وأما عبد العجوز فانه بعد ذهاب جساس تقدم ليذبح كليب
حسب ما أمرته العجوز فلما أقترب منه وجده يجود بنفسه وهو على أخر رمق فتامل فيه العبد فوجده ذات هيبه ووقار ووجهه يتلآلا بالانوار فتاخر عنه وخاف منه فنظر اليه كليب ففاق من حلاوة الروح وقال له من أنت وما هو قصدك ومرامك فاعلمني بحالك فقال له لاخفي عنك أنا عبد التبع اليماني فلما قتلته أنت حضرت أخته سعاد العجوز الساحره إلى هذه البلاد لتأخذ بثأره منك وتطفي لهيب نارها وهي التي القت الفتنه بينك وبين ابن عمك حتى قتلك وأرسلتني لاذبحك وأخذ لها
السطر 74 ⟵ 78:
وتفكر وهو يتأمل على ما أصابه ويتحسر ثم اخذ بيده عودا وغطه في الدم وانشد
يقول :
# هديت لك هديه يامهلهل عشر أبيات تفهمها الذكاه
# أول بيت أقوله أستغفرالله أله العرش لايعبد سواه
# وثاني بيت أقول الملك لله بسط الآرض ورفع السماء
# وثالث بيت وصي باليتامى واحفظ العهد ولاتنسى سواه
# ورابع بيت أقول الله أكبر على الغدار لاتنسى أذاه
# وخامس بيت جساس غدرني شوف الجرح يعطيك النباه
# وسادس بيت قلت الزير أخي شديد البأس قهار العداه
# وسابع بيت سالم كون رجال لآخذ الثار لاتعطي وناه
# وثامن بيت بالك لاتخلي لاشيخ كبير ولافتاه
# وتاسع بيت بالك لاتصلح وأن صالحت شكوت للاله
# وعاشربيت أن خالفت قولي فأنا وياك إلى قاضي القضاه
 
ولما انتهى كليب من كلامه التفت إلى العبد وقال له افعل الان ما تريد فقال والله ياأمير ما تستحق الا كل خير وان يدي لاتطاوعني على ذبحك قال اذبحني لانني في ألم شديد وعن قريب تأتي أخوتي وباقي الرجال والحريم فعند ذلك اخرج العبد السكين وانحنى عليه وذبحه من الوريد إلى الوريد ولوث المنديل بدمه ورجع إلى عند سيدته فأعلمها بقتل كليب وأراها دمه ففرحت فرحا شديدا وصبرت إلى الليل ثم حملت وسافرت بمن معها من تلك القبيله سرا حتى لايعلم بها أحد وقالت لقد أخذت الان ثأري وطفيت لهيب ناري هذا ماكان منها واما جساس فانه لما رمى كليب وولى هارب سار حتى وصل إلى قومه وهو في خوف عظيم أصفر اللون متغير الكون فقال أبوه مرة اين كنت قال كنت في البريه فالتقيت بابن عمي كليب فقتلته وزال همي وغمي فلما سمع مرة هذا الخبر تبدل صفو عيشه بالكدر وقبض على جساس من ذراعه كا يخرج روحه من بين جنبيه وقال ياعديم الزمان ويا أخبث الانام اتقتل ابن عمك وهو من لحمك ودمك لاجل ناقه حقيرة وصاحبتها سائله فقيرة فماذا تقول العرب يا غدار اذا سمعت عنك هذه الاخبار فقد اجلبت علينا الاذى والضرر وفضحتنا بين البشر ومازال يوبخه ويلطمه من خلف وقدام حتى جاءت أخوته اليه وخلصوه من بين يديه وهم يعنفوه ويسبوه ويشتموه ماعدا الامير همام فانه كان عند الزير في تلك الايام يتنادمان ويشربان المدام على بير السباع كما تقدم الكلام وليس عندهما خبر بهذه الامور والاحكام ثم التفت مرة على أولاده وقال لهم لقد حلت بنا المصائب من كل جانب فما الذي عاد يخلصنا من الزير ليث الوادي وقهار الاعادي فوالله ليقطع آثارنا ويعجل في دمارنا ثم أنه بعد هذا الكلام أشار يقول :
 
* يقول أمير مرة من قصيد بأن العار مايمحوه ماح
* جنيت اليوم يا جساس حربا علينا في المسا والصباح
* وقدت النار في بكر وتغلب يعم لهيبها كل النواحي
* أيا جساس تقتل ابن عمك كليب البرمكي ليث البطاح
* أمير ما كان له مثيلا شديد البأس في يوم الكفاح
* ايا جساس من قتل ابن عمه يبيت الليل يسهر للصباح
* فسوف ترى بما جرى بنا اذا برز المهلهل للكفاح
* فيسلب مالنا قهرا وغصبا بأطراف العوالي والصفاح
 
( قال الراوي ) فلما فرغ من هذا النشيد أجابه جساس بهذا القصيد وعمر السامعين يطول :
 
* تأهل مثل أهبه ذي الكفاح فان الامر زاد عن التلاحي
* فأني ان جلبت عليك حربا فاني ليث حرب في الكفاح
* فكيف عن الملام فلست أخشى بيوم الحرب من طعن الرماح
* وأني حين تنشر العوالي أعيد الرمح في أثر الجراح
* تعدت تغلب ظلم علينا بلا ذنب يعد ولاجناح
* ومالي همه ايدا قصد سوى قتل العدى يوم الكفاح
*
 
( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلامه قال أبوه سوف ترى ما يحل بنا من البلاء والويل من سيف المهلهل فارس الخيل ثم صار يبكي ويتأسف ويلطم كفا على كف ثم قال لأولاده الرأي عندي أن نكتف جساس ونرسله إلى الزير وأخوته ليقتلوه بثأر كليب وبهذه الوسيله تزول الفتنه وتطفي النار وتزول الاحزان والاكدار فان المصيبه عظيمة وعاقبتها ذميمه وخيمه فقالت اولاده ماهذا الكلام يابانا فهل بعد كليب غير جساس يليق أن يكون ملكا فأن كنت تحسب جساب المهلهل فما هو الا كالاهبل وليس له داب الا اكل الكباب وشرب الشراب وقال مرة العياذو بالله من كيد الشيطان الرجيم ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم ثم قال لاولاده وان اخيكم همام له عند الزير مدة ايام فنخاف ان يعلم الزير بقتل اخيه فيقتله ولا يبقيه .
 
( قال الراوي) وكان لهمام جاريه اسمها رباب فاستعاده مرة اليه وقال لها اقطعي البقاع وسيري إلى بير السباع واعلمي همام سرا بما جرى وتجدد قولي له ان يرجع بالعجل خوفا من ان يقتل فسارت الجاريه حتى وصلت إلى هناك فوجدت الزير وهمام على سفرة الطعام وهما بالكلام ويشربان المدام ويتحدثان بالكلام فلما رآها همام وثب اليها وقال ما دهاك قالت سر طويل وحزن وعويل ثم أعلمته سرا بواقعة الحال وطلبت منه المسير إلى الاطلال فلما وقف على حقيقة الاحوال اعتراه الانذال وغاب عن الصواب وتبدل انشراحه بالحزن والاكتئاب فلما طال بينهما الحديث والخطاب خرج الزير من بين الاطناب كأنه اسد الغاب فوجدهما يتكلمان سرا ويميان عليه فعظم الامر لديه فسل الحسام وقال ماهو الخبر ياهمام فاني اراكم في قلق واهتمام واشار يقول :
 
* يقول الزير أبو ليلى المهلهل أحس النار في قلبي لهيب
* فقلبي موجع والجسم ناحل ولا القى إلى جسمي طبيب
* وشاب الراس مني والعوارض فاني صرت في حال عجيب
* وافكر في الزمان وشؤم فعله وهذا الدهر يتقلب قليب
* ايا همام الا يا ابن عمي فمالك خائف واقف رعيب
* فما ابصر الحرمه تقول لك تناديك وانت لها تجيب
* اراكم تكتموا الاسرار عني كأني بينكم رجل غريب
* اراكم في حديث وفي وشاوش وبين ذا وذا امر عجيب
* فلا تخل الامور من الحوادث يا همام اعلمني تصيب
* والا افتحوا لي الباب حتى اروح عني بدا قلبي يطيب
 
( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره أجابه همام يقول :
 
* يقول همام اسمع يا مهلهل فدمعي فوق الخدود سكيب
* وناري بالحشا قد أحرقتني أحس لها طي الفؤاد لهيب
* أقول أنت تسمع يا مهلهل بأنك صاحبي نعم الحبيب
* فما نحن في وشاوش لاوانت بيننا رجل غريب
* انا واياك في طرب ولهو ولا تحسب حسابات الحسيب
* جعلنا يا فتى نيت جملكم جرى دمه على نحره سكيب
 
فلما سمع الزير هذا الشعر توقد قلبه بلهيب الجمر وأجابه يقول :
 
* يقول الزير يا همام اسمع ان ابن عمي لي نسيب
* فما لك علم في وقتك كله ولا في القضيه لك طليب
* فقم اذهب إلى اهلك يا نسيبي بلا تطويل من قلب المعيب
* فتأتي أخوتي ثم يقتلونك ويدعونك على الغبرا كثيب
* فما أقدر أن أحميك منهم وانت محب ايا نعم الحبيب
* فلو جينا ما عيش أكلنا وكاسات شربناه بطيب
* لكنت أمد يدي تحت سيفي وآخذ ثار أخوي عن قريب
 
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا الشعر والنظام قال لهمام انت من دون بني مرة نديمي وصديقي وزوج أختي ورفيقي ليس عندك علم بهذا المنكر فلا تخاف ولاتفزع فقال همام لقد جرى القلم يا ابن العم والذي مضى ما بقى يرجع فأما تقتلني عوض عن أخيك أو تأخذ منا ما يرضيك وترفع عن الحرب والقتال وتتركنا نبقى في الاطلال فو الله صعب على هذا الامر والتهب قلبي بنار الجمر لما سمعت بهذا الخبر المهول فلا كان جساس المهار قال الزير وحق من يعرف الغيب وروح أخي كليب أني لا أرفع السيف عنكم حتى اشفي غليلي منكم ثم أقتلكم عن بكرة أبيكم وأهتك النساء والبنات وأجعلكم مثلا بين الناس ولو لم تكن زوج أختي وسميري ما كنت أعلمتك بما في ضميري بل كنت قتلتك في الحال وأورثتك النكال فسر الان إلى الاطلال ولاعدت تريني وجهك في الحرب والقتال فلما سمع همام ذلك الكلام ركب ظهر الحصان وأوما إلى ابنه شيبان الذي الذي كان معهما في ذلك المكان ان يسير معه إلى تلك الاوطان فامتنع عن المسير وقال سأيقى مع خالي الزير فسار همام وقد عظم عليه الامر وهو ينقض غبار الموت عن منكبيه حتى وصل إلى حلته واجتمع بأبيه وأخوته وأخذ يلوم جساس على فعله وكيف انه تجاسر على كليب وقتله وأعلم قومه بما عزم الزير فخاف الكبير والصغير وأيقنوا بالهلاك والتدبير واستعدوا من يومهم إلى الحرب والكفاح وجمعوا آلات الحرب والكفاح هذا ماكان على بني مرة وأما الزير صاحب الشجاعه والقدره فانه بعد ذهابه إلى الديار اشتعلت بقلبه لهيب النار واعتراه الاصفرار فصار يلطم وجهه في يده وقد عظم الامر عليه حتى رقصت شعرات شاربيه ومع ذلك لم تنزل من عينيه دمعه لانه كان من الجبابرة السبعه وكان يقول وحق رب العباد لابد ان افتك ببني بكر الاوغاد واقتل الشيوخ والاولاد ولما طال المطال وهو على هذا الحال قال له شيبان بن همام دع عنك هذا الكلام واشرب المدام فانك عاجز يا خال عن هذه الفعال فمن انت من الابطال حتى تتكلم بهذا المقال وتتباهى على الامراء واكابر الناس كأبي همام وعمي جساس ثم انشد اليه يقول وعمر السامعين يطول :
 
* انشد شيبان وقال في بيوت ودمعي من عيني طال
* خالي اسمع ما أقول وحط قولي وسط البال
* خلي الهرج ووطي النفس واترك عنك القيل وقال
* تقول تكيد بني مرة وتقتل كل الابطال
* غدا يا خالي هم يأتوك بخيل كثير ونعم رجال
* يظهر خيول عليك تجول ودق طبول كما الزلزال
* ونرج الارض بطول وعرض ترحوا قتلي بضرب صقال
* يجيء جساس قوي الباس كذا العباس زكي الحال
* وياتي عمر بخيل ضمر وصفر ونمر وابو جفال
* يجي ملك القوم كان بيوم الكون كسبع صال
* وأخي شيبون بطل مجنون وابي همام ان جال ومال
* وتاتي الشوس وكل عبوس يخلوا الروس تلال تلال
 
فلما انتهى شيبان من كلامه أجابه الزير على شعره ونظامه :
 
* يقول الزير أواه أواه يا ابن اختي عقلي زال
* يولي غدا الفرسان تجيك يخوفني من أهل أنذال
* أتاريك انت عدو مبين كلامك ما خلالي حال
* وانا العربيد بيوم نكيد للروس اكيد بطعن وعوال
* اكيد الشوس اقطع الروس انا الجبار فغير محال
* وبعد كليب لابيع الروح اشلكم بالرمح شلال
* وبعد كليب اخلي السيف طول العمر بكم عمال
* وبعد كليب سياج البيض ما أعتق منكم رجال
* وانت يا ابن اختي اليوم عدت بغير محال
* وابوك أغدي سيفي فيه وأعشي الرمح من الابطال
 
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من انشاده نهض الغلام ليركب على جواده ويلحق بأبيه وأعمامه فضربه الزير بجامه القاه على الارض قتيل وفي دماه جديل ثم قطع عنقه ووضعه في مخلاه حصانه ولفها في قربوس السرج وتركها فسار الجواد حتى وصل إلى القبيله وسار إلى بيت مولاه فلما رأت أم الولد جواد الغلام وهو في تلك الصفه قالت للجاريه دونك جواد سيدك فتقدمت الجاريه وأخذت المخلاة فوجدت فيها رأس شيبان فاستعظمت ذلك الشان واعلمت بواقعة الحال فطار عقلها لما نظرت راس ابنها مقطوع فضجت بالبكاء والنواح والعويل والصياح فاجتمعت عليها نساء الحي من كل مكان ولما سمع همام الخبر طار من عينيه الشرر فبكى واشتكى وقال لزوجته ضباع نظرت ما فعل أخوك فو الله لم يبق لي غريم سواه فشقت ثيابها وسارت عند أخيها المهلهل ولامته على ما فعل وقالت اتقتل ابن أختك بثأر أخيك ثم أشارت تقول :
 
* تقول ضباع يا سالم علامك بجاه كليب ماسويت بابني
* بثأر كليب تقتل ابن أختك وتحرق مهجتي وتزيد حزني
* حزنت على كليب وماجرى له وحزني في صميم القلب مبني
* ولكن قد حكم ربي مراده وربي ما كتب لي يصيبني
*
 
فأجابها الزير بهذه الابيات :
*
 
* يقول الزير من قلب حريق بقتل كليب زاد اليوم حزني
* الا يا أخت قلي من بكاك ولا تخشين من أمر يعبني
* فو الله ثم والله ثم والله اله العرش منذ ادعو يجبني
* فلا بد لي من حرب الاعادي وقتل كل جبار طلبني
 
فلما فرغ الزير من كلامه قالت له الله درك ياسالم ياقهار الاسود القشاعم لقد زالت لوعتي الان وخفت عني الاحزان لما سمعت شعرك يافارس الفرسان وعرفت ما انت معول عليه من الحرب والطعن وأخذ الثأر وكشف العار ثم رجعت إلى الديار وهي في قلق وافتكار هذا ماكان من امره
السطر 191 ⟵ 198:
S"~u"~uينيه ويقول سلامتك ياأمير اليمامه ياصاحب الجهه والكرامه فقد احرقت قلبي بفقدك فلا كان من عيش بعدك ولما اشتد عليه الامر ارته اليمامه وصية أخيه المكتوبه على الصخره فقرأها وقال وحق الاله المتعال اني لا اصالح إلى الابد مادامت روحي في هذا الجسد ثم بكى وتنهد ورثاه بهذه القصيده أم السادات واكبر العمد وهي من أجود مراثي العرب واحسن الاشعار أهل الفضل والادب :
 
* كليب لاخير في الدنيا وما فيها ان انت خليتها لم يبقى واليها
* فيها تنعي النعاة كليبا فقلت له مالت بنا الارض أم مالت رواسيها
* ليت السماء على من تحتها وقعت حالت الارض فاندكت أهاليها
* الناحر النوق للضيفان يطعمها والواهب الميتة الحمراء براعيها
* الحلم والجود كانا من طبائعه ماكل اللطافه ياقوم تحصيها
* ضجت منازل بالخلان قد درست تبكي كليب نهار مع لياليها
* كليب اي فتى زين ومكرمة تقود خيلا إلى خيل تلاقيها
* تكون اولها في حين كرتها وانت بالكر يوم الكر حاميها
* غدرك جساس ياعزي ويا سند وليس جساس من يحسب تواليها
* لا أصلح الله منا من يصالحهم حتى يصالح ذيب المعز راعيها
* وتوالد البغله الخضرا خدالجه وانت تحيا من الغبرا تاليها
* ويحلب الشاة من اسنانها لبن وتسرع النوق لاترعى مراعيها مراعيه
ا
 
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا المرثيه الغراء وسمعته السادات والامراء تعجبوا من فصاحة لسانه وقوة قلبه وجنانه ومااحتوة اليه من الالفاظ الرقيقه والمعاني البليغه الدقيقه وقالوا والله لقد جاد سالم الزير وفاق على الاشعار والمشاهير بهذا الكلام الذي هو كالدر النظير ثم اجتمع الامراء المقدمين وقالوا للعرب المجتمعين انها ماعاد ينفع البكاء والانتحاب وان اكرام