الفرق بين المراجعتين لصفحة: «داعي السماء: بلال بن رباح/الأذان»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر 113:
للتوقيع والتنغيم، وكانت ملابس الدراويش وأسلحتهم وأدوات معيشتهم مما يبحث عنه
السائحون في أسواق البلدة، فتبرعوا بالطبول الصغيرة فرحين؛ لأنها تنقذهم من قرع الطبول حين يختلط بأصوات المؤذنين، فيقلقهم ويشوه عندهم جمال الأذان الخفيف على أسماع النيام.
 
وقد كانت هذه الطبول وشيكة في بداية الأمر أن تقوم مقام الأذان في دعوة المسلمين إلى الصلاة.
 
إذ لم يكن الأذان كما نسمعه اليوم معروفًا قبل انتشار الإسلام في مكة والمدينة،
وإنما كان المسلمون طائفة قليلة يدعون إلى الصلاة الجامعة بالنداء الذي يُسمع من
قريب، فلماصرفت القبلةُ إلى الكعبة فكر المسلمون في دعاء إلى الصلاة يسمعه المنتشرون
بالمدينة من بعيد.
 
ومن جملة الروايات التي جاءت في طبقات ابن سعد وغيرها يُفهم أنهم كانوا قبل
أن يؤمر بالأذان ينادي منادي النبي عليه السلام: الصلاة جامعة! فيجتمع الناس …
فلما صرفت القبلة إلى الكعبة تذكر المسلمون الأمر فذكر بعضهم البوق وذكر بعضهم
الناقوس وذكر بعضهم نارًا توقد كنار القرى، ثم تفرقوا على غير رأي، ومنهم عبد لله
بن زيد الخزرجي … فلما دخل على أهله فقالوا: ألا نعشيك؟ قال: لا أذوق طعامًا. فإني
قد رأيت رسول لله قد أهمه أمر الصلاة، ونام فرأى أن رجلًا مرَّ وعليه ثوبان أخضران
وفي يده ناقوس. فسأله: أتبيع الناقوس؟ فقال: ماذا تريد به؟ قال: أريد أن أبتاعه لكي
أضرب به للصلاة لجماعة الناس. فأجابه الرجل: بل أحدثك بخير لكم من ذلك. تقول:
لله أكبر. أشهد أن لا إله إلا لله. أشهد أن محمدًا رسول لله. حي على الصلاة حي على
الفلاح. لله أكبر. لله أكبر. لا إله إلا لله. ونادى الرجل بذلك النداء وهو قائم على سقف
المسجد، ثم قعد قعدةً ثم نهض فأقام الصلاة.
 
فلما استيقظ عبد لله بن زيد من منامه ذهب إلى النبي عليه السلام فقص عليه ما
رأى، فقال له: قم مع بلال فألق عليه ما قيل لك، وجاء الفاروق بعد ذلك فقص على
النبي منامًا يشبه ذلك المنام.
 
وجرى الأمر في الدعوة إلى الصلاة منذ ذلك اليوم على الأذان كما نسمعه الآن، وزاد
فأقرها النبي عليه السلام، وبقي النداء في « الصلاة خير من النوم » بلال في أذان الصبح
الناس بالصلاة الجامعة للأمر يحدث فيحضرون له يخبرون به مثل فتح يقرأ، أو دعوة
يدعون إليها، وإن كان في غير وقت الصلاة.
 
ولا اختلاف في صيغة الأذان بين الطوائف الإسلامية جمعاء … إلا أن الشيعة
مع حي على الصلاة وحي على الفلاح. ويردد « حي على خير العمل » ، يضيفون إليه
المالكية التكبير مرتين بدلًا من أربع مرات.
 
ولا اختلاف كذلك في جواز التلحين والترجيع في الأذان ما لم يخلَّ بنطق الكلمات
ومخارج الحروف. إلا أن الحنابلة يعلنون الأذان بغير تلحين، ويتصرف الأحناف في
بعض الترجيعات.
 
وقد ندب بلال بن رباح للأذان من لحظته الأولى، فلم يسمع لأحد أذانٌ قبله ولم
يسبقه إلى ذلك سابق في تاريخ الإسلام، وهو شرف عظيم؛ لأن محمد بن عبد لله كان
إمام المسجد الذي كان مؤذنه بلال بن رباح.
 
ومن المتفق عليه في أقوال الصحابة أن بلالًا كان محبب الصوت إلى أسماع المسلمين،
وأنهم كانوا يقرنون دعوته بصلاة النبي بهم فيزيدهم هذا خشوعًا — لسماع صوته —
فوق خشوع.
 
على أننا نقرأ في أنباء فتح مكة أن رهطًا من المشركين كانوا ينكرون نداءه
ويتساءلون: أما وجد محمد غير هذا العبد ينهق على ظهر الكعبة؟! وكانوا يستكبرون
من رجل كائنًا من كان أن يعلو ظهر البيت الذي لم يصعد إليه أحد في الجاهلية. فهالهم أن يروا
« عبدًا » يصعد إليه ويجهر بذلك النداء
 
قال بعضهم للحارث بن هشام: ألا ترى إلى هذا العبد أين صعد؟ فلجأ الرجل إلى حكمة المضطر وقال
«. دعه، فإن يكن لله يكرهه فسيغيِّره » :
 
وكان الحارث بن هشام وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد جلوسًا بفناء الكعبة
يوم أمر النبي بلالًا أن يصعد إلى ظهر الكعبة فيقيم الأذان.
 
قال عتَّاب: لقد أكرم لله أسيدًا ألا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه، وقال
الحارث بن هشام: أما ولله لو أعلم أنه محق لاتبعته، وأنكر أبو سفيان ما سمع أو قيل في بعض الروايات إنه جمجم قائلًا
لا أقول شيئًا، ولو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصا»
 
وقبل أن نحيل هذا الإنكار إلى شيء يؤخذ مأخذ النقد ينبغي أن نذكر أن ذلك
الوصف جاء من المشركين الذين كانوا خلقاء أن ينكروا أول أذان يرتفع في سماء مكة
ولو ترنمت به الملائكة وتجاوبت به سواجع الأطيار، وأنهم سمعوه زعيقًا و نهيقًا كما
قالوا؛ لأنهم سمعوا شيئًا لا يطيقونه ولا يستريحون إليه. وكانت بهم عنجهية السادة في النظر إلى العبيد، وكان لبلال عندهم وتر معروف بمن قتل من سادات مكة في غزواته
مع النبي عليه السلام.
 
فإذا رددنا إعجاب المسلمين بصوت المؤذن الأول إلى الخشوع ثم إلى ذكرى النبي
الحبيب، ورددنا كره المشركين إياه إلى النفرة ثم إلى العنجهية والعداء. فقد بقي شيء
واحد يتفق عليه هؤلاء وهؤلاء وهو جهارة الصوت وابتعاد مداه في أجواز الفضاء، ولا
حاجة بنا إلى العناء في الموازنة بين خشوع المسلمين وعداء المشركين لنقول: إن اختيار
النبي إياه يدعوه ويدعو المسلمين دعوة عامة يسمعها كل يوم خمس مرات — هو
الشهادة لصوت المؤذن الأول بالسلامة من النفرة والنشوز المعيب. فما عهد محمد عليه
السلام خاصة إلا أنه كان يحمد المنظر الحسن. وكان ينكر كل نكير ويستريح إلى كل
جميل.