الفرق بين المراجعتين لصفحة: «إظهار الحق/الفصل الأول: في إثبات أن القرآن الكريم كلام الله»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obayd (نقاش | مساهمات)
تعديل التصنيف واستبدال, Replaced: رحمة الله الهندي → رحمة الله الهندي using AWB
 
سطر 71:
فإن قيل: إن فصحاء العرب لما كانوا قادرين على التكلم بمثل مفردات السورة ومركباتها القصيرة، كانوا قادرين على الإتيان بمثلها (قلت) هذه الملازمة ممنوعة لأن حكم الجملة قد يخالف حكم الأجزاء، ألا ترى أن كل شعرة شعرة لا يصلح أن يربط بها الفيل أو السفينة، وإذا سوى من الشعرات حبل متين يصلح أن يربط بهذا الحبل الفيل أو السفينة، ولأنها لو صحت لزم أن يكون كل آحاد العرب قادر على الإتيان بمثل قصائد فصحائهم كامرئ القيس وأضرابه.
 
(الأمر الثالث): كون القرآن منطوياً على الإخبار عن الحوادث الآتية، فوجدت في الأيام اللاحقة على الوجه الذي أخبر.
 
1- كقوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون}.فوقع كما أخبر، ودخل الصحابة المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين غير خائفين. 2- وكقوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً}. فكان الله وعد المؤمنين بجعل الخلفاء منهم وتمكين الدين المرضي لهم، وتبديل خوفهم بالأمن، فوفى وعده في مدة قليلة بأن ظهر في حياة الرسول {{صل}} أن أهل الإسلام تسلطوا على مكة، وخيبر والبحرين، ومملكة اليمن، وأكثر ديار العرب، وأن إقليم الحبش صار دار الإسلام بإيمان النجاشي الملك، وأن أناساً من هجر وبعض المسيحيين من نواحي الشام قبلوا الإطاعة وأداء الجزية، وأن هذا التسلط زاد في خلافة الصديق الأكبر رضي الله عنه بأن تسلط أهل الإسلام على بعض ديار فارس وعلى بصرى ودمشق، وبعض الديار الأخرى من الشام أيضاً، ثم زاد هذا التسلط في خلافة الفاروق رضي الله عنه بأن تسلطوا على سائر ديار الشام وجميع مملكة مصر، وعلى أكثر ديار فارس أيضاً، ثم زاد هذا التسلط في خلافة ذي النورين رضي الله عنه، بأن تسلطوا في جانب الغرب إلى أقصى الأندلس والقيروان، وفي جانب الشرق إلى حد الصين، ففي مدة ثلاثين سنة تسلط أهل الإسلام على هذه الممالك تسلطاً تاماً، وغلب دين الله المرضي على سائر الأديان في هذه المماليك فكانوا يعبدون الله آمنين غير خائفين. وفي خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وإن لم يتسلط أهل الإسلام على الممالك الجديدة لكنه لا شبهة في ترقي الملة الإسلامية في عهده الشريف أيضاً. 4- وكقوله تعالى: {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون}. ووقع كما أخبر لأن المراد بقوم أولي بأس على أظهر الوجوه وأشهرها، بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب والداعي الصديق الأكبر رضي الله عنه. 5- وكقوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}. وحال هذا القول كحال القول الثاني وسيظهر الوفاء الكامل لهذا الوعد عن قريب على ما هو المرجو إن شاء الله. وهو على كل شيء قدير.‏55- وكقوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً. ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً. وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم. ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً. وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديراً}. والمراد بالفتح القريب فتح خيبر، وبالمغانم الكثيرة في الموضع الأول مغانم خيبر أو هجر وبالمغانم الكثيرة في الموضع الثاني المغانم التي تحصل للمسلمين من يوم الوعد إلى يوم القيامة، وبأخرى مغانم هوازن أو فارس أو الروم وقد وقع كما أخبر. 6- وكقوله تعالى: {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب}. فقوله أخرى أي يعطيكم خصلة أخرى، وقوله نصر من الله مفسر للأخرى وقوله فتح قريب، أي عاجل وهو فتح مكة. وقال الحسن: هو فتح فارس والروم وقد وقع كما أخبر. 7- وكقوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً}. والمراد بالفتح فتح مكة، لأن الأصح أن هذه السورة نزلت قبل فتح مكة لأن {إذا} يقتضي الاستقبال ولا يقال فيما وقع إذا جاء وإذا وقع، فحصل فتح مكة ودخل الناس في الإسلام فوجاً بعد فوج من أهل مكة والطائف وغيرها في حياته {{صل}}. 8- وكقوله تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون}. وقد وقع كما أخبر فصاروا مغلوبين. 9- وكقوله تعالى: {وإذ يعدكم} أي اذكروا إذ يعدكم {الله إحدى الطائفتين} القافلة الراجعة من الشام والقافلة الآتية من بيت الله الحرام {أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة} أي القافلة الراجعة {تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين} فوقع كما أخبر.
 
10- وكقوله تعالى: {إنا كفيناك المستهزئين}. لما نزلت هذه الآية بشر النبي {{صل}} أصحابه بأن الله كفاه شرهم وأذاهم وكان المستهزئون نفراً بمكة ينفرون الناس عنه ويؤذونه فهلكوا بضروب البلاء وفنون العناء فتم نوره وكمل ظهوره. 11- وكقوله تعالى: {والله يعصمك من الناس}. وقد وقع كما أخبر مع كثرة من قصد ضره فعصمه الله تعالى، حتى انتقل من الدار الدنيا إلى منازل الحسنى في العقبى. 12- وكقوله تعالى: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض} أي أرض العرب {وهم} أي الروم {من بعد غلبهم سيغلبون} أي الفرس {في بضع سنين} أي ما بين الثلاث والعشر {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون}. الفرس كانوا مجوساً والروم نصارى، فورد خبر غلبة الفرس إياهم مكة ففرح المشركون وقالوا أنتم والنصارى أهل الكتاب ونحن وفارس أميون لا كتاب لنا، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرن عليكم. فنزلت هذه الآيات. فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا يقرن الله أعينكم فو الله لتظهرن الروم على فارس في بضع سنين فقال أُبَيّ بن خلف: كذبت اجعل بيننا وبينك أجلاً فراهنه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الأجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رضي الله عنه رسول الله {{صل}} فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الإبل وماده في الأجل، فجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين، ومات أبي بعد ما رجع من أحد وظهرت الروم على فارس في السنة السابعة من مغلوبيتهم فأخذ أبو بكر القلائص من ورثة أبي، فقال النبي {{صل}}: تصدق بها.
 
قال صاحب ميزان الحق في الفصل الرابع من الباب الثالث: (لو فرضنا صدق ادعاء المفسرين أن هذه الآية نزلت قبل غلبة الروم الفرس فنقول إن محمداً {{صل}} قال بظنه أو بصائب فكره لتسكين قلوب أصحابه، وقد سمع مثل هذه الأقوال من أصحاب العقل والرأي في كل زمان) انتهى. فقوله لو فرضنا صدق ادعاء المفسرين، يشير إلى أن هذا الأمر ليس بمسلم عنده، وهذا عجيب لأن قوله تعالى {سيغلبون في بضع سنين}، نص في أن هذا الأمر يحصل في الزمان المستقبل القريب في زمان أقل من عشر سنين كما هو مقتضى لفظ السنين والبضع، وكذا قوله {ويومئذ يفرح المؤمنون}، وقوله {وعد الله لا يخلف الله وعده}، لأنهما يدلان على حصول فرح في الزمان الآتي وحصول هذا الأمر فيه، ولا معنى للوعد وعدم الخلف في الأمر بعد وقوعه وقوله إن محمداً {{صل}} قال بظنه أو بصائب فكره مردود بوجهين: (الأول): أن محمداً {{صل}} كان من العقلاء عند المسيحيين أيضاً ويعترف بهذا القسيس النبيل ههنا وفي المواضع الأخر من تصانيفه، وليس من شأن العاقل المدعي للنبوة أن يدعي ادعاء قطعياً أن الأمر الفلاني يكون في المدة القليلة هكذا ألبتة ويأمر معتقديه بالرهان على هذا، سيما في مقابلة المنكرين الطالبين لمذلته، المتفحصين لمزلة أقدامه في أمر لا يكون وقوعه مفيداً فائدة يعتد بها، ويكون عدم وقوعه سبباً لمذلته وكذبه عندهم، ويحصل لهم سند عظيم لتكذيبه. (والثاني): أن العقلاء وإن كانوا يقولون في بعض الأمور بعقولهم ويكون ظنهم صحيحاً تارةً وخطأ أخرى لكن جرت العادة الإلهية بأن القائل لو كان مدعي النبوة كذباً ويخبر عن الحادثة الآتية، ويفتري على الله بنسبة هذا الخبر إلى الله، لا يكون هذا الخبر صحيحاً بل يخرج خطأ وغلطاً ألبتة كما ستعرف في آخر هذا المبحث إن شاء الله. 13- وكقوله تعالى: {أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر}. عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال لما نزلت: لم أعلم ما هو حتى كان يوم بدر سمعت رسول الله {{صل}} وهو يلبس درعه ويقول: {سيهزم الجمع}. فعلمته.
 
14- وكقوله تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}. وقد وقعت هذه الأحوال كما أخبر. 15- وكقوله تعالى: {لن يضروكم إلا أذى} إما بالطعن في محمد وعيسى عليهما السلام، وإما بتخويف الضعفة من المسلمين {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} فأخبر فيه عن ثلاث مغيبات: (الأول): أن المؤمنين يكونون آمنين من ضرر اليهود. (والثاني): لو قاتلوا المؤمنين ينهزمون. (والثالث): أنه لا يحصل لهم قوة وشوكة بعد الانهزام وكلها وقع. 16- وكقوله تعالى: {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة}. وقد وقع كما أخبر وليس لليهود حكومة في موضع من المواضع وفي كل إقليم يوجدون رعايا مضروباً عليهم الذلة 17- وكقوله تعالى: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} وقد وقع يوم أحد بوجهين كما أخبر.(الأول): أن المشركين لما استولوا يوم أحد على المسلمين وهزموهم أوقع الله الرعب في قلوبهم فتركوهم وفروا منهم من غير سبب. (والثاني): أنهم لما ذهبوا إلى مكة، فلما كانوا في بعض الطريق ندموا فقالوا بئس ما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا قوة وشوكة، فقذف الله في قلوبهم الرعب فذهبوا إلى مكة. 18- وكقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} أي من التحريف والزيادة والنقصان مما تواتر عند علماء الأعيان من قراء الزمان، وقد وقع كما أخبر فما قدر أحد من الملاحدة والمعطلة والقرامطة أن يحرف شيئاً منه، لا حرفاً من حروف مبانيه ولا من حروف معانيه ولا إعراباً من إعراباته إلى هذه المدة التي نحن فيها، أعني ألفاً ومائتين وثمانين من الهجرة بخلاف التوراة والإنجيل وغيرهما كما عرفت في الباب الأول والثاني، والحمد للّه على إتمام هذه النعمة.
 
19- وكقوله تعالى: {لا يأتيه الباطل} أي التحريف بالزيادة والنقصان {من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، وحال هذا القول كالقول السابق. 20- وكقوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن} أي أحكامه وفرائضه {لرادك إلى معاد}. وروي أنه عليه السلام لما خرج من الغار وسار في غير الطريق مخافة الطلب فلما أمن رجع إلى الطريق، ونزل بالجحفة بين مكة والمدينة، وعرف الطريق إلى مكة واشتاق إليها، وذكر مولده ومولد أبيه، فنزل جبريل عليه السلام وقال: تشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال عليه السلام: نعم، فقال جبريل عليه السلام: فإن الله تعالى يقول: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} يعني إلى مكة ظاهراً عليهم. 21- وكقوله تعالى: {قل إن كانت لكم} أيها اليهود {الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبداً} أي ما عاشوا {بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين}. والمراد بالتمني التمني بالقول، ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام مع تقدمه في الرأي والحزم وحسن النظر في العاقبة كما هو المسلم به عند المخالف والموافق والوصول إلى المنزل الذي وصل إليه في الدارين، والوصول إلى الرياسة العظيمة، لا يجوز له - وهو غير واثق من جهة الرب بالوحي - أن يتحدى أعدى الأعداء بأمر لا يأمن عاقبة الحال فيه، ولا يأمن من خصمه أن يقهره بالدليل والحجة، لأن العاقل الذي لم يجرب الأمور لا يكاد يرضى بذلك، فكيف الحال في أعقل العقلاء. فثبت أنه ما أقدم على هذا التحدي إلا بعد الوحي واعتماده التام. وكذا لا شك أنهم كانوا من أشد أعدائه، وكانوا أحرص الناس في تكذيبه، وكانوا متفكرين في الأمور التي بها ينمحي الإسلام أو تحصل الذلة لأهله، وكان المطلوب منهم أمراً سهلاً لا صعباً، فلو لم يكن النبي {{صل}} صادقاً في دعواه عندهم لبادروا إلى القول به لتكذيبه، بل أعلنوا هذا التمني بالقول مراراً وشهروا أنه كاذب يفتري على الله أنه قال كذا، ويدعي من جانب نفسه ادعاء ويقول تارةً: والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه، يعني مات مكانه، ويقول تارةً: لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ونحن تمنينا مراراً وما متنا مكاننا فظهرت بصرفهم عن تمنيهم مع كونهم على تكذيبه أحرص الناس معجزته وبانت حجته، وفي هذه الآية إخباران عن الغيب: (الأول) أن قوله {لن يتمنوه} يدل دلالة بينة على أن ذلك لا يقع في المستقبل من أحد منهم فيفيد عموم الأشخاص. (والثاني) أن قوله أبداً يدل على أنه لا يوجد في شيء من الأزمنة الآتية في المستقبل يفيد عموم الأوقات فبالنظر إلى العمومين هما غيبان 22- وكقوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} فأخبر بأنهم لا يفعلون ألبتة، ووقع كما أخبر، وهذه الآية دالة على الإعجاز من وجوه أربعة: (أولها) أنا نعلم بالتواتر أن العرب كانوا في غاية العداوة لرسول الله {{صل}} وفي غاية الحرص على إبطال أمره، لأن مفارقة الأوطان والعشيرة وبذل النفوس والمهج من أقوى الأدلة على ذلك، فإذا انضاف إليه مثل هذا التقريع وهو قوله: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} صار حرصهم أشد، فلو كانوا قادرين على الإتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه لأتوا به، فحيث ما أتوا به ظهر الإعجاز. (وثانيها) أن النبي {{صل}} وإن كان متهماً عندهم في أمر النبوة، لكنه كان معلوم الحال في وفور العقل والفضل والمعرفة بالعواقب، فلو كان كاذباً لما تحداهم بالغاً في التحدي إلى النهاية، بل كان عليه أن يخاف مما يتوقعه من فضيحة يعود وبالها على جميع أموره، فلو لم يعلم بالوحي عجزهم عن المعارضة لما جاز أن يحملهم عليها بهذا التقريع.
 
(وثالثها) أنه لو لم يكن قاطعاً في أمره لما قطع في أنهم لا يأتون بمثله لأن المزور لا يجزم بالكلام، فجزمه يدل على كونه جازماً في أمره.
 
(ورابعها) أنه وجد مخبر هذا الخبر على ذلك الوجه، لأنه من عهده عليه السلام إلى عصرنا هذا لم يحل وقت من الأوقات من يعادي الدين والإسلام، وتشددوا عليه في الوقيعة فيه، ثم إنه مع هذا الحرص الشديد لم توجد المعارضة قط. فهذه الوجوه الأربعة في الدلالة على الإعجاز مما تشتمل عليه هذه الآية، فهذه الأخبار وأمثالها تدل على كون القرآن كلام الله، لأن عادة الله جارية على أن مدعي النبوة لو أخبر عن شيء ونسب إلى الله كذباً لا يخرج خبره صحيحاً. في الباب الثامن عشر من كتاب الاستثناء هكذا: (فإن أحببت وقلت في قلبك كيف أستطيع أن أميز الكلام الذي لم يتكلم به الرب). ‏2222- فهذه تكون لك آية أن ما قاله ذلك النبي باسم الرب ولم يحدث فهذا الرب لم يكن تكلم به، بل ذلك النبي صوره في تعظيم نفسه ولذلك لا تخشاه).
 
(الأمر الرابع) ما أخبر من أخبار القرون السالفة والأمم الهالكة، وقد علم أنه كان أمياً ما قرأ ولا كتب ولا اشتغل بمدارسة مع العلماء ولا مجالسة مع الفضلاء، بل تربى بين قوم كانوا يعبدون الأصنام ولا يعرفون الكتاب، وكانوا عارين عن العلوم العقلية أيضاً، ولم يغب عن قومه غيبة يمكن له التعلم فيها من غيرهم، والمواضع التي خالف القرآن فيها في بيان القصص والحالات المذكورة [في] كتب أهل الكتاب كقصة صلب المسيح عليه السلام وغيرها فهذه لمخالفة قصدية: إما لعدم كون بعض هذه الكتب أصلية كالتوراة والإنجيل المشهورين، وإما لعدم كونها إلهامية، ويدل على ما ذكرت قوله تعالى: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون}.