الفرق بين المراجعتين لصفحة: «إظهار الحق/الفصل الثاني: في رفع شبهات القسيسين»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obayd (نقاش | مساهمات)
تعديل التصنيف واستبدال, Replaced: رحمة الله الهندي → رحمة الله الهندي using AWB
 
سطر 38:
وأمثال هذه المسائل كثيرة أطوي الكشح عن بيانها خوفاً من التطويل. فأقول:
 
لعل هذه المضامين العالية التي نقلتها وأمثالها لو وجدوها في القرآن لاعترفوا بأنه كلام الله وقبلوه، لكنهم لما وجدوه خالياً منها ومن أمثالها فكيف يعترفون ويقبلون لأن المضامين الحسنة المألوفة عندهم هي هذه المضامين وأمثالها، لا المضامين التي ذكرت في القرآن. وأما بعض المضامين التي توجد في القرآن في ذكر الجنة والنار وغيرهما ويزعمون أنها قبيحة فأذكرها إن شاء الله تعالى في الشبهة الثالثة بأجوبتها فانتظر.
 
(الشبهة الثانية) أن القرآن مخالف لكتب العهد العتيق والجديد في مواضع، فلا يكون كلام الله.
سطر 47:
(أما الأول) فلأنك قد عرفت في الباب السادس بما لا مزيد عليه أن النسخ لا يختص بالقرآن، بل وجد في الشرائع السابقة بالكثرة، وأنه لا استحالة فيه، وأن الشريعة العيسوية نسخت جميع أحكام التوراة إلا تسعة أحكام من الأحكام العشرة المشهورة، وقد وقع فيها التكميل أيضاً على زعمهم، والتكميل أيضاً نوع من أنواع النسخ، فصارت هذه الأحكام أيضاً منسوخة بهذا الوجه فبعد ذلك ليس من شأن المسيحي العاقل أن يطعن على القرآن باعتبار هذا النوع.
 
(وأما الثاني) فهو كالأول أيضاً، وشواهده كثيرة أكتفي منها على ثلاثة عشر شاهداً:
 
(الشاهد الأول) الآية التاسعة من رسالة يهودا هكذا: (وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجاً عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء، بل قال لينتهرك الرب) فمخاصمة ميخائيل إبليس عن جسد موسى لم تذكر في كتاب من كتب العهد العتيق. (الشاهد الثاني) ثم في تلك الرسالة هكذا 14: (وتنبأ عن هؤلاء أيضاً أخنوخ السابع من آدم قائلاً: هو ذا قد جاء الرب في ربوات قديسية) 15 (ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاط فجار) ولا أثر لهذا الخبر أيضاً في كتاب من كتب العهد العتيق. (الشاهد الثالث) الآية الحادية والعشرون من الباب الثاني عشر من الرسالة العبرانية هكذا: (وكان المنظر هكذا مخيفاً حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد)، وهذا الحال مذكور في الباب التاسع عشر من سفر الخروج، لكن لا توجد فيه ولا في كتاب من كتب العهد العتيق هذه الفقرة: (حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد). )الشاهد الرابع) الآية الثامنة من الباب الثالث من الرسالة الثانية إلى تيموثاوس هكذا: (وكما قاوم ينيس ويمبريس موسى) إلخ، وهذا الحال مذكور في الباب السابع من سفر الخروج ولا أثر لهذين الاسمين في هذا الباب ولا في باب آخر ولا في كتاب آخر من كتب العهد العتيق. (الشاهد الخامس) الآية السادسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا: (وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باق إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا) ولا يوجد لهذا أثر في إنجيل من الأناجيل الأربعة، ولا في كتاب أعمال الحواريين مع أن لوقا أحرص الناس على تحرير أمثال هذه الأحوال. (الشاهد السادس) في الآية الخامسة والثلاثين من الباب العشرين من كتاب الأعمال هكذا: (متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ)، وهذا القول لا يوجد له أثر في إنجيل من الأناجيل الأربعة.
 
(الشاهد السابع) الأسماء التي ذكرت في الباب الأول من إنجيل متى بعد زربابل لا توجد في كتاب من كتب العهد العتيق. (الشاهد الثامن) في الباب السابع من كتاب الأعمال هكذا: 23 (ولما كملت له مدة أربعين سنة خطر على باله أن يفتقد إخوته بني إسرائيل). 24: (وإذا رأى واحداً مظلوماً حامى عنه وأنصف المغلوب إذ قتل المصري). 25: (فظن أن إخوته يفهمون أن الله على يده يعطيهم نجاة وأما هم فلم يفهموا). 26: (وفي اليوم الثاني ظهر لهم وهم يتخاصمون فساقهم إلى السلامة قائلاً: أيها الرجال أنتم أخوة لماذا تظلمون بعضكم بعضاً) 27: (فالذي كان يظلم قريبه دفعه قائلاً: من أقامك رئيساً وقاضياً علينا) 28: (أتريد أن تقتلني كما قتلت أمس المصري)، وهذا الحال مذكور في الباب الثاني من كتاب الخروج، لكن بعض الأشياء ذكرت في كتاب الأعمال وما جاء ذكرها في كتاب الخروج، وعبارة الخروج هكذا: 11- وفي تلك الأيام لما شب موسى خرج إلى إخوته وأبصر تعبدهم ورأى رجلاً من أهل مصر يضرب رجلاً من إخوته العبرانيين). 12: (فالتفت إلى الجانبين فلم ير أحداً. فقتل المصري ودفنه في الرمل) 13: (وأنه خرج من اليوم الثاني ونظر إلى رجلين عبرانيين يختصمان فقال للظالم منهما: لم تضرب صاحبك؟). 14: (فقال له ذلك الرجل: من جعلك سلطاناً علينا أو قاضياً لعلك تريد قتلي كما بالأمس قتلت المصري). (الشاهد التاسع) الآية السادسة من رسالة يهودا هكذا: (والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام). (الشاهد العاشر) في الآية الرابعة من الباب الثاني من الرسالة الثانية لبطرس: (الله لم يشفق على ملائكة قد أخطئوا، بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء) وهذا الحال الذي نقله بطرس ويهودا الحواريان لا يوجد في كتاب من كتب العهد العتيق، بل الظاهر أنه كاذب لأن المراد بهؤلاء الملائكة المحبوسين الشياطين، والشياطين ليسوا بمحبوسين بقيود أبدية كما يشهد عليه الباب الأول من كتاب أيوب والآية الثانية عشرة من الباب الأول من إنجيل مرقس، والآية الثامنة من الباب الخامس من الرسالة الأولى لبطرس وغيرها من الآيات. (الشاهد الحادي عشر) الآية الثامنة عشرة من الزبور المائة والرابع على وفق الترجمة العربية، ومن الزبور المائة والخامس على وفق التراجم الأخر هكذا: (وذلت بالقيود رجلاه وبالحديد عبرت نفسه) وحال كون يوسف مسجوننا مذكور في الباب التاسع والثلاثين من سفر التكوين وليس ذلت رجليه بالقيود وعبرت نفسه بالحديد مذكورين فيه، ولا يلزم هذان الأمران للمسجون وإن كانا غالبين. ( الشاهد الثاني عشر) في الآية الرابعة من الباب الثاني عشر من كتاب هوشع هكذا: (وغلب الملاك وتقوى وبكى وسأله) إلخ وحال مصارعة الملك يعقوب مذكور في الباب الثاني والثلاثين من سفر التكوين ولا يوجد فيه بكاء يعقوب. (الشاهد الثالث عشر) يوجد في الإنجيل ذكر الجنة والجحيم والقيامة وجزاء الأعمال فيها وإن كان بالإجمال، ولا أثر لهذا في الكتب الخمسة لموسى، بل لا يوجد فيها سوى المواعيد الدنيوية للمطيعين والتهديدات الدنيوية للعاصين.
 
وهكذا توجد مواضع كثيرة. فظهر مما ذكرنا أنه إذا ذكر بعض الأحوال في كتاب ولا يوجد ذكره في الكتاب المتقدم لا يلزم منه تكذيب الكتاب المتأخر وإلا يلزم أن يكون الإنجيل كاذباً لاشتماله على الحالات التي لم تذكر في التوراة ولا في كتاب آخر من كتب العهد العتيق. فالحق أن الكتاب المتقدم لا يلزم أن يكون مشتملاً على الحالات كلها. ألا ترى أن أسماء جميع أولاد آدم وشيث وأنوس وغيرهم وكذا أحوالهم ليست مذكورة في التوراة؟ وفي تفسير دوالي ورجردمييت ذيل شرح الآية الخامسة والعشرين من الباب الرابع عشر من سفر الملوك الثاني هكذا: (لا يوجد ذكر هذا الرسول يونس إلا في هذه الآية). وفي البلاغ المشهور الذي كان إلى أهل نينوى: (ولا يوجد في كتاب من الكتب إخباراته عن الحوادث الآتية التي جرأ بها يوربعام السلطان على محاربة سلاطين السريا وسببه ليس منحصراً في أن الكتب الكثيرة للأنبياء لا توجد عندنا، بل سببه هذا أيضاً أن الأنبياء لم يكتبوا كثيراً من أخبارهم عن الحوادث الآتية) انتهى. فهذا القول يدل صراحة على ما قلت، والآية الثلاثون من الباب العشرين من إنجيل يوحنا هكذا: (وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب) والآية الخامسة والعشرون من الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا هكذا: (وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة). وهذا الكلام وإن لم يخل من المبالغة الشاعرية، لكنه لا شك يفيد أن جميع حالات عيسى عليه السلام ما كتبت، فالطاعن باعتبار النوع الثاني على القرآن حاله كحال الطاعن باعتبار النوع الأول بلا تفاوت.
سطر 231:
قال محققهم المشهور هورن في المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822: (إن المحقق المشهور ليكلرك قابل العبرانية بالسامرية بالجد والتدقيق واستخراج هذه المواضع، وفي هذه المواضع للسامرية بالنسبة إلى العبرانية نوع صحة) انتهى.
 
ولا يظن أحد انحصار مواضع المخالفة بين العبرانية والسامرية في الستين على ما حقق ليكلرك، لأن الاختلاف الرابع والثامن والعاشر والخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر والثاني والعشرين والرابع والعشرين والخامس والعشرين ليست بداخلة في هذه الستين، بل مقصود ليكلرك ضبط المواضع التي فيها مخالفة كثيرة بين النسختين عنده، ولم يدخل في هذه الستين مما ذكرت إلا أربعة اختلافات، فإذا أخذنا جميع الاختلافات المذكورة في الشواهد الستة والعشرين بعد إسقاط المشترك صار اثنين وثمانين شاهداً من الاختلافات التي بين النسخ الثلاث للتوراة، فأكتفي عليها ولا أذكر الاختلافات التي بين العبرانية واليونانية بالنسبة إلى الكتب الأخرى من العهد العتيق خوفاً من التطويل، وهذا القدر يكفي اللبيب. وظهر أن قول الطاعن باعتبار النوع الثالث أيضاً ساقط عن الاعتبار بمثل سقوطه باعتبار النوعين الأولين.
 
(الشبهة الثالثة) يوجد في القرآن أن الهداية والضلال من جانب الله تعالى، وأن الجنة مشتملة على الأنهار والحور والقصور، وأن الجهاد على الكفار مأمور به وهذه المضامين قبيحة تدل على أن القرآن ليس كلام الله، وهذه الشبهة أيضاً من أقوى شبههم قلما تخلو رسالة من رسائلهم تكون في رد أهل الإسلام ولا توجد فيها هذه الشبهة، ولهم في بيانها على قدر اختلاف أذهانهم تقريرات عجيبة يتحير الناظر من تعصباتهم بعد ملاحظة هذه التقريرات.
سطر 253:
(وأما الجواب عن الأمر الثاني) فهو أنه لا قبح في كون الجنة مشتملة على الحور والقصور وسائر النعيم عند العقل، ولا يقول أهل الإسلام إن لذات الجنة مقصورة على اللذات الجسمانية فقط كما يقول علماء بروتستنت غلطاً أو تغليطاً للعوام، بل يعتقدون بنص القرآن أن الجنة تشتمل على اللذات الروحانية والجسمانية، والأولى أفضل من الثانية ويحصل كلا النوعين للمؤمنين. قال الله في سورة التوبة: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} فقوله ورضوان من الله - الآية - معناه أن رضواناً من الله أكبر منزلة من كل ما سلف ذكره من الجنات والأنهار والمساكن الطيبة وهذا القول يدل على أن أفضل ما يعطي الله في الجنة هي اللذات الروحانية وإن كان يعطي اللذات الجسمانية أيضاً. ولذلك قال ذلك هو الفوز العظيم، لأن الإنسان مخلوق من جوهرين لطيف علوي وكثيف سفلي جسماني، وانضم إليهما حصول سعادة وشقاوة، فإذا حصلت الخيرات الجسمانية وانضم إليها حصول السعادات الروحانية، كان الروح فائزاً بالسعادات اللائقة به والجسد واصلاً إلى السعادات اللائقة به، ولا شك أن ذلك هو الفوز العظيم، وإن قال علماء بروتستنت إن اجتماعهما أيضاً في الجنة قبيح في عقولنا. أقول لهم لا تضطربوا فإنه لا يحصل لكم إن شاء الله، وقد عرفت في الباب الأول أن الإنجيل عندنا عبارة عما أنزل على عيسى عليه السلام فقط، فلو وجد في قول من الأقوال المسيحية ما يخالف ظاهره حكم القرآن، فمع قطع النظر عن أنه مروي برواية الآحاد، وعن أن مخالفة كتبهم المقدسة لا تضر القرآن، كما عرفت في جواب الشبهة الثانية. أقول إن ذلك القول يكون مئولاً ألبتة، وكون أهل الجنة كالملائكة في زعمهم لا ينافي الأكل والشرب على حكم كتبهم، ألا يرون أن الملائكة الثلاثة الذين ظهروا لإبراهيم وأحضر لهم إبراهيم عليه السلام عجلاً حنيذاً وسمناً ولبناً أكلوا هذه الأشياء كما صرح به في الباب الثامن عشر من سفر التكوين، وأن الملكين اللذين جاءا إلى لوط عليه السلام وصنع لهما وليمة وخبزاً فطيراً أكلا كما صرح به في الباب التاسع عشر من سفر التكوين، والعجب أنهم لما اعترفوا بالحشر الجسماني فأي استبعاد في اللذات الجسمانية، نعم لو كانوا منكرين للحشر مطلقاً كمشركي العرب، أو كانوا منكرين للحشر الجسماني ومعترفين بالحشر الروحاني كاتباع أرسطو لكان لاستبعادهم وجه بحسب الظاهر. وعندهم تجسد الله وما انفك عنه الأكل والشرب وسائر اللوازم الجسدانية باعتبار أنه إنسان، ولما لم يكن عيسى عليه السلام مرتاضاً مثل يحيى في الاجتناب عن الأطعمة النفسية وشرب الخمر كان المنكرون يطعنون عليه بأنه أكول وشريب كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متى. وعندنا هذا الطعن مردود لكنا نقول إنه لا شك أن عيسى عليه السلام باعتبار الجسمية كان إنساناً فقط، فكما أن الأطعمة النفيسة وشرب الخمر ما كانا مانعين في حقه عليه السلام عن اللذات الروحانية مع كونه في هذه الدار الدنيا بل كان على حضرته غلبة الأحكام الروحانية، فكذلك اللذات الجسمانية لا تكون مانعة عن اللذات الروحانية لأهل الجنة مع كونهم في النشأة الأخرى.
 
(وأما الجواب عن الأمر الثالث) فيجيء في الباب السادس إن شاء الله لأن الجهاد في مطاعن النبي {{صل}} عندهم من أعظم المطاعن فأذكره في المطاعن هناك.
 
(الشبهة الرابعة) أن القرآن لا يوجد فيه ما يقتضيه الروح ويتمناه. (والجواب) أن ما يقتضيه الروح ويمتناه أمران: الاعتقادات الكاملة والأعمال الصالحة، والقرآن مشتمل على بيان كلا النوعين على أكمل وجه كما عرفت في جواب الشبهة الأولى، ولا يلزم من عدم بعض الأمور التي هي مقتضيات الروح على زعم علماء بروتستنت نقصان القرآن كما لا يلزم نقصان التوراة والإنجيل والقرآن من عدم الأمر الذي هو مقتضى الروح على زعم علماء مشركي الهند من البراهمة، كما سمعت منهم أنهم يقولون إن ذبح الحيوان لأجل الأكل والتلذذ خلاف مقتضى الروح وغير مستحسن عند العقل جداً، ولا يتصور أن يحصل له الإجازة فيه من جانب الله، فالكتاب المشتمل عليه لا يكون من جانب الله.
 
(الشبهة الخامسة) يوجد في القرآن الاختلافات المعنوية مثلاً، قوله: {لا إكراه في الدين} وقوله في سورة الغاشية: {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} وقوله في سورة النور: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمِّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين}. وهذه الآيات تخالف الآيات التي فيها أمر الجهاد. ووقع في أكثر الآيات أن المسيح إنسان ورسول فقط، ووقع في موضع بضدها أنه ليس من جنس البشر بل منزلته أعلى منه. الأول قوله في سورة النساء: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} والثاني قوله في سورة التحريم: {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} وهذان الاختلافان من أعظم الاختلافات في زعم القسيسين ولذا اكتفى عليهما صاحب ميزان الحق في الفصل الثالث من الباب الثالث منه. (وأقول) في الجواب عن الاختلاف الأول أن هذا ليس باختلاف، بل هذا الحكم كان قبل الجهاد فلما نزل حكم الجهاد نسخ هذا الحكم، والنسخ ليس باختلاف معنوي وإلا يلزم أن يكون بين الإنجيل والتوراة في جميع الأحكام المنسوخة اختلاف معنوي، وكذا في نفس أحكام التوراة وكذا في نفس أحكام الإنجيل كما عرفت في الباب الثالث بما لا مزيد عليه، على أن قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} ليس بمنسوخ وقد عرفت الجواب عن الاختلاف الثاني في الأمر السابع من مقدمة الكتاب وظهر لك هناك أن القولين المذكورين لا يدلان على أن عيسى بن مريم ليس من جنس البشر وفهم هذا المعنى وهم صرف وظن فاسد، والعجب من هؤلاء العقلاء أنهم لا يرون الاختلافات والأغلاط التي وقعت في كتبهم كما علمت بعضاً منها في الفصل الثالث من الباب الأول.