الفرق بين المراجعتين لصفحة: «إظهار الحق/الفصل الرابع: بيان أنه لا مجال لأهل الكتاب أن يدعوا أن كل كتاب من كتب العهد العتيق والجديد كتب بالإلهام»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obayd (نقاش | مساهمات)
تعديل التصنيف واستبدال using AWB
 
سطر 10:
'''الفصل الرابع: في بيان أنه لا مجال لأهل الكتاب أن يدّعوا أن كل كتاب من كتب العهد العتيق والجديد كتب بالإلهام، وأن كل حال من الأحوال المندرجة فيه إلهامي، لأن هذا الادعاء باطل قطعاً'''
 
ويدل على بطلانه وجوه كثيرة أكتفي منها ههنا على سبعة عشر وجهاً:
 
(الأول) أنه يوجد فيها الاختلافات المعنوية الكثيرة، واضطر محققوهم ومفسروهم في هذه الاختلافات فسلموا في بعضها أن إحدى العبارتين أو العبارات صادقة وغيرها كاذبة إما بسبب التحريف القصدي، أو بسبب سهو الكاتب، ووجهوا بعضها بتوجيهات ركيكة بشعة لا يقبلها الذهن السليم، وقد عرفت في القسم الأول من الفصل الثالث أزيد من مائة اختلاف.
 
(الثاني) أنه يوجد فيها أغلاط كثيرة وقد عرفت في القسم الثاني من الفصل الثالث أيضاً أكثر من مائة غلط، والكلام الإلهامي بعيد بمراحل عن وقوع الغلط والاختلاف المعنوي.
 
(الثالث) أنه وقع فيها التحريفات القصدية في مواضع غير محصورة بحيث لا مجال للمسيحيين أن ينكروها، وظاهر أن المواضع المحرّفة ليست بإلهامية عندهم يقيناً، وستقف على مائة موضع من هذه المواضع في الباب الثاني مفصّلاً إن شاء الله تعالى.
 
(الرابع) أن كتاب باروخ، وكتاب طوبيا، وكتاب يهوديت، وكتاب وزدم، وكتاب أيكليزيا ستيكس، والكتاب الأول والثاني للمقابيين، وعشر آيات في الباب العاشر، وستة أبواب من الحادي عشر إلى السادس عشر من كتاب أستير، وغناء الأطفال الثلاثة في الباب الثالث من كتاب دانيال، والباب الثالث عشر والرابع عشر من هذا الكتاب، أجزاء من العهد العتيق عند فرقة الكاثلك، وقد بين فرقة البروتستنت بالبيانات الشافية أنها ليست إلهامية واجبة التسليم، فلا حاجة لنا إلى إبطالها، فمن شاء فلينظر في كتبهم، واليهود أيضاً لا يسلمونها إلهامية. والسفر الثالث لعزرا أجزاء من العهد العتيق عند كنيسة كريك وقد بين فرقة الكاثلك وفرقة البروتستنت بأدلة واضحة أنه ليس إلهامياً، فمن شاء فلينظر في كتب الفرقتين المذكورتين، وكتاب القُضاة ليس إلهامياً على قول من قال إنه تصنيف فينحاس، وكذا على قول من قال إنه تصنيف حزقيا، وكتاب راغوث ليس إلهامياً على قول من قال إنه تصنيف حزقيا، وكذا على قول طابعي البيبل المطبوع سنة 1816 في (استار برك) وكتاب نحميا على المذهب المختار ليس إلهامياً، سيما ستاً وعشرين آية من أول الباب الثاني عشر من هذا الكتاب، وكتاب أيوب ليس إلهامياً على قول رب مماني ديز، وميكانيس، وسيملر واستاك، وتهويد وروى الإمام الأعظم لفرقة البروتستنت لوطر، وعلى قول من قال إنه من تصنيف أليهو أو رجل من آله أو رجل مجهول الاسم، والباب الثلاثون والباب الحادي والثلاثون من كتاب أمثال سليمان ليسا بإلهاميين، والجامعة على قول علماء تلميودي ليس إلهامياً، وكتاب نشيد الإنشاد على قول تهيودوروسيمن وليكلرك ووستن وسملر وكاستيليو ليس إلهامياً، وسبعة وعشرون باباً من كتاب أشعياء ليست إلهامية على قول الفاضل (استاهلن الجرمني) وإنجيل متى على قول القدماء وجمهور العلماء المتأخرين الذين قالوا إنه كان باللسان العبراني والحروف العبرانية ففقد والموجود الآن ترجمة ليس إلهامياً، وإنجيل يوحنا على قول استائدلن والمحقق برطشنيدر ليس إلهامياً، والباب الأخير منه على قول المحقق (كروتيس) ليس إلهامياً، وجميع رسائل يوحنا ليست إلهامية على قول المحقق برطشنيدر وقول فرقة ألوجين والرسالة الثانية لبطرس ورسالة يهودا ورسالة يعقوب والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا ومشاهدات يوحنا ليست إلهامية على قول الأكثر كما عرفت في الفصل الثاني من هذا الباب.
سطر 22:
(الخامس) قال هورن في الصفحة 131 من المجلد الأول من تفسيره المطبوع سنة 1833: "إن سلمنا أن بعض كتب الأنبياء فقدت فقلنا: إن هذه الكتب ما كانت مكتوبة بالإلهام، وأثبت أكستائن بالدليل القوي هذا الأمر، وقال إنه وَجَد ذكر كثير من الأشياء في كتب تواريخ ملوك يهودا وإسرائيل ولم تُبَّين هذه الأشياء فيها، بل أُحيل بيانها إلى كتب الأنبياء الآخرين، وفي بعض المواضع ذكر أسماء هؤلاء الأنبياء أيضاً، ولا توجد هذه الكتب في هذا القانون الذي يعتقده كنيسة الله واجب التسليم، وما قدر أن يبين سببه، غير أن الأنبياء الذين يلهمهم الروح القدس الأشياء العظيمة في المذهب تحريرهم على قسمين، قسم على طريقة المؤرخين المتدينين يعني بلا إلهام، وقسم بالإلهام، وبين القسمين فَرْق بأن الأول منسوب إليهم، والثاني إلى الله، وكان المقصود من الأول زيادة علمنا، ومن الثاني سَنَدَ الملة والشريعة، ثم قال في الصفحة 133 من المجلد الأول في سبب فقدان سِفر حروف الرب الذي جاء ذكرُه في الآية الرابعة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد: "إن هذا الكتاب الذي فُقِد، أنه مظنون كان على تحقيق المحقق الكبير (داكتر لائت فت) كتاباً كتبه موسى عليه السلام بأمر الله بعد ما كسر عماليق على طريق التذكرة ليوشع، فيعلم أن هذا الكتاب كان مشتملاً على بيان حال هذا الظفر، وعلى بيان التدابير للحروب المستقبلة، وما كان إلهامياً ولا جزءاً من الكتب القانونية" ثم قال في الضميمة الأولى من المجلد الأول: "إذا قيل إن الكتب المقدسة أُوحيت من جانب الله فلا يراد أن كل لفظ، والعبارة كلُها من إلهام الله، بل يُعلم من اختلاف محاورة المصنفين واختلاف بيانهم أنهم كانوا مجازين أن يكتبوا على حسب طبائعهم وعاداتهم وفهومهم، واستعمل علم الإلهام على طريق استعمال العلوم الرسمية، ولا يتخيل أنهم كانوا يُلهمون في كل أمر يبينونه، أو في كل حكم كانوا يحكمونه" انتهى ملخصاً.
 
"ثم قال هذا الأمر محقق أن مصنفي تواريخ العهد العتيق كانوا يلهمون في بعض الأوقات".
 
(السادس) قال جامعو تفسير هنري واسكات في المجلد الأخير من تفسيره نقلاً عن (الكزيدر كينن) يعني الأصول الإيمانية لا لكزيدر: "ليس بضروري أن يكون كل ما كتب النبي إلهامياً أو قانونياً، ولا يلزم من كون بعض كتب سليمان إلهامياً أن يكون كل ما كتبه إلهامياً، وليحفظ أن الأنبياء والحواريين كانوا يُلْهمون على المطالب الخاصة والمواقع الخاصة" (والكزيدر) كتاب عند علماء البروتستنت، ولذلك تمسَك به الفاضل وارن البروتستنت في مقابلة كاركرن الكاثلك في صحة الإنجيل وعدمها، وكون التفسير المذكور معتبراً عندهم غير محتاج إلى البيان.
 
(السابع) إنيسائي كلو بيديا برتنيكا كتاب اتفق على تأليفه كثيرون من علماء إنكلترة فألفوه، وقالوا في الصفحة 374 من المجلد الحادي عشر في بيان الإلهام هكذا: "قد وقع النزاع في أن كل قول مندرج في الكتب المقدسة هل هو إلهامي أم لا؟ وكذا كل حال من الحالات المندرجة فيها فقال، جيروم وكرتيس وأرازمس وبركوبيس والكثيرون الآخرون من العلماء: "إنه ليس كل قول منها إلهامياً" ثم قالوا في الصفحة 30 من المجلد التاسع عشر من الكتاب المذكور: "إن الذين قالوا إن كل قول مندرج فيها إلهامي لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة" ثم قالوا: "إن سألنا أحدٌ على سبيل التحقيق إنكم تسلمون أي جزء من العهد الجديد إلهامياً؟ قلنا: إن المسائل والأحكام والإخبار بالحوادث الآتية التي هي أصل الملة المسيحية لا ينفك الإلهام عنها، وأما الحالات الأخر فكان حفظ الحواريين كافياً لبيانها".
 
(الثامن) أن ريس كتب بإعانة كثير من العلماء المحققين كتاباً (بانسائي كلوبيد باريس) فقال في المجلد السابع عشر من هذا الكتاب: "إن الناس قد تكلموا في كون الكتب المقدسة إلهامية، وقالوا إنه يوجد في أفعال مؤلفي هذه الكتب وأقوالهم أغلاط واختلافات، مثلاً: إذا قوبلت الآية 19 و 20 من الباب العاشر من إنجيل مَتّى والآية 11 من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس بست آيات من أول الباب الثالث والعشرين من كتاب الأعمال يظهر ذلك، وقيل أيضاً: إن الحواريين ما كان يرى بعضهم بعضاً آخر صاحبَ وحْي كما يظهر هذا من مباحثتهم في محفل أورشليم، ومن إلزام بولس لبطرس، وقيل أيضاً: إن القدماء المسيحية ما كانوا يعتقدونهم مصونين عن الخطأ لأن بعض الأوقات تعرضوا على أفعالهم (2 و 3 من الباب الحادي عشر و 20 و 21 و 22 و 23 و 24 من الباب الحادي والعشرين من كتاب الأعمال) وقيل أيضاً: إن بولس المقدس الذي لا يرى نفسه أدنى من الحواريين (5 من الباب 11 و 11 من الباب 12 من الرسالة الثانية إلى أهل قورنيثوس) بين حاله بحيث يظهر منه صراحة أنه لا يرى نفسه إلهامياً في كل وقت ( 10 و 12 و 15 و 40 من الباب السابع من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس و 17 من الباب 11 من الرسالة الثانية إليهم) ونحن لا نجد أن الحواريين يشرِّعون الكلامَ بحيث يظهر منه أنهم يتكلمون من جانب الله، ثم قال إن ميكايلس وَزَنَ دلائل الطرفين بالفكر والخيال اللذين لا بد أن يكونا لمثل هذا الأمر العظيم فحاكم بينهما بأن الإلهام مفيد في الرسائل ألبتة، وأن كُتُبَ التاريخ مثل الأناجيل والأعمال لو قطعنا النظر فيها عن الإلهام رأساً لا يضرنا شيئاً، بل يحصل شيء من الفائدة، وإن سلمنا أن شهادة الحواريين في بيان الحالات التاريخية مثل الأشخاص الآخرين كما قال المسيح، وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء كما صرح يوحنا في الآية 17 من الباب الخامس عشر من إنجيله لا يضرنا شيئاً أيضاً ولا يقدر أحد في مقابلة مُنْكِر الملة المسيحية أن يستدل على حقيتها بتسليم مسألة ما بل لا بد أن يستدل على موت المسيح وقيامه ومعجزاته بتحرير الإنجيليين واعتبارهم بأنهم مؤرخون، ومن أراد أن يقيس مبنى إيمانه فيلزم عليه أن يتصور شهادتهم في هذه الحالات كشهادة الأشخاص الآخرين، لأن إثبات حقية الحالات المندرجة في الأناجيل بكونها إلهامية يستلزم الدور، لأن إلهاميتها باعتبار الحالات المذكورة، فلا بد أن يتصور شهادتها في هذه الحالات كشهادة الأشخاص الآخرين، ولو تصورنا في بيان الحالات التاريخية كما قلنا لا يلزم من هذا التصور قَبَاحة ما في الملة المسيحية. ولا نجد مكتوباً صريحاً في موضع أن الحالات العامة التي أدركها الحواريون بتجاربهم، وأدرك لوقا بتحقيقاته إلهامية، بل لو حصل لنا الإجازة أن نتصور أن بعض الإنجيلبين غلطوا غلطاً ما ثم أصلح يوحنا بعد ذلك، لحصلت فائدة عظيمة لتطبيق الإنجيل، وقال مستر (كدل) في الفصل الثاني من رسالته في بيان الإلهام مثل ما قال ميكايلس، والكتب التي كتبها تلاميذ الحواريين مثل إنجيل مرقس ولوقا وكتاب الأعمال فتوقف ميكايلس في كونها إلهامية" انتهى كلام ريس ملخصاً.
 
(التاسع) أن واتسن صرح في المجلد الرابع من كتابه في رسالة الإلهام التي أخذت من تفسير (داكتر بنسن) أن عدم كون تحرير لوقا إلهامياً ظهر مما كتب في ديباجة إنجيله هكذا: "إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي عملت به، وهكذا قال القدماء من العلماء المسيحية أيضاً قال أرينيوس: إن الأشياء التي تعلّمها لوقا من الحواريين بلغها إلينا، وقال جيروم إن لوقا تعلمه ليس منحصراً من بولس الذي لم يحصل له صحبة جسمانية بالمسيح، بل تعلم الإنجيل منه ومن الحواريين الآخرين أيضاً" ثم صرح في تلك الرسالة أن الحواريين كانوا إذا تكلموا في أمر الدين أو كتبوا فخزانة الإلهام التي كانت حاصلة لهم كانت تحفظهم، لكنهم كانوا أناساً وذوي عقول، وكانوا يُلْهمون أيضاً، وكما أن الأشخاص الآخرين في بيان الحالات يتكلمون ويكتبون بمقتضى عقولهم بغير الإلهام، فكذا هؤلاء الحواريون في الحالات العامة كانوا يتكلمون ويكتبون، فلذلك كان يمكن لبولس أن يكتب بدون الإلهام إلى طيموثاوس: "هكذا استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" كما هو مصرح في الآية 23 من الباب الخامس من الرسالة الأولى إليه، أو أن يكتب إليه "الرداء الذي تركته في ترواس عند كاربس أحضره متى جئت والكتب أيضاً ولا سيما الرّقوق" كما هو مصرح في الآية الثالثة عشرة من الباب الرابع من الرسالة الثانية إليه، أو أن يكتب إلى فيلمون: "ومع هذا أعدد لي أيضاً منزلاً" كما هو مصرح في الآية الثانية والعشرين من رسالته إليه، أو أن يكتب إلى طيموثاوس "أراسنس بقي في قورنيثوس وأما تروفيمس فتركته في ميليتس مريضاً" كما في الآية العشرين من الباب الرابع من الرسالة الثانية إليه، وليست هذه الحالات حالات نفسي ألبتة بل حالات بولس المقدس. كتب في الباب السابع من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس في الآية العاشرة هكذا: "فأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب" وفي الآية الثانية عشرة هكذا: "وأما الباقون فأنا أقول لا الرب" وفي الآية الخامسة والعشرين "وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن ولكنني أعطي رأياً"... الخ، وفي الباب السادس عشر من كتاب الأعمال في الآية السادسة هكذا: "وبعد ما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية منعهم الروح القدس أن يتكلموا بالكلمة في آسيا، وفي الآية السابعة هكذا: "فلما أتوا إلى ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلى ابثيتنية فلم يدعهم الروح" فالحواريون كان لأمورهم أصلان: أحدهما العقل، والثاني الإلهام، فبالنظر إلى الأول كانوا يحكمون في الأمور العامة، وبالنظر إلى الثاني في أمر الملة المسيحية، فلذلك كان الحواريون يغلطون في أمور بيوتهم وإرادتهم مثل الناس الآخرين كما هو مصرح في الآية 3 و 5 من الباب الثالث والعشرين من كتاب الأعمال، وفي الآية 24 و 28 من الباب الخامس عشر من الرسالة الرومية، وفي الآية 5 و 6 و 8 من الباب السادس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس وفي الآية 15 و 16 و 17 و 18 من الباب الحادي عشر من الرسالة الثانية إليهم" انتهى كلام واتسن الذي نقله من رسالة الإلهام، وفي المجلد التاسع من (انسائي كلوبيد باريس) في بيان حال داكتر بنسن هكذا: "إن ما بين بنسن في أمر الإلهام سهل في بادئ النظر وقريب من القياس وعديم النظير والمثل في الامتحان".
 
(العاشر) قال باسوبر وليافان: "إن روح القدس الذي كتب الإنجيليون والحواريون بتعليمه وإعانته لم يعين لهم لساناً معيناً بل ألقى المضمون فقط في قلوبهم وحفظهم من وقوعهم في الغلط، وخيّر كلاً منهم أن يؤديَ الملقى على حسب محاورته وعبارته، ونحن كما نجد الفرق في محاورة هؤلاء المقدسين يعني مؤلفي العهد العتيق في كتبهم على حسب أمزجتهم ولياقتهم، فكذلك يجد من كان ماهراً بأصل اللسان فرقاً في محاورة متى ولوقا وبولس ويوحنا، ولو ألقى روح القدس العبارة في قلوب الحواريين لما وجد هذا الأمر ألبتة بل لو كان في هذه الحالة محاورة جميع الكتب المقدسة واحدة. على أن بعض الحالات لا حاجة للإلهام فيها، مثلاً إذا كتبوا شيئاً رأوه بأعينهم أو سمعوه من الشاهدين المعتبرين، إذا أراد لوقا أن يكتب إنجيله قال إنه كتب حال الأشياء على حسب ما سمعوا من الذين كانوا معاينين بأعينهم، ولما كان واقفاً فرأى مناسباً أن يبلغ هذه الأشياء إلى الأجيال الآتية، والمصنف الذي يكون له خبر هذه الأشياء من روح القدس يقول على ما جرت به العادة: إني بينت حال هذه الأشياء كما علمني روح القدس، وإيمان بولس المقدس وإن كان عجباً ومن جانب الله لكن لوقا مع ذلك لا ضرورة له في بيانه إلى غير شهادة بولس أو شهادة رفقائه، ولذلك فيه فرق ما لكنه لا تناقض فيه" انتهى كلام باسوبر وليافان وهما عالمان مشهوران من العلماء العظام المسيحية المشهورين، وكتابهما أيضاً كتاب معتبر في غاية الاعتبار، كما صرح هورن وواتسن.
 
(الحادي عشر) صرح هورن في الصفحة 798 من المجلد الثاني هكذا: "إن أكهارن من العلماء الجرمنية الذين هم ليسوا بمعترفين بإلهام موسى" ثم قال في الصفحة 818: "قال شَلْزودَاتهه ورَوْزن مُلَرودا كتر جدس: إنه ما كان إلهام لموسى، بل جمع الكتب الخمسة من الروايات المشهورة في ذلك العهد، وهذا الرأي هو المنتشر انتشاراً بليغاً الآن في علماء الجرمن وقال هو أيضاً: "إن يوسى بيس وكذا بعض المحققين الكبار أيضاً الذين كانوا بعده يقولون إنّ موسى كتب سِفْر الخليقة في الوقت الذي كان يرعى الشياه في مَدْين في بيت صهره" أقول: إذا كتب موسى سفر التكوين قبل النبوة فلا يكون هذا السفر عند هؤلاء المحققين العظام إلهامياً، بل يكون مجموعاً من الروايات المشهورة، لأنه إذا لم يكن كل تحرير النبي بعد نبوته إلهامياً كما اعترف به المحقق هورن وغيره على ما عرفت، فكيف يكون هذا التحرير الذي هو قبل النبوة إلهامياً؟ قال وارد كاثلك في الصفحة 38 من كتابه المطبوع سنة 1841: "قال لوطر في الصفحة 40 و 41 من المجلد الثالث من كتابه لا نسمع من موسى ولا ننظر إليه لأنه كان لليهود فقط، ولا علاقة له بنا في شيء مّا، وقال في كتاب آخر نحن لا نسلم موسى ولا توراته لأنه عدو عيسى" ثم قال: "إنه أستاذ الجلادين، ثم قال لا علاقة للأحكام العشرة بالمسيحية"، ثم قال: "لنخرج هذه الأحكام العشرة ليزول كل بدعة حينئذ لأنها منابع البدعات بأسرها، وقال أسلى بيس تلميذُه هذه الأحكام العشرة لا تعلَّم في الكنائس، وخرجت فرقة (أنتي نومينس) من هذا الشخص: وكان عقيدتهم أن التوراة ليس بلائق أن يُعْتَقد أنه كلام الله، وكانوا يقولون: إن أحداً لو كان زانياً أو فاجراً أو مرتكباً ذنوباً أخر فهو في سبيل النجاة ألبتة، وإن غرق في العصيان بل في قعره، وهو يؤمن فهو في سرور، والذين يصرفون أنفسهم في هذه الأحكام العشرة فعلاقتهم بالشيطان، صُلِب هؤلاء بموسى" فانظروا إلى أقوال إمام فرقة البروتستنت وتلميذه الرشيد كيف قالا في حق موسى عليه السلام وتوراته، فإذا كان موسى عدو عيسى عليهما السلام وأستاذ الجلادين، ولليهود فقط ولا يكون التوراة كلام الله، ولا يكون لموسى ولا لتوراته ولا للأحكام العشرة علاقة بالمسيحيين، وتكون هذه الأحكام قابلة الإخراج، ومنابع البدعات، ويكون الذين يتمسكون بها علاقتهم بالشيطان، فيلزم أن ينكر متبعو هذا الإمام التوراة وموسى عليه السلام، ويكون الشركُ وعبادة الأوثان وعدمُ تعظيم الأبوين وإيذاء الجار والسرقةُ والزنا والقتلُ والشهادة الزور من أركان الملة البروتستنتية، لأن خلاف هذه الأحكام العشرة التي هي منابع البدعات الأشياء المذكورة. قال البعض من هذه الفرقة لي أيضاً: إن موسى عندنا ما كان نبياً، بل كان عاقلاً مدوناً للقوانين، وقال البعض الآخر من هذه الفرقة: إن موسى عندنا كان سارقاً لصاً، فقلت اتق الله، قال لِمَ؟ وأن عيسى عليه السلام قال: "جميع الذين أتوا قبلي هم سُراق ولصوص، ولكن الخراف لم تسمع لهم" كما هو مصرح في الآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنا، فأشار بقوله جميع الذين أتوا قبلي إلى موسى وغيره من الأنبياء الإسرائيلية، (أقول) لعل متمسك إمام هذه الفرقة المذكورة وتلميذه الرشيد في ذم موسى وتوراته يكون هذا القول.
 
(الثاني عشر) قال إمام فرقة البروتستنت لوطر في حق رسالة يعقوب: "إنها كلام" يعني لا اعتداد بها، وأمر يعقوب الحواري في الباب الخامس من رسالته: "إذا مرض أحد بينكم فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه" فاعترف عليه الإمام المذكور في المجلد الثاني من كتابه: "هذه الرسالة إن كانت ليعقوب أقول في الجواب إن الحواري ليس له أن يعين حكماً شرعياً من جانب نفسه لأن هذا المنصب كان لعيسى عليه السلام فقط" فرسالة يعقوب عند الإمام المذكور ليست إلهامية، وكذا أحكام الحواريين ليست إلهامية، وإلا لا معنى لقوله: إن هذا المنصب كان لعيسى فقط، وقال وارد كاثلك في الصفحة 37 من كتابه المطبوع سنة 1841 "قال بومرن الذي هو من العلماء العظام من فرقة البروتستنت وهو تلميذ لوطر إن يعقوب يتم رسالته في الواهيات، وينقل عن الكتب نقلاً لا يمكن أن يكون فيه روح القدس، فلا تعدّ هذه الرسالة في الكتب الإلهامية، وقال وائي تس تهيودورش البروتستنت، وكان واعظاً في (نرم برك): "إنا تركنا قصداً مشاهدات يوحنا ورسالة يعقوب ليست قابلة للملامة في بعض المواضع التي تزيد الأعمال على الإيمان، بل توحد فيها المسائل والمطالب المتناقضة وقال (مكيدي برجن سنتيورستس) إن رسالة يعقوب تنفرد عن مسائل الحواريين، في موضع يقول إن النجاة ليست موقوفة على الإيمان فقط بل هي موقوفة على الأعمال أيضاً، وفي موضع يقول إن التوراة قانون الحرية" فعُلم أن هؤلاء الأعلام أيضاً لا يعتقدون إلهامية رسالة يعقوب كإمامهم.
 
(‏الثالثالثالث عشر) قال كلي شيس: "إن مرقص ومتى يتخالفان في التحرير، وإذا اتفقا ترجح قولهما على قول لوقا" أقول: يعلم منه أمران: (الأول) أن متى ومرقس يوجد في تحريرهما في بعض المواضع اختلاف معنوي، لأن الاتفاق اللفظي لا يوجد في قصة من القصص (والثاني) أن هذه الأناجيل الثلاثة ليست إلهامية وإلا لا معنى لترجيح الأولين على الثالث.
 
(الرابع عشر) المحقق بيلي صنف كتاباً في الإسناد، وهو من العلماء المعتبرين من فرقة البروتستنت وطبع هذا الكتاب سنة 1850 فقال في الصفحة 323 هكذا: الغلط الثاني الذي نسب إلى القدماء المسيحيين أنهم كانوا يرجون قرب القيامة، وأنا أقدم نظيراً آخر قبل الاعتراض، وهو أن ربنا قال في حق يوحنا لبطرس: إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فما ذلك، ففهم هذا القول على خلاف المراد بأن يوحنا لا يموت، فذاع بين الأخوة، فانظروا لو كان هذا القول وصل إلينا بعد ما صار رأياً عاماً، وفقد السبب الذي نشأ منه هذا الغلط واستعد أحدٌ اليوم لرد الملة العيسوية متمسكاً بهذا الغلط لكان هذا الأمر بلحاظ الشيء الذي وصل إلينا في غاية الاعتساف، والذين يقولون أنه يحصلُ الجزمُ من الإنجيل بأن الحوارين والقدماء المسيحية كانوا يرجون قيام القيامة في زمانهم، فلهم أن يتصوروا ما قلنا في هذا الغلط القديم القليل البقاء، وهذا الغلط منعهم عن كونهم خادعين، لكن يرد الآن سؤال وهو إنا إذا سلمنا أن رأي الحواريين كان قابلاً للسهو فكيف يعتمد على أمر منهم؟ ويكفي في جوابه من جانب حامي الملة المسيحية في مقابلة المنكرين هذا القدر أن شهادة الحواريين مطلوبة لي، ولا غرض لي عن رأيهم، وأن المطلب الأصلي مطلوب، ومن جانب النتيجة مأمون، لكنه لا بد أن يُلاحظ في هذا الجواب أمران أيضاً ليزول الخوف كله (الأول) أن يُميز المقصود الذي كان من إرسال الحواريين، وثبت من إظهارهم عن الشيء الذي هو أجنبي أو اختلط به اتفاقاً، ولا حاجة لنا أن نقول في الأشياء التي هي أجنبية من الدين صراحة، لكن يقال في الأشياء التي اختلطت بالمقصود اتفاقاً قولاً ما، ومن هذه الأشياء تسلط الجن، والذين يفهمون أن هذا الرأي الغلط كان عاماً في ذلك الزمان، فوقع مؤلفو الأناجيل واليهود الذين كانوا في ذلك الزمان، فلا بد أن يقبل هذا الأمر، ولا خوف منه في صدق الملة المسيحية لأن هذه المسألة ليست من المسائل التي جاء بها عيسى عليه السلام، بل اختلطت بالأقوال المسيحية اتفاقاً، بسبب كونها رأياً عاماً في تلك المملكة، وذلك الزمان وإصلاح رأي الناس في تأثير الأرواح ليس جزءاً من الرسالة ولا علاقة له بالشهادة بوجه ما (والثاني) أن يميز بين مسائلهم ودلائلهم، فمسائلهم إلهامية لكنهم يوردون في أقوالهم لتوضيحها وتقويتها أدلة ومناسبات، مثلاً هذه المسألة مَنْ تنَصَّر مِن غير اليهود فلا يجب عليه إطاعة الشريعة الموسوية الإلهامية، وثبت تصديقها بالمعجزات، وبولس إذا ذكر هذا المطلب يذكر أشياء كثيرة في تأييده. فالمسألة واجبة التسليم، لكن لا ضرورة أن نصير حامين لصحة كل من أدلة الحواري، وتشبيهاته، لأجل حماية الملة المسيحية، وهذا القول يعتبر في موضع آخر أيضاً، وقد تحقق عندي هذا الأمر تحققاً قوياً أن الربانيين إذا اتفقوا على أمر فالنتيجة التي تحصل من مقدماتهم واجبة التسليم، لكنه لا يجب علينا أن نشرح المقدمات كلها أو نقبلها إلا إذا اعترفوا بالمقدمات مثل اعتراف النتيجة" انتهى كلامه.
 
أقول: أستفيد من كلامه أربع فوائد: (الأولى) أن الحواريين والقدماء المسيحية كانوا يعتقدون أن القيامة تقوم في عهدهم، وأن يوحنا لا يموت إلى قيامها. أقول هذا حق، إذ قد عرفت في القسم الثاني من الفصل الثالث في بيان الأغلاط أن أقوالهم صريحة في أن القيامة تقوم في عهدهم، وقال المفسر يارنس في شرح الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا هكذا: "نشأ هذا الغلط أن يوحنا لا يموت من ألفاظ عيسى التي كانت تفهم غلطاً بالسهولة، وتأكد هذا الأمر من[أن] يوحنا بقي في قيد الحياة بعد الحواريين أيضاً"، وقال جامعو تفسير هنري واسكات هكذا: "والغالب أن مراد المسيح بهذا القول الانتقام من اليهود، لكن الحواريين فهموا غلطاً أن يوحنا يبقى حياً إلى القيامة، وإن بناء الإيمان عليها حمق، لأن هذه الرواية كانت رواية الحواريين، وكانت عامة بين الإخوة وكانت أوليّة ومنتشرة ورائجة، ومع ذلك كانت كاذبة، فالآن الاعتماد على الروايات الغير المكتوبة على أية درجة من القلة وهذا التفسير كان روايتنا، وما كان قولاً جديداً من أقوال عيسى ومع ذلك كان غلطاً" ثم قال في الحاشية: "إن الحواريين فهموا الألفاظ غلطاً كما صرح الإنجيلي لأنهم كانوا يتخيلون أن مجيء الرب يكون للعدل فقط" فعلى تقرير هؤلاء المفسرين لا شبهة أنهم فهموا غلطاً، وإذا كان اعتقادهم في مجيء القيامة كاعتقادهم أن يوحنا لا يموت إلى القيامة فتكون أقوالهم التي تُشعر بمجيء القيامة في عهدهم محمولةً على ظاهرها وغلطاً، والتأويل فيها يكون مذموماً يقيناً وتوجيهاً للقول بما لا يرضي قائله، وإذا كانت غلطاً لا تكون إلهامية (الفائدة الثانية) سلم بيلي أن المعاملات التي هي أجنبية من الدين أو اختلطت بالأمر الديني اتفاقاً لا يلزم من وقوع الغلط فيها نُقصان ما في الملة المسيحية (الفائدة الثالثة) أنه سلم أنه لا نقصان في وقوع الغلط في أدلة الحواريين وتشبيهاتهم (الفائدة الرابعة) أن سلم أن تأثير الأرواح الخبيثة ليس وقعياً، بل أمر وهمي غلط في الواقع، وهذا الغلط يوجد في كلام الحواريين وكلام عيسى لسبب أنه كان رأياً عاماً في تلك المملكة وذلك الزمان، أقول بعد تسليم الأمور الأربعة يخرج أزيد من نصف الإنجيل أن يكون إلهامياً. وبقيت الأحكام والمسائل على رأيه إلهامية، وهذا الرأي لما كان مخالفاً لرأي إمامه أعني جناب لوطر لا يُعتد به أيضاً، لأن جنابه يدعي أن الحواري ليس له أن يعين حكماً شرعياً من أجل نفسه، لأن هذا المنصب كان لعيسى فقط فلا تكون مسائل الحواريين وأحكامهم إلهامية أيضاً.
 
(الخامس عشر) نقل وارد كاثلك في كتابه المطبوع سنة 1841 أقوال العلماء المعتبرين من فرقة البروتستنت، وبيّن في هذا الكتاب أسماء الكتب المنقول عنها، وأنا أنقل من كلامه تسعة أقوال: 1 "قال زونكليش وغيره من فرقة البروتستنت: "إن رسائل بولس ليس كلام مندرج فيها مقدساً، وهو غلط في الأشياء المعدودة" 2 "نسب مستر فلك إلى بطرس الحواري الغلط وجهله بالإنجيل" 3 "قال داكتر كود في كتاب المباحثة التي وقعت بينه وبين فادركيم إن بطرس غلط في الإيمان بعد نزول روح القدس" 4 "قال برنشس الذي لقبه جويل بالفاضل والمرشد: إن بطرس رئيس الحواريين وبرنبا غلطا بعد نزول روح القدس وكذا كنيسة أورشليم" 5 "قال جان كالوين: إن بطرس زاد بدعة في الكنيسة، وألقى الحرية المسيحية في الخوف، ورمى التوفيق المسيحي بعيداً" 6 "نسب ميكدي برجنس إلى الحواريين سيما بولس الغلط" 7 "قال واني تيكر أن الكنيسة كلها غلطت بعد عروج المسيح، ونزول روح القدس، لا العوام فقط، بل الخواص أيضاً، بل الحواريون أيضاً في دعوة غير الإسرائيليين إلى الملة المسيحية، وغلط بطرس في الرسوم أيضاً، وهذه الأغلاط العظيمة صدرت عن الحواريين بعد نزول روح القدس" 8 "ذكر زنكيس في رسالته حال بعض متبعي كالوين أنهم يقولون: "لو جاء بولس في جينوا ويعظ في مقابلة كالوين نترك بولس ونسمع قول كالوين" 9 "قال لولتهروس ناقلاً عن حال بعض العلماء الكبار من متبعي لوطر: إنهم يقولون إنا يمكن أن نشك على مسألة بولس لكنا لا نشك على مسألة لوطر وكتاب العقائد لكنيسة اسبرك" انتهى كلام وارد، وهؤلاء العلماء المذكورين عظماء الفرقة البروتستنتية وقروا على عدم كون كل كلام من العهد الجديد إلهامياً، وعلى غلط الحواريين.
 
(السادس عشر) كتب الفاضل نورتن كتاباً في الإسناد وطبع هذا الكتاب في بلدة بوستن سنة 1837، فقال في المجلد الأول من هذا الكتاب في الديباجة: "قال إكهارن في كتابه: إنه كان في ابتداء الملة المسيحية في بيان أحوال المسيح رسالة مختصرة يجوز أن يقال إنها هي الإنجيل الأصلي، والغالب أن هذا الإنجيل كان سُوِّيَ للمريدين الذين كانوا لم يسمعوا أقوال المسيح بآذانهم ولم يروا أحواله بأعينهم وكان هذا الإنجيل بمنزلة القلب وما كانت الأحوال المسيحية مكتوبة فيها على الترتيب" فكان هذا الإنجيل على قول إكهارن مخالفاً لتلك الأناجيل المروّجة الآن مخالفة كثيرة. تلك الأناجيل ليست بمنزلة القالب كما كان هذا الإنجيل، لأن تلك الأناجيل كتبت بالصعوبة والمشقة وكتب فيها بعض أحوال المسيح التي لم تكن فيه، وهذا الإنجيل كان مأخذاً لجميع الأناجيل التي كانت رائجة في القرنين، ولإنجيل متى ولوقا ومرقص أيضاً، وهذه الأناجيل الثلاثة فاقت على الأناجيل الأخرى ورفعتها، لأن هذه الثلاثة وإن كانت يوجد فيها نقصان الأصل، لكنها وقعت في أيدي الذين جبروا نُقصانها وتبرؤوا عن الأناجيل التي كانت مشتملة على أحوال المسيح، التي ظهرت بعد النبوة، مثل إنجيل مارسيون وإنجل تي شن وغيرهما فضموا إليها أحوالاً أخرى أيضاً مثل بيان النسب، وحال الولادة والبلوغ، ويظهر هذا الحال من الإنجيل الذي اشتهر بالتذكرة ونقل عنه جستن، ومن إنجيل سرن تهس، ولو قابلنا الأجزاء التي بقيت من تلك الأناجيل ظهر أن الزيادة وقعت فيها تدريجياً، مثل الصوت الذي سُمِع من السماء كان في الأصل "هكذا أنت ابني أنا اليوم ولدتك" كما نقل جستن في الموضعين، ونقل كليمنس في هذه الفقرة من الإنجيل الذي لم يعلم حاله هكذا: "أنت ابني الحبيب أنا اليوم ولدتك" ووقع في الأناجيل العامة: "أنت ابني الحبيب الذي به سررت" كما نقل مرقس في الآية الحادية عشرة من الباب الأول من إنجيله، وجمع الإنجيل الأبيوني بين العبارتين هكذا: "أنت ابني الحبيب الذي به سررت وأنا اليوم ولدتك" كما صرح به أبي فانيس. واختلط المتن الأصلي للتاريخ المسيحي لأجل هذه الزيادات التدريجية بالإلحاقات الكثيرة اختلاطاً ما أبقى الامتياز ومن شاء فليحصل اطمئنان قلبه بملاحظة حال اصطباغ المسيح الذي جمع من الأناجيل المختلفة، وصارت نتيجة هذا الاختلاط أن الصدق والكذب والأحوال الصادقة والحكايات الكاذبة التي اجتمعت في رواية طويلة، وصارت قبيحة الشكل اختلطت اختلاطاً شديداً، وهذه الحكايات كلما انتقلت من فم إلى فم صارت كريهة غير محققة بمقدار الانتقال، ثم أرادت الكنيسة في آخر القرن الثاني وابتداء القرن الثالث أن تحافظ على الإنجيل الصادق وتبلِّغ إلى الأمم الآتية الحال الصحيح على حسب قدرته، فاختارت هذه الأناجيل الأربعة من الأناجيل الرائجة في هذا الوقت لما رأتها معتبرة وكاملة، ولا توجد إشارة إلى إنجيل متى ومرقس ولوقا قبل آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث، ثم الذي ذكر أولاً هذه الأناجيل أرينيوس في سنة 200 تخميناً وأورد بعض الدلائل على عددها، ثم اجتهد في هذا الباب اجتهاداً عظيماً كليمنس إسكندريانوس في سنة 216، وأظهر أن هذه الأناجيل الأربعة واجبة التسليم، فظهر من هذا أن الكنيسة في آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث اجتهدت في أن تسلم عموماً هذه الأناجيل الأربعة التي كان وجودها من قبل، وإن لم تكن في جميع الحالات هكذا، وأرادت أن يترك الناس الأناجيل التي هي غيرها، ويسلمون هذه الأربعة، ولو جردت الكنيسة الإنجيل الأصلي الذي حصل للواعظين السابقين لتصديق وعظهم عن الإلحاقات وضمته إلى إنجيل يوحنا لكانت الأمم الآتية شاكرة عظيمة لها، لكن هذا الأمر ما كان ممكناً لها، إذ لم تكن نسخة خالية عن الإلحاق، وكانت الأسباب التي يُعرف بها الأصل والإلحاقات في غاية القلة"، ثم قال إكهارن في الحاشية: "إن كثيراً من القدماء كانوا شاكين في الأجزاء الكثيرة من أناجيلنا هذه، وما قدروا أن يفصلوا الأمر"، ثم قال إكهارن: "إنه لا يمكن في زماننا لأجل وجود صنعة الطبع أن يُحَرَّف كتاب أحد، ولم يسمع هذا الأمر لكن حال الزمان السابق الذي لم يخترع فيه الصنعة المذكورة مخالف لهذا الزمان، لأن النسخة الواحدة المملوكة لواحدٍ هذا الأمر ممكن فيها، فإذا نقلت عن هذه النسخة نسخ متعددة، ولم يحقق أن هذه النسخة مشتملة على كلام المصنف فقط أم لا، فهذه النقول تنتشر لأجل عدم العلم، وكثير من النسخ المكتوبة في الأزمنة المتوسطة موجودة الآن أيضاً، ومتوافقة في العبارات الإلحاقية أو الناقصة، ونرى كثيراً من المرشدين أنهم يشكون شكاية عظيمة أن الكاتبين وملاك النسخ حرفوا مصنفاتهم بعد مدة قليلة من تصنيفهم، وحرفت رسائل ديوني سيش قبل أن ينتشر نقولها، كما يشكو أن تلامذة الشيطان أدخلوا فيها نجاسة أخرجوا بعض الأشياء، وزادوا بعضها من جانبهم".
سطر 54:
وقال في الصفحة 61: "قد اختلط الكذب الروايتي ببيان المعجزات التي نقلها لوقا، والكاتب ضمه على طريقة المبالغة الشاعرية لكن تميز الصدق عن الكذب في هذا الزمان عسير" فالبيان المختلط بالكذب والمبالغة الشاعرية كيف يكون إلهامياً صرفاً؟.
 
وأقول: ظهر من كلام إكهارن الذي هو مختار كثير من العلماء المتأخرين من الجرمن أربعة أمور: (الأول) أن الإنجيل الأصلي قد فُقد. (والثاني) أنه يوجد في هذه الأناجيل الروايات الصادقة والكاذبة. (والثالث) أنه وقع فيها التحريف أيضاً، وكان سلسوس من علماء الوثنيين يصيح في القرن الثاني: إن المسيحيين بدّلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات أو أزيد من هذا تبديلاً كأن مضامينهم أيضاً بُدِّلت، (والرابع) أنه لا توجد إشارة إلى هذه الأناجيل الأربعة قبل آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث، ويعقوب من رأيهم. في الأمر الأول رأي ليكرك وكوب وميكايلس ولسنك وينمير ومارش حيث قالوا: "لعل مَتّى ومرقس ولوقا كان عندهم صحيفة واحدة في اللسان العبري، وكان الأحوال المسيحية مكتوبة فيها فنقلوا عنها، فنقل عنها متى كثيراً ومرقس ولوقا قليلاً" كما صرح هورن في الصفحة 295 من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة 1822 من الميلاد، لكنه ما رضي بقولهم وعدم رضاه لا يضرنا.
 
(السابع عشر) أن جمهور أهل الكتاب يقولون: إن السفرين من أخبار الأيام صنفهما النبي عزرا بإعانة حجّي وزكريا الرسولين عليهما السلام، فهذان السفران في الحقيقة من تصنيف الأنبياء الثلاثة، وقد غلطوا في السفر الأول من أخبار الأيام، فقال علماء الفريقين من أهل الكتاب: "كتب ههنا لأجل عدم التمييز المصنف ابنُ الابن في موضع الابن وبالعكس" وقال أيضاً: "إن عزرا الذي كتب هذا السفر ما كان له علم بأن بعض هؤلاء بنون أم بنو الأبناء، وأن عزرا حصل له أوراق النسب التي نقل عنها ناقصة ولم يحصل التميز بين الغلط والصحيح" كما ستعرف في المقصد الأول من الباب الثاني، فعلم أن هؤلاء الأنبياء ما كتبوا هذا الكتاب بالإلهام، وإلا لما اعتمدوا على الأوراق الناقصة، ولما وقع الغلط منهم، ولا فُرق بين هذا الكتاب والكتب الأخرى عند أهل الكتاب، فثبت أن الأنبياء كما أنهم ليسوا بمعصومين عن الذنوب عندهم، فكذلك ليسوا بمعصومين عن الخطأ في التحرير، فلا يثبت أن هذه الكتب كتبت بالإلهام، فقد ظهر مما ذكرت في هذا الفصل أنه لا مجال لأحد منهم أن يدعي بإلهامية كل كتاب من كتب العهدين، أو كل حالة من الحالات المندرجة فيها.
 
{{إظهار الحق}}