<center>'''باب في الاستغناء بالشيء عن الشيء'''</center>
قال [[سيبويه]]: واعلم أن العرب قد تستغني بالشيء عن الشيء حتى يصير المستغنى عنه مسقطاً من كلامهم البتةالبتة. فمن ذلك استغناؤهم بترك عن "ودعودع"وو"وذروذر". فأما قراءة بعضهم "ماما ودَعك ربك وما قلىقلى" وقول أبي الأسود "حتىحتى وَدَعهوَدَعه" فلغة شاذة وقد تقدم القول عليهاعليها. ومن ذلك استغناؤهم بلمحة عن ملمحة وعليها كسرت ملامح وبشبه عن مشبه وعليه جاء مشابه وبليلة عن ليلاة وعليها جاءت ليال وعلى أن [[ابن الأعرابي]] قد أنشدأنشد: في كل يوم ما وكل ليلاه حتى يقول كل راء إذ راه يا ويحه من جمل ما أشقاهأشقاه! وهذا شاذ لم يسمع إلا من هذه الجهةالجهة.
وكذلك استغنوا بذكر عن مذكار أو مذكير وعليه جاء مذاكيرمذاكير. وكذلك استغنوا ب "أينقأينق" عن أن يأتوا به والعين في موضعها فألزموه القلب أو الإبدال فلم يقولوا "أنوقأنوق" إلا في شيء شاذ حكاه الفراءالفراء. وكذلك استغنوا بقسي عن قووس فلم يأت إلا مقلوباًمقلوباً. ومن ذلك استغناؤهم بجمع القلة عن جمع الكثرة نحو قولهم أرجل لم يأتوا فيه بجمع الكثرةالكثرة. وكذلك شسوعشسوع: لم يأتوا فيه بجمع القلةالقلة. وكذلك أيامأيام: لم يستعملوا فيه جمع الكثرةالكثرة. فأما جيران فقد أتوا فيه بمثال القلة، أنشد الأصمعيالأصمعي: "مذمة الأجوار والحقوق"، وذكره أيضاً ابن الأعرابي فيما أحسبأحسب. فأما دراهم ودنانير ونحو ذلك -من الرباعي وما ألحق به- فلا سبيل فيه إلى جمع القلةالقلة. وكذلك اليد التي هي العضو قالوا فيها أيد البتةالبتة. فأما أياد فتكسير أيد لا تكسير يد وعلى أن "أيادأياد" أكثر ما تستعمل في النعم لا في الأعضاءالأعضاء. وقد جاءت أيضاً فيها، أنشد أبو الخطابالخطاب:
{{ق|ساءها ما تأملت في أياديـ|نا وإشناقُها إلى الأعناق}}
{{ق|ومستامة تستام وهي رخيصة|تباع بساحات الأيادي وتمسح}}
"مستامةمستامة" يعني أرضاً تسوم فيها الإبل من السير لا من السوم الذي هو البيع وو"تباعتباع" أي تمد فيها الإبل أبواعها وأيديها و"تمسحتمسح" من المسح وهو القطع من قول الله تبارك وتعالى "فطفقفطفق مسحاً بالسوق والأعناقوالأعناق" وقال العجاجالعجاج: وخطرت فيه الأيادي وخطر رايٌ إذا أورده الطعن صدر، وقال الراجزالراجز:
ومن ذلك استغناؤهم بقولهمبقولهم: ما أجود جوابه عن "هوهو أفعل منكمنك" من الجوابالجواب. فأما قولهمقولهم: ما أشد سواده وبياضه وعوره وحوله فما لا بد منهمنه. ومنه أيضاً استغناؤهم باشتد وافتقر عن قولهمقولهم: فقر وشدوشد. وعليه جاء فقيرفقير. فأما شد فحكاها أبو زيد في المصادر ولم يحكها سيبويهسيبويه. ومن ذلك استغناؤهم عن الأصل مجرداً من الزيادة بما استعمل منه حاملاً للزيادة وهو صدر صالح من اللغةاللغة. وذلك قولهم "حوشبحوشب" هذا لم يستعمل منه "حشبحشب" عارية من الواو الزائدة ومثله "كوكبكوكب" ألا ترى أنك لا تعرف في الكلام "حشبحشب" عارياً من الزيادة ولا "ككبككب" ومنه قولهم "دَودَرَّيدَودَرَّي" لأنا لا نعرف "ددرددر" ومثله كثير في ذوات الأربعةالأربعة. وهو في الخمسة أكثر منه في الأربعةالأربعة. فمن الأربعة فلنقس وصرنفح وسميدع وعميثل وسرومط وجحجبي وقسقبّ وقسحبّ وهرشفّ ومن ذوات الخمسة جعفليق وحنبريت ودردبيس وعضرفوط وقرطبوس وقرعبلانة وفنجليسوفنجليس. فأما عرطليل -وهو رباعي- فقد استعمل بغير زيادة قال أبو النجمالنجم: في سرطم هادٍ وعنقٍ عرطل وكذلك خنشليل، ألا ترى إلى قولهمقولهم: خنشلت المرأة والفرس إذا أسنت وكذلك عنتريس ألا ترى أنه من العترسة وهي الشدةالشدة.
فأما قِنفَخر فإن النون فيه زائدةزائدة. وقد حذفت -لعمري- في قولهمقولهم: امرأة قفاخرية إذا كانت فائقة في معناها غير أنك وإن كنت قد حذفت النون فإنك قد صرت إلى زيادة أخرى خلفتها وشغلت الأصل شغلها وهي الألف وياء الإضافةالإضافة. فأما تاء التأنيث فغير معتدةمعتدة.
وأما حيزبون فرباعي لزمته زيادة الواوالواو. فإن قلتقلت: فهلا جعلته ثلاثياً من لفظ الحزب قيل يفسد هذا أن النون في موضع زاي عيضموز فيجب لذلك أن تكون أصلاً كجيم "خيسفوجخيسفوج" وأما "عريقصانعريقصان" فتناوبته زيادتان وهما الياء في عريقصان والنون في "عرنقصانعرنقصان " كلاهما يقال بالنون والياءوالياء. فأما "عِزويتعِزويت" فمن لفظ "عزوتعزوت" لأنه "فِعليتفِعليت" والواو لاملام. وأما "قنديلقنديل" فكذلك أيضاً ألا ترى إلى قول العجليالعجلي: رُكب في ضخم الذفاري قندل وأما عَلَندى فتناهبته الزوائدالزوائد. وذلك أنهم قد قالوا فيهفيه: عِلوَدٌ وعُلادى وعُلَندًى وعَلَندًى ألا ولزوم الزيادة لما لزمته من الأصول يضعف تحقير الترخيم لأن فيه حذفاً للزوائدللزوائد. وبإزاء ذلك ما حذف من الأصول كلام يد ودم وأب وأخ وعين سهٍ ومذ وفاء عدة وزنة وناس والله في أقوى قولي سيبويهسيبويه.
فإذا جاز حذف الأصول فيما أرينا وغيره كان حذف الزوائد التي ليست لها حرمة الأصول أحجى وأحرىوأحرى. وأجاز أبو الحسن أظننت زيداً عمراً عاقلاً ونحو ذلك وامتنع منه أبو عثمان وقالوقال: استغنت العرب عن ذلك بقولهمبقولهم: جعلته يظنه عاقلاًعاقلاً. ومن ذلك استغناؤهم بواحد عن اثنٍ وباثنين عن واحدين وبستة عن ثلاثتين وبعشرة عن خمستين وبعشرين عن عشرتين ونحو ذلكذلك.