الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الخصائص/باب في امتناع العرب من الكلام بما يجوز في القياس»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
طلا ملخص تعديل
سطر 8:
}}
 
وإنما يقع ذلك في كلامهم إذا استغنت بلفظ عن لفظ كاستغنائهم بقولهم‏بقولهم: ما أجود جوابه عن قولهم‏قولهم: ما أجوبه أو لأن قياساً آخر عارضه فعاق عن استعمالهم إياه وكاستغنائهم ب "كاد زيد يقوم" عن قولهم‏قولهم: كاد زيد قائماً أو قياماً‏قياماً. وربما خرج ذلك في كلامهم قال تأبط شراً‏شراً: فأبت إلى فهم وما كدت آئبا وكم مثلها فارقتها وهي تصفر هكذا صحة رواية هذا البيت وكذلك هو في شعره‏شعره. فأما رواية من لا يضبطه‏يضبطه: وما كنت آئبا ولم أك آئبا فلبعده عن ضبطه‏ضبطه. ويؤكد ما رويناه نحن مع وجوده في الديوان أن المعنى عليه ألا ترى أن معناه‏معناه: فأبت وما كدت أءوب فأما " كنت " فلا وجه لها في هذا الموضع‏الموضع. ومثل ذلك استغناؤهم بالفعل عن اسم الفاعل في خبر " ما " في التعجب نحو قولهم‏قولهم: ما أحسن زيداً ولم يستعملوا هنا اسم الفاعل " وإن " كان الموضع في خبر المبتدأ إنما هو للمفرد دون الجملة‏الجملة. ومما رفضوه استعمالاً وإن كان مسوغاً قياساً وذر وودع استغني عنهما بترك‏بترك. ومما يجوز في القياس - وإن لم يرد به استعمال - الأفعال التي وردت مصادرها ورفضت هي نحو قولهم‏قولهم: فاظ الميت يفيظ فيظاً وفوظاً‏وفوظاً. ولم يستعملوا من فوظ فِعلاً‏فِعلاً. وكذلك الأين للإعياء لم يستعملوا منه فِعلاً قال أبو زيد وقالوا‏وقالوا: رجل مدرهم ولم يقولوا دُرهم‏دُرهم. وحدثنا أبو علي - أظنه عن ابن الأعرابي - أنهم يقولون‏يقولون: درهمت الخبازى فهذا غير الأول‏الأول. وقالوا‏وقالوا: رجل مفئود ولم يصرفوا فِعله ومفعولٌ الصفة إنما يأتي على الفعل نحو مضروب من ضرب ومقتول من قتل‏قتل. فأما امتناعهم من استعمال أفعال الويح والويل والويس والويب فليس للاستغناء بل لأن القياس نفاه ومنع منه‏منه. وذلك أنه لو صرف الفعل من ذلك لوجب اعتلال فائه كوعد وعينه كباع فتحاموا استعماله لما كان يعقب من اجتماع إعلالين‏إعلالين. فإن قيل‏قيل: فهلا صرفت هذه الأفعال واقتصر في الإعلال لها على إعلال أحد حرفيها كراهية لتوالي الإعلالين كما أن شويت ورويت ونحو ذلك لما وقعت عينها ولامها حرفي علة صححوا العين لاعتلال اللام تحامياً لاجتماع الإعلالين فقالوا‏فقالوا: شوى يشوي كقوله‏كقوله: رمى يرمي قيل‏قيل: لو فعل ذلك في فعل ويح وويل لوجب أن تعل العين وتصحح الفاء كما أنه لما وجب إعلال أحد حرفي شويت وطويت وتصحيح صاحبه أعلوا اللام وصححوا العين ومحل الفاء من العين محل العين من اللام فالفاء أقوى من العين كما أن العين أقوى من اللام فلو أعلوا العين في الفعل من الويل ونحوه لقالوا وال يويل وواح يويح وواس يويس وواب يويب فكانت الواو تثبت هنا مكسورة وذلك أثقل منها في باب وعد ألا تراها هناك إنما كرهت مجاورة للكسرة فحذفت وأصلها يوعد والواو ساكنة والكسرة في العين بعدها‏بعدها. ولو قالوا يويل لأثبتوها والكسرة فيها نفسها وذلك أثقل من يوعد لو أخرجوه على أصله وليس كذلك يشوي ويطوي لأن أكثر ما في ذلك أن أخرجوه والحركة فيه‏فيه. وهكذا كانت حاله أيضاً فيما صحت لامه ألا ترى أن يقوم أصله يقوُم فالعين في الصحيح اللام إنما غاية أصليتها أن تقع متحركة ثم سكنت فقيل يقوم فأما ما صحت عينه وفاؤه واو نحو وعد ووجد فإن أصل بنائه إنما هو سكون فائه وكسرة عينه نحو يوعد ويوزن ويوجد والواو كما ترى ساكنة فلو أنك تجشمت تصحيحها في يويل ويويح لتجاوزت بالفاء حدها المقدر لها فيما صحت عينه‏عينه. فإن أحللت الكسرة فيها نفسها فكان ذلك يكون - لو تكلف - أثقل من باب يوعد ويوجد لو خرج على الصحة‏الصحة. فاعرف ذلك فرقاً لطيفاً بين الموضعين‏الموضعين. ومما يجيزه القياس - غير أن لم يرد به الاستعمال - خبر " العَمْر والايمُن " من قولهم‏قولهم: لعمرك لأقومن ولايمن الله لأنطلقن‏لأنطلقن. فهذان مبتدآن محذوفا الخبرين وأصلهما - لو خرج خبراهما - لعمرك ما أقسم به لأقومن ولايمن الله ما أحلف به لأنطلقن فحذف الخبران وصار طول الكلام بجواب القسم عوضاً من الخبر‏الخبر. ومن ذلك قولهم‏قولهم: لا أدري أي الجراد عاره أي ذهب به ولا يكادون ينطقون بمضارعه والقياس مقتض له وبعضهم يقول‏يقول: يعوره وكأنهم إنما لم يكادوا يستعملون مضارع هذا الفعل لما كان مثلاً جارياً في الأمر المتقضي الفائت وإذا كان كذلك فلا وجه لذكر المضارع هنا لأنه ليس بمتقضٍّ‏بمتقضٍّ. ومن ذلك امتناعهم من استعمال استحوذ معتلاً وإن كان القياس داعياً إلى ذلك ومؤذناً به لكن عارض فيه إجماعهم على إخراجه مصححاً ليكون دليلاً على أصول ما غير من نحوه كاستقام واستعان‏واستعان. ومن ذلك امتناعهم من إظهار الحرف الذي تعرف به " أمسِ " حتى اضطروا - لذلك - إلى بنائه لتضمنه معناه فلو أظهروا ذلك الحرف فقالوا مضى الأمس بما فيه لما كان خلفاً ولا خطأ‏خطأ. فأما قوله‏قوله: وإني وقفت اليوم والأمس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب فرواه ابن الأعرابي‏الأعرابي: والأمسِ والأمسَ جراً ونصباً‏ونصباً. فمن جره فعلى الباب فيه وجعل اللام مع الجر زائدة حتى كأنه قال‏قال: وإني وقفت اليوم وأمس كما أن اللام في قوله تعالى {‏قَالُواْقَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏بِالْحَقِّ} زائدة واللام المعرفة له مرادة فيه وهو نائب عنها ومتضمن لها فلذلك كسر فقال‏فقال: والأمسِ فهذه اللام فيه زائدة والمعرفة له مرادة فيه ومحذوفة منه‏منه. يدل على ذلك بناؤه على الكسر وهو في موضع نصب كما يكون مبنياً إذا لم تظهر إلى لفظه‏لفظه. وأما من قال‏قال: والأمسَ فنصب فإنه لم يضمنه معنى اللام فيبنيه ولكنه عرفه بها كما عرف اليوم بها فليست هذه اللام في قول من قال‏قال: والأمسَ فنصب هي تلك اللام التي " هي في قول من قال " والأمسِ فجر‏فجر. تلك لا تظهر أبداً لأنها في تلك اللغة لم تستعمل مظهرة ألا ترى أن من ينصب غير من يجر فلكل منهما لغته وقياسها على ما نطق به منها لا تداخل أختها ولا نسبة في ذلك بينها وبينها كما أن اللام في قولهم " الآن حد الزمانين " غير اللام في قوله سبحانه {‏قَالُواْقَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏بِالْحَقِّ} لأن الآن من قولهم " الآن حد الزمانين " بمنزلة " الرجل أفضل من المرأة والملك أفضل من الإنسان " أي هذا الجنس أفضل من هذا الجنس فكذلك " الآن " إذا رفعه جعله جنس هذا المستعمل في قولك " كنت الآن عنده وسمعت الآن كلامه " فمعنى هذا‏هذا: كنت في هذا الوقت الحاضر بعضه وقد تصرمت أجزاء منه‏منه. فهذا معنى غير المعنى في قولهم الآنُ ونظير ذلك أن الرجل من نحو قولهم‏قولهم: نعم الرجل زيد غير الرجل المضمر في " نِعم " إذا قلت‏قلت: نعم رجلاً زيد لأن المضمر على شريطة التفسير لا يظهر ولا يستعمل ملفوظاً به ولذلك قال سيبويه‏سيبويه: هذا باب ما لا يعمل في المعروف إلا مضمراً أي إذا فسر بالنكرة في نحو نعم رجلاً زيد فإنه لا يظهر أبداً‏أبداً. وإذا كان كذلك علمت زيادة الزاد في قول جرير‏جرير: تزود مثل زاد أبيك فينا فنعم الزاد زاد أبيك زادا وذلك أن فاعل " نعم " مظهر فلا حاجة به إلى أن يفسر فهذا يسقط اعتراض محمد بن يزيد عن صاحب الكتاب في هذا الموضع‏الموضع. واعلم أن الشاعر إذا اضطر جاز له أن ينطق بما يبيحه القياس وإن لم يرد به سماع‏سماع. ألا ترى إلى قول أبي الأسود‏الأسود: ليت شعري عن خليلي ما الذي غاله في الحب حتى وَدَعه وعلى ذلك قراءة بعضهم {‏ماما وَدَعك ربك وما قلى‏قلى} بالتخفيف أي ما تركك‏تركك. دل عليه قوله " وما قلى " لأن الترك ضرب من القلي فهذا أحسن من أن يعل باب استحوذ واستنوق الجمل لأن استعمال " ودع " مراجعة أصل وإعلال استحوذ واستنوق ونحوهما من المصحح ترك واعلم أن استعمال ما رفضته العرب لاستغنائها بغيره جار في حكم العربية مجرى اجتماع الضدين على المحل الواحد في حكم النظر‏النظر. وذلك أنهما إذا كانا يعتقبان في اللغة على الاستعمال جريا مجرى الضدين اللذين يتناوبان المحل الواحد‏الواحد. فكما لا يجوز اجتماعهما عليه فكذلك لا ينبغي أن يستعمل هذان وأن يكتفي بأحدهما عن صاحبه كما يحتمل المحل الواحد الضد الواحد دون مراسلة‏مراسلة. ونظير ذلك في إقامة غير المحل مقام المحل ما يعتقدونه في مضادة الفناء للأجسام‏للأجسام. فتضادهما إنما هو على الوجود لا على المحل ألا ترى أن الجوهر لا يحل الجوهر بل يتضمنه في حال التضاد الوجود لا المحل‏المحل. فاللغة في هذه القضية كالوجود واللفظان المقام أحدهما مقام صاحبه كالجوهر وفنائه فهما يتعاقبان على الوجود لا على المحل كذلك الكلمتان تتعاقبان على اللغة والاستعمال‏والاستعمال. فاعرف هذا إلى ما قبله‏قبله. وأجاز أبو الحسن ضُرِب الضربُ الشديدُ زيداً ودُفع الدفع الذي تعرف إلى محمد ديناراً وقتل القتل يوم الجمعة أخاك ونحو هذه المسائل‏المسائل. ثم قال‏قال: هو جائز في القياس وإن لم يرد به الاستعمال‏الاستعمال. فإن قلت فقد قال‏قال: فأقام حرف الجر ومجروره مقام الفاعل وهناك مفعول به صحيح قيل هذا من أقبح الضرورة ومثله لا يعتد أصلاً بل لا يثبت إلا محتقراً شاذاً‏شاذاً. وأما قراءة من قرأ {‏وكذلكوكذلك نُجِّي المؤمنين‏المؤمنين} فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل ونصب المفعول الصريح لأنه عندنا على حذف إحدى نوني " ننجي " كما حذف ما بعد حرف المضارعة في قول الله سبحانه " تذكّرون " أي تتذكرون‏تتذكرون. ويشهد أيضاً لذلك سكون لام " نجي " ولو كان ماضياً لانفتحت اللام إلا في الضرورة‏الضرورة. وعليه قول المثقب العبدي‏العبدي: لمن ظعن تطالع من ضبيب فما خرجت من الوادي لحين أي تتطالع فحذف الثانية على ما مضى‏مضى. وما يحتمله القياس ولم يرد به السماع كثير‏كثير. منه القراءات التي تؤثر رواية ولا تتجاوز لأنها لم يسمع فيها ذلك كقوله - عز اسمه - {‏بِسْمِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ‏الرَّحِيمِِ} فالسنة المأخوذ بها في ذلك إتباع الصفتين إعراب اسم الله سبحانه والقياس يبيح أشياء فيها وإن لم يكن سبيل إلى استعمال شيء منها‏منها. نعم وهناك من قوة غير هذا المقروء به ما لا يشك أحد من أهل هذه الصناعة في حسنه كأن يقرأ {‏بِسْمِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ‏الرَّحِيمِِ} برفع الصفتين جميعاً على المدح‏المدح. ويجوز {‏الرَّحْمنَالرَّحْمنَ الرَّحِيمَ‏الرَّحِيمَ} بنصبهما جميعاً عليه‏عليه. ويجوز { الرحمنُ الرحيمَ } برفع الأول ونصب الثاني‏الثاني. ويجوز { الرحمنَ الرحيمُ } بنصب الأول ورفع الثاني‏الثاني. كل ذلك على وجه المدح وما أحسنه ههنا‏ههنا! وذلك أن الله تعالى إذا وصف فليس الغرض في ذلك تعريفه بما يتبعه من صفته لأن هذا الاسم لا يعترض شك فيه فيحتاج إلى وصفه لتخليصه لأنه الاسم الذي لا يشارك فيه على وجه وبقية أسمائه - عز وعلا - كالأوصاف التابعة لهذا الاسم‏الاسم. وإذا لم يعترض شك فيه لم تجيء صفته لتخليصه بل للثناء على الله تعالى‏تعالى. وإذا كان ثناء فالعدول عن إعراب الأول أولى به‏به. وذلك أن إتباعه إعرابه جار في اللفظ مجرى ما يتبع للتخليص والتخصيص‏والتخصيص. فإذا هو عدل به عن إعرابه علم أنه للمدح أو الذم في غير هذا عز الله تعالى فلم يبق فيه هنا إلا المدح‏المدح. فلذلك قوي عندنا اختلاف الإعراب في الرحمن الرحيم بتلك الأوجه التي ذكرناها‏ذكرناها. ولهذا في القرآن والشعر نظائر كثيرة‏كثيرة.
[[تصنيف:الخصائص]]