الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الخصائص/باب في عكس التقدير»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
 
سطر 11:
<center>'''باب في عكس التقدير'''</center>
 
هذا موضع من العربية غريب‏غريب. وذلك أن تعتقد في أمر من الأمور حكماً ما وقتاماً ثم تحور في ذلك الشيء عينه في وقت آخر فتعتقد فيه حكماً آخر‏آخر.
 
من ذلك الحكاية عن أبي عبيدة‏عبيدة. وهو قوله‏قوله: "ما رأيت أطرف من أمر النحويين يقولون‏يقولون: إن علامة التأنيث لا تدخل على علامة التأنيث وهم يقولون ‏علقاة‏علقاة" وقد قال العجاج‏العجاج: فكر في علقي وفي مكور يريد أبو عبيدة أنه قال "‏فيفي علقي" فلم يصرف التأنيث ثم قالوا مع هذا "‏علقاة‏علقاة" أي فألحقوا تاء التأنيث ألفه‏ألفه. قال أبو عثمان‏عثمان: كان أبو عبيدة أجفى من أن يعرف هذا‏هذا. وذلك أن من قال "‏علقاة‏علقاة" فالألف عنده للإلحاق بباب جعفر كألف "‏أرطى‏أرطى" فإذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأول عما كان عليه وجعل الألف للتأنيث فيما بعد فيجعلها للإلحاق مع تاء التأنيث وللتأنيث إذا فقد التاء‏التاء.
 
ولهذا نظائر‏نظائر. هي قولهم‏قولهم: بُهمي وبُهماة وشكاعى وشكاعاة وباقلى وباقلاة ونقاوى ونقاواة وسمانى وسماناة‏وسماناة. ومثل ذلك من الممدود قولهم‏قولهم: طرفاء وطرفاءة وقصباء وقصباءة وحلفاء وحلفاءة وباقلاء وباقلاءة‏وباقلاءة. فمن قال‏قال: "‏طرفاء‏طرفاء" فالهمزة عنده للتأنيث ومن قال‏قال: " طرفاءة " فالتاء عنده للتأنيث وأما الهمزة على قوله فزيادة لغير التأنيث‏التأنيث.
 
وأقوى القولين فيها عندي أن تكون همزة مرتجلة غير منقلبة لأنها إذا كانت منقلبة في هذا المثال فإنها عن ألف التأنيث لا غير نحو صحراء وصلفاء وخبراء والحرشاء‏والحرشاء. وقد يجوز أن تكون منقلبة عن حرف لغير الإلحاق فتكون -في الانقلاب لا في الإلحاق- كألف علباء وحرباء‏وحرباء.
 
وهذا مما يؤكد عندك حال الهاء ألا ترى أنها إذا لحقت اعتقدت فيما قبلها حكماً ما فإن لم تلحق حار الحكم إلى غيره‏غيره. ونحو منه قولهم‏قولهم: الصفنة والصفن والرضاع والرضاعة وهو صفو الشيء وصفوته وله نظائر قد ذكرت ومنه البرك والبركة للصدر‏للصدر. ومن ذلك قولنا‏قولنا: كان يقوم زيد ونحن نعتقد رفع "‏زيدزيد" ب "‏كان‏كان" ويكون "‏يقوم‏يقوم" خبراً مقدماً عليه‏عليه.
 
فإن قيل‏قيل: ألا تعلم أن "كان‏كان" إنما تدخل على الكلام الذي كان قبلها مبتدأ وخبراً وأنت إذا قلت‏قلت: يقوم زيد فإنما الكلام من فعل وفاعل فكيف ذلك فالجواب أنه لا يمتنع أن يعتقد مع "‏كانكان" في قولنا‏قولنا: كان يقوم زيد أن زيداً مرتفع ب "‏كان‏كان" وأن "‏يقوم‏يقوم" مقدم عن موضعه فإذا حذفت "‏كانكان" زال الاتساع وتأخر الخبر الذي هو "‏يقوم‏يقوم" فصار بعد "‏زيد‏زيد" كما أن ألف "‏علقاة‏علقاة" للإلحاق فإذا حذفت الهاء استحال التقدير فصارت للتأنيث حتى قال‏قال: على ذا تأوله أبو عثمان ولم يحمله على أنهما لغتان‏لغتان. وأظنه إنما ذهب إلى ذلك لما رآه قد كثرت نظائره نحو سمانى وسماناة وشكاعى وشكاعاة وبهمى وبهماة‏وبهماة. فألف "‏بهمىبهمى" للتأنيث وألف "‏بهماة‏بهماة" زيادة لغير الإلحاق كألف قبعثرى وضبغطرى‏وضبغطرى.
 
ويجوز أن تكون للإلحاق بجخدب على قياس قول أبي الحسن الأخفش إلا أنه إلحاق اختص مع التأنيث ألا ترى أن أحداً لا ينون " بهمى " فعلى ذلك يكون الحكم على قولنا‏قولنا: كان يقوم زيد ونحن نعتقد أن زيداً مرفوع بكان‏بكان. ومن ذلك ما نعتقده في همزاء حمراء وصفراء ونحوهما أنهما للتأنيث فإن ركبت الاسم مع آخر قبله حرت عن ذلك الاستشعار والتقدير فيها واعتقدت غيره‏غيره. وذلك أن تركب مع " حمراء " اسماً قبلها فتجعلهما جميعاً كاسم واحد فتصرف " حمراء " حينئذ‏حينئذ. وذلك قولك‏قولك: هذا دار حمراء ورأيت دار حمراء ومررت بدار حمراء وكذلك هذا كلبصفراء ورأيت كلبصفراء ومررت بكلبصفراء - فلا تصرف الاسم للتعريف والتركيب كحضرموت‏كحضرموت. فإن نكرت صرفت فقلت‏فقلت: رب كلبصفراءٍ مررت به - وكلبصفراء آخر‏آخر. فتصرف في النكرة وتعتقد في هذه الهمزة مع التركيب أنها لغير التأنيث وقد كانت قبل التركيب له‏له. ونحو من ذلك ما نعتقده في الألفات إذا كن في الحروف والأصوات أنها غير منقلبة وذلك نحو ألف لا وما وألف قاف وكاف ودال وأخواتها وألف على وإلى ولدى وإذا فإن نقلتها فجعلتها أسماء أو اشتققت منها فعلاً استحال ذلك التقدير واعتقدت فيها ما تعتقده في المنقلب‏المنقلب. وذلك قولك‏قولك: مويت إذا كتبت " ما " ولويت إذا كتبت " لا " وكوفت كافاً حسنة ودولت دالاً جيدة وزويت زاياً قوية‏قوية. ولو سميت رجلاً ب "‏على‏على" أو "‏إلى‏إلى" أو "‏لدى‏لدى" أو "‏ألا‏ألا" أو "‏إذا‏إذا" لقلت في التثنية‏التثنية: عَلَوان وإلَوان ولَدَوان وأَلَوان وإذَوَان فاعتقدت في هذه الألفات مع التسمية بها وعند الاشتقاق منها الانقلاب وقد كانت قبل ذلك عندك غير منقلبة‏منقلبة.
 
وأغرب من ذلك قولك‏قولك: بأبي أنت‏أنت!‏‏. فالباء في أول الاسم حرف جر بمنزلة اللام في قولك‏قولك: لله أنت‏أنت! فإذا اشتققت منه فعلاً اشتقاقاً صوتياً استحال ذلك التقدير فقلت‏فقلت: بأبأت به بئباء وقد أكثرت من البأبأة‏البأبأة. فالباء الآن في لفظ الأصل وإن كنا قد أحطنا علماً بأنها فيما اشتقت منه زائدة للجر‏للجر. ومثال البِئباء على هذا الفعلال كالزلزال والقلقال والبأبأة الفعللة كالقلقلة والزلزلة وعلى هذا اشتقوا منهما " البئب " فصار فعلاً من باب سلس وقلق قال‏قال: يا بأبي أنت ويا فوق البئب‏البئب! فالبئب الآن بمنزلة الضلع والعنب والقمع والقرب‏والقرب. ومن ذلك قولهم‏قولهم: القرنوة للنبت وقالوا‏وقالوا: قرنيت السقاء إذا دبغته بالقرنوة فالياء في قرنيت الآن للإلحاق بمنزلة ياء سلقيت وجعبيت وإنما هي بدل من واو " قرنوة " التي هي لغير الإلحاق‏الإلحاق.
 
وسألني أبو علي -رحمه الله- عن ألف "‏يا‏يا" من قوله -فيما أنشده أبو زيد-: فخيرٌ نحن عند الناس منكم إذا الداعي المثوب قال يا لا فقال‏فقال: أمنقلبة هي؟ قلت‏قلت: لا لأنها في حرف أعني "‏يا‏يا" فقال‏فقال: بل هي منقلبة‏منقلبة. فاستدللته على ذلك فاعتصم بأنها قد خلطت باللام بعدها ووقف عليها فصارت كأنها جزء منها فصارت " يال " بمنزلة قال والألف في موضع العين وهي مجهولة فينبغي أن يحكم عليها بالانقلاب عن الواو‏الواو. هذا جمل ما قاله ولله هو وعليه رحمته فما كان أقوى قياسه وأشد بهذا العلم اللطيف الشريف أنسه‏أنسه. فكأنه إنما كان مخلوقاً له‏له. وكيف كان لا يكون كذلك وقد أقام على هذه الطريقة مع جلة أصحابها وأعيان شيوخها سبعين سنة زائحة علله ساقطة عنه كلفه وجعله همه وسدمه لا يعتاقه عنه ولد ولا يعارضه فيه متجر ولا يسوم به مطلباً ولا يخدم به رئيساً إلا بأخرة وقد حط من أثقاله وألقى عصا ترحاله‏ترحاله! ثم إني - ولا أقول إلا حقاً - لأعجب من نفسي في وقتي هذا كيف تطوع لي بمسئلة أم كيف تطمح بي إلى انتزاع علة‏علة! مع ما الحال عليه من علق الوقت وأشجانه وتذاؤبه وخلج أشطانه ولولا معازة الخاطر واعتناقه ومساورة الفكر واكتداده لكنت عن هذا الشأن بمعزل وبأمر سواه على شغل‏شغل.
 
وقال لي مرة -رحمه الله- بهذه الانتقالات‏الانتقالات: كما جاز إذا سميت ب " ضرب " أن تخرجه من البناء إلى الإعراب كذلك يجوز أيضاً أن تخرجه من جنس إلى جنس إذا أنت نقلته من موضعه إلى غيره‏غيره.
 
ومن طريف ما ألقاه -رضي الله تعالى عنه- علي أنه سألني يوماً عن قولهم هات لا هاتيت فقال: "‏ماما هاتيت"؟‏؟ فقلت‏فقلت: فاعلت فهات من هاتيت كعاط من عاطيت، فقال‏فقال: أشيء آخر فلم يحضر إذ ذاك، فقال: أنا أرى فيه غير هذا‏هذا. فسألته عنه، فقال‏فقال: يكون فعليت، قلت‏قلت: ممه، قال‏قال: من الهوتة -وهي المنخفض من الأرض-، قال‏قال: وكذلك "‏هيت‏هيت" لهذا البلد لأنه منخفض من الأرض فأصله هوتيت ثم أبدلت الواو التي هي عين فعليت وإن كانت ساكنة كما أبدلت في ياجل وياحل فصار هاتيت وهذا لطيف حسن‏حسن. على أن صاحب العين قد قال‏قال: إن الهاء فيه بدل من همزة كهرقت ونحوه‏ونحوه. والذي يجمع بين هاتيت وبين الهوتة حتى دعا ذلك أبا علي إلى ما قال به أن الأرض المنخفضة تجذب إلى نفسها بانخفاضها‏بانخفاضها. وكذلك قولك‏قولك: هات إنما هو استدعاء منك للشيء واجتذابه إليك‏إليك. وكذلك صاحب العين إنما حمله على اعتقاد بدل الهاء من الهمزة أنه أخذه من أتيت الشيء والإتيان ضرب من الانجذاب إلى الشيء‏الشيء. والذي ذهب إليه أبو علي في " هاتيت " غريب لطيف‏لطيف.
 
ومما يستحيل فيه التقدير لانتقاله من صورة إلى أخرى قولهم "‏هلممتهلممت" إذا قلت‏قلت: هلم‏هلم. فهلممت الآن كصعررت وشمللت وأصله قبل غير هذا إنما هو أول " ها " للتنبيه لحقت مثال الأمر للمواجه توكيداً‏توكيداً. وأصلها ها لُمَّ فكثر استعمالها وخلطت "‏هاها" ب "‏لم‏لم" توكيداً للمعنى لشدة الاتصال فحذفت الألف لذلك ولأن لام "‏لم‏لم" في الأصل ساكنة ألا ترى أن تقديرها أول "‏المم‏المم" وكذلك يقولها أهل الحجاز ثم زال هذا كله بقولهم "‏هلممت‏هلممت" فصارت كأنها فعللت من لفظ "‏الهلمامالهلمام" وتنوسيت حال التركيب‏التركيب. وكأن الذي صرفهما جميعاً عن ظاهر حاله حتى دعا أبا علي إلى أن جعله من "‏الهوتة‏الهوتة" وغيره من لفظ أتيت عدم تركيب ظاهره ألا ترى أنه ليس في كلامهم تركيب "هـ ت" و " ولا " ه ت ي " فنزلا جميعاً عن بادي أمره إلى لفظ غيره‏غيره.
 
فهذه طريق اختلاف التقدير وهي واسعة غير أني قد نبهت عليها فأمض الرأي والصنعة فيما يأتي منها‏منها.
 
ومن لفظ "‏الهوتة‏الهوتة" ومعناها قولهم مضى هيتاء من الليل وهو فعلاء منه، ألا تراهم قالوا‏قالوا: قد تهور الليل ولو كسرت "‏هيتاءهيتاء" لقلت "‏هواتي‏هواتي" وقريب من لفظه ومعناه قول الله سبحانه {{مض|‏هَيْتَهَيْتَ لَكَ‏لَكَ}} إنما معناه هلم لك وهذا اجتذاب واستدعاء له قال‏قال: أن العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا.