===باب كلام الزهاد وأخبار العباد ===
قيل لقوم من العُبَّادالعُبَّاد: ما أقامكم في الشَّمس قالواقالوا: طلَب الظِّلالظِّل.
قال علقمةُ لأسودَ بنِ يزيديزيد: كم تُعذِّب هذا الجسدَ الضَّعيف قالقال: لا تنال الراحة إلا بالتَّعببالتَّعب.
وقيل لآخرلآخر: لو رفقتَ بنفسك قالقال: الخيرُ كلُّه فيما أُكْرِهت النفوسُ عليه قال النبي {{صل}}: حُفّت الجنَّة بالمكارهبالمكاره.
وقيل لمَسروق بن الأجْدعالأجْدع: لقد أضررتَ ببدنك قالقال: كرامتَه أُريدأُريد.
وقالت له امرأته فَيْروز لما رأتْه لا يُفْطِر من صيام ولا يَفْترً عن صلاةصلاة: ويلك يا مسروقمسروق! أما يعْبد الله غيرُك أما خُلقت النارُ إلا لك قال لهالها: وَيحْك يا فيروزفيروز! إن طالب الجنة لا يَسأَم وهاربَ النار لا ينامينام.
وشَكت أم الدَرداء إلى أبي الدَّرداء الحاجة فقال لهالها: تصبَّري فإنّ أمامَنا عَقَبةً كئُوداً لا يجاوزها إلا أخفُّ الناس حِمْلاًحِمْلاً.
ومر أبو حازم بسُوق الفاكهة فقالفقال: مَوْعدك الجنّةالجنّة.
ومرَّ بالجزًارين فقالوا لهله: يا أبا حازم هذا لحم سمين فاشتَر قالقال: ليس عندي ثَمَنُه قالواقالوا: نُؤخرك قالقال: أنا أُؤخر نفسينفسي.
وكان رجل من العُبَّاد يأكل الرُّمان بِقشرْه فقيل لهله: لم تَفْعل هذا فقالفقال: إنما هو عدوّ فأثْخن فيه ما أمكنكأمكنك.
وكان عليّ بن الحُسين عليهما السلام إذا قام للصلاة أخذتْه رِعْدةٌ فسُئِل عن ذلك فقالفقال: وَيحْكموَيحْكم! أَتَدْرُون إلى من أَقُوم ومَن أُرِيد أن أُناجي وقال رجل ليونس بن عُبيدعُبيد: هل تَعلم أَحداً يَعمل بِعَمل الحسن قالقال: لا واللهّ ولا أحداً يقول بقَوْلهبقَوْله.
وقيل لمحمد بن عليّ بن الحُسين أو لعليّ بن الحُسين عليهم السلامالسلام: ما أقلَّ وَلَدَ أبيك قالقال: العجبُ كيف وُلدْتُ لهله! وكان يصلّي في اليوم والليلة ألفَ ركعة فمتى كان يَتَفَرع للنساء وحَجَّ خمسة وعشرين حِجَّة راجلاراجلا.
ولما ضُرِب سعيدُ بن المُسَيِّب وأُقيم للناس قالت له امرأةامرأة: " يا شيخ " لقد أُقمت مُقام خزْية فقالفقال: من مُقام الخزية فررتُفررتُ.
وشكا الناسُ إلى مالك ابن دينار القحطَ فقالفقال: أنتم تستبطئون المَطر وأنا أستبطئ الحِجارةالحِجارة.
وشكا أهل الكوفة إلى الفُضيل بن عِيَاض القحطَ فقالفقال: أمُدَ بِّراً غيرَ الله تريدونتريدون.
وذكر أبو حنيفة أيوبَ السِّخْتيانيّ فقالفقال: رحمه الله تعالى ثلاثاً لقد قَدمَ المدينة مرة وأنا بها فقلتفقلت: لأقعدنّ إليه لعلي أتعلَّق منه بسقْطة فقام بين يدي القبر مَقاماً ما ذكرتُه إلا اقشعرَّ له جِلْدِيجِلْدِي.
وقيل لأهل مكةمكة: كيف كان عَطاءُ بن أبي رَبَاح فيكم قالواقالوا: كان مثلَ العافية التي لا يُعرف فضلُها حتى تُفْقدتُفْقد.
وكان عطاء أفْطَس أشَلّ أعرج ثم عَمِي وأمه سَوداء تسمَّى بَرَكةبَرَكة.
وكان الأوقص المَخْزُوميّ قاضياً بمكة فما رًئى مثلُه في عَفافه وزُهْده فقال يوماً لِجُلسائهلِجُلسائه: قالت لي أُميأُمي: يا بني إنك خُلقت خِلْقة لا تصلح معها لمَجَامع الفِتْيان عند القيان " إنك لا تكون مع أحدِ إلا تَخَطتْك إليه العيون " فعليك بالدِّينِ فإنَّ الله يَرْفَع به الخَسِيسة وُيتمُّ به النَّقيصةالنَّقيصة.
فنفعني اللهّ تعالى بكلامها وأطعتها فوليتُ القضاءالقضاء.
الفُضَيل بن عِياض قالقال: اجتمع محمد بن واسع ومالكُ بن دينار في مجلس بالبصرة فقال مالكُ بن ديناردينار: ما هو إلا طاعة اللهّ أو النارالنار.
فقال محمد بن واسعواسع: ما هو كما تقول ليس إلا عَفْو الله أو النارالنار.
قال مالكمالك: صدقتَصدقتَ.
ثم قال مالكمالك: إنه يُعجبني أن يكون للرجل مَعِيشة على قدر ما يَقوتهيَقوته.
قال محمد بن واسعواسع: ولا هو كما تقول ولكن يُعْجبني أن يُصبح الرجل وليس له غَدَاء وُيمسى وليس له عَشَاء وهو مع ذلك راضٍ عن اللهالله.
قال مالكمالك: ما أحْوَجني إلى أن يُعَلّمني مثلكمثلك.
جعفر بن سُليمان قالقال: سمعتُ عبد الرحمن بن مهَديّ يقوليقول: ما رأيتُ أحداً أقْشَف من شعبَة ولا أعبدَ من سُفيان الثوري ولا أحفظَ من ابن المُبارك وما أُحِبُّ أن ألْقَى الله بصحيفة أحد إلا بصحيفة بِشر بنِ مَنصور مات ولم يَدَع قليلاً ولا كثيراًكثيراً.
عبد الأعلى بن حمَّاد قالقال: دخلت على بِشر بن مَنصور وهو في الموت فإذا به من السرور في أمر عظيم فقلت لهله: ما هذا السّرور قالقال: سُبحان اللهّاللهّ! أخرجُ من بين الظالمين والباغين والحاسدين والمُغْتابين وأَقْدَم على حَجَّ هارون الرَّشيد فَبلغه عن عابدٍ بمكة مُجاب الدَّعوة مُعْتزل في جِبَال تِهامة فاتاه هارون الرشيدُ فسأله عن حاله ثم قال لهله: أوْصِني ومُرْني بَما شِئتَ فوالله لا عَصَيتكعَصَيتك.
فَسكت عنه ولم يَرُدَّ عليه جواباًجواباً.
فخرج عنه هارون فقال له أصحابُهأصحابُه: ما مَنعك إذ سألك أن تَأْمرَه بما شِئْتَ - وقد حَلَف أن لا يَعْصيك - أن تأمرَه بتقوِى الله والإحسان إلى رعيّته فَخَطَّ لهم في الرَّملالرَّمل: إنيّ أعظمتُ الله أن يكونَ يَأمره فيَعْصِيه وآمرُه أنا فيطيعنيفيطيعني.
عليّ بن حمزة ابن " أُخت " سُفيان الثوري قالقال: لما مَرِض سُفيان مَرَضه الذي مات فيه ذهبتُ ببَوْله إلى دَيْرانيّ فأرَيتُه إياه فقالفقال: ما هذا ببول حَنِيفيّ قلتقلت: بلى والله من خِيارهمخِيارهم.
قالقال: فأنا أذهب معك إليهإليه.
قالقال: فدخل عليه وجَسَّ عِرْقه فقالفقال: هذا رجُلٌ قطَع الحُزن كَبِدهكَبِده.
مُؤرِّق العِجْليّ قالقال: ما رأيتُ أحداً أفقه في وَرعه ولا أورَعَ لا فِقْهِه من محمد بن سيرين ولقد قال يوماًيوماً: ما غَشِيتُ امرأةً قط في نوم ولا يقظة إلا امرأتي أم عبد الله فإني أرى المرأة في النوم فاعلم أنها لا تَحِلّ لي فأصْرف بَصري عنهاعنها.
الأصمعي عن ابن عَوْن قالقال: رأيت ثلاثة لم أَرَ مثلَهممثلَهم: محمدَ بن سيرين بالعراق والقاسمَ بن محمد بالحجاز ورجاءَ بن حَيْوة بالشامبالشام.
العُتْبيّ قالقال: سمعت أشياخنا يقولونيقولون: انتهى الزُّهْد إلى ثمانية من التابعينالتابعين: عامر بن عبد القيس والحسن بن أبي الحسنٍ البَصْرِيّ وهَرِم بن حيّان وأبي كيف يكون الزهد العُتْبيّ يرفعه قالقال: قيل لرسول الله {{صل}}: ما الزًّهد في الدنيا قالقال: أما إنه ما هو بتَحْريم الحَلال ولا إضاعة المال ولكنّ الزهدَ في الدنيا أن تكون بما في يد اللهّ أغنى منك عما في يدكيدك.
وقيل للزُّهريّللزُّهريّ: ما الزُّهْد قالقال: أما إنه ليس تَشْعِيثَ الِّلمَّة ولا قَشْفَ الهيْئَة ولكنّه صرْف النفس عن الشَّهْوَةالشَّهْوَة.
وقيل لآخرلآخر: ما الزُّهْد في الدنيا قالقال: أَن لا يَغْلب الحرامُ صَبْرَك ولا الحلالُ شكرَك وقيل لرسول الله {{صل}}: يا رسول الله مَنْ أزهدُ الناس في الدنيا قال مَن لم يَنْس المَقابر والبِلَى وآثرَ ما يَبْقى على ما يَفْنى وعَدّ نَفْسه مع الموتىالموتى.
وقبل لمحمد بن واسعواسع: مَنْ أزهَدُ الناس في الدُّنيا قالقال: مَنْ لا يبالي بِيدَ مَن كانت الدنياالدنيا.
وقيل للخليل بن أحمدأحمد: مَن أزهدُ الناس في الدُّنيا قالقال: من لم يَطلب المَفْقود حتى يَفْقد المَوْجودالمَوْجود.
وقال النبي {{صل}}: الزهد في الدُّنيا مِفْتاح الرَّغبة في الآخرة " والرغبة في الدُّنيا مِفْتاح الزُهد في الآخرة ".
وقالواوقالوا: مَثَلُ الدنيا والآخرة كمثَل رجل له امرأتان ضرَّتان إن أرْضى إحداهما أسْخط الأخرىالأخرى.
وقال النبي {{صل}}: مَن جعل الدنيا أكبرَ همِّه نزَع الله وقال ابن السّماكالسّماك: الزاهد الذي إن أصاب الدنيا لم يَفرح وإن أصابتْه الدنيا لم يحزن يضحك في المَلا ويَبْكي في الخَلاالخَلا.
وقال الفُضيلالفُضيل: أصلُ الزهد في الدنيا الرِّضا عن الله تعالىتعالى.
===صفة الدنيا ===
قال رجُل لعلي بن أبي طالب كرم الله وَجْهَهوَجْهَه: يا أميرَ المؤمنين صِفْ لنا الدّنياالدّنيا.
قالقال: ما أصِف مِن دارٍ أولها عَناء وآخرُها فَناء حَلالُها حساب وحَرامها عِقاب مَن اْستغنى فيها فُتِن ومن افتقر فيها حَزِنحَزِن.
قيل لأرسطاطاليسلأرسطاطاليس: صِف لنا الدنياالدنيا.
فقالفقال: ما أصِف من دار أولها فَوْت وآخرها مَوْتمَوْت.
وقيل لحكيملحكيم: صف لنا الدنياالدنيا.
قالقال: أمَل بين يديك وأجَل مُطِل عليك وشَيْطان فتّان وأمانِيُّ جرّارة العِنَا تدعوك فَتستجيب وترجُوها فتَخيبفتَخيب.
وقيل لعامر بن عبد القيسالقيس: صف لنا الدنياالدنيا.
قالقال: الدنيا والدةٌ للموت ناقضة للمُبْرَم مُرْتجعة للعطية وكلُّ مَن فيها يجري إلى ما لا يدرييدري.
وقيل لبَكر بن عبد الله المُزنيّالمُزنيّ: صِف لنا الدنياالدنيا.
فقالفقال: ما مَضى منها فَحُلم وما بَقي فأمانيّ وقيل لعبد الله بن ثَعْلبةثَعْلبة: صِف لنا الدنيا قالقال: أمسُكَ مَذْموم منك ويومُك غير محمود لك وغَدك غير مأمون عليكعليك.
وقال النبي {{صل}}: الدنيا سِجْن المُؤمن وجنَّة الكافرالكافر.
وقالوقال: الدنيا عرَضٌ حاضرِ يأْكُل منه البرّ والفاجر والآخرة وَعْد صِدْق يحكم فيها ملك قادر يفصل الحقّ من الباطلالباطل.
وقالوقال: الدنيا خَضرِة حًلْوَة فمن أَخذها بحقّها بُورك له فيها ومَن أخذها بغير حقّها كان كالآكِل الذي لا يَشْبعيَشْبع.
وقال ابن مَسعودمَسعود: ليس من الناس أَحدٌ إلا وهو ضَيْف على الدنيا ومالُه عارية فالضَّيْف مُرْتحِل والعارية مردودةمردودة.
وقال المسيح عليه السلامالسلام: الدنيا لإبليس مزْرَعة وأهْلُها حُرَّاثحُرَّاث.
وقال إبليسُإبليسُ: ما أُبالي إذا أحَب الناس الدنيا أن لا يَعْبُدوا صَنما ولا وَثَنا الدنيا أفتنُ لهم من ذلك وكان النبي {{صل}} يُسمِّي الدنيا أمّ ذَفَرذَفَر.
والذفر: النتن.
والذفر: النتن.
وقال النبي {{صل}} للضحَّاك بن سُفيانسُفيان: ما طعامُك قالقال: اللحم واللبن قالقال: ثم إلى ماذا يَصير قالقال: يصير إلى ما قد علمت قالقال: فإنّ الله عزّ وجلّ ضَرَب ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنياللدنيا.
وقال المسيحُ عليه السلام لأصحابهلأصحابه: اتخذوا الدنيا قَنطرة فاعبرُوها ولا تَعْمُروهاتَعْمُروها.
وفي بعض الكتبالكتب: أوحى اللهّ إلى الدنياالدنيا: من خَدمني فاخدُميه ومَن خدمك فاستخدميهفاستخدميه.
وقيل لنُوح عليه السلامالسلام: يا أبا البَشر ويا طويل العُمر كيف وجدتَ الدنيا قالقال: كَبَيْتٍ له بابان دخلتُ من أحدهما وخرجتُ من الآخرالآخر.
وقال لُقمان لابنهلابنه: إنّ الدنيا بَحْرٌ عريض قد هلك فيه الأوَلون والآخِرون فإن استطعت فاجعل سَفِينتك تقوى الله وعدَتك التوكُّل على الله وزادك العملَ الصالح فإن نجوتَ فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبكفبذنوبك.
وقال محمد بن الحنفيّةالحنفيّة: من كرُمت عليه نفسُه هانت عليه الدنياالدنيا.
وقالوقال: إنّ المُلوك خَلَّوْا لكم الحِكمة فَخلُوا لهم الدنياالدنيا.
وقيل لمحمد بن واسعواسع: إنك لترضى بالدُّون قالقال: إنما رَضي بالدُون من رضي بالدنيابالدنيا.
وقال المسيحُ عليه الصلاة والسلام للحواريينللحواريين: أنا الذي كفأتُ الدنيا علىِ وَجهها فليس لي زوجةٌ تموت ولا بَيْت يَخْرَبيَخْرَب.
شكا رجل إلى يُونس بن عُبيد وَجَعاَ يَجده فقال لهله: يا عبد الله هذه دار لا توافقك فالتمس لك داراً تُوافقكتُوافقك.
لقي رجلٌ راَهِباً فقالفقال: يا راهب صِف لنا الدنيا فقالفقال: الدنيا تُخْلِق الأبدان وتُجَدِّد الآمال وِتباعد الأمْنِيّة وتُقَرِّب المنيَّة قالقال: فما حالُ أهلها قال مَنْ ظَفِرَ بها تَعِب ومن فاتْته نصِب قالقال: فما الغِنى عنها قالقال: قَطْعُ الرَّجاءِ منها قالتقالت: فأين المَخْرَج قالقال: في سُلوك المَنْهَج قالقال: وما ذاك قال بَذْل المجهود والرِّضا بالمَوْجودبالمَوْجود.
قال الشاعرالشاعر: ما الناسُ إلا مع الدنيا وصاحبها فحيثما انقلبت يوماً به انقلبوا يُعظِّمون أخا الدنيا وإن وَثَبت يوماً عليه بما لا يَشْتَهي وَثبوا وقال آخرآخر: يا خاطبَ الدنيا إلى نفسه تَنَحَ عن خطبتهْا تَسْلَم إنً التيَ تَخْطُبُ غَزَارَةٌ قريبةُ العُرْس من المَأْتَم داود بن المُحَبَّر قالقال: أخبرنا عبدُ الواحد بن الخطاب قالتقالت: أقبلنا قافلين من بلاد الروم حتى إذا كُنَّا بين الرُّصافة وحِمْص سمعنا صوتاً من تلك الجبال تَسمعه آذاننا ولا تُبصره أبصارنا يقوليقول: يا مَسْتُوريا مَحْفوظ انظر في سترْ مَن " وحِفْظ مَن " أنت إنما الدنيا شَوْك فانظر أين تَضَع قدمَيْك منهامنها.
وقال أبو العتاهيةالعتاهية: رَضيت بذي الدنيا كَكُل مُكاثر مُلِحّ على الدنيا وكلِّ مُفاخِر أَلم تَرَهَا تَسْقِيه حتى إذا صَبا فَرَت حَلْقَه منها بِشَفْرة جازر " ولا تَعْدلُ الدنيا جَناح بَعُوضة لدى الله أو مقدارَ نَغْبْةِ طائر " فلم يَرْضَ بالدنيا ثواباً لمُؤْمن ولم يَرْضَ بالدنيا عِقاباً لكافر وقال أيضاًأيضاً: هي الدنيا إذا كَمُلتْ وتَمَّ سرُورُها خَذَلتْ وتَفعل في الذين بَقوا كما فيمن مَضى فَعلتَ وقال بعضُ الشعراء يصف الدنياالدنيا: لقد غرت الدنيا رجالاً فأصبحوا بمنزلةٍ ما بعدها متحوَّلُ فساخِطُ أَمْر لا يًبَدَّلُ غيرَه ورَاضٍ بأمر غيرَه سيبدلُ وقال هارون الرشيدالرشيد: لو قيل للدنيا صِفي لنا نفسك وكانت ممّن يَنْطق ما وَصفت نفسها بأكثر من قول أبي نُواسنُواس: إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكَشَّفت له عن عدوٍّ في ثِياب صديقِ وما الناسُ إلا هالكٌ وابن هالكٍ وذو نسَبٍ في الهالكين عَريق وقال آخر في صفة الدنياالدنيا: فَرُحْنا وراح الشَامِتون عَشِيَّةً كأَنَّ عَلَى أكتافنا فِلَق الصًخْرِ لحا الله دُنيا يَدْخل النارَ أَهْلُها وتَهْتك ما بين الأقارب من سِتر ولأبي العتاهيةالعتاهية: كُلَّنَا يُكثر الملامةَ للدن يا وكل بِحُبِّها مَفْتُون والمقاديرُ لا تناوَلُها الأوْ هام لُطْفاَ ولا تراها العُيون ولركب الفَناء في كلِّ يومٍ حَرَكات كَأنَّهنَّ سُكون ومن قولنا في وصف الدنياالدنيا: ألا إنما الدُّنيا نضارة أَيْكةٍ إذا اخضرَّ منها جانبٌ جَفَّ جانبُ هِيَ الدَّار ما الآمالُ إلا فَجَائع عليها ولا اللَذًاتُ إلا مصائب فلا تَكْتَحلْ عَيْناك فيها بِعَبْرَة على ذاهب منها فإنك ذاهب وقال أبو العتاهيةالعتاهية: أَصْبَحَتْ الدنيا لنا فتنةً والحمد لله على ذلِكَا قد أَجْمَعَ الناسُ على ذَمِّهَا ولا أرى منهمْ لها تارِكا وِّقال إبراهيم بن أدهمأدهم: نُرَقع دُنْيانا بِتَمْزيقِ دِيننا فلا دينُنا يَبقى ولا ما نُرَقِّع وما سمعتُ في صفة الدُنيا والسبب الذي يُحبها الناسُ لأجله بأبلغ من قول القائلالقائل: نراع بِذْكر المَوت في حين ذِكْره وتَعْترض الدنيا فَنَلْهُو ونَلْعَبُ ونحن بنُو الدُّنيا خُلِقْنا لغَيرها وما كنتَ منه فهو شيء مُحبب فذكر أن الناس بنو الدنيا وما كان الإنسان منه فهو محبّب إليهإليه.
واعلم أنّ الإنسانَ لا يُحبّ شيئاً إلاّ أن يُجانَسه في بعض طبائعه وأنّ الدنيا جانَسَت الإنسان في طبائعه كلها فأحبَّها بكل أطرافهأطرافه.
وقال بعض ولد ابن شُبْرمةشُبْرمة: كنتُ مع أبي جالساً قبل أن يلي القضاء فمر به طارقُ بن أبي زياد في مَوْكب نبيل فلما رآه أبي تَنفَس الصُّعَدَاء وقالوقال: ثم قالقال: اللهم لي دِيني ولهم دُنياهمدُنياهم.
فلما ابتلى بالقْضاء قلتُقلتُ: يا أبتِ أتذكر يومَ طارق فقالفقال: يا بُنِى إنهم يَجدون خَلَفاً من أبيك وإنّ أباك لا يَجد خَلَفاً منهم إنّ أباك خَطَب في أهوائهم وأكل من حَلْوائهمحَلْوائهم.
وقال الشَّعبيالشَّعبي: ما رأيتُ مَثَلَنا ومثِلَ الدنيا إلا كما قالت كُثَيِّر عَزَّةعَزَّة: أسِيئي بنا أَوْ أَحْسني لاَ مَلومةَ لَدَينا ولا مَقْلِيةً إن تَقَلَّتِ وأحكُم بيتٍ قيل في تَمْثِيل الدنيا قولُ الشاعرالشاعر: ومَن يأمَن الدنيا يكن مثلَ قابض على الماء خانَتْه فُروجُ الأصابع وحَدّث العبّاس بن الفَرج الرِّيَاشي قالقال: رأيت الأصمعيّ يُنْشد هذا البيتَ ويستحسنه في صفة الدنياالدنيا: ما عذر مُرْضِعَةٍ بكا س الموت تَفْطِم مَنْ غَذَتْ ولقَطَهريّ بن الفُجاءة في وَصف الدُّنيا خُطْبَةٌ مجرَّدة تَقَع في جملة الخُطَب في كتاب الواسطةالواسطة.
قولهم في الخوف سُئل ابن عباس عن الخائفين لله فقالفقال: هم الذي صَدَقُوا الله في مَخَافَة وعيده فقلوبهم بالخَوْف قَرِيحة وأعينُهم على أنفسهم باكِية ودُموعهم على خدودهم جارية يقولونيقولون: كيف نَفْرح والموتُ من ورائنا والقُبورُ من أمامنا والقيامة مَوْعدنا وعلى جهنَّم طريقُنا وبين يدي ربنا مَوْقفنامَوْقفنا.
وقال عليّ كَرم الله وجهَهوجهَه: ألا إنّ لله عباداً مُخْلصين كمَن رأى أهلَ الجنَّة في الجنَّة فاكهين وأَهْل النار في النار مُعذَّبين شرُورُهم مأمونة وقُلوبهم مَحزونة وأنفسُهم عفيفة وحوائجهم خَفيفة صَبَرُوا أيًاماَ قليلة لِعُقْبى راحة طويلة أمّا بالليل فَصَفُوا أقدامَهم في صَلاتهم تَجْري دُموعُهم على خُدُودهم يَجْأَرون إلى ربِّهمربِّهم: ربَّنا ربنا يَطلبون فَكاك قُلوبهمقُلوبهم: وأمَّا بالنهار فُعلماء حُلماء بَررة أَتْقياء كأنهم القِداح - القِداحالقِداح: السهام يريد في ضُمرتها - يَنْظر إليهم الناظرُ فيقولفيقول: مَرْضىَ وما بالقوم من مَرض ويقولويقول: خُولطوا ولقد خالط القومَ أمرٌ عظيمعظيم.
وقال منصور بن عَمَّار في مجلس الزهدالزهد: إن للهّ عباداً جعلوا ما كُتب عليهم من الموتِ مثالاً بين أعينهم وقطعوا الأَسباب المُتَّصلة بقلُوبهم من عَلائق الدنيا فهم أنضاءُ عبادته حُلفاء طاعته قد نَضَحوا خُدودهم بوابل دُموعهم وافترشوا جِبِاهَهم في مَحاريبهم يناجون ذا الكِبْرياء والعَظمة ودَخل قوم على عُمر بن عبد العزيز يَعودونه في مَرضه وفيهم شابٌّ ذابل ناحِلناحِل.
فقال له عُمرعُمر: يا فتى ما بَلغ بك ما أَرى قالقال: يا أميرَ المؤمنين أمراضُ وأسقاموأسقام.
قال له عمرعمر: لَتَصْدُقَنِّيلَتَصْدُقَنِّي.
قالقال: بلى يا أمير المؤمنين ذُقت يوماً حلاوةَ الدنيا فوجدتُها مُرَّةً عواقُبها فاستوى عندي حَجَرُها وذَهَبُها وكأَنِّي أنظر إلى عَرْش ربِّنا بارزاً وإلى الناس يُسَاقون إلى الجنة والنار فأظمأْتُ نَهاري وأسْهَرْتُ ليلي وقليلٌ كلُّ ما أنا فيه في جنْب ثواب الله وخوف عقابهعقابه.
وقال ابن أبي اَلحَواريّاَلحَواريّ: قلت لسُفيانلسُفيان: بلغني في قول الله تبارك وتعالىوتعالى: " إلاَ مَنْ أتىَ الله بِقَلْب سَلِيم " الذي يَلْقى ربَّه وليس فيه أَحَدٌ غَيْرهغَيْره.
فبكى وقالوقال: ما سمعتُ منذ ثلاثين سنةً أحسَنَ من هذا التفسيرالتفسير.
وقال الحسنُالحسنُ: إنّ خوفك حتى تلقى الأمنَ خيرٌ من أمنك حتى تَلقى الخوفالخوف.
وقالوقال: ينبغي أن يكوِن الخوفُ أغلبَ على الرجاء فإنّ الرجاء إذا غَلَب الخوفَ فَسَد القلبُالقلبُ.
وقالوقال: عجباَ لمَن خافَ العِقَابَ ولم يَكُف ولمَن رَجا الثوابَ ولم يَعْمليَعْمل.
وقال علي بن أبي طالب كرَّمَ الله وجَهه لرجللرجل: ما تَصْنع فقالفقال: أرجو وأخاف قالقال: مَن رجا شيئاً طلبه ومَن خاف شيئاً هرب منهمنه.
وقال الفضَيْل بن عياضعياض: إني لأسْتَحِي من الله أن أقولأقول: تَوَكلت على الله ولو توكلت عليه حقَّ التوكل ما خِفْتُ ولا رَجَوْتُ غيرهغيره.
وقالوقال: مَن خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومَن لم يَخف الله أخافَه الله من كل شيءشيء.
وقالوقال: وعْد وقال عمر بن ذَرّذَرّ: عبادَ الله لا تَغترُّوا بطول حِلْم الله واحذروا أَسَفَه فإنه قال عزِّ وجلّوجلّ: " فلمَّا آسُفونا آنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فأغْرَقْناهم أَجْمَعينأَجْمَعين.
فجعلناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً للآخِرين ".
وقال محمد بن سَلاّمسَلاّم: سمعت يونس بن حَبيب يقوليقول: لا تأمن مَن قَطع في خمسة دراهم أشرَفَ عُضو فيك أن تكون عُقُوبته في الآخرة أضعافَ ذلكذلك.
وقال الربيعُ بن خُثَيمخُثَيم: لو أَنَّ لي نَفْسَين إذا غَلِقَتْ إحداهما سَعَت الأخرى في فَكاكِها ولكنها نفس واحدة فإن أنا أوثقتُها مَنْ يَفْكّها وفي الحديثالحديث: مَن كانت الدنيا هَمَّه طال في الآخرة غَمُّه ومَن أُخْلِف الوعيدَ لها عما يُريد ومَن خاف ما بين يَدَيه ضاق ذَرْعاً بما في يديهيديه.
وقال محموِد الورٍّاقالورٍّاق: يا غافلاَ تَرْنو بِعَيْنَي راقد ومُشَاهِداً للأمر غيرَ مُشَاهِدِ تَصِلُ الذُّنوب إلى الذُّنوب وَتَرْتَجيِ عَرَكَ الجنَان بها وفَوْزَ العَابِد ونسيتَ أَنّ الله أَخْرَجَ آدمَاَ منها إلى الدُنيا بِذَنبِ واحد وقال نابغة بني شَيْبَانشَيْبَان: إنّ مَنْ يَرْكَبُ الفواحشَ سِرَّاً حين يَخلو بسرِّه غيرُ خالي كيف يَخْلو وعنده كاتبَاه شاهدَاه وربُّه ذو الجَلال قال العلماءالعلماء: لا تشهد على أحد من أهل القِبْلة بجنة ولا بنار يُرْجَى للمُحْسن ويُخاف عليه ويخاف عليه المُسيء ويُرْجَى لهله.
وفي الحديث المرفوعالمرفوع: إنّ الله يَغْفر ولا يُعيِّر والناسُ يعيَرون ولا يَغْفرونيَغْفرون.
وفي حديث آخرآخر: لا تُكَفِّروا أهلِ الذنوبالذنوب.
وتُوفِّي رجلٌ في عهد رسول الله {{صل}} وكان مُسرفاً على نفسه فرَفع برأسه وهو يجود بِنَفْسِه فإذَا أبواه يَبْكِيَان عند رأسه فقالفقال: ما يًبْكِيكما قالاقالا: نَبْكي لإسرافك على نفسك قالقال: لا تَبْكيا فوالله ما يَسُرُّني أن الذي بيد الله منٍ أمريٍ بأيديكما ثم ماتمات.
فأتى جبريلُ عليه الصلاة والسلام النبي {{صل}} فأخبره أن فتى تُوُفَي اليومَ فأَشهَده بأنه من أهل الجنةالجنة.
فسأل رسولُ اللهّ {{صل}} أبويه عن عَمله فقالافقالا: ما عَلِمنا عنده شيئاً من خَيْر إلا أنه قال لنا عند الموت كذا وكذا فقال رسول الله {{صل}}: مِنِ ها هنا أُوتي إنّ حُسن الظنّ بالله من أفضل العَمل عندهعنده.
وتُوفِّي رجل بجوِار ابن ذرّ وكان مُسرفاً على نفسه فتحامَى الناسُ من جنازته وبلغ ذلك عُمَرَ بن ذرّ فأوصى أهلَهأهلَه: إذا جهَزتموه فآذِنُوني ففعلوا فَشَهِدَه والناسُ معه فلما أُدْلِيَ وَقَف على قبره فقالفقال: رَحمك الله أبا فُلان فلقد صَحِبْتَ عُمْرَك بالتَّوحيد وعَفَّرْت وَجهك للهّ بالسجود فإنْ قالوا مُذْنِب وذو خَطايا فمن مِنَّا غيرُ مُذْنب و " غير " ذي خطايا هُو الموتُ لا مَنْجَى من الموت والذي نُحاذِر بعد الموت أَنْكَى وأَفْظَعُ ثمّ قالقال: اللهمّ فأقِل العَثرة واعفُ عن الزّلّة وعُدْ بِحلمِك على جهل من لم يَرْجُ غيرَك ولم يَثِق إلا بك فإنك واسع المَغفِرةالمَغفِرة.
يا رب أين لذي الخطأ مَهْرب إلا إليكإليك.
قال داود بن أبي هِنْدهِنْد: فبلغنيِ أنّ سعيد بن المُسَيِّب قال حين بلغه ذلكذلك: لقد رغب إلى مَن لا مَرغب إلا إليه كَرْهاَ وإني أرجو من الله له الرحمة ".
الأصمعي قالقال: سمعتُ أعرابياً يقول في دُعائه واْبتهالهواْبتهاله: إلهي ما توهمتُ سَعة رحمتك إلا وكانت نَغْمة عَفْوك تَقْرَع مسامعيمسامعي: أن قد غَفَرتُ لكلك.
فصَدِّق ظني بك وحَقِّق رجائي فيك يا إلهيإلهي.
ومن أحسن ما قيل في الرجاء هذا البيتُالبيتُ: وإنّي لأرجو الله حتى كأنَّني أرَى بِجَميل الظنّ ما اللَهُ صانِعُ قولهم في التوبة مرَّ المسيح " بن مَريْم " عليه السلام بقَوْم من بني إسرائيل يَبكون فقال لهملهم: ما يُبكيكم قالواقالوا: نَبْكيِ لذنوبنا قالقال: اترُكوها تُغْفَر لكملكم.
وقال عليّ بن أبي طالب كرم الله وجههوجهه: عجباَ لمَن يَهْلك ومعه النجاةُالنجاةُ! قيل لهله: وما هي قالقال: التوبة والاستغفاروالاستغفار.
وقالواوقالوا: كان شابّ من بني إسرائيل قد عَبد الله عشرين حِجَّة ثم عصاه عشرين حجة فبينما هو في بَيْته يتراءَى في مرآته نَظَرَ إلى الشَّيْب في لِحْيته فساءَهُ ذلك فقالفقال: إِلهي أطعتُك عشرين سنةً وعَصيتك عشرين سنة فإن رجعتُ إليك تَقْبَلني فسَمع صوتاً من زاوية البيت ولم ير شَخْصأشَخْصأ: أحْبَبْتنا فأحْبَبْناك وتَرَكْتنَا فتركناك وعَصَيتنا فأمْهَلْنَاك وإن رَجَعت إِلينا قَبلناكقَبلناك.
عبد الله بن العَلاء قالقال: خرَجنا حُجّاجاً من المدينةالمدينة.
فلمّا كُنّا بالحُلَيفة نَزَلنا فَوَقف علينا رجلٌ عليه أثوابٌ رثّة له منظر وهَيئة فقالفقال: مَنْ يَبغي خادماً مَن يَبْغي ساقياً مَن يملأ قِرْبة أو إدَاوَة فَقُلنافَقُلنا: دونك هذه القِرَبُ فآملأهافآملأها.
فأخذها وانطلق فلم يلبث إلا يسيراً حتى أقبل وقد امتلأت أثوابُه طيناً فَوَضعها وهو كالمسرور الضاحك ثم قالقال: لكم غيرُ هذا قلناقلنا: لا وأَطْعَمْناه قارِصاً حازِراً فأخَذه وحَمِد اللهّ وشَكَرَه ثم اعتزل وقعد يأكل أكلَ جائع فأَدْرَكتْني عليه الرّقة فقمتُ إليه بطَعام طيِّب كثير وقلتُوقلتُ: قد علمتُ أنه لم يَقَعْ منك القارص موقعاً فدُونك هذا الطعامَ فكُلْهفكُلْه.
فَنَظر في وَجْهِي وتَبَسَّم وقالوقال: يا عبد الله إنّما هي فَوْرَةُ هذه النار قد أطفأتُها وضرَب بيده على بطنهبطنه.
فرجعتُ وقد انكسف بالي لما رأيتُ من هيبتههيبته.
فقال لي رجلٌ كان إلى جانبيجانبي: أتعرفه قلتقلت: ما أعرفه قالقال: هذا رجل من بني هاشم من وَلد العبّاس بن عبد المُطّلب كان يَسْكُنً البَصرةَ فتَاب وخَرَجَ منها فَفُقِدَ وما يُعرف له أثرأثر.
فأَعْجبني قولُه ثم لحقتُ به وناشدتُه اللهّ وقلتُ لهله: هل لك أن تعادلني فإن معي فَضْلاً من راحلتي وأنا رجل من بعض أَخْوَالك فجزاني خيراً وقالوقال: لو أردتُ شيئاً من هذا لكان لي مُعدّاً ثمّ أَنِسَ إليّ وَجَعَل يُحدّثني وقالوقال: أنا رجلٌ من ولد العبّاس كنت أَسكُنُ البَصرة وكنت ذا كِبْر شدِيد وجَبَرُوت وبَذَخ وإني أمرْتُ خادماً أن تَحْشُو لي فِراشاً ومِخَدةً من حرير بوَرْدٍ نَثير ففعلَتْ فإني لنائم إذ أَيْقَظتني قِمَع وَرْدة أغفلَته الخادمُ فقمتُ إليها فأوْجعتها ضَرْباًضَرْباً.
ثم عُدْت إلى مَضْجعي بعد أن خَرج ذلك القِمَع من المِخَدِّة فأتاني آتٍ في منامي في صُورة فَظِيعةٍ فنَهَرَني وَزَبَرَني وقالوقال: أَفِقْ من غَشْيَتِك وأَبْصر من حَيْرَتك ثم أنشأ يقوليقول: يا خَدُ إنّك إنْ تُوَسَّدْ لَينَاَ وسَدْتَ بعد المَوتِ صُمَّ الْجَنْدَلِ فامْهَدْ لِنَفسِكَ صَالحاً تَنْجُو به فَلَتَنْدَمَنَ غداً إذا لم تَفْعَل فانتبهتُ فَزِعاً وخرجتُ من ساعتي هارباً بِدِيني إلى ربَيربَي.
وقالواوقالوا: علامةُ التوبة الخروج من الجهل والندمُ على الذنب والتجافي عن الشَهْوَة وتَرْك الكذب والانتهاء عن خُلق السَّوءالسَّوء.
وقالواوقالوا: التائب من الذنب كمن لا ذنبَ له وأولُ التوبة الندمالندم.
ومن قولنا في هذا المعنىالمعنى: يا ويلَنا من مَوْقِفٍ ما به أخوفُ من أَنْ يَعدِلَ الحاكمُ يارَبّ غُفْرَانك عن مُذْنِب أَسرَف إلا أنّه نادم وقال بعض أهل التفسيرالتفسير: في قول الله تبارك وتعالىوتعالى: " يا أَيًّها الذين آمنُوا تُوبُوا إلى الله تَوْبَةً نَصُوحاً ": إنّ التوبةَ النَّصوح أن يتوب العبدُ عن الذنب ولا يَنْوي أن يعود إليهإليه.
وقال ابن عبّاس في قول الله عزَّ وجلّ " إنّما التَّوْبةُ علىِ اللًهِ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثم يَتُوبُون من قِريب ": إنّ الرجل لا يَرْكَبُ ذَنْباَ ولا يأتي فاحشةً إلا وهو جاهلجاهل.
وقولهوقوله: " ثمّ يَتُوبون من قِريب " قالقال: كلُّ ما كان دون المُعاينة فهو قريب والمُعاينة أن يؤخَذ بِكَظْم الإنسان فذلك قولهقوله: " إذا حَضَرَ أحدَهم المَوْتُ قال إنِّي تُبْتُ الآن ".
قال أهل التفسيرالتفسير: هو إذا أُخِذ بكَظْمةبكَظْمة.
وقال ابن شُبْرُمةشُبْرُمة: إنِّي لأعجب ممن يَحْتَمى مخافةَ الضرر ولا يدعُ الذنوبَ مخافة النارالنار.
{{العقد الفريد/الجزء الثاني}}
|