الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العقد الفريد/الجزء الثاني/12»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط تصنيف وقالب
 
سطر 1:
===باب كلام الزهاد وأخبار العباد ===
قيل لقوم من العُبَّاد‏العُبَّاد: ما أقامكم في الشَّمس قالوا‏قالوا: طلَب الظِّل‏الظِّل.
قال علقمةُ لأسودَ بنِ يزيد‏يزيد: كم تُعذِّب هذا الجسدَ الضَّعيف قال‏قال: لا تنال الراحة إلا بالتَّعب‏بالتَّعب.
وقيل لآخر‏لآخر: لو رفقتَ بنفسك قال‏قال: الخيرُ كلُّه فيما أُكْرِهت النفوسُ عليه قال النبي {{صل}}: حُفّت الجنَّة بالمكاره‏بالمكاره.
وقيل لمَسروق بن الأجْدع‏الأجْدع: لقد أضررتَ ببدنك قال‏قال: كرامتَه أُريد‏أُريد.
وقالت له امرأته فَيْروز لما رأتْه لا يُفْطِر من صيام ولا يَفْترً عن صلاة‏صلاة: ويلك يا مسروق‏مسروق! أما يعْبد الله غيرُك أما خُلقت النارُ إلا لك قال لها‏لها: وَيحْك يا فيروز‏فيروز! إن طالب الجنة لا يَسأَم وهاربَ النار لا ينام‏ينام.
وشَكت أم الدَرداء إلى أبي الدَّرداء الحاجة فقال لها‏لها: تصبَّري فإنّ أمامَنا عَقَبةً كئُوداً لا يجاوزها إلا أخفُّ الناس حِمْلاً‏حِمْلاً.
ومر أبو حازم بسُوق الفاكهة فقال‏فقال: مَوْعدك الجنّة‏الجنّة.
ومرَّ بالجزًارين فقالوا له‏له: يا أبا حازم هذا لحم سمين فاشتَر قال‏قال: ليس عندي ثَمَنُه قالوا‏قالوا: نُؤخرك قال‏قال: أنا أُؤخر نفسي‏نفسي.
وكان رجل من العُبَّاد يأكل الرُّمان بِقشرْه فقيل له‏له: لم تَفْعل هذا فقال‏فقال: إنما هو عدوّ فأثْخن فيه ما أمكنك‏أمكنك.
وكان عليّ بن الحُسين عليهما السلام إذا قام للصلاة أخذتْه رِعْدةٌ فسُئِل عن ذلك فقال‏فقال: وَيحْكم‏وَيحْكم! أَتَدْرُون إلى من أَقُوم ومَن أُرِيد أن أُناجي وقال رجل ليونس بن عُبيد‏عُبيد: هل تَعلم أَحداً يَعمل بِعَمل الحسن قال‏قال: لا واللهّ ولا أحداً يقول بقَوْله‏بقَوْله.
وقيل لمحمد بن عليّ بن الحُسين أو لعليّ بن الحُسين عليهم السلام‏السلام: ما أقلَّ وَلَدَ أبيك قال‏قال: العجبُ كيف وُلدْتُ له‏له! وكان يصلّي في اليوم والليلة ألفَ ركعة فمتى كان يَتَفَرع للنساء وحَجَّ خمسة وعشرين حِجَّة راجلا‏راجلا.
ولما ضُرِب سعيدُ بن المُسَيِّب وأُقيم للناس قالت له امرأة‏امرأة: " يا شيخ " لقد أُقمت مُقام خزْية فقال‏فقال: من مُقام الخزية فررتُ‏فررتُ.
وشكا الناسُ إلى مالك ابن دينار القحطَ فقال‏فقال: أنتم تستبطئون المَطر وأنا أستبطئ الحِجارة‏الحِجارة.
وشكا أهل الكوفة إلى الفُضيل بن عِيَاض القحطَ فقال‏فقال: أمُدَ بِّراً غيرَ الله تريدون‏تريدون.
وذكر أبو حنيفة أيوبَ السِّخْتيانيّ فقال‏فقال: رحمه الله تعالى ثلاثاً لقد قَدمَ المدينة مرة وأنا بها فقلت‏فقلت: لأقعدنّ إليه لعلي أتعلَّق منه بسقْطة فقام بين يدي القبر مَقاماً ما ذكرتُه إلا اقشعرَّ له جِلْدِي‏جِلْدِي.
وقيل لأهل مكة‏مكة: كيف كان عَطاءُ بن أبي رَبَاح فيكم قالوا‏قالوا: كان مثلَ العافية التي لا يُعرف فضلُها حتى تُفْقد‏تُفْقد.
وكان عطاء أفْطَس أشَلّ أعرج ثم عَمِي وأمه سَوداء تسمَّى بَرَكة‏بَرَكة.
وكان الأوقص المَخْزُوميّ قاضياً بمكة فما رًئى مثلُه في عَفافه وزُهْده فقال يوماً لِجُلسائه‏لِجُلسائه: قالت لي أُمي‏أُمي: يا بني إنك خُلقت خِلْقة لا تصلح معها لمَجَامع الفِتْيان عند القيان " إنك لا تكون مع أحدِ إلا تَخَطتْك إليه العيون " فعليك بالدِّينِ فإنَّ الله يَرْفَع به الخَسِيسة وُيتمُّ به النَّقيصة‏النَّقيصة.
فنفعني اللهّ تعالى بكلامها وأطعتها فوليتُ القضاء‏القضاء.
الفُضَيل بن عِياض قال‏قال: اجتمع محمد بن واسع ومالكُ بن دينار في مجلس بالبصرة فقال مالكُ بن دينار‏دينار: ما هو إلا طاعة اللهّ أو النار‏النار.
فقال محمد بن واسع‏واسع: ما هو كما تقول ليس إلا عَفْو الله أو النار‏النار.
قال مالك‏مالك: صدقتَ‏صدقتَ.
ثم قال مالك‏مالك: إنه يُعجبني أن يكون للرجل مَعِيشة على قدر ما يَقوته‏يَقوته.
قال محمد بن واسع‏واسع: ولا هو كما تقول ولكن يُعْجبني أن يُصبح الرجل وليس له غَدَاء وُيمسى وليس له عَشَاء وهو مع ذلك راضٍ عن الله‏الله.
قال مالك‏مالك: ما أحْوَجني إلى أن يُعَلّمني مثلك‏مثلك.
جعفر بن سُليمان قال‏قال: سمعتُ عبد الرحمن بن مهَديّ يقول‏يقول: ما رأيتُ أحداً أقْشَف من شعبَة ولا أعبدَ من سُفيان الثوري ولا أحفظَ من ابن المُبارك وما أُحِبُّ أن ألْقَى الله بصحيفة أحد إلا بصحيفة بِشر بنِ مَنصور مات ولم يَدَع قليلاً ولا كثيراً‏كثيراً.
عبد الأعلى بن حمَّاد قال‏قال: دخلت على بِشر بن مَنصور وهو في الموت فإذا به من السرور في أمر عظيم فقلت له‏له: ما هذا السّرور قال‏قال: سُبحان اللهّ‏اللهّ! أخرجُ من بين الظالمين والباغين والحاسدين والمُغْتابين وأَقْدَم على حَجَّ هارون الرَّشيد فَبلغه عن عابدٍ بمكة مُجاب الدَّعوة مُعْتزل في جِبَال تِهامة فاتاه هارون الرشيدُ فسأله عن حاله ثم قال له‏له: أوْصِني ومُرْني بَما شِئتَ فوالله لا عَصَيتك‏عَصَيتك.
فَسكت عنه ولم يَرُدَّ عليه جواباً‏جواباً.
فخرج عنه هارون فقال له أصحابُه‏أصحابُه: ما مَنعك إذ سألك أن تَأْمرَه بما شِئْتَ - وقد حَلَف أن لا يَعْصيك - أن تأمرَه بتقوِى الله والإحسان إلى رعيّته فَخَطَّ لهم في الرَّمل‏الرَّمل: إنيّ أعظمتُ الله أن يكونَ يَأمره فيَعْصِيه وآمرُه أنا فيطيعني‏فيطيعني.
عليّ بن حمزة ابن " أُخت " سُفيان الثوري قال‏قال: لما مَرِض سُفيان مَرَضه الذي مات فيه ذهبتُ ببَوْله إلى دَيْرانيّ فأرَيتُه إياه فقال‏فقال: ما هذا ببول حَنِيفيّ قلت‏قلت: بلى والله من خِيارهم‏خِيارهم.
قال‏قال: فأنا أذهب معك إليه‏إليه.
قال‏قال: فدخل عليه وجَسَّ عِرْقه فقال‏فقال: هذا رجُلٌ قطَع الحُزن كَبِده‏كَبِده.
مُؤرِّق العِجْليّ قال‏قال: ما رأيتُ أحداً أفقه في وَرعه ولا أورَعَ لا فِقْهِه من محمد بن سيرين ولقد قال يوماً‏يوماً: ما غَشِيتُ امرأةً قط في نوم ولا يقظة إلا امرأتي أم عبد الله فإني أرى المرأة في النوم فاعلم أنها لا تَحِلّ لي فأصْرف بَصري عنها‏عنها.
الأصمعي عن ابن عَوْن قال‏قال: رأيت ثلاثة لم أَرَ مثلَهم‏مثلَهم: محمدَ بن سيرين بالعراق والقاسمَ بن محمد بالحجاز ورجاءَ بن حَيْوة بالشام‏بالشام.
العُتْبيّ قال‏قال: سمعت أشياخنا يقولون‏يقولون: انتهى الزُّهْد إلى ثمانية من التابعين‏التابعين: عامر بن عبد القيس والحسن بن أبي الحسنٍ البَصْرِيّ وهَرِم بن حيّان وأبي كيف يكون الزهد العُتْبيّ يرفعه قال‏قال: قيل لرسول الله {{صل}}: ما الزًّهد في الدنيا قال‏قال: أما إنه ما هو بتَحْريم الحَلال ولا إضاعة المال ولكنّ الزهدَ في الدنيا أن تكون بما في يد اللهّ أغنى منك عما في يدك‏يدك.
وقيل للزُّهريّ‏للزُّهريّ: ما الزُّهْد قال‏قال: أما إنه ليس تَشْعِيثَ الِّلمَّة ولا قَشْفَ الهيْئَة ولكنّه صرْف النفس عن الشَّهْوَة‏الشَّهْوَة.
وقيل لآخر‏لآخر: ما الزُّهْد في الدنيا قال‏قال: أَن لا يَغْلب الحرامُ صَبْرَك ولا الحلالُ شكرَك وقيل لرسول الله {{صل}}: يا رسول الله مَنْ أزهدُ الناس في الدنيا قال مَن لم يَنْس المَقابر والبِلَى وآثرَ ما يَبْقى على ما يَفْنى وعَدّ نَفْسه مع الموتى‏الموتى.
وقبل لمحمد بن واسع‏واسع: مَنْ أزهَدُ الناس في الدُّنيا قال‏قال: مَنْ لا يبالي بِيدَ مَن كانت الدنيا‏الدنيا.
وقيل للخليل بن أحمد‏أحمد: مَن أزهدُ الناس في الدُّنيا قال‏قال: من لم يَطلب المَفْقود حتى يَفْقد المَوْجود‏المَوْجود.
وقال النبي {{صل}}: الزهد في الدُّنيا مِفْتاح الرَّغبة في الآخرة " والرغبة في الدُّنيا مِفْتاح الزُهد في الآخرة "‏‏.
وقالوا‏وقالوا: مَثَلُ الدنيا والآخرة كمثَل رجل له امرأتان ضرَّتان إن أرْضى إحداهما أسْخط الأخرى‏الأخرى.
وقال النبي {{صل}}: مَن جعل الدنيا أكبرَ همِّه نزَع الله وقال ابن السّماك‏السّماك: الزاهد الذي إن أصاب الدنيا لم يَفرح وإن أصابتْه الدنيا لم يحزن يضحك في المَلا ويَبْكي في الخَلا‏الخَلا.
وقال الفُضيل‏الفُضيل: أصلُ الزهد في الدنيا الرِّضا عن الله تعالى‏تعالى.
===صفة الدنيا ===
قال رجُل لعلي بن أبي طالب كرم الله وَجْهَه‏وَجْهَه: يا أميرَ المؤمنين صِفْ لنا الدّنيا‏الدّنيا.
قال‏قال: ما أصِف مِن دارٍ أولها عَناء وآخرُها فَناء حَلالُها حساب وحَرامها عِقاب مَن اْستغنى فيها فُتِن ومن افتقر فيها حَزِن‏حَزِن.
قيل لأرسطاطاليس‏لأرسطاطاليس: صِف لنا الدنيا‏الدنيا.
فقال‏فقال: ما أصِف من دار أولها فَوْت وآخرها مَوْت‏مَوْت.
وقيل لحكيم‏لحكيم: صف لنا الدنيا‏الدنيا.
قال‏قال: أمَل بين يديك وأجَل مُطِل عليك وشَيْطان فتّان وأمانِيُّ جرّارة العِنَا تدعوك فَتستجيب وترجُوها فتَخيب‏فتَخيب.
وقيل لعامر بن عبد القيس‏القيس: صف لنا الدنيا‏الدنيا.
قال‏قال: الدنيا والدةٌ للموت ناقضة للمُبْرَم مُرْتجعة للعطية وكلُّ مَن فيها يجري إلى ما لا يدري‏يدري.
وقيل لبَكر بن عبد الله المُزنيّ‏المُزنيّ: صِف لنا الدنيا‏الدنيا.
فقال‏فقال: ما مَضى منها فَحُلم وما بَقي فأمانيّ وقيل لعبد الله بن ثَعْلبة‏ثَعْلبة: صِف لنا الدنيا قال‏قال: أمسُكَ مَذْموم منك ويومُك غير محمود لك وغَدك غير مأمون عليك‏عليك.
وقال النبي {{صل}}: الدنيا سِجْن المُؤمن وجنَّة الكافر‏الكافر.
وقال‏وقال: الدنيا عرَضٌ حاضرِ يأْكُل منه البرّ والفاجر والآخرة وَعْد صِدْق يحكم فيها ملك قادر يفصل الحقّ من الباطل‏الباطل.
وقال‏وقال: الدنيا خَضرِة حًلْوَة فمن أَخذها بحقّها بُورك له فيها ومَن أخذها بغير حقّها كان كالآكِل الذي لا يَشْبع‏يَشْبع.
وقال ابن مَسعود‏مَسعود: ليس من الناس أَحدٌ إلا وهو ضَيْف على الدنيا ومالُه عارية فالضَّيْف مُرْتحِل والعارية مردودة‏مردودة.
وقال المسيح عليه السلام‏السلام: الدنيا لإبليس مزْرَعة وأهْلُها حُرَّاث‏حُرَّاث.
وقال إبليسُ‏إبليسُ: ما أُبالي إذا أحَب الناس الدنيا أن لا يَعْبُدوا صَنما ولا وَثَنا الدنيا أفتنُ لهم من ذلك وكان النبي {{صل}} يُسمِّي الدنيا أمّ ذَفَر‏ذَفَر.
والذفر: النتن.
والذفر‏:‏ النتن‏.‏
وقال النبي {{صل}} للضحَّاك بن سُفيان‏سُفيان: ما طعامُك قال‏قال: اللحم واللبن قال‏قال: ثم إلى ماذا يَصير قال‏قال: يصير إلى ما قد علمت قال‏قال: فإنّ الله عزّ وجلّ ضَرَب ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنيا‏للدنيا.
وقال المسيحُ عليه السلام لأصحابه‏لأصحابه: اتخذوا الدنيا قَنطرة فاعبرُوها ولا تَعْمُروها‏تَعْمُروها.
وفي بعض الكتب‏الكتب: أوحى اللهّ إلى الدنيا‏الدنيا: من خَدمني فاخدُميه ومَن خدمك فاستخدميه‏فاستخدميه.
وقيل لنُوح عليه السلام‏السلام: يا أبا البَشر ويا طويل العُمر كيف وجدتَ الدنيا قال‏قال: كَبَيْتٍ له بابان دخلتُ من أحدهما وخرجتُ من الآخر‏الآخر.
وقال لُقمان لابنه‏لابنه: إنّ الدنيا بَحْرٌ عريض قد هلك فيه الأوَلون والآخِرون فإن استطعت فاجعل سَفِينتك تقوى الله وعدَتك التوكُّل على الله وزادك العملَ الصالح فإن نجوتَ فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك‏فبذنوبك.
وقال محمد بن الحنفيّة‏الحنفيّة: من كرُمت عليه نفسُه هانت عليه الدنيا‏الدنيا.
وقال‏وقال: إنّ المُلوك خَلَّوْا لكم الحِكمة فَخلُوا لهم الدنيا‏الدنيا.
وقيل لمحمد بن واسع‏واسع: إنك لترضى بالدُّون قال‏قال: إنما رَضي بالدُون من رضي بالدنيا‏بالدنيا.
وقال المسيحُ عليه الصلاة والسلام للحواريين‏للحواريين: أنا الذي كفأتُ الدنيا علىِ وَجهها فليس لي زوجةٌ تموت ولا بَيْت يَخْرَب‏يَخْرَب.
شكا رجل إلى يُونس بن عُبيد وَجَعاَ يَجده فقال له‏له: يا عبد الله هذه دار لا توافقك فالتمس لك داراً تُوافقك‏تُوافقك.
لقي رجلٌ راَهِباً فقال‏فقال: يا راهب صِف لنا الدنيا فقال‏فقال: الدنيا تُخْلِق الأبدان وتُجَدِّد الآمال وِتباعد الأمْنِيّة وتُقَرِّب المنيَّة قال‏قال: فما حالُ أهلها قال مَنْ ظَفِرَ بها تَعِب ومن فاتْته نصِب قال‏قال: فما الغِنى عنها قال‏قال: قَطْعُ الرَّجاءِ منها قالت‏قالت: فأين المَخْرَج قال‏قال: في سُلوك المَنْهَج قال‏قال: وما ذاك قال بَذْل المجهود والرِّضا بالمَوْجود‏بالمَوْجود.
قال الشاعر‏الشاعر: ما الناسُ إلا مع الدنيا وصاحبها فحيثما انقلبت يوماً به انقلبوا يُعظِّمون أخا الدنيا وإن وَثَبت يوماً عليه بما لا يَشْتَهي وَثبوا وقال آخر‏آخر: يا خاطبَ الدنيا إلى نفسه تَنَحَ عن خطبتهْا تَسْلَم إنً التيَ تَخْطُبُ غَزَارَةٌ قريبةُ العُرْس من المَأْتَم داود بن المُحَبَّر قال‏قال: أخبرنا عبدُ الواحد بن الخطاب قالت‏قالت: أقبلنا قافلين من بلاد الروم حتى إذا كُنَّا بين الرُّصافة وحِمْص سمعنا صوتاً من تلك الجبال تَسمعه آذاننا ولا تُبصره أبصارنا يقول‏يقول: يا مَسْتُوريا مَحْفوظ انظر في سترْ مَن " وحِفْظ مَن " أنت إنما الدنيا شَوْك فانظر أين تَضَع قدمَيْك منها‏منها.
وقال أبو العتاهية‏العتاهية: رَضيت بذي الدنيا كَكُل مُكاثر مُلِحّ على الدنيا وكلِّ مُفاخِر أَلم تَرَهَا تَسْقِيه حتى إذا صَبا فَرَت حَلْقَه منها بِشَفْرة جازر " ولا تَعْدلُ الدنيا جَناح بَعُوضة لدى الله أو مقدارَ نَغْبْةِ طائر " فلم يَرْضَ بالدنيا ثواباً لمُؤْمن ولم يَرْضَ بالدنيا عِقاباً لكافر وقال أيضاً‏أيضاً: هي الدنيا إذا كَمُلتْ وتَمَّ سرُورُها خَذَلتْ وتَفعل في الذين بَقوا كما فيمن مَضى فَعلتَ وقال بعضُ الشعراء يصف الدنيا‏الدنيا: لقد غرت الدنيا رجالاً فأصبحوا بمنزلةٍ ما بعدها متحوَّلُ فساخِطُ أَمْر لا يًبَدَّلُ غيرَه ورَاضٍ بأمر غيرَه سيبدلُ وقال هارون الرشيد‏الرشيد: لو قيل للدنيا صِفي لنا نفسك وكانت ممّن يَنْطق ما وَصفت نفسها بأكثر من قول أبي نُواس‏نُواس: إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكَشَّفت له عن عدوٍّ في ثِياب صديقِ وما الناسُ إلا هالكٌ وابن هالكٍ وذو نسَبٍ في الهالكين عَريق وقال آخر في صفة الدنيا‏الدنيا: فَرُحْنا وراح الشَامِتون عَشِيَّةً كأَنَّ عَلَى أكتافنا فِلَق الصًخْرِ لحا الله دُنيا يَدْخل النارَ أَهْلُها وتَهْتك ما بين الأقارب من سِتر ولأبي العتاهية‏العتاهية: كُلَّنَا يُكثر الملامةَ للدن يا وكل بِحُبِّها مَفْتُون والمقاديرُ لا تناوَلُها الأوْ هام لُطْفاَ ولا تراها العُيون ولركب الفَناء في كلِّ يومٍ حَرَكات كَأنَّهنَّ سُكون ومن قولنا في وصف الدنيا‏الدنيا: ألا إنما الدُّنيا نضارة أَيْكةٍ إذا اخضرَّ منها جانبٌ جَفَّ جانبُ هِيَ الدَّار ما الآمالُ إلا فَجَائع عليها ولا اللَذًاتُ إلا مصائب فلا تَكْتَحلْ عَيْناك فيها بِعَبْرَة على ذاهب منها فإنك ذاهب وقال أبو العتاهية‏العتاهية: أَصْبَحَتْ الدنيا لنا فتنةً والحمد لله على ذلِكَا قد أَجْمَعَ الناسُ على ذَمِّهَا ولا أرى منهمْ لها تارِكا وِّقال إبراهيم بن أدهم‏أدهم: نُرَقع دُنْيانا بِتَمْزيقِ دِيننا فلا دينُنا يَبقى ولا ما نُرَقِّع وما سمعتُ في صفة الدُنيا والسبب الذي يُحبها الناسُ لأجله بأبلغ من قول القائل‏القائل: نراع بِذْكر المَوت في حين ذِكْره وتَعْترض الدنيا فَنَلْهُو ونَلْعَبُ ونحن بنُو الدُّنيا خُلِقْنا لغَيرها وما كنتَ منه فهو شيء مُحبب فذكر أن الناس بنو الدنيا وما كان الإنسان منه فهو محبّب إليه‏إليه.
واعلم أنّ الإنسانَ لا يُحبّ شيئاً إلاّ أن يُجانَسه في بعض طبائعه وأنّ الدنيا جانَسَت الإنسان في طبائعه كلها فأحبَّها بكل أطرافه‏أطرافه.
وقال بعض ولد ابن شُبْرمة‏شُبْرمة: كنتُ مع أبي جالساً قبل أن يلي القضاء فمر به طارقُ بن أبي زياد في مَوْكب نبيل فلما رآه أبي تَنفَس الصُّعَدَاء وقال‏وقال: ثم قال‏قال: اللهم لي دِيني ولهم دُنياهم‏دُنياهم.
فلما ابتلى بالقْضاء قلتُ‏قلتُ: يا أبتِ أتذكر يومَ طارق فقال‏فقال: يا بُنِى إنهم يَجدون خَلَفاً من أبيك وإنّ أباك لا يَجد خَلَفاً منهم إنّ أباك خَطَب في أهوائهم وأكل من حَلْوائهم‏حَلْوائهم.
وقال الشَّعبي‏الشَّعبي: ما رأيتُ مَثَلَنا ومثِلَ الدنيا إلا كما قالت كُثَيِّر عَزَّة‏عَزَّة: أسِيئي بنا أَوْ أَحْسني لاَ مَلومةَ لَدَينا ولا مَقْلِيةً إن تَقَلَّتِ وأحكُم بيتٍ قيل في تَمْثِيل الدنيا قولُ الشاعر‏الشاعر: ومَن يأمَن الدنيا يكن مثلَ قابض على الماء خانَتْه فُروجُ الأصابع وحَدّث العبّاس بن الفَرج الرِّيَاشي قال‏قال: رأيت الأصمعيّ يُنْشد هذا البيتَ ويستحسنه في صفة الدنيا‏الدنيا: ما عذر مُرْضِعَةٍ بكا س الموت تَفْطِم مَنْ غَذَتْ ولقَطَهريّ بن الفُجاءة في وَصف الدُّنيا خُطْبَةٌ مجرَّدة تَقَع في جملة الخُطَب في كتاب الواسطة‏الواسطة.
قولهم في الخوف سُئل ابن عباس عن الخائفين لله فقال‏فقال: هم الذي صَدَقُوا الله في مَخَافَة وعيده فقلوبهم بالخَوْف قَرِيحة وأعينُهم على أنفسهم باكِية ودُموعهم على خدودهم جارية يقولون‏يقولون: كيف نَفْرح والموتُ من ورائنا والقُبورُ من أمامنا والقيامة مَوْعدنا وعلى جهنَّم طريقُنا وبين يدي ربنا مَوْقفنا‏مَوْقفنا.
وقال عليّ كَرم الله وجهَه‏وجهَه: ألا إنّ لله عباداً مُخْلصين كمَن رأى أهلَ الجنَّة في الجنَّة فاكهين وأَهْل النار في النار مُعذَّبين شرُورُهم مأمونة وقُلوبهم مَحزونة وأنفسُهم عفيفة وحوائجهم خَفيفة صَبَرُوا أيًاماَ قليلة لِعُقْبى راحة طويلة أمّا بالليل فَصَفُوا أقدامَهم في صَلاتهم تَجْري دُموعُهم على خُدُودهم يَجْأَرون إلى ربِّهم‏ربِّهم: ربَّنا ربنا يَطلبون فَكاك قُلوبهم‏قُلوبهم: وأمَّا بالنهار فُعلماء حُلماء بَررة أَتْقياء كأنهم القِداح - القِداح‏القِداح: السهام يريد في ضُمرتها - يَنْظر إليهم الناظرُ فيقول‏فيقول: مَرْضىَ وما بالقوم من مَرض ويقول‏ويقول: خُولطوا ولقد خالط القومَ أمرٌ عظيم‏عظيم.
وقال منصور بن عَمَّار في مجلس الزهد‏الزهد: إن للهّ عباداً جعلوا ما كُتب عليهم من الموتِ مثالاً بين أعينهم وقطعوا الأَسباب المُتَّصلة بقلُوبهم من عَلائق الدنيا فهم أنضاءُ عبادته حُلفاء طاعته قد نَضَحوا خُدودهم بوابل دُموعهم وافترشوا جِبِاهَهم في مَحاريبهم يناجون ذا الكِبْرياء والعَظمة ودَخل قوم على عُمر بن عبد العزيز يَعودونه في مَرضه وفيهم شابٌّ ذابل ناحِل‏ناحِل.
فقال له عُمر‏عُمر: يا فتى ما بَلغ بك ما أَرى قال‏قال: يا أميرَ المؤمنين أمراضُ وأسقام‏وأسقام.
قال له عمر‏عمر: لَتَصْدُقَنِّي‏لَتَصْدُقَنِّي.
قال‏قال: بلى يا أمير المؤمنين ذُقت يوماً حلاوةَ الدنيا فوجدتُها مُرَّةً عواقُبها فاستوى عندي حَجَرُها وذَهَبُها وكأَنِّي أنظر إلى عَرْش ربِّنا بارزاً وإلى الناس يُسَاقون إلى الجنة والنار فأظمأْتُ نَهاري وأسْهَرْتُ ليلي وقليلٌ كلُّ ما أنا فيه في جنْب ثواب الله وخوف عقابه‏عقابه.
وقال ابن أبي اَلحَواريّ‏اَلحَواريّ: قلت لسُفيان‏لسُفيان: بلغني في قول الله تبارك وتعالى‏وتعالى: " إلاَ مَنْ أتىَ الله بِقَلْب سَلِيم " الذي يَلْقى ربَّه وليس فيه أَحَدٌ غَيْره‏غَيْره.
فبكى وقال‏وقال: ما سمعتُ منذ ثلاثين سنةً أحسَنَ من هذا التفسير‏التفسير.
وقال الحسنُ‏الحسنُ: إنّ خوفك حتى تلقى الأمنَ خيرٌ من أمنك حتى تَلقى الخوف‏الخوف.
وقال‏وقال: ينبغي أن يكوِن الخوفُ أغلبَ على الرجاء فإنّ الرجاء إذا غَلَب الخوفَ فَسَد القلبُ‏القلبُ.
وقال‏وقال: عجباَ لمَن خافَ العِقَابَ ولم يَكُف ولمَن رَجا الثوابَ ولم يَعْمل‏يَعْمل.
وقال علي بن أبي طالب كرَّمَ الله وجَهه لرجل‏لرجل: ما تَصْنع فقال‏فقال: أرجو وأخاف قال‏قال: مَن رجا شيئاً طلبه ومَن خاف شيئاً هرب منه‏منه.
وقال الفضَيْل بن عياض‏عياض: إني لأسْتَحِي من الله أن أقول‏أقول: تَوَكلت على الله ولو توكلت عليه حقَّ التوكل ما خِفْتُ ولا رَجَوْتُ غيره‏غيره.
وقال‏وقال: مَن خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومَن لم يَخف الله أخافَه الله من كل شيء‏شيء.
وقال‏وقال: وعْد وقال عمر بن ذَرّ‏ذَرّ: عبادَ الله لا تَغترُّوا بطول حِلْم الله واحذروا أَسَفَه فإنه قال عزِّ وجلّ‏وجلّ: " فلمَّا آسُفونا آنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فأغْرَقْناهم أَجْمَعين‏أَجْمَعين.
فجعلناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً للآخِرين "‏‏.
وقال محمد بن سَلاّم‏سَلاّم: سمعت يونس بن حَبيب يقول‏يقول: لا تأمن مَن قَطع في خمسة دراهم أشرَفَ عُضو فيك أن تكون عُقُوبته في الآخرة أضعافَ ذلك‏ذلك.
وقال الربيعُ بن خُثَيم‏خُثَيم: لو أَنَّ لي نَفْسَين إذا غَلِقَتْ إحداهما سَعَت الأخرى في فَكاكِها ولكنها نفس واحدة فإن أنا أوثقتُها مَنْ يَفْكّها وفي الحديث‏الحديث: مَن كانت الدنيا هَمَّه طال في الآخرة غَمُّه ومَن أُخْلِف الوعيدَ لها عما يُريد ومَن خاف ما بين يَدَيه ضاق ذَرْعاً بما في يديه‏يديه.
وقال محموِد الورٍّاق‏الورٍّاق: يا غافلاَ تَرْنو بِعَيْنَي راقد ومُشَاهِداً للأمر غيرَ مُشَاهِدِ تَصِلُ الذُّنوب إلى الذُّنوب وَتَرْتَجيِ عَرَكَ الجنَان بها وفَوْزَ العَابِد ونسيتَ أَنّ الله أَخْرَجَ آدمَاَ منها إلى الدُنيا بِذَنبِ واحد وقال نابغة بني شَيْبَان‏شَيْبَان: إنّ مَنْ يَرْكَبُ الفواحشَ سِرَّاً حين يَخلو بسرِّه غيرُ خالي كيف يَخْلو وعنده كاتبَاه شاهدَاه وربُّه ذو الجَلال قال العلماء‏العلماء: لا تشهد على أحد من أهل القِبْلة بجنة ولا بنار يُرْجَى للمُحْسن ويُخاف عليه ويخاف عليه المُسيء ويُرْجَى له‏له.
وفي الحديث المرفوع‏المرفوع: إنّ الله يَغْفر ولا يُعيِّر والناسُ يعيَرون ولا يَغْفرون‏يَغْفرون.
وفي حديث آخر‏آخر: لا تُكَفِّروا أهلِ الذنوب‏الذنوب.
وتُوفِّي رجلٌ في عهد رسول الله {{صل}} وكان مُسرفاً على نفسه فرَفع برأسه وهو يجود بِنَفْسِه فإذَا أبواه يَبْكِيَان عند رأسه فقال‏فقال: ما يًبْكِيكما قالا‏قالا: نَبْكي لإسرافك على نفسك قال‏قال: لا تَبْكيا فوالله ما يَسُرُّني أن الذي بيد الله منٍ أمريٍ بأيديكما ثم مات‏مات.
فأتى جبريلُ عليه الصلاة والسلام النبي {{صل}} فأخبره أن فتى تُوُفَي اليومَ فأَشهَده بأنه من أهل الجنة‏الجنة.
فسأل رسولُ اللهّ {{صل}} أبويه عن عَمله فقالا‏فقالا: ما عَلِمنا عنده شيئاً من خَيْر إلا أنه قال لنا عند الموت كذا وكذا فقال رسول الله {{صل}}: مِنِ ها هنا أُوتي إنّ حُسن الظنّ بالله من أفضل العَمل عنده‏عنده.
وتُوفِّي رجل بجوِار ابن ذرّ وكان مُسرفاً على نفسه فتحامَى الناسُ من جنازته وبلغ ذلك عُمَرَ بن ذرّ فأوصى أهلَه‏أهلَه: إذا جهَزتموه فآذِنُوني ففعلوا فَشَهِدَه والناسُ معه فلما أُدْلِيَ وَقَف على قبره فقال‏فقال: رَحمك الله أبا فُلان فلقد صَحِبْتَ عُمْرَك بالتَّوحيد وعَفَّرْت وَجهك للهّ بالسجود فإنْ قالوا مُذْنِب وذو خَطايا فمن مِنَّا غيرُ مُذْنب و " غير " ذي خطايا هُو الموتُ لا مَنْجَى من الموت والذي نُحاذِر بعد الموت أَنْكَى وأَفْظَعُ ثمّ قال‏قال: اللهمّ فأقِل العَثرة واعفُ عن الزّلّة وعُدْ بِحلمِك على جهل من لم يَرْجُ غيرَك ولم يَثِق إلا بك فإنك واسع المَغفِرة‏المَغفِرة.
يا رب أين لذي الخطأ مَهْرب إلا إليك‏إليك.
قال داود بن أبي هِنْد‏هِنْد: فبلغنيِ أنّ سعيد بن المُسَيِّب قال حين بلغه ذلك‏ذلك: لقد رغب إلى مَن لا مَرغب إلا إليه كَرْهاَ وإني أرجو من الله له الرحمة "‏‏.
الأصمعي قال‏قال: سمعتُ أعرابياً يقول في دُعائه واْبتهاله‏واْبتهاله: إلهي ما توهمتُ سَعة رحمتك إلا وكانت نَغْمة عَفْوك تَقْرَع مسامعي‏مسامعي: أن قد غَفَرتُ لك‏لك.
فصَدِّق ظني بك وحَقِّق رجائي فيك يا إلهي‏إلهي.
ومن أحسن ما قيل في الرجاء هذا البيتُ‏البيتُ: وإنّي لأرجو الله حتى كأنَّني أرَى بِجَميل الظنّ ما اللَهُ صانِعُ قولهم في التوبة مرَّ المسيح " بن مَريْم " عليه السلام بقَوْم من بني إسرائيل يَبكون فقال لهم‏لهم: ما يُبكيكم قالوا‏قالوا: نَبْكيِ لذنوبنا قال‏قال: اترُكوها تُغْفَر لكم‏لكم.
وقال عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه‏وجهه: عجباَ لمَن يَهْلك ومعه النجاةُ‏النجاةُ! قيل له‏له: وما هي قال‏قال: التوبة والاستغفار‏والاستغفار.
وقالوا‏وقالوا: كان شابّ من بني إسرائيل قد عَبد الله عشرين حِجَّة ثم عصاه عشرين حجة فبينما هو في بَيْته يتراءَى في مرآته نَظَرَ إلى الشَّيْب في لِحْيته فساءَهُ ذلك فقال‏فقال: إِلهي أطعتُك عشرين سنةً وعَصيتك عشرين سنة فإن رجعتُ إليك تَقْبَلني فسَمع صوتاً من زاوية البيت ولم ير شَخْصأ‏شَخْصأ: أحْبَبْتنا فأحْبَبْناك وتَرَكْتنَا فتركناك وعَصَيتنا فأمْهَلْنَاك وإن رَجَعت إِلينا قَبلناك‏قَبلناك.
عبد الله بن العَلاء قال‏قال: خرَجنا حُجّاجاً من المدينة‏المدينة.
فلمّا كُنّا بالحُلَيفة نَزَلنا فَوَقف علينا رجلٌ عليه أثوابٌ رثّة له منظر وهَيئة فقال‏فقال: مَنْ يَبغي خادماً مَن يَبْغي ساقياً مَن يملأ قِرْبة أو إدَاوَة فَقُلنا‏فَقُلنا: دونك هذه القِرَبُ فآملأها‏فآملأها.
فأخذها وانطلق فلم يلبث إلا يسيراً حتى أقبل وقد امتلأت أثوابُه طيناً فَوَضعها وهو كالمسرور الضاحك ثم قال‏قال: لكم غيرُ هذا قلنا‏قلنا: لا وأَطْعَمْناه قارِصاً حازِراً فأخَذه وحَمِد اللهّ وشَكَرَه ثم اعتزل وقعد يأكل أكلَ جائع فأَدْرَكتْني عليه الرّقة فقمتُ إليه بطَعام طيِّب كثير وقلتُ‏وقلتُ: قد علمتُ أنه لم يَقَعْ منك القارص موقعاً فدُونك هذا الطعامَ فكُلْه‏فكُلْه.
فَنَظر في وَجْهِي وتَبَسَّم وقال‏وقال: يا عبد الله إنّما هي فَوْرَةُ هذه النار قد أطفأتُها وضرَب بيده على بطنه‏بطنه.
فرجعتُ وقد انكسف بالي لما رأيتُ من هيبته‏هيبته.
فقال لي رجلٌ كان إلى جانبي‏جانبي: أتعرفه قلت‏قلت: ما أعرفه قال‏قال: هذا رجل من بني هاشم من وَلد العبّاس بن عبد المُطّلب كان يَسْكُنً البَصرةَ فتَاب وخَرَجَ منها فَفُقِدَ وما يُعرف له أثر‏أثر.
فأَعْجبني قولُه ثم لحقتُ به وناشدتُه اللهّ وقلتُ له‏له: هل لك أن تعادلني فإن معي فَضْلاً من راحلتي وأنا رجل من بعض أَخْوَالك فجزاني خيراً وقال‏وقال: لو أردتُ شيئاً من هذا لكان لي مُعدّاً ثمّ أَنِسَ إليّ وَجَعَل يُحدّثني وقال‏وقال: أنا رجلٌ من ولد العبّاس كنت أَسكُنُ البَصرة وكنت ذا كِبْر شدِيد وجَبَرُوت وبَذَخ وإني أمرْتُ خادماً أن تَحْشُو لي فِراشاً ومِخَدةً من حرير بوَرْدٍ نَثير ففعلَتْ فإني لنائم إذ أَيْقَظتني قِمَع وَرْدة أغفلَته الخادمُ فقمتُ إليها فأوْجعتها ضَرْباً‏ضَرْباً.
ثم عُدْت إلى مَضْجعي بعد أن خَرج ذلك القِمَع من المِخَدِّة فأتاني آتٍ في منامي في صُورة فَظِيعةٍ فنَهَرَني وَزَبَرَني وقال‏وقال: أَفِقْ من غَشْيَتِك وأَبْصر من حَيْرَتك ثم أنشأ يقول‏يقول: يا خَدُ إنّك إنْ تُوَسَّدْ لَينَاَ وسَدْتَ بعد المَوتِ صُمَّ الْجَنْدَلِ فامْهَدْ لِنَفسِكَ صَالحاً تَنْجُو به فَلَتَنْدَمَنَ غداً إذا لم تَفْعَل فانتبهتُ فَزِعاً وخرجتُ من ساعتي هارباً بِدِيني إلى ربَي‏ربَي.
وقالوا‏وقالوا: علامةُ التوبة الخروج من الجهل والندمُ على الذنب والتجافي عن الشَهْوَة وتَرْك الكذب والانتهاء عن خُلق السَّوء‏السَّوء.
وقالوا‏وقالوا: التائب من الذنب كمن لا ذنبَ له وأولُ التوبة الندم‏الندم.
ومن قولنا في هذا المعنى‏المعنى: يا ويلَنا من مَوْقِفٍ ما به أخوفُ من أَنْ يَعدِلَ الحاكمُ يارَبّ غُفْرَانك عن مُذْنِب أَسرَف إلا أنّه نادم وقال بعض أهل التفسير‏التفسير: في قول الله تبارك وتعالى‏وتعالى: " يا أَيًّها الذين آمنُوا تُوبُوا إلى الله تَوْبَةً نَصُوحاً "‏‏: إنّ التوبةَ النَّصوح أن يتوب العبدُ عن الذنب ولا يَنْوي أن يعود إليه‏إليه.
وقال ابن عبّاس في قول الله عزَّ وجلّ " إنّما التَّوْبةُ علىِ اللًهِ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثم يَتُوبُون من قِريب "‏‏: إنّ الرجل لا يَرْكَبُ ذَنْباَ ولا يأتي فاحشةً إلا وهو جاهل‏جاهل.
وقوله‏وقوله: " ثمّ يَتُوبون من قِريب " قال‏قال: كلُّ ما كان دون المُعاينة فهو قريب والمُعاينة أن يؤخَذ بِكَظْم الإنسان فذلك قوله‏قوله: " إذا حَضَرَ أحدَهم المَوْتُ قال إنِّي تُبْتُ الآن "‏‏.
قال أهل التفسير‏التفسير: هو إذا أُخِذ بكَظْمة‏بكَظْمة.
وقال ابن شُبْرُمة‏شُبْرُمة: إنِّي لأعجب ممن يَحْتَمى مخافةَ الضرر ولا يدعُ الذنوبَ مخافة النار‏النار.
 
{{العقد الفريد/الجزء الثاني}}