===المبادرة بالعمل الصالح ===
قال الله عزّ وجلّوجلّ: " وَسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم وجَنة " وقال تعالىتعالى: " والسَّابِقُونَ السَّابِقونَ أُولئك المُقرًبًون ".
وقال الحسنالحسن: بادروا بالعمل الصالح قبل حُلول الأجل فإنّ لكم ما أَمضيتم لا ما أَبْقَيتمأَبْقَيتم.
وقالواوقالوا: ثلاثة لا أناة فيهنفيهن: المُبادرة بالعمل الصالح ودفْن الميّت وإنكاح الكُفءالكُفء.
وقال النبي {{صل}}: ابن آدم اْغتنم خمَساً قبل خَمْسخَمْس: شبابك قبل هَرَمك وصِحَّتك قبل سَقَمك وفَراغك قبل شُغلك وحياتَك قبل مَوْتِك وغِناك قبل فَقْرِكفَقْرِك.
وقال الحسنالحسن: " ابن آدم " صُمْ قبل أن لا تَقْدر على يومٍ تَصُومه كأنك إذا ظَمِئْت لمَ تَكُن رَوِيت وكأنك إذا رَوِيتْ لم تكن ظَمِئتظَمِئت.
وكان يزيد الرَّقاشيّ يقوليقول: يا يزيدُ مَن يَصُوم عنك أو يُصَلِّي لك أو يَتَرَضىَّ لك ربك إذا مِتّ وكان خالدُ بن مَعْدان يقوليقول: إذا أنتَ لم تَزْرَع وأَبصرْتَ حاصداً نَدِمْتَ عَلَى التَّفْريط في زَمن البَذْرِ وقال ابن المُباركالمُبارك: رَكِبْتُ مع محمد بن النَّضْر في سفينة فقلتُفقلتُ: بأي شيء أَسْتَخْرِج منه الكلامَ فقلتُ لهله: ما تقول في الصَّوم في السفر فقالفقال: إنما هي المبادرة يا بن أخيأخي.
فجاءني والله بفُتْيا غير فُتْيا إبراهيم والشعبيوالشعبي.
ومن قولنا في هذا المعنىالمعنى: بادرْ إلى التَّوْبِة الخَلْصَاء مُجْتهداً والموتُ وَيْحك لم يَمْدًد إليك يَدَا وأرقبْ من الله وَعْداً لَيْسَ يُخْلِفُه لا بُدَّ لله من إنجاز ما وَعَدَا وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأصحابهلأصحابه: فيم أنتم قالواقالوا: نَرْجُو ونَخاف قالقال: مَن رجا شيئاً طَلَبَه ومن خافَ شيئاً هَرَب منهمنه.
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلم تَسْلُك مَسَالكها إنّ السَّفِينَةَ لا تَجْرِي عَلَى اليَبس وقال آخرآخر: اعمل وأنتَ من الدُنيا على حَذَر وآعلم بأنكَ بعد المَوْت مَبْعُوثُ واعلم بأنك ما قَدَمْت من عَمَل يُحْصىَ عَليك وما خَلَّفْتَ مَوْرُوث وقَدَّمَت عائشةُ رضي الله عنها إلى النبي {{صل}} صَحْفَة فيها خُبز شَعِير وقطعة من كَرش وقالتوقالت: يا رسولَ الله ذَبَحْنا اليوم شاةً فما أَمسكنا منها غيرَ هذا فقالفقال: بل كلًّها أمسكتم غير هذاهذا.
العجز عن العمل قال رجلٌ لمُؤرِّق العِجْليالعِجْلي: أشكُو إليك نفسي إنها لا تُريد الصلاة ولا تَسْتَطيع الصبرَ على الصّيام قالقال: بئس الثناء أثنيت به على نفسك فإذا ضعًفَت عن الخير فاضْعُف عن الشرّ فإنّ الشاعر قالقال: احْزَنْ عَلى أَنكَ لا تَحْزَنُ ولا تُسئ إن كُنْتَ لا تُحْسِنُ واضعُفْ عن الشر كما تدَعى ضَعْفاً عن الخير وقد يُمْكِنُ وقال بكرُ بن عبد اللهالله: اجتهدوا في العملِ فإن قَصرًّ بكمِ ضْعْفٌ فأمسكوا عن المعاصيالمعاصي.
وقال الحسنُ رحمه اللهالله: من كان قوياً فَلْيعتمد على قُوته في طاعة الله ومَن كان ضعيفاً فلْيَكُفّ عن معاصي اللهالله.
وقال عليُ " بن أبي طالب عليه السلام ": لا تَكُنْ كمن يَعْجِزُ عن شُكر ما أُوِتي ويَبْتَغي الزيادة فيما بَقى وينْهَى الناسَ ولا ينتهيينتهي.
وكان الحسنُ إذا وَعظ يقوليقول: يا لها موعظةً لو صادفت من القلوب حياةً أَسْمَع حَسِيساً ولا أَرَى أنيساً ما لهم تَفاقدوا عقولَهم فَرَاش نار وذُباب طَمَعطَمَع.
وكان ابن السمّاك إذا فَرَغ من مَوْعظته يقوليقول: أَلْسِنَة تَصِف وقلوب تَعْرف وأعمال تخالِفتخالِف.
وقالوقال: الحسنة نورٌ في القَلْب وقُوَّة وقال بعض الحُكماءِالحُكماءِ: يا أيُّها المشيَخَة الذين لم يَتْرًكوا الذنوب حتى تَرَكتْهُم الذُّنوب ثمّ ظَنُّوا أنّ تَرْكها لهم توبة وليتهم إذ ذهبتْ عنهم لم يَتَمَنَوا عَوْدَها إليهمإليهم.
وكان مالكُ بن دينار يقوليقول: ما أشدَّ فِطَامَ الكبير ويُنشدويُنشد: وتَرُوض عِرْسَك بعدما هَرِمَت ومن العَناء رياضة الهَرِم ومن حديث محمد بن وَضّاح قالقال: إذا بلغَ الرجلُ أربعين سنة ولم يَتُب مَسح إبليسُ بيده على وجهه وقالوقال: بِأَبي وَجْهٌ لا أفْلَح أبداًأبداً.
قال الشاعرالشاعر: فإذا رأى إبليسُ غُرَّةَ وَجْهِه حَيا وقال فَديتُ من لا يُفْلِحُ وقال رجل للحسنللحسن: أبا سعيد أردتُ أن أُصَلِّي فلم أستطع قالقال: قَيَّدَتْكَ ذنوبكذنوبك.
قولهم في الموت قال النبي {{صل}} لعمر بن الخطّاب رضوانُ الله عليهعليه: ما عندك من ذِكر الموت أبا حَفْص قالقال: أُمْسي فما أرى أنّي أُصْبح وأُصبحِ فما أَرَى أني أُمْسي قالقال: الأمر أَوْشك من ذلك أبا حَفْص أما إنّه يَخرُج عنّي نفسي فما أَرَى أنه يعود إليّإليّ.
وقال عبد بن شَدَّادشَدَّاد: أرى داعي الموت لا يُقْلِع و " أرى " مَن مَضى لا يَرْجع ومن بَقي فإليه يَنْزعيَنْزع.
وقال الحسنالحسن: ابن آدم إنما أنت عَدَد فإذَا مضى يومُك فقد مَضى بعضُكبعضُك.
وقال أبو العتاهيةالعتاهية: الناس في غَفَلاتهمِ ورَحى المَنية تَطْحَنُ وقال عمر بن عبد العزيزالعزيز: مَن أكثر من ذِكر الموت اكتفي باليسير ومَنْ عَلِم أَنّ الكلام عمل قلِّ كلامُه إلاّ فيما يَنفعيَنفع.
وكان أبو الدَّرداء إذا رأى جِنَازة قالقال: اغدي فإنا رائحون أو روحي فإنا غادونغادون.
وقال رجل للحسنللحسن: مات فلانٌ فجأة فقالفقال: لو لم يَمُتْ فجأةً لَمَرِض فجأة ثم ماتمات.
وقال يعقوب صلواتُ الله عليه للبَشِير الذي أتاه بقمِيص يوسفيوسف: ما أَدْرِي ما أُثيبك به ولكن هوَن الله عليك سكراتِ الموتالموت.
وقال أبو عمرو بن العلاءالعلاء: لقد جَلستُ إلى جَرِير وهو يُملي على كاتبهكاتبه: وَدِّعْ أُمَامَةَ حَان منك رَحِيلُ ثم طلعت جِنَازَةٌ فَأمْسك وقالوقال: شَيَّبَتْني هذه الجنائز قلتقلت: فَلِم تَسُبّ الناسَ قالقال: يَبْدَءوني ثم لا أعفو وأَعْتدي ولا أَبْتَديأَبْتَدي.
ثم أنشد يقوليقول: تُرَوِّعنا الجنائزُ مُقْبِلات فَنَلْهُو حين تذْهبُ مُدْبراتِ كَرَوْعَة هَجْمَةٍ لمُغار سَبْعِ فلما غابَ عادتْ راتعات وقالواوقالوا: مَن جعل الموتَ بين عَيْنيه لَهَا عما في يَدَيهيَدَيه.
وقالواوقالوا: اتخذ نوحٌ بيتاً من خُصّ فقيل لهله: لو بَنيتَ ما هو أحسن من هذا قالقال: هذا كثيرٌ لمَن يموتيموت.
وأحكم بيتٍ قالْته العربُ في وَصْف الموت بيتُ أُمية بن أبي الصَّلت حيث يقوليقول: يُوشِك مَنْ فَر مِنْ مِنيَّته في بَعْض غِراته يُوَافِقُهَا مَنْ لم يمُتْ غَبْطَةً يَمُت هَرَماً للموت كأسٌ والمرء ذائقها وقال إصْبَغ بن الفَرَجالفَرَج: كان بنَجْران عابد يَصِيح في كلِّ يوم صَيحتين بهذه الأبياتالأبيات: قَطَعَ البقاء مَطالعُ الشمسِ وغُدوًّها من حيث لا تُمْسي وطلوعُها حمراءَ قانيةَ وغُرِوبُها صفراءَ كالوَرْس اليومُ يُخبر ما يجيء به ومَضى بفَضْل قَضَائه أمس قال آخرآخر: زينت بيتك جاهلاً وعَمَرْتَه ولعلّ غيرَك صاحبُ البيتِ مَنْ كانت الأيامُ سائرةً به فكأنه قد حلّ بالموت والمرءُ مُرْتهنٍ بسوْفَ ولَيْتني وهلاكُه في السَّوف واللَّيْت للهّ دَرُّ فتى تَدَبّرَ أمرَه فَغَدَا وراح مُبَادِرَ الفَوْتِ كم رأينا من أناس هَلَكوا قد بَكَوْا أحْبَابَهُم ثم بُكًوا تَرَكُوا الدًّنيا لمَن بعدهُم وُدًّهم لو قَدّمُوا ما تَركوا كم رأينا من مُلوكٍ سُوقة ورأينا سُوقةً قد مَلَكوا وقال الصَّلَتان العَبْدِيّالعَبْدِيّ: أَشابَ الصغِيرَ وأَفْنى الكبي رَ كرُّ الغَداة ومَرُّ العَشي إِذا ليلة أَهْرَمت يومَها أتى بعدَ ذلك يومِ فَتِي نرُوح ونَغدو لحاجاتِنا وحاجةً مَن عاشِ لا تنقضي تَموت مع المرء حاجاتُه وتَبْقَى له حاجةَ ما بقي وكان سُفيان بن عُيينة يَسْتحسن قولَ عَدِيّ بن زَيْدزَيْد: أينَ أهلُ الدِّيارِ مِنْ قَوْم نُوح ثم عادٌ من بعدها وثَمود بينما هُمْ على الأسرة والآن ماطِ أَفضت إلى التُّراب الخُدود وصحيحٌ أَمْسى يعُودُ مريضاً وهو أَدنى للموت ممَّن يَعود ثم لم ينقض الحديثُ ولكنْ بعد ذا كلِّه وذاك الوَعِيد كأن قد صِرْتُ مُنْفَرِداً وحيداً ومُرْتَهناً هناك بما لَديّا كأنّ الباكياتِ عليّ يوماً ولا يُغنى البًكاء عليّ شَيَّا ذكرت مَنِيَّتِي فنعمتُ نفسي ألا أَسْعِدْ أُخَيك يا أُخَيّا وقالوقال: سَتَخلق جِدًةٌ وَتَجُود حالُ وعِنْد الحق تختبر الرجالُ وللدُنيا ودائعُ في قُلوب بها جَرَت القَطِيعة والوِصَال تَخَوَّفُ ما لَعَلَّكَ لا تَراًه وترْجُو ما لعلك لا تنال وقد طلع الهِلالُ لهَدْم عُمْري وأَفْرَحُ كًلَّما طَلع الهِلال وله أيضاًأيضاً: مَنْ يَعِيشْ يَكْبُرْ ومَنْ يَكْبُر يَمُتْ والمَنَايا لا تُبالي من أتَتْ نحن في دار بَلاءٍ وأذىً وشَقَاءٍ وعَناءٍ وعَنَت مَنزلٌ ما يَثْبُتُ المرءُ به سالماً إلا قليلاً إن ثَبَت أيها المَغْرور ما هذا الصِّبا لو نَهَيْتَ النفسَ عنه لانْتهت مَنْ لي إذا جُدْت بين الأهل والوَلَد وكان منِّيَ نحو المَوت قَيْد يَدِ والدَّمْعُ يَهْمُلُ والأنفاسُ صاعِدةٌ فالدًمْعُ في صَبَب والنفس في صُعُد ذاكَ القضاءُ الذي لا شيءَ يَصرِفه حتى يُفرِّقَ بينً الرُّوح والجَسَد ومن قولنا فيهفيه: أتْلهو بين باطِيَةٍ وزيرِ وأَنت من الهلاك على شَفِير فيا مَن غَرّهُ أملٌ طَوِيلٌ يُؤَدِّيه إلى أجل قَصِير أتَفْرَحُ والمَنِيِّة كلَ يوم تريك مكان قبرك في القبور هي الدّنيا فإنْ سَرتكَ يوماً فإنَّ الحُزْنَ عاقبةً السُرُور سَتسْلَبُ كلَّ ما جَمعْت منها كَعَارِيةٍ ترَدُّ إلى المُعِير وتَعْتَاضُ اليَقيِن من التَّظَنِّي وَدَارَ الحق من دار الغًرور ولأبي العتاهيةالعتاهية: وَليس مِن مَنزلٍ يَأْوِيه ذو نَفَس إلا وَللمَوْتِ سَيْفٌ فيه مَسْلُولُ وله أيضاًأيضاً: وله أيضاًأيضاً: أُؤمِّل أَنْ أخَلَّدَ والمَنايَا يَثِبْنَ عَليّ من كلِّ النًوَاحِي وما أدْرِي إِذا أمسيت حَيّاً لعَلِّي لا أعِيشُ إلى الصَّبَاح وقال الغَزّالالغَزّال: أصبَحْتُ والله مَجْهُوداً على أمَلٍ مِنَ الحيَاة قَصِير غير مُمْتَدِّ وما أفارقً يوماً مَنْ أُفَارِقُه إِلا حَسِبْتُ فِرَاقي آخرَ اَلعَهْد انظرُ إليّ إذا أدرِجْتُ في كَفَنِي وانْظُرِ إليّ إذَا أدْرِجْت في اللِّحْد وأقعدْ قليلاً وعاينْ مَنْ يُقِيم معي ممن يُشيَعُ نَعْشي من ذَوِي وُدِّي هَيهات كلُّهُمُ في شَأْنِهِ لَعِبٌ يَرْمي الترابَ ويَحْثُوهُ على خَدِّي وقال أبو العتاهيةالعتاهية: نَعى لك ظلَّ الشًبَاب المَشِيبُ ونادتْكَ باسمٍ سِوَاكَ الخُطُوبُ فكُن مستَعِدّاَ لرَيْب المَنُون فإنَّ الذي هو آتٍ قريب وقَبْلَك داوى الطبيب المَرِيض فعاش المَرِيضُ ومات الطَّبِيب أخَيَّ ادخرْ مهما أستطع تَ ليَوم بَؤْسِكَ وافتقارِكْ فَلْتَنزلنّ بمَنْزِلٍ تَحْتاجُ فيه إلى ادّخارِك وقال أبو الأسود الدُّؤليّالدُّؤليّ: أيُّها الأملُ ما ليسَ لَه ربما غَر ّسفيهاً أَمَلهْ رُبَّ من بات يُمَنَي نفسَه حالَ مِن دون مُنَاه أَجَلُه والفَتَى المُحتَال فيما نابَه ربما ضَاقَتْ عليه حِيَلُه قُلْ لمن مَثَّلَ في أشعَاره يَهْلِكُ المرء ويَبْقَى مَثَلُه نافِس المُحْسنَ في إحْسانهِ فَسَيَكْفيِك سَناء عَمَله وقال عدِيّ بن زيد العِبَاديّالعِبَاديّ: أين كِسْرَى كِسرَى المُلوك أنوشر وَانَ أَمْ أيْن قبْلَه سابُورُ وبَنُو الأصفَر الكِرَام مُلُوك الرُّ وم لٍم يَبْق منهمُ مَذْكوُر وأخُو الحَصْرَ إذ بَناه وإذ دِجْ لةُ تجْبَي إليه والخَابُور شادَهُ مَرْمَراً وجَلَّلَه كلس ساً فللطيْر في ذَرَآه وُكُورُ سَرًهُ مالُهُ وكثْرةُ ما يم لكُ والبحرُ مُعْرضاً والسَّدِير فارْعوَي قلبُه وقال فما غِب طة حَيٍّ إلى المَمَات يَصِير ثم بعد الفَلاح والمُلك والنِّع مة وارتهُمُ هُنَاكَ القًبُور ثم صارُوا كأنهُم وَرَقٌ جَفَّ فأَلوَت به الصَّبَا والدَّبور وقال حُرَيث بن جَبلة العُذْريالعُذْري: يا قلبُ إنّكَ في الأحْيَاء مَغرُورُ فاذكُر وهَل يَنْفَعَنَكَ اليومَ تَذْكِير حتى متَىِ أنتَ فيها مُدْنَفٌ وَلهٌ لا يَسْتفِزًنْكَ منها البُدَن الحُور قد بُحت بالجَهْل لا تُخْفيهِ عن أحَدٍ حتى جرَتْ بك أَطلاقاً محاضير ترِيد أمراً فما تَدْري أعاجِلُه خيرٌ لِنَفْسِك أم ما فيه تأخِير فاستَقْدِرْ الله خَيْراً وارضين به فبينما العُسْرُ إذ دارتْ مَيَاسير وبينما المرءُ في الأحْيَاء مُغْتَبطٌ إذ صار في الرمس تَعْفُوهُ الأعاصِير حتى كأنْ لم يَكُنْ إلاّ توهّمه والدَّهر في كل حالَيْه دَهَارِير قولهم في الطاعون قال أبو عُبيدة بن الجرّاح لعمر بن الخطّاب رضوانُ الله عليه لمّا بلغه أنَّ الطاعونَ وَقَع في الشام فانصرف بالناسبالناس: أفرَاراً من قَدَرِ الله يا أميرَ المؤمنين قال عمرعمر: لو غيرك قالها يا أبا عُبيدة نعم نَفِرُّ من قدرِ الله إلى قدَر الله أرأَيت لو أنَّ لك إبلاً هَبَطْتَ بها وادياً له جِهتان إحداهما خَصِيبة والأخرى جَدِيبة أليسَ لو رعيتَ الخصيبة رعيتَها بقَدَر الله ولو رعيتَ الجديبة رعيتَها بقدَر الله وكان عبدُ الرحمن بن عَوْف غائباً فأَقبل فقالفقال: عِنْدي في هذا عِلْمٌ سمعتُه من رسول الله {{صل}} قالقال: إذا سمعتم به في أرض فلا تَقْدَموا عليها وإذا وَقع في أرض وأَنتم بها فلا تَخْرُجوا فِرَاراً منهمنه.
فَحَمِد الله عُمر ثم انصرَف بالناسبالناس.
وقيل للوليد بن عبد الملك حين فرَّ من الطاعونالطاعون: يا أميرَ المؤمنين إنَّ الله تعالى يقوليقول: " قل لَنْ يَنْفَعَكم الفِرَارُ إن فَرَرْتُم مِنَ المَوْتِ أَو القَتْل وإذَا لا تُمَتَّعُونَ إِلاّ قليلا ".
قالقال: ذلك القليلَ نَطْلُبنَطْلُب.
العُتْبيّ قالقال: وَقع الطاعونُ بالكُوفة فخرج صدِيق لِشُرَيح إلى النَّجَف فكتب إليه شُرَيحشُرَيح: أما بعد فإنَ المَوْضع الذي هرَبْتَ منه لم يَسُق إلى أجلك تَمامَه ولم يَسْلُبْه أيّامَه وإنّ الموضع الذي صرت إليه لَبِعين مَنْ لا يُعجزه طَلَب ولا يَفُوتُه هرَب وأنا وإيّاك على بِسَاط مَلِك وإنّ النَّجَف لما وَقع الطاعون الجارفُ أطاف الناسُ بالحُسين فقالفقال: ما أحسنَ ما صنع بكم ربُّكم أَقْلَع مُذْنِبٌ وأَنْفَقَ مًمْسكمًمْسك.
وخرج أعرابيّ هارباً من الطاعون فَلَدغَتْه أفْعى في طريقه فمات فقال أَخُوه يَرْثيهيَرْثيه: طافَ يَبْغِي نَجْوَةً من هَلاكٍ فَهلَكْ لَيْت شِعْري ضَلّةَ أيًّ شيءٍ قَتَلك أَجُحَاف سائلٌ من جِبالٍ حَمَلك والمَنَايا راصِدَات للفتى حيثُ سَلَك كلُّ شيءٍ قاتِل حين تَلْقى أجَلك حُكِيَ أن ماء المطر اتصل في وقت من الأوقات فَقَطع الحسنَ بن وَهْب عن لقاء محمد بن عبد الملك الزيّات فكتب إليه الحسنالحسن: يُوضِّح العذْرَ في تَراخي الِّلقَاءِ ما توالى مِن هذه الأنْوَاءِ فَسَلامُ الإله أهْدِيه منِّي كُل يوم لسيِّد الوزراءِ لستُ ادري ماذا أَذُمُ وأَشْكو من سَماءٍ تعُوقني عن سَماءِ غَيْرَ أَنِّي أدْعُو لهاتِيك بالثُّك ل وأدْعُو لهِذِه بالبَقاءِ أحْسَنُ مِنْ تِسْعِينَ بَيْتاً سُدىً جٍمْعُكَ معناهنَّ في بَيْتِ ما أحْوَجَ الناسَ إلى مَطْرَةٍ تزيلُ عنهم وَضَرَ الزّيتِ فبلغ قولُه محمداً فقالفقال: يا أيُّها المأْفُون رَأْياً لقَدْ عرِّضْت لي نَفْسَك للْمَوْتِ قَيًرْتُم المُلْكَ فلم نُنْقِهِ حتى قلَعْنا القارَ بالزَّيت الزيت لا يزري بأَحْسَابنا أَحْسَابنا مَعْروفة البَيْت وقيل لابن أبي دواددواد: لم لا تسأَل حوائجك الخليفةَ بحَضْرة محمد بن عبد الملك فقالفقال: لا أُحب أن أُعْلِمَه شأْنيشأْني.
وقد حدّث أبو القاسم جَعْفَر أن محمداً الحَسَنيّ قالقال: أخبرنا محمد بن زكريا الغَلاَبيّ قالقال: حدثنا محمد بن نجيع النُّوبَخْتي قالقال: حدثنا يحيى أن سُليمان قالقال: حدثني أبي وكان ممن لَحِقَ الصحابة قالقال: دخلت الكوفة فإذا أنا برجل يُحدِّث الناس فقلتفقلت: من هذا قالواقالوا: بَكْر بن الطِّرِمّاح فسمعتُه يقوليقول: سمعتُ زَيد بن حُسَينْ يقوليقول: لما قُتِل أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبى طالب عليه السلام أتى بنَعْيه إلى المدينة كُلْثوم بن عَمْرو فكانت تلك الساعة التي أتيَ فيها بنَعْيه أشْبَه بالساعة التي قُبضَ فيها رسول الله {{صل}} من باكٍ وباكِية وصارخ وصاَرخَةٍ حتى إذا هَدأت عَبْرَة البُكاء عن الناس قال أصحاب رسول الله {{صل}}: تعالوا حتى نَذْهبَ إلى عائشة زَوْج النبي {{صل}} فَنَنْظًرَ حُزْنَها على ابن عمِّ رسول الله {{صل}}.
فقام الناسُ جميعاً حتى أتَوْا منزلَ عائشة رضي اللهّ عنها فاستأذنوا عليها فوَجَدوا الخبرَ قد سبق إليها وإذا هي في غَمْرَة الأحْزَان وعَبْرَة الأشجان ما تفتر عن البكاء والنَّحيب منذ وَقْتِ سَمِعَتْ بخَبرهبخَبره.
فلما نَظَرَ الناسُ إلى ذلك منها انصرفواانصرفوا.
فلما كان من غدٍ قيل إنها غَدَتْ إلى قبْرِ رسول الله {{صل}} فلم يَبْق في المَسْجد أحدٌ من المهاجرين إلا استَقْبلها يُسلّم عليها وهي لا تُسَلِم ولا تَرُدّ ولا تُطِيق الكلامَ من غَزَارة الدَّمعة وغَمْرَة العَبرَة تَتخنق بعَبْرَتها وتتعَثر في أثوابها والناسُ من خَلْفها حتى أتت إلى الحُجْرةِ فأخذت بِعضَادة الباب ثم قالتقالت: السلامُ عليك يا نبيّ الهُدَى السلامُ عليك يا أبا القاسم السلام عليك يا رسول الله وعلى صاحبَيْكصاحبَيْك.
يا رسول الله أنا ناعيةٌ إليك أحظَى أحْبَابك ذاكرةٌ لك أكرمَ أودّائك عليكعليك.
قُتل والله حبيبُك المُجْتَبَى وصَفِيك المُرْتَضىالمُرْتَضى.
قُتِل والله مَن زوَجته خيرَ النِّساءالنِّساء.
قُتِل والله من آمَن ووَفى وإني لنادِبة ثَكْلَى وعليه باكيةٌ حرىحرى.
فلو كُشِف عنك الثرى لقلتَلقلتَ: إنّه قُتل أكرمهم عليك وأحظاهم لديكلديك.
ولو قُدِّر أن نَتَجَنَّب العِدَاء ما كان تعرَّضت له منذ اليوم والله يجري الُأمور على السَّدادالسَّداد.
قال المبرّدالمبرّد: عزّى أحمد بن يوسف الكاتب ولدَ الرَّبيع فقالفقال: عُظِّمَ أجركم ورحم الله فقيدكم وجعل لكم من وَراء مُصيبتكم حالاً تجمع شَمْلكم وتَلُمّ شَعَثَكم ولا تُفَرِّق مَلأكممَلأكم.
وقيل لأعرابية مات لها بَنُون عِدّةعِدّة: ما فعل بنوك قالتقالت: أكلَهم دهْرٌ لا يَشْبعيَشْبع.
وعزَى رجل الرشيدَ فقالفقال: يا أمير المؤمنين كان لك الأجر لا بك وكان العزاء لك لاعَنكلاعَنك.
ومما رُوى أن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما نُعيت إليه ابنتُه وهو في السفَر فاسترْجع ثم قالقال: عَوْرَةٌ سترَها اللهّ ومَؤونة كَفاها الله وأَجْرٌ ساقَه اللهالله.
وقالَ أُسَامة بن زَيد رضي الله عنهماعنهما: لمّا عُزِّي رسولُ الله {{صل}} بابنته رُقيَّة قالقال: الحمد لله دَفْن البنات من المَكْرُماتالمَكْرُمات.
وفي روايةرواية: من المكرُمات دفن البناتالبنات.
وقال الغَزَّالالغَزَّال: ماتت ابنة لبعض مُلوك كِنْدة فَوَضَعَ بين يديه بَدْرَةً من الذهب وقالوقال: مَنْ أبلغ في التَّعزية فهي لهله.
فدخل عليه أَعرابيّ فقالفقال: أعظم الله أجرَ الملك كُفِيتَ المؤونة وَسُتِرتَ العَورة ونعمَ الصِّهْر القَبرالقَبر.
فقال له الملكالملك: أبلغْتَ وأوْجَزْت وَأَعْطَاهُ البَدْرَةالبَدْرَة.
من أحب الموت ومن كرهه في بعض الأحاديثالأحاديث: لا يَتمَنَّى أحدُكم الموتَ فعسى أن يكون مُحْسناً فيزداد في إحسانه أو يكون مُسِيئاً فينْزع عن إساءَتهإساءَته.
وقد جاء في الحديثالحديث: يقول الله تَبارك وتعالىوتعالى: إذا أَحَبَّ عَبْدي لِقائي أحْبَبْتُ لِقاءه وإذا كَرِه لِقائي كَرِهْت لقاءهلقاءه.
وليس معنى هذا الحديث حُبَّ المَوْتِ وَكَرَاهِيَتَه ولكن مَعناهمَعناه: من أحبَّ اللهّ أحبَّه الله ومن كَرِه اللهّ كَرِهَه اللهالله.
وقال أبو هُرَيرةهُرَيرة: كَرِه الناسُ ثلاثاً وأَحْبَبتُهنّوأَحْبَبتُهنّ: كَرهوا المرَض وأحببتهُ وكَرهوا الفقرَ وأحببتهُ وكَرِهوا الموتَ وأحببتهُوأحببتهُ.
عبد الأعلى بن حمّاد قالقال: دَخَلْنا على بِشر بن مَنْصور وهو في المَوْت وإذا هو من السُّرور في أمرٍ عَظِيمعَظِيم.
فقلنا لهله: ما هذا السُّرور قالقال: سُبْحان اللهالله! أخرُج من بين الظَّالمين والحاسدين والمَغْتابين والباغِين وأَقْدَمُ عَلَى أرْحَم الرَّاحمين ولا أُسَرّأُسَرّ! ودخل الوليدُ بن عبد الملك المسجدَ فَخَرَج كلًّ من كان فيه إلاّ شيخاً قد حَنَاه الكِبَر فأرادًوا أن يُخْرِجُوه فأشار إليهم أن دَعُوا الشيخ ثم مضىَ حتى وَقف عليه فقال لهله: يا شيخُ تًحِبُّ المَوْت قالقال: لا يا أميرَ المؤمنين ذَهَبَ الشَّبَاب وشَرُّه وَأتى الكِبر وخيْرُه فإذا قمتُ حَمِدْتُ الله وإذا قعدتُ ذكرتُه فأنا أُحِب أن تَدُوم لي هاتان الخَلَّتانالخَلَّتان.
قال عبد الله بن عمرعمر: جاء رجل إلى رسول الله {{صل}} فقالفقال: يا رسول الله مالي لا أُحِبًّ الموت قالقال: هل لك مال قالقال: نعم قالقال: فقدِّمه بين يديك قالقال: لا أطِيق ذلك فقال النبي عليه الصلاة والسلاموالسلام: إن المَرْء مع مالِه إن قدّمه أحبَّ أن يَلْحَقَه وَإِنْ أَخَرَّه أحبَّ أن يتخلّفَ معهمعه.
وقالٍ الشاعر في كراهية الموتالموت: لا والَّذِي مَنَعَ الأبصَارَ رُؤْيَتَه ما يَشْتَهِي الموتَ عِنْدِي من له أدَبُ وقالت الحكماءالحكماء: الموت كريهٌكريهٌ.
وقالواوقالوا: أشدُّ من الموت ما إذا نزلَ بك أحببتَ له الموتَ وأطيبُ من العَيش ما إذا فارقتَه أبغضتَ له العِيشالعِيش.
===التهجد ===
المغِيرة بن شُعْبة قالقال: قام النبي {{صل}} حتى وَرِمت قَدَماهقَدَماه.
وقيل للحَسَنللحَسَن: ما بال المتهجِّدِين أحسن الناس وجوهاً قالقال: إنَّهم خَلَوْا بالرَّحمن فأسفر نورُهمِ من نُورِهنُورِه.
وكان بعضهم يصلِّي الليلَ حتَى إذا نظرَ إلى الفَجْر قالقال: عند الصباح يحْمَدُ القومُ السُرَىالسُرَى.
وقالواوقالوا: الشِّتَاءُ ربيعُ المؤمنين يطولُ ليلُهم لِلقِيام ويَقْصُر نهارُهم للصيامللصيام.
وقال النبي {{صل}}: أطْعِموا الطَّعام وأفْشوِا السلامَ وصَلُّووصَلُّو! بالليل والناسُ نِيَامنِيَام.
وقال الله تبارك وتعالىوتعالى: " وبالأسْحَارِ هُمْ يَسْتغْفِرُون ".
وهذا يُوَافق الحديثَ الذي رَوَاه أبو هُرَيرة عن النبي {{صل}}: إن الله تبارك وتعالى يَنْزِل إلى سماءِ الدُّنيا في الثُّلث الأخير من اللَّيل فيقولفيقول: هل من سائلٍ فأعْطِيَه هل من دَاعٍ فأسْتَجيبَ له هل من مُسْتَغْفِر فأغْفِرَ له هل من مُسْتَغيث فأغِيثه أبو عَوَانة عن المغيرة قالقال: قلتُ لإبراهيم النَّخَعيّالنَّخَعيّ: ما تقولُ في البكاء من خشية الله عز وجل قال النبي {{صل}}: حَرَّم اللهّ عَلَى النار كلَّ عَين تَبْكي من خَشْيَة اللهّ وكلَّ عَيْنِ غُصَّت عن محارم اللهالله.
وكان يزيد الرَّقاشي قد بكىَ حتى سقطت أشفارُ عينيهعينيه.
وقيلَ لغالب بن عبد اللهالله: أمَا تخاف على عَيْنَيْك من العَمَى من طُول البُكاء فقالفقال: شِفَاءَها أرِيدأرِيد.
وقيل ليزيدَ بن مَزْيدمَزْيد: ما بالُ عَيْنك لا تَجفّ قالقال: أيْ أخي إن الله أوعدني إنْ عَصَيْتُه أن يَحْبِسَني في النار ولو أوْعدني أنَ يَحْبسني في الحمَّام لكنتُ حَرِيًّا أن لا تَجِفّ عينيعيني.
وقالوقال: عمر بن ذَرّ لأبيهلأبيه: مالَك إذا تكلَّمتَ أَبْكَيْتَ النّاسَ فإذا تكلَّم غيرُك لم يُبْكِهم قالقال: يا بني ليست النائحة الثَّكْلَى مثلَ النائحة المُسْتَأْجَرَةالمُسْتَأْجَرَة.
وقال اللهّ لنبيّ من أنبيائهأنبيائه: هَبْ لي من قلْبِك الخًشوع ومن عَيْنَيك الدُّموع ثم ادعني أسْتَجِبَ لكلك.
ومن قولنا في البكاء " من خشية الله تعالى ": مَدَامِعٌ قد خَدَّدَتْ في الخُدُود وأعينٌ مَكْحولة بالهُجُودِ وَمَعْشرٌ أوْعدهم رَبُّهم فَبَادَروا خَشْيَة ذاك الوعيد فَهُم عُكًوفٌ في مَحاريبهم يَبْكون من خَوْفِ عِقاب المَجِيدِ وقال قيسُ بن الأصم في هذا المعنىالمعنى: صلَّى الإله عَلَى قَوْمٍ شَهِدْتُهُمُ كانوا إذا ذَكَرُوا أو ذُكِّرُوا شَهقُوا كانوا إِذا ذَكَرُوا نارَ الجحيم بَكوْا وَإِنْ تَلاَ بعضُهم تَخْوِيفها صعقوا من غير هَمْزٍ من الشّيطان يأخذهم عِند التِّلاوة إلا الخَوْف والشَفَق صَرْعى من الحُزن قد سَجّوا ثِيابَهم بقيَّة الرُّوح في أوداجهم رَمَقُ حتى تَخَالهم لو كنت شاهِدَهم من شِدَّة الخَوْفِ والإشْفَاقِ قد زَهِقُوا النهي عن كثرة الضحك في الحديث المَرْفوعالمَرْفوع: كثرةُ الضَّحك تُميت القلب وتُذْهِب بَهاء المُؤمنالمُؤمن.
وفيهوفيه: لو علمتُمْ لَبَكَيْتُمْ كثيراً وضَحِكْتُمْ قَلِيلاًقَلِيلاً.
وفيهوفيه: إِنّ الله يكره لكم العَبثَ في الصلاة والرَّفَث في الصِّيام والضَّحِك في الجنائزالجنائز.
ومرَّ الحسنُ بقومٍ يَضْحكون في شَهْر رَمضان فقالفقال: يا قوم إنّ الله جعل رمضان مِضْماراً لِخَلْقِه يَتسَابقون فيه إلى رَحْمتِه فَسَبَق أقوامٌ ففازُوا وتخلَّف أقوامٌ فَخَابوا فالعَجب من الضاحِكِ اللاّهي في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المتخلِّفون أما والله لو كُشِف الغِطاء لَشَغَلَ مُحْسِناً إحسانُه ومُسِيئاً إساءتُهإساءتُه.
ونظر عبد الله إلى رجل يضحك مُسْتَغْرِقاً فقال لهله: أتضحك ولعلّ أكفانَك قد أخِذَت من " عند " القَصَّارالقَصَّار.
وقال الشاعرالشاعر: وكم مِنْ فتًى يُمْسي ويًصْبِحُ آمِناً وقد نُسِجَتْ أكْفَانُه وهو لا يَدْرِي النهي عن خدمة السلطان وإتيان الملوك " لقى أبو جعفر سفيانَ الثوريّ في الطواف فقالفقال: ما الذي يمنعك أبا عبد الله أن تأتينا قالقال: إن الله نهانا عنكم فقالفقال: " وَلاَ تَرْكَنُوا إلى الذين ظَلَمُوا فَتَمَسَّكم النارالنار".
وقدِمَ هِشامُ بن عبد الملك المدينة لزيارة القَبر فدخل عليه أبو حازم الأعرج فقالفقال: ما يمنعك أبا حازم أن تأتينا فقالفقال: وما أصنع بإتيانك يا أمير المؤمنين إن أدْنيتني فَتَنْتَني وإن أقصيتني أخزَيْتني وليس عندي ما أخافك عليه ولا عندك ما أرجوك له ".
قال عمرُ بنُ الخطّاب رضي الله عنهعنه: مَن دخل على المُلوك خَرج وهو ساخِطٌ على اللهالله.
أرسل أبو جعفر إلى سُفْيانَ فلما دَخل عليه قالقال: سَلني حاجتك أبا عبد الله قالقال: وتَقْضيها يا أمير المؤمنين قالقال: نعم قالقال: فإنّ حاجتي إليك أن لا تُرْسِل إليَّ حتى آتيك ولا تُعْطِيني شيئاً حتى أسألك ثم خرجخرج.
فقال أبو جعفرجعفر: أَلْقَيْنا الحَبَّ إلى العُلماء فلَقَطوا إلا ما كان من سُفيان الثَّوْرِي وقال زِيادٌ لأصحابهلأصحابه: مَنْ أغبطُ الناس عيشاً قالواقالوا: الأميُر وأصحابه قالقال: كلاّ إِنّ لأعْواد المنْبَر لَهَيْبةً ولقَرْع لِجَام البريد لَفَزْعة ولكنَّ أَغبطَ الناس عيشاً رجلٌ له دار يَسْكُنُها وزَوْجَة صالحة يأوي إليها في كَفَاف من عَيْش لا يَعْرفنا ولا نَعْرفه فإن عَرَفنا وعرفْناه أَفْسَدْنا " عليه " آخرته ودُنياه وقال الشاعرالشاعر: إِنَّ الملوك بلاءٌ حيثُما حَلُّوا فلا يَكُنْ لك في أكنافِهم ظِلُّ ماذا تُريد بقَوْمٍ إِنْ هُمُ غَضبُوا جارُوا عليك وإن أَرْضَيْتهم مَلُّوا فاسْتَغْنِ بالله عنَ إتْيَانهم أبداً إنّ الوُقوف على أبوابهم ذلُّ وقال آخرآخر: لا تصحبنَّ ذَوي السُّلطان في عَملٍِ تُصْبِح عَلَى وَجَلٍ تمسْي عَلَى وَجَل كُل الترابَ ولا تَعْملِ لهم عملاً فالشرُّ أَجْمَعُه في ذلك العَمَل وفي كتاب كليلة ودِمْنةودِمْنة: صاحبُ السلطان مثلُ راكب الأسد لا يَدْرِي متى يَهيجُ به فَيَقْتُلهفَيَقْتُله.
دخل مالكُ بنُ دِينار على رَجُل في السِّجن يَزوره فنظر إلى رجل جُنْديّ قد اتّكأ في رِجلَيه كُبُول قد قَرَنت بين سَاقَيْه وقد أتِي بسُفْرة كثيرة الألوان فدعا مالكَ بنَ دِينار إلى طَعامه فقال لهله: أخشى إن أكلتُ من طَعامك هذا أن يُطْرَح في رجليّ مثلُ كُبولك هذههذه.
وفي كتاب الهِنْدالهِنْد: السلطانُ مثلُ النار إن تباعدتَ عنها احتجتَ إليها وإن دنوتَ منها أحْرقَتكأحْرقَتك.
أيوب السِّخْتياني قالقال: طُلب أبو قِلابة لِقَضاء البَصْرة فهَرب منها إلى الشام فأقامَ حيناً ثم رَجعرَجع.
قال: أيوب.
قال: أيوب.
فقلتُ لهله: لو وَليتَ القَضاء وعَدلْت كان لك أجران فقال يا أيّوب إذا وقعِ السابحُ في البحر كَم عسى أَنْ يَسْبح وقِال بَقيّةبَقيّة: قال لي إبراهيمإبراهيم: يا بَقِيّة كن ذَنبا ولا تَكن رَأْسا فإنّ الرأسَ يهلك والذَّنب ينجوينجو.
ومن قولنا في خِدْمة السلطان وصُحبتهوصُحبته: تجَنَّب لِباس الخَزّ ِإنْ كنْت عاقلاً وَلا تَخْتَتِمْ يوماً بفَصِّ زَبَرْجَدِ ولا تتطيَّب بالغَوالي تَعَطُّرًا وَتَسْحَبَ أذْيَالَ المُلاَءِ المعضَّد وَلاَ تَتَخَيَّر صَيِّتَ النًعْل زَاهِيًا ولا تَتَصَّدر في الفِرَاش المُمَهَّد وكُنْ هَمَلاً في الناس أغْبَرَ شاعثاً تَرُوحُ وَتَغْدُو في إزارٍ وَبُرْجُد يَرَى جِلْد كَبْشٍ تحتَهُ كلما استوَى عليْه سِريراً فَوْقَ صَرْحٍ ممَرَّد ولا تَطْمَح العينَان منك إلى امرىءٍ له سَطَوَاتٌ باللِّسان وباليَد تراءَتْ له الدُّنيا بزِبْرج عَيْشِهِا وقادَتْ له الأطماع من غيره مقوَد فأسْمَنَ كَشَحَيْهِ وأهْزَلَ دِينه وَلم يَرتَقِب في اليوم عاقبةَ الغد فَيُرْحَم تاراتٍ وَبُحْسَدُ تارةً فذا شرُّ مَرْحُوم وَشرُّ مُحَسَّد القول في الملوك الأصمعِيّ قالقال: بَلغني أنت الحسن قالقال: يابن آدم أنتَ أسيرُ الجُوع صرَيع الشِّبع إنّ قوماَ لَبِسوا هذه المَطَارفَ العِتاق وِالعَمائم الرقاق وَوسَعوا دُورَهم وَضيَّقوا قُبورهم وأسْمَنوا دوابَّهم وأهزَلوا دِيَبهم يَتّكِىء أحدُهم على شِماله ويأكل " مِن " غير مالِه " فإذا أدركته الكِظّة " قالقال: يا جارية هاتي هاضُومَك ويلكويلك! وهل تَهْضم إلا دينَكدينَك.
يحيى بنُ يحيى قالقال: جَلسِ مالكٌ يوماً فأطرقَ مليّا ثم رَفع رأسَه فقالفقال: يا حَسْرةً على المُلوِك لأنهم تُركوا في نعِيم دُنياهم وماتُوا قبل أن يَموتوا حُزْناً على ما خلَفوا وجَزَعاً مما استقبلوااستقبلوا.
وقال الحسن وذُكِر عنده الملوكالملوك: أما إنّهم وإنْ هَمْلَجت بهم البِغال وأطافت بهم الرِّجال وتعاقبت لهم الأموال إنِّ ذُلَّ المَعْصِية في قُلوبهم أبَى الله إلا أن يُذِلَّ مَن عَصاهعَصاه.
الأصمعيًّ قالقال: خَطَب عبد الله بن الحسَن على مِنْبر البَصرة فأنشد على المِنبرالمِنبر: أينَ المُلوك التي عَن حَظِّها غَفِلت حتى سَقاها بِكأْس المَوْت ساقِيها بلاء المؤمن في الدنيا قال النبيُّ {{صل}}: المُؤمن كالخامَة من الزّرع تَمِيلٍ بها الرّيح مرة كذا ومرّة كذا والكافر كالأرْزَة المُجْذية حتى يكون انجعافُها مرِّةمرِّة.
ومعنى هذا الحديثالحديث: تردُد الرزايا على المؤمن وتجافِيها عن الكافر ليزدادَ إثماَإثماَ.
وقال وَهْب بنُ مُنَبِّهمُنَبِّه: قرأتُ في بعض الكُتبالكُتب: إني لأذودُ عبادي المخْلصين عن نَعيم الدُّنيا كما يَذُود الرَّاعي الشَّفِيقُ إبلَه عن مَوارد الهَلَكةالهَلَكة.
وقال الفًضيل ابن عِيَاضعِيَاض: ألا ترَوْنَ كيف يُزْوِي الله الدنيا عمن يُحب من خلْقه ويمرمرها عليه مرَّةً بالجوع ومرَّة بالعُرْي ومرَّة بالحاجة كما تصنع الأُمّ الشَّفيقة بولدها تَفْطِمه بالصًبْرِ مرَّة وبالحُضَض مرَّة وإنما تُريد بذلك ما هو خيرٌ لهله.
" وفي الحديثالحديث: إن النبي {{صل}} قالقال: أخبرني جبريل عن الله تبارك وتعالى أنه قالقال: ما ابتليتُ عَبْدي ببليّةببليّة! نفسه أو ماله أو ولده فتلقّاها بِصَبْر جميل إلا استحييت يوم القيامة أن أرفَع له ميزاناً أو أنشر له ديواناً ".
===كتمان البلاء إذا نزل===
قال النبيّ {{صل}}: من ابتلي ببَلاء فكَتَمَه ثلاثة أيام صَبْراً واحتساباً كان له أجرُ شهيدشهيد.
وسَمِع الفُضَيْل بن عِيَاض رجلاً يشْكو بلاء نَزَل به فقالفقال: يا هذا تشكو مَنْ يَرْحَمُك إلى من لا يَرْحمكيَرْحمك.
وقالوقال: مَن شكا مُصِيبةً نزَلت به فكأنما شَكا ربَّهربَّه.
وقال دُريد بن الصِّمة يَرْثي أخاه عبد الله بن الصِّمةالصِّمة: قليلَ التَّشَكِّي للمصائب ذاكرًا من اليوم أَعقابَ الأحادِيث في غَدِ وقال تأبَّطَ شرًّاشرًّا: قليلَ التشكِّي للمُلًمَ يصيبه كثيرَ النوَى شتى الهوى والمسالِكِ الشيبَانيّ قالقال: أخبرني صَديقٌ لي قالقال: سَمِعَني شُريح وأنا أشْتَكي بعضَ ما غمني إلى صديق " لي " فأخذ بيدي وقالوقال: يا بن أَخي إياك والشَّكْوى إلى غير الله فإنه لا يَخلو من تشكو إليه أن يكون صديقاً أو عدوًّا فأما الصديق فتخْزُنه ولا يَنْفعك وأما العدوّ فَيَشْمَت بك انظُر إلى عيني هذه - وأشار إلى إحدى عَينيه - فوالله ما أبصرت بها شخصاً ولا طريقاً منذُ خمسَ عشرةَ سنة وما أخبرتُ بها أحداَ إلى هذه الغاية أما سمعتَ قول العبد الصالحالصالح: " إنما أَشْكو بَثِّي وحُزْني إلى اللهّ " فاجعلْه مَشْكاك ومَفْزَعك عند كل نائبة تَنُوبك فإنه أكرمُ مَسْئول وأقربُ مدعوٍّ إليكإليك.
كتب عَقِيل إلى أخيه علي بن أبي طالب رضوانُ اللهّ عليهما يسألهُ عن حاله فكتب إليهإليه: عزيزٌ عليّ أنْ تُرَى بي كآبة فيَفْرَحَ وَاشٍ أَوْ يُسَاءَ حَبيب وكان ابن شُبْرمة إذا نزلتْ به نازلةٌ قالتقالت: سحابة " صَيْف عن قليل " تَقَشِّعتَقَشِّع.
وكان يُقاليُقال: أَرْبع من كُنوز الجنَّةالجنَّة: كِتْمان المُصيبة وكِتمان الصَّدقة وكِتمان الفاقة وكِتمان الوَجَعالوَجَع.
===القناعة===
قال النبي {{صل}}: من أصبح وأَمسى آمناً في سربه مُعَافي في بَدنه عنده قوتُ يومه كان كمن حِيزَتْ له الدُّنيا بحذافيرهابحذافيرها.
والسِّربوالسِّرب: المَسْلَك يقاليقال: فلان واسع السِّرب يعني المسلك والمذهبوالمذهب.
وقال قيسُ بيت عاصمعاصم: يا بَنيّبَنيّ: عليكمِ بحِفْظ المال فإنه مَنْبَهةٌ للكريم ويُسْتَغْنى به عن اللئيماللئيم.
وإياكم والمَسْألَة فَإنها آخِر كسْب الرَّجُلالرَّجُل.
وقال سعد ابن أبي وقّاص لابنهلابنه: يا بُني إذا طلبتَ الغِنَى فاطلبه بالقَناة فإِنها مالٌ لا يَنْفَد وإياك والطمعَ فإنه فقْر حاضر وعليك باليأْس فإِنك لا تَيْأَس من شيء قطُّ إلا أغناك اللهّ عنهعنه.
وقالواوقالوا: الغَنيُّ من استغنى بالله والفقيرُ ما افتقر إلى الناسالناس.
وقالواوقالوا: لا غِنى إلا غني النّفسالنّفس.
وقيلَ لأبي حازمحازم: ما مالُك قالقال: مالان الغِنَى بما في يدي عن الناس وَاليأسُ عما في أيدي الناسالناس.
وقيل لآخرلآخر: ما مالُك فقالفقال: التجمُل في الظاهر والقَصْد في الباطنالباطن.
وقال آخرآخر: لا بُد مما ليس منه بدّ اليَأْس حُرٌ والرجاءُ عَبْدُ وليس يُغْني الكَدَ إلا الجَدّالجَدّ.
وقالواوقالوا: ثمرةُ القناعة الرَّاحة وثمرةُ الحِرْص التعبالتعب.
وقال البُحْتريُّالبُحْتريُّ: إذا ما كان عندي قُوتُ يوم طَرَحْتُ الهمَّ عنّي يا سعيدُ ولم تَخْطرُ هُمِوم غدٍ ببالِيً لأنَ غَداً له رِزْقِّ جَدِيد وقال عُرْوَة بنُ أذَيْنَةأذَيْنَة: وقد عَلِمتُ وخَيرُ القَوْل أصْدَقُه بأنَ رِزْقِي وَإنْ لم يَأْتِ يَأْتيني أسْعى إليه فيعييني تطلبه ولو قَعَدْتُ أتاني لا يُعَنِّيني وَوَفد عُروة بن أذَينة على عبد الملك بن مَرْوَان في رجال من أهل المدينة فقال له عبد الملكالملك: أَلستَ القائلَ يا عُرْوَة أسْعى إليه فَيُعْييني تَطلبه فما أراك إلا قد سعيتَ له فخرج عنه عُروة وشَخص من فَوْرِه إلى المدينةالمدينة.
فأفتقده عبدُ الملك فقيل لهله: توجّه إلى المدينة فبَعث إليه بألف ديناردينار.
فلما أتاه الرسول قالقال: قُلْ لأمير المؤِمنينالمؤِمنين: الأمرُ على ما قلتُ قد سَعَيتُ له فأعياني تطلُّبه وقعدت عنه فأتاني لا يُعنينييُعنيني.
وقال النبي {{صل}}: إِنّ رُوح القُدس نَفَثَ في رُوعِيرُوعِي: إِنَّ نفساً لن تموت حتى تَسْتَوْفي رِزْقَهَا فاتَّقوا الله وأجملوا في الطَّلبالطَّلب.
وقالَ تعالى فيما حكى عن لُقمان الحكيمالحكيم: " يا بنيَّ إنّها إِنْ تَكُ مِثْقًالَ حًبّةٍ مِن خَرْدَلٍ فَتكُنْ في صَخْرَةٍ أوْ في السَّمَوَاتِ أوْ في الأرْض يَأْتِ بها الله إِنّ الله لَطيفٌ خبِير ".
وقال الحسنُالحسنُ: ابن آدمَ لستَ بسابقٍ أجلَك ولا ببالغٍ أمَلَك ولا مَغْلوب على رِزْقِكَ ولا بمرزوق ما ليس لك فعلامَ تَقْتل نفسَك وقال ابن عبد ربهربه: قد أخذتُ هذا المعنى فنظمتُه في شعر فقلتفقلت: لستُ بقاض أملِى ولا بعَادٍ أجَلي ولا بمَغْلُوب عَلَى الرًّزْ قِ الذي قُدِّرَ لَي ولا بِمُعطًىً رِزْقَ غَي ري بالشقا والعَمَلَ فليتَ شِعري ما الذي أدْخَلني في شُغُلي وقال آخرآخر: سيكون الذي قًضي غضب المرءُ أَمْ رَضي وقال محمودٌ الورَّاقالورَّاق: وقد كفل اللهّ الوَفي برزقه فلم يَرْضَ والإنسانُ فيه عجائب عليمٌ بأنّ الله مُوفٍ بوَعْده وفي قَلْبِه شَكٌّ على القَلْبِ دائب أبَى الجهل إلا أن يَضرُّ بعلْمِه فلم يُغنِ عَنْه عِلْمُه والتجارب وله أيضاًأيضاً: أتطلُبُ رِزْقَ اللهّ من عند غيْره وتُصْبِحُ من خوْفِ العواقِبِ آمنا وترْضى بعَرّافٍ وَإِنْ كان مُشرْكَاً ضَميناً ولا تَرْضى بربِّكَ ضامنا وقال أيضاًأيضاً: غِنىَ النَّفْس يغْنيها إذا كنْت قانِعاً وليسَ بمُغْنِيك الكثيرُ من الحِرْص وإنّ اعتقادَ الهمِّ للخير جامعٌ وقِلْةَ هَمِّ المَرْءِ تَدْعًو إلى النَّقص وله أيضاًأيضاً: مَن كان ذا مالٍ كثير وَلم يَقْنَعْ فَذَاك المُوسِرُ المعْسِرُ وكل من كان قَنُوعاًً وإن كان مقلاً فَهُو المكثر الفَقْرُ في النفْس وفيها الغِنىَ وفي غِنَى النَفس الغِنى الأكبر ومنْ قسِمَ الأرزاق بين عِباده وفَضّلَ بَعضَ النَّاس فيها على بعض فمن ظَنَّ أنّ الحِرْص فيها يَزيده فقُولًوا له يزداد في الطول والعَرْض وقال ابن أبي حازمحازم: ومًنْتَظِر للموت في كل ساعةٍ يَشِيدُ وَيِبْني دائباً ويُحَصِّن له حينَ تَبْلُوه حقيقةُ مُوقِنِ وأفعالُه أفْعَالُ مَن ليس يُوقِن عَيانٌ كإِنكارٍ وَكالجهْل عِلْمُهَ يَشُكّ به في كلِّ ما يتيقن وقال أيضاًأيضاً: اضرع إلى اللهّ لا تَضْرعَ إلى النَّاس واقْنَعْ بِيأسٍ فإنّ العِزَّ في اليَاس واستغنِ عن كل ذي قربى وذي رَحِم إنّ الغَنِيَّ مَنِ استغنى عن الناس وَله أيضاًأيضاً: فلا تَحْرِصَنّ فإنّ الأمور بكَفِّ الإله مقَاديرُها فليسَ بآتيك منْهيهاَ ولا قاصرٍ عنك مأمُورها وله أيضاًأيضاً: ما لما قد قَدَّرَ الل ه من الأمر مرد قد جرى بالشرِّ نَحْسٌ وجَرَى بالخير سعد وجرى الناسُ على جَر يهما قبل وبعد أَمِنوا الدهر وما للدَ هر والأيام عهد غالَهُم فآصطَلَم الجمْ ع وأفنى ما أعدوا إنّها الدنيا فلا تح فل بها جزرٌ ومد وقال الأضبَطُ بن قُرَيعقُرَيع: ارْضَ من الدهر ما أتاك به مَنْ يَرْضَ يوماً بعَيشِهِ نَفَعَهْ قد يَجْمع المال غيرُ آكله وَيأكلُ المالَ غيرُ مَنْ جَمَعه وقال مُسلم بن الوليدالوليد: لن يبطئ الأمرُ ما أمَلْتَ أوبتَه إذا أعَانَك فيه رِفْقُ مُتَّئِدِ والدَهْرُ آخِذُ ما أعطى مًكَدِّرُ ما أصْفي وَمُفْسِدُ ما أهْوَى له بيَد فلا يَغُرَّنْك من دهرٍ عَطيَّتُهُ فليس يترُكُ ما أعطى على أحد رَأتْ حولها النسوانَ يرفُلْنَ في الكُسَا مقَلَّدَةً أجيادُها بالقلائد يَسُرَكِ أني نِلْتُ ما نال جَعْفرٌ وما نال يحيى في الحياة ابن خالد وأنّ أمير المؤمنين أعضّني مُعَضهما بالمُرهفات الحدائد ذَرِيني تَجِئْني ميتتي مُطمَئنَّه ولم أتجشم هول تلك الموارد فإنّ الذي يَسْمو إلى الرتب العُلا سَيُرْمَى بألوان الدُّهى والمكايد وَجَدْتُ لَذَاذات الحياة مَشوبَةً بمُسْتودعات في بطون الأسَاوِد وقالوقال: حتّى متى أنا في حِلّ وتَرْحال وطُول شُغلٍ بإدْبار وإِقْبَال ونازح الدار ما ينفكُّ مُغتَرباً عن الأحَبِّة ما يَدْرُون ما حالي بِمَشْرق الأرض طوْراً ثم مَغْرِبَها لا يَخْطُر الموت من حِرْص على بالي ولوَ قَنعْتُ أتاني الرِّزْقُ في دَعَةٍ إنّ القُنُوع الغِنَى لا كثرةُ المال وقال عبدُ الله بن عباسعباس: القَناعة مال لا نَفَاد لهله.
وقال عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنهعنه: الرِّزق رِزْقانرِزْقان: فرِزْقٌ تطلبه ورِزْقٌ يطلبك فإن لم تأته أتاكأتاك.
وفي كتاب للهندللهند: لا ينبغي للمُلتمس أن يَلْتمس من العيش إلا الكفَافَ الذي به يَدْفع الحاجة عن نَفْسه وما سِوىَ ذلك إنما هو زيادة في تَعَبه وغَمِّهوغَمِّه.
ومن هذا قالت الحكماءالحكماء: أقلُّ الدنيا يَكْفي وأكثرُها لا يَكفييَكفي.
وقال أبو ذُؤَيبذُؤَيب: والنَّفْسُ راغبة إذَا رغبتها وإذا تُرَدُّ إلى قليل تَقْنَعُ وقال المسيح عليه السلامالسلام: عجباً منكم إنكم تعملون للدُّنيا وأنتم تُرزَقُون فيها بلا عمل ولا تَعْملون للآخرة و " أنتم " لا تُرْزَقون فيها إلا بالعملبالعمل.
وقال الحسنالحسن: عَيَرَت اليهود عيسى عليه السلام بالفَقْر فقالتفقالت: مِن الغِنَى أتيتمأتيتم.
أخذ هذا المعنى محمودٌ الورَّاق فقالفقال: يا عائبَ الفَقْرِ ألاَ تَزْدَجِر عَيْبُ الغِنَى أكثَرُ لو تَعْتَبِرْ من شرًف الفَقْر ومن فَضْله عَلَى الغِنَى إن صَحَ منك النظر أنك تَعْصى كي تنالَ الغِنَى وليس تَعصى الله كي تَفْتقِر سُفيان عن مُغيرة عن إبراهيم قالقال: كانوا يَكرِهون الطلب في أطارف الأرضالأرض.
وقال الأعمشالأعمش: أعطاني البُنَانيُّ مَضَارِبه أخرُج بها إلى ماهٍ فسألتُ إبراهيم فقال ليلي: ما كان يَطْلبون الدنَيا هذا الطلبالطلب.
وبين ماهٍ وبن الكوِفة عشرةُ أيامأيام.
الأصمعيُّ عن يُونس بن حَبيب قالقال: ليس دون الإيمان غِنًىِ ولا بعده فقْرفقْر.
قيل لخالد بن صَفْوانصَفْوان: ما أصْبرَك عَلَى هذا الثَوْب " الخَلَق قالقال: رُبَ وكتب حكيم إلى حكيم يشكو إليه دهرَهدهرَه: إنه ليس من أحد أنْصَفه زمانُه فتصرفت به الحالُ حسب استحقاقه وإنك لا تَرَى الناسَ إلا أحدَ رجلينرجلين: إمَا مُقدَّم أخّره حظه أو متأخِّر قدَّمَه جَدُّه فارضَ بالحال التِي أنت عليها وإن كانت دون أملك واستحقاقك اختياراً وإلا رضيت بها اضطراراَاضطراراَ.
وقيل للأحْنف بن قيسقيس: ما أصبرك على هذا الثوب " فقالفقال: أحقِ ما صُبِر عليه ما ليس إلى مُفارقته سَبيلسَبيل.
" قال الأصمعيُّالأصمعيُّ: رأيت أعرابيةَ ذات جمال تسأل بمنى فقلت لهالها: يا أمَة اللهّ تسألين ولك هذا الجمال قالتقالت: قدَرً الله فما أصنع قلتقلت: فمن أين معاشكم قالتقالت: هذا الحاج نَسْقيهم ونغسل ثيابهم قلتقلت: فإذا ذهب الحال فمن أين فنظرت إليّ وقالتوقالت: يا صَلْت الجبين لو كنّا نعيش من حيث نعلم ما عِشْنا ".
وقيل لرجلٍ من أهل المدينةالمدينة: ما أصْبرَك على الخُبْز والتَّمْر قالقال: ليتَهما صبرَا عليّعليّ.
الرضا بقضاء الله قالت الحُكماءالحُكماء: أصلُ الزُهد الرِّضا عن اللهالله.
وقال الفُضَيل بن عِياضعِياض: استَخيروا الله ولا تتخيروا عليه فرُبما اختار العبدُ أمرًا هلاَكُه فيهفيه.
وقالت الحكماءالحكماء: رُبَّ مَحْسود على رَخاء هو قد ينعِم الله بالبَلْوَى وإن عَظُمَت وَيبْتَلِى الله بَعْضَ القوم بالنِّعَم " وقال بعضُهمبعضُهم: خاطَبني أخٌ من إخواني وعاتبني في طلب الرُتب فأنشدتهفأنشدته: كم افتقرتُ فلم أَقْعُد على كَمَدِ وكم غَنِيتُ فلم أكبر على أحدِ إنَي آمرؤ هانت الدنيا عليّ فما أشتاق فيها إلى مال ولا وَلَدِ وقالواوقالوا: من طَلب فوق الكفاية رجع من الدَّهر إلى أبعد غاية ".
من قتر على نفسه وترك المال لوارثه زِياد عن مالك قالقال: مَن لم يَكًنْ فيه خَيْرٌ لنفسه لم يَكُنْ فيه خيرٌ لغيره لأنّ نفسَه أولَى الأَنْفُس كُلَها فإذا ضَيعها فهو لما سِوَاها أضْيَعِ ومن أحبَّ نفسَه حاطَها وأبقى عليها وتَجنَّب كل ما يَعيها أو يَنْقُصها فَجَنَّبها السَّرِقة مَخافةَ القَطْع والزِّنا مخافة الحَدّ والقَتْل خوفَ القِصاصالقِصاص.
علي بن داود الكاتِب قالقال: لما افتتح هارون الرشيدُ هِرَقْلة وأباحها ثلاثة أيّام وكان بِطْرِيقها الخارج عليه بَسِيل الرُّوميّ فنظر إليه الرَّشيدُ مُقْبِلاً على جِدَار فيه كتابة باليُونانية وهو يُطِيل النظَر فيه فدَعا به وقال لهله: ِ لمَ تركتَ النظرَ إلى الانتهاب والغَنيمة وأقبلت على هذا الجدار تنظر فيه فقالفقال: يا أمير المؤمنين قرأتُ في هذا الجدار كتابًا هو أحبُّ إليّ من هِرَقْلة وما فيها قال له الرَّشِيدالرَّشِيد: ما هو قالقال: بسم اللهّ المَلِكَ الحقِّ المُبينالمُبين.
ابن آدم غافِص الفُرْصة عند إسكانها وكِل الأمور إلى وَليِّها ولا تَحْمِل على قلبك هَمَّ يوم لم يأتِ بعدُ إِنْ يَكُن من أجَلِكَ يأْتِك الله بِرزْقك فيه ولا تَجعَلْ سَعْيَك في طلب المال أسوة بالمَغْرُورين فرُبَّ جامع لِبَعْل حَليلته واعلم أنّ تَقْتير المرء على نَفْسه هو تَوْفيرٌ منه على غيره فالسعيدُ من اتعظ بهذه الكلمات ولم يُضَيِّعهايُضَيِّعها.
قال له الرَّشيدالرَّشيد: أَعِدْ عليَّ يابَسِيل فأعادَها عليه حتى حَفِظهاحَفِظها.
وقال الحسنالحسن: ابن آدم أنتَ أسيرٌ في الدنيا رَضيتَ من لذّتها بما يَنْقضي ومن نَعِيمها بما يَمْضي ومن مُلْكها بما يَنْفد فلا تَجمْع الأوزار لِنَفْسك ولأهلك الأمْوال فإذا مِتّ حملتَ الأوزار إلى قَبْرك وتركتَ أموالَك لأهلكلأهلك.
أخذ أبو العتاهية هذا المعنى فقالفقال: أبْقَيْتَ مالَك مِيراثاً لوارِثه فليتَ شِعْرِيَ ما أبقى لك المالُ القومُ بَعدك في حالٍ تَسرُّهم فكيفَ بَعدهم دارت بك الحال مَلُّوا البُكاء فما يَبْكيك من أحد واستَحْكَم القِيلُ في الميراث والقَال وفي الحديث المرفوعالمرفوع: أشدّ الناس حَسْرَةً يوم القيامة رجلٌ كَسب مالاً من غير حِلِّه فدخلَ به النارَ وورَّثه مَن عَمِل فيه بطاعة اللهّ فَدَخل به الجنةالجنة.
وقيل لعبد الله بن عُمرعُمر: تُوُفي زَيدُ بن حارثة وترك مائة ألف قالقال: لكنّها لا تتركهتتركه.
ودَخل الحسن على عبد الله بن الأهتم يَعوده في مَرضه فرآه يُصَعِّد بصرَه في صُندوق في بَيْته ويُصَوَبه ثم التفت إلى الحسن فقالفقال: أبا سَعيد ما تقول في مائة ألف في هذا الصُّندوق لم أؤَدً منها زكاة ولم أصِل بها رحماً فقال لهله: ثَكِلَتْك أمكأمك! ولمن كنت تجمعها قالقال: لِرَوْعة الزمان وجَفْوة السلطان ومُكاثرة العشيرةالعشيرة.
ثم مات فشَهِد الحسنُ جِنازَته فلما فرَغ من دَفنه ضرَب بيده القَبْر ثم قالقال: انظرُوا إلى هذا أتاه شيطانُه فحَذّره رَوْعة زمانه وجفوة سُلطانه ومُكاثرة عشيرته عما استودعه الله واستعمره فيه انظُروا إليه يَخْرُج منها مَذْمُوماً مَدْحُوراًمَدْحُوراً.
ثم قالقال: أيها الوارث لا تُخْدَعَن كما خدِعَ صُوَيْحبك بالأمس أتاك هذا المالُ حَلالاً فلا يكونُ عليك وَبالا أتاك عَفْوًا صَفْوًا ممن كان له جَمُوعا مَنوعا من باطلٍ جَمَعه ومن حقٍّ مَنَعه قطع فيه لُجَج البِحار ومَفاوِز القِفار لم تَكْدَح فيه بَيمين ولم يَعْرِق لك فيه جَبِين إن يوم القيامة يومُ حَسْرَة وندامة وإن منِ أعظم الحَسَرَات غداً أن تَرى مالَك في ميزان غيرك فيالها حسرةً لا تُقال وتوبةَ لا تُنالتُنال.
لما حَضَرَتْ هِشامَ بن عبد الملك الوفاةُ نَظر إلى أهله يَبْكون عليه فقالفقال: جاد لكم هشام بالدًّنيا وجُدْتم له بالبُكاء وترك لكم ما جَمع وتركْتُمْ له ما عَمل ما أعظمَ مُنْقَلب هشام إن لم يَغْفر الله لهله! نقصان الخير وزيادة الشر عاصم بن حُميد عن مُعاذ بن جَبَل قالقال: إنكم لن تَرَوْا من الدنيا إلا بلاءً وفِتْنة ولا يزيد الأمر إلا شِدة ولا الأئِمّة إلا غِلَظا وما يأتيكم أمرٌ يَهُولًكم إلا حقّرَه ما بعدهبعده.
قال الشاعرالشاعر: الخَيرُ والشرُّ مُزْداد وُمنتقصٌ فالخير منتقص والشرُّ مُزدادُ وما أُسَائلُ عن قَوْم عرَفْتُهُمُ ذَوِي فَضَائلَ إلا قيل قد بادوا العزلة عن الناس قال النبي {{صل}}: استأنسوا بالوُحدة عن جُلساء السَّوءالسَّوء.
وقالوقال: إنَّ الإسلام بدأ غريباً ولا تقوم الساعةُ حتى يعود غريباً كما بدأبدأ.
وقال العتَّابيالعتَّابي: ما رأيتُ الراحةَ إلا مع الخَلْوَة ولا الأْنسَ إلا مع الوَحشةالوَحشة.
وقال النبي {{صل}}: خَيركم الأتْقياء الأصْفياء الذين إذا حضروا لم يُعْرَفوا وإذا غابُوا لم يُفْتقَدُوايُفْتقَدُوا.
وقالوقال: لا تَدَعوا حَظَّكم من العزلة فإنَّ العُزْلة لكم عبادةعبادة.
وقال لُقْمان لابنهلابنه: استعذ بالله من شِرار الناس وكُن من خِيَارهم على حذَرحذَر.
وقال إبراهيم بن أدْهمأدْهم: فِر من الناس فِرَارَك من الأسدالأسد.
وقيل لإبراهيم بن أدهمأدهم: ِ لمَ تَجْتنب ارضَ بالله صاحبَا وَذَرِ الناس جانِبَا " قَلِّب الناسَ كيفا شِئت تَجدْهم عَقارِبا " وكان محمد بن عبد الملك الزيَّات يأنَسُ بأهل البَلادة ويسْتوْحش من أهل الذكاء فسُئِلِ عن ذلك فقالفقال: مَئونة التحفُّظ شديدةشديدة.
وقال ابن مُحَيْريزمُحَيْريز: إن استطعتَ أن تعْرِف ولا تُعرَف وتَسأل ولا تُسأل وتمشي ولا يُمْشى إليك فافعلفافعل: وقال أيوب السخْتيانيالسخْتياني: ما أحب الله عبداً إلا أحب أن لا يُشْعَر بهبه.
وقيل للعتَّابيللعتَّابي: من تُجالس اليوم قالقال: من أبصُق في وجهه ولا يَغْضَب قيل لهله: ومَن هو قالقال: الحائط وقيل لِدِعْبل الشاعرالشاعر: ما الوَحْشة عندك قالقال: النظر إلى الناسِ ثم أنشأ يقوليقول: ما أكثر الناسَ لا بَلْ ما أَقلَّهم الله يَعْلَم أني لم أقُلْ فنَدَا إنِّي لأفْتَحُ عَيْني حين أفتَحُها على كَثير ولكن لا أرَى أحِدا وقال ابن أبيَ حازمحازم: طِبْ عن الإمْرة نفساً وارْضَ بالوَحْشَة أنساً ما عليها أَحدٌ يَسْ وى على الخِبْرة فَلْسَا وقال آخرآخر: صار َأَحلى الناس في الْع - ينْ إذا ما ذِيق مُرّا إعجاب الرجل بعلمه قال عمرُ بنُ الخطّابالخطّاب: ثلاثٌ مُهْلِكاتمُهْلِكات: شُحٌ مُطاع وهوًى مُتَّبع وإعجاب المَرْء بِنَفْسهبِنَفْسه.
وفي الحديثالحديث: خيرٌ من العُجْب بالطاعة أن لا تأتي طاعةًطاعةً.
وقالواوقالوا: ضاحكٌ مُعْترف بذَنْبه خيرٌ من باكٍ مُدِلّ على ربهربه.
وقالواوقالوا: سيّئة تُسيئك خيرٌ من حَسنة تُعْجِبكتُعْجِبك.
وقال الله تَبارك وتعالىوتعالى: " ألم تَرَ إلى الَذين يًزكَونَ أنْفُسَهم بَل الله يُزَكِّي مَنْ يشاء ".
وقال الحسنالحسن: ذمُ الرجل لنفسه في العَلاَنية مَدْحٌ لها في السريرةالسريرة.
وقالواوقالوا: مَن أظهر عَيْبَ نفسه فقد زَكاهازَكاها.
وقيلوقيل: أوحى اللهّ إلى عبده داودداود: يا داود خالِقِ الناسَ بأخلاقهم واحتجزْ الإيمان بيني وبينكوبينك.
وقال ثابت البُنَانِيّالبُنَانِيّ: دخلتُ على داود فقال ليلي: ما جاء بك قلتقلت: أزُورك قالقال: ومَن أنا حتى تزُورَني أمن العُبّاد أنا لا والله أم من الزهاد لا واللهوالله.
ثم أقبل على نَفسه يُوبّخها فقالفقال: كنتُ في الشًبيبة فاسقا ثم شِبْتُ فَصِرْتُ مرائياً والله إنّ المُرائي شرٌ من الفاسقالفاسق.
لقى عابدٌ عابداً فقال أحدُهما لصاحبهلصاحبه: والله إني أحبُّك في الله قالقال: والله لو اطلعت على سَريرتي لأبْغَضْتَني في اللهّاللهّ.
وقال مُعاوية بنُ أبي سُفيان لرجللرجل: مَن سيِّد قومك قالقال: أنا قالقال: لو كنتَ كذلك لم تَقُلهتَقُله.
وقال محمود الوراقالوراق: تَعْصى الإله وأنت تُظْهِر حُبَّه هذا مُحالٌ في القياس بَدِيعُ لو كنتَ تضمر حبه لأطعته إنّ المُحِبّ لمن أحَبَّ مُطِيع " في كل يوم يَبْتليك بِنِعْمةٍ منه وأنت لشكر ذاك مُضِيع " وقال أبو الأشَعثالأشَعث: دَخلنا على ابن سِيرين فوجدناه يُصلي فظَن أنا أعجبنا بصلاته " فأراد أن يَضع نفسه عندنا " فلما انفَتل منها التفت إلينا وقالوقال: كانت عندنا امرأة تضع يدها على فرجها وتقولوتقول: حاجتكم تحت يدييدي.
الرياء زيادٌ عن مالك قالقال: قال النبي {{صل}}: إياكم والشِّرْكَ الأصغر قالواقالوا: وما الشِّرك الأصغر يا رسول الله قالقال: الرِّياءالرِّياء.
وقال عبدُ الله ابن مسعودمسعود: سمعتُ النبي {{صل}} يقوليقول: لا رِياءَ ولا سمعة من سَمَع سَمَّع الله بهبه.
وقال {{صل}}: ما أسرًّ آمرؤٌ سريرةً إلا ألْبسه الله رِداءها إن خيراً فخير وإن شرًّا فشرفشر.
وقال لُقمان الحكيم لابنهلابنه: احذَر واحدةً هي أهلٌ للحذر قالقال: وما هي قالقال: إياك أن تُرِيَ الناسَ أنك تَخْشىَ اللهّ وقَلْبُكَ فاجرفاجر.
وفي الحديثالحديث: من أصلح سريرَته أصلح الله علانِيَتهعلانِيَته.
وقال الشاعرالشاعر: وإذا أظْهرتَ شيئاً حسناً فَلْيَكُن أحسَنَ منه ما تُسِرّ فَمُسِر الخير مَوْسومٌ به ومُسِرً الشرً مُوْسُوم بِشرّ صلّى أشعب فخفَّف الصلاة فقِيل لهله: ما أخفَّ صلاتَكصلاتَك! قالقال: إنه لم يُخالِطْها رِياءرِياء.
وصلى رجلٌ من المُرائين فقيل لهله: ما أحسنَ صلاَتكصلاَتك! فقالفقال: ومع ذلك إني صائمصائم.
وقال طاهرُ بنِ الحُسين لأبي عبد الله المَرْوزِيّالمَرْوزِيّ: كم لك منذُ نزلتَ بالعِراق قالقال: منذُ عشرين سنةَ وأنا أصوم الدهرَ منذ ثلاثين سنةسنة.
قالقال: أبا عبد الله سألتًك عن مسألة فأجبتني عن مسألتينمسألتين.
الأصمعيُ قالقال: أخبرني إبراهيمُ بن القَعقاع بن حَكيم قالقال: أمر عمر بن الخطاب لرجلٍ بِكيس فقال الرجُلالرجُل: آخُذ الخَيْط قال عمرعمر: ضَع الكِيسالكِيس.
قال رجل للحسن وكَتب عنده كِتاباًكِتاباً: أتجعلني في حِل من تُراب حائِطك قالقال: يا بن أخي وَرَعُك لا يُنْكريُنْكر.
وقال محمود الوراقالوراق: أظهرُوا للنَّاس دِيناً وعلى الدَينار دارُوا وله صامُوا وصلًّوا وله حَجوا وزَارُوا وقال مُساور الوَرَّاقالوَرَّاق: شمر ثِيابَك واستعدَ لقائلٍ واحككْ جَبينَك للقَضاء بثُوم وعليك بالغَنَوِيّ فاجْلِسْ عنده حتى تُصِيب وَديعة لِيَتيمَ وإذا دَخَلْتَ على الرَّبيع مُسلِّماً فاخصُص سَيابةَ منك بالتَّسليم وقالوقال: تصوَّفَ كَيْ يُقال له أمين وما يَعْني التَّصوفَ والأمانَهْ ولم يُرِد الإله به ولكنْ أراد به الطريقَ إلى الخيانهْ وقال الغَزّالالغَزّال: يقولُ لي القاضي مُعاذٌ مُشاوِراً ووَلّى آمرأً فيما يَرى من ذَوِي العَدْل قَعِيدَك ماذا تَحْسَب المرء فاعلاً فقلت وماذا يَفْعل الدَّبْر في النَّحْل يَدُقّ خَلاَياها ويَأْكُل شًهْدَها ويَترك للذِّبّان ما كان من فَضْل " وقال أبو عثمان المازنيّ لبعض من راءى فهتك الله عز وجل سِترهسِتره: بَينا أنا في تَوْبتي مُستَعْبِرا قد شَبًهوني بأبي دُوَاد وقال ابن أبي العتاهيةالعتاهية: أرسلني أبي إلى صُوفيّ قد قَيّر إحدى عينيه أسأله عن المعنى في ذلك فقالفقال: النَّظرُ إلى الدنيا بكلتا عينيّ إسرافإسراف.
قالقال: ثم بدا له في ذلك فاتصل الخبر بأبي فكتب إليهإليه: مُقَيرَ عينِه وَرَعَا أردتَ بذلك البِدَعا خَلَعْتَ وأخبثُ الثقلي ن صُوفي إذا خَلعا " يحيى بنُ عبد العزيز قالقال: حدَّثني نُعيم عن إسماعيل رجل من ولد أبي بكر الصدِّيق عن وَهْب بن مُنَبِّهمُنَبِّه.
قالقال: نَصب رجلٌ من بني إسرائيل فخًّا فجاءت عُصفورة فوقعت عليه فقالتفقالت: مالي أَراك مُنْحنياً قالقال: لكثرة صَلاتي انحنيتُ قالتقالت: فمالي أراك باديةً عِظامُك قالقال: لكثرة صِيامي بَدَت عِظامي قالتقالت: فمالي أرى هذا الصوف عليك قالقال: لِزَهادتي في الدُّنيا لَبِسْتُ الصُوف قالتقالت: فما هذه العصا عندك قال أتوكّا عليها وأقضي بها حوائجي قالتقالت: فما هذه الحبة في يَدِك قالقال: قُرْبان إنْ مرّ بي مِسْكين ناولتُه إياه قالتقالت: فإني مِسْكينة قالقال: فخُذيهافخُذيها.
فقَبَضت على الحبّة فإذا الفخ في عُنقها فجعلت تقولتقول: قَعِي قعِيقعِي.
قال الحسنالحسن: تَفْسيرهتَفْسيره.
لا غَرني ناسكٌ مُراءٍ بعدك أبداًأبداً.
{{العقد الفريد/الجزء الثاني}}
|