الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العقد الفريد/الجزء الثاني/28»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط تصنيف وقالب
 
سطر 1:
فجعل يَقْفِزِ صُلْبه ويهزُ كَتِفيه ثم التَبط بالأرض فقلتُ‏فقلتُ: مَعْتوه وربِّ الكعبة ثم ما بَرح مكانه حتى كان أغبط القوم عندي‏عندي.
ثم أرسلت إلينا النساء أن أمْتعونا من لَهْوكم فبَعثوا بهم إليهنَّ وبقيتْ الأصواتُ تَدور في آذاننا‏آذاننا.
وكان مَعنا في البيت شابّ لا آبه له فعَلَت الأصوات له بالدُّعاء فخرج فجاء بِخَشبة في يده عينُها في صَدْرها فيها خُيُوط أربعة فاستخرج من جوانبها عُوداً فوضَعه على آذنه ثم زَمّ الخيوط الظاهرة فلما أحْكمها عرَك أذنها فنطق فُوها فإذا هي أحسن قَيْنة رأيتُها قط فاستخفَّني حتى قُمتُ - من مجلسي فجلستُ إليه فقلتُ‏فقلتُ: بأبي أنتَ وأمّي ما هذه الدَّابة قال‏قال: يا أعرابيّ هذا البَرْبط قلت‏قلت: ما هذه الخُيُوط قال‏قال: أما الأسفل فزير والذي يَليه مثنى والذي يليه مثلث والذي يليه بَمّ فقلتُ‏فقلتُ: آمنت باللهّ‏باللهّ.
وقال أعرابيّ‏أعرابيّ: تَمْرنا خُرس فُطْس يغيب فيهنَ الضِّرْس كأنّ فاها ألسن الطَّير تقع التمرة منها في فيك فتجد حَلَاوَتها في كَعْبِك‏كَعْبِك.
وحضر أعرابيّ سُفْرة سُليمان بن عبد الملك فلما أتي بالفالوذج جَعَل يُسْرع فيه فقال سليمان‏سليمان: أتَدْري ما تأكْل يا أعرابي فقال‏فقال: بلى يا أمير المؤمنين إني لأجد رِيقاً هنيئاً ومُزْدَرَداً ليناً وأظنه الصراطَ المُستقيم الذي ذَكره الله في كتابه‏كتابه.
قال‏قال: فَضَحك سليمان وقال‏وقال: أريدك منه يا أعرابي فإنهم يذكرون أنّه يزيد في الدَماغ قال‏قال: كذَبوك يا أمير المؤمنين لو كان كذلك لكان رأسك مثلَ رأس البَغْل‏البَغْل.
قال‏قال: ومررت بأعرابي يأكل في رَمضان فقلت له‏له: ألا تَصُوم يا أعرابي فقال‏فقال: وصائمٍ هب يَلْحَاني فقلتُ له أعْمِد لِصَوْمِك واتْرُكْني وإفطاري واظمأ فإني سأرْوى ثم سوف تَرى من ذا يصير إذا مِتْنا إلى النار وحَضر سُفْرةَ سليمان أعرابيّ فنظر إلى شَعرة في لُقْمة الأعرابي فقال‏فقال: أرى شعرة في لُقْمتك يا أعرابي قال‏قال: وإنك لَتُراعيني مُرَاعاة من يُبْصِرُ الشَّعرة في لُقمتي واللهّ لا واكلتُك أبداً فقال اسْترها عليٌ يا أعرابي فإنها زلّة ولا أعود إلى مثلها أبداً‏أبداً.
===أخبار أبي مهدية الأعرابي ===
أبو عثمان المازني قال‏قال: قال أبو مَهْدئة‏مَهْدئة: بلغنيِ أن الأعراب والأعزاب هجاؤها واحد قلت‏قلت: نعم قال‏قال: فاقرأ الأعزاب أشدّ كُفْراً ونفاقاً ولا تقرأ‏تقرأ: الأعراب ولا يَغُرُّك العَزَب وإن صام وصلَّى‏وصلَّى.
وتُوفّي بُني لأبي مهدية صغير فقيل له‏له: أبشر أبا مَهدية فإنا نرجو أن يكون شَفِيع صِدْق يومَ القيامة قال‏قال: لا وَكلنا الله إلى شَفاعته إذاً والله يَكون أعيانا لساناً وأضعَفَنا حُجة ليته المِسْكينَ كَفَانا نَفْسه‏نَفْسه.
وقيل لأبي مهديّة‏مهديّة: أكُنتم تتوضئون بالبادية قال‏قال: نعم والله لقد كُنا نتوضّأ فتكفي التَوْضئة الرجل منّا الثلاثة الأيام والأربعة حتى دخلتْ علينا هذه الحمراء - يعني الموالي - فجعلت تُليق أستاهها كما تُلاق الدَّواة‏الدَّواة.
وقيل لأبي مَهديّة‏مَهديّة: أتقرأ من كتاب اللهّ تعالى شيئاً قال‏قال: نعمِ ثم افتتح يقرأ‏يقرأ: " والضُّحَى واللَيْل إذا سَجَى " حتى انتهى إلى " وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فهَدَى " فالتفت إلى صاحب له فقال‏فقال: إنَ هؤلاء العُلوج يقولون‏يقولون: وَوَجدك ضَالاً فهدى والله لا أقولها أبداً‏أبداً.
ولما أسَن أبو مهديّة وَلي جانباً من اليمامة وكان به قَوْمٌ من اليهود أهلُ عَطاء وجِدَة فأرسل إليهم فقال‏فقال: مَا عندكم في المَسِيح قالوا‏قالوا: قَتلناه وصَلَبْناه قال‏قال: فهل غَرِمْتُم دِيَته قالوا‏قالوا: لا قال‏قال: إذاً واللهّ لا تَبْرحوا حتى تَغْرموا دِيتَه فأرْضوه حتى كَف عنهم‏عنهم.
وقيل لأبي مهدية ما أصْبَرَكم معشرَ العرب على البَدْو قال‏قال: كيف لا يَصْبر على البدو مَن طعامُه الشمس وشرابه الرٌيح‏الرٌيح.
ونظر أبو مَهْديّة إلى رجل يسْتَنجي ويُكثر من الماء فقال له‏له: إلى كم تَغْسلها ويحك‏ويحك! أتريد أن تَشرَب فيها سَويقاً‏سَويقاً.
ومات طفل لأبي مهدية فقيل له‏له: اصبر يا أبا مهديّة فإنه فَرَط افترطته وخير قدَمته وذُخْر أحْرزته فقال‏فقال: بل وَلد دفنته وثُكل تُعجِّلته والله لئن لمِ أجْزع للنَّقص لا أفْرَح بالمَزيد‏بالمَزيد.
قال أبو عُبيدة‏عُبيدة: سمع أبو مَهْدِيَّة رجلاً يقول بالفارسيَّة‏بالفارسيَّة: ذود ذود فقال‏فقال: ما يقول هذا فقيل له‏له: يقول عَجِّل عَجِّل فقال‏فقال: أفلا يقول‏يقول: حَيّهَلاَ خبر أبي الزهراء المُعلى بن المُثَنَّى الشّيبانيّ قال‏قال: حَدّثنا سُويد بن مَنْجوف قال‏قال: أقبل أعرابيّ من بنى تميم حتى دخل الكوفة من ناحية جَيّانة السُّبيع تحته أتان له تَخُبّ وعليه ذلاذل وأطمار من سَحْق صُوف وقد اعتمّ بما يًشْبه ذلك من أشْوه الناس مَنْظراً وأقْبحهم شَكلاً وهو يَهْدر كما يَهْدر البعيرُ وهو يقوله‏يقوله: ألا سَبَد ألا لَبَد ألا مُؤْوٍ ألا سَعْديّ ألا يَربوعي ألا دارمي هَيهات هَيهات وما يُغْنى أصْلُ حَوْض الماء صادياً مُعَنّى قال سُويد‏سُويد: فَدَخل علينا في دَرْب الكُنَاسة فلم يجد مَنْفذاً وقد تَبعه صِبْيان كثيرون وسَواد من سَواد الحيّ فسمعتُ سوادياً يقول له‏له: يا عَماه يا إبليس متى أذن لك بالظِّهور فالتفت إليهم فقال‏فقال: منذ سَرَق آباؤكم وفَسَقت أمهاتكم‏أمهاتكم.
قال‏قال: وكانَ معنا أبو حمَاد الخيَّاط وكانَ من أطلب الناس لكلام الأعراب وأصبرهم على الإنفاق على أعرابي يدخل علينا وكان مع ذلك مَوْلى لبني تميمٍ فأتيتُه فأخبرته فخرج مبَادراً كأنّي قد أفدتُه فائدة عظيمة وقد نَزل الأعرابي عن الأتان واستند إلى بعض الحِيطان وأخذ قَوْسَه بيده فتارة يُشير بها إلى الصبيان وتارةً يَذُب بها الشَذا عن الأتان وهو يقول لأتانه‏لأتانه: قد كُنتِ بالأمْعَز في خِصْب خَصِبْ ما شِئْتِ من حَمْض وماء مُنْسَكِبْ فرَبُّكِ اليومَ ذليل قد نَصِب يَرَى وجوهاً حوله ما تُرْتَقب ولا عليها نُورُ إشراق الحَسَب كأنها الزَنج وعُبْدان العَرَب إلى عُجَيْل كان كالرَّغْل السرَّب ولو أمنْتُ اليومَ من هذا اللَجَبْ رَمَيْتُ أفواقاً قَوِيماتِ النصُب الريشُ أولاها وأخراها العَقَب قال‏قال: فلم يزل أبو حمّاد يُلْطِفه ويتَلطَف به ويُبخله إلى أن أدخله منزله فمهَّد له وحطَه عن أتانه ودعا بالعَلَف فجعل الأعرابيّ يقول‏يقول: أين اللَيف والنَّئِيف والوِساد والنِّجاد‏والنِّجاد.
يعني باللِّيف‏باللِّيف: الحَصير وبالنَّئِيف‏وبالنَّئِيف: عُشبَة عندهم يقال لها البُهْمَى‏البُهْمَى.
وبالوِساد‏وبالوِساد: جِلْد عَنْز يُسْلخ ولا يُشَق ويُحْشى وَبراً وشَعراً ويُتّكأ عليه وبالنِّجَاد مِسْح شَعر يستظل تحته‏تحته.
قال‏قال: فلما نَزَع القَتب عن إن تُنْحَضي أو تَدْبَرِي أو تَزْحَرِي فذاك من دُؤوب ليل مُسْهِرِ أنا أبو الزهراء من آل السري مُشَمَّخ الأنْفِ كريم العُنْصُرِ إذا أتيت خُطَة لم أفسَرِ وكان يُسَمى الأعرابيّ صَلَتان بن عَوْسجة من بني سَعْد بن دارم ويُكْنَى بأبي الزَهرِاء‏الزَهرِاء.
وما رأيتُ أعرابياً أعجبَ منه كان أكثر كلامه شِعْراً وأمْثَلَ أعرابي سمعتُه كلاماً إلا أنه ربما جاء باللَفظة بعد الأخرى لا نَفهمها وكان من أضْجَر الناس وأسْوأهم خُلقاً وإذا نحن سألناه عن الشيء قال رُدوا عليّ القَوس والأتان يظُنّ أنا نَتلاعب به وكُنّا نجتمع معه في مجلس أبي حمّاد وما مِنا إلا من يأتيه بما يشتهيه فلا يُعْجبه ذلك حتى أتيناه يوماً بخِرْبِز وكانت أمامه فلما أبصرها تأمّلها طويلاً وجعل يقول‏يقول.
بُدِّلْتً والدَهْرُ قديماً بَدّلَا من قَيْض بَيْض القفْر فَقْعاً حَنْظلا أخْبَثُ ما تُنْبت أرْضٌ مأكلا فكنا نقول له‏له: يا أبا الزًهراء إنه ليس بحَنْظَل ولكنه طعام هنيء مريء ونحن نَبْدؤك فيه إنْ شئتَ قال‏قال: فخُذوا منه حتىِ أرى‏أرى.
فبدأنا نأكل وهو يَنظر لا يَطْرف فلما رأى ذلك بَسَط يده فأخذ واحدةً فنزع أعلاها وقوَّر أسْفَلها فقُلنا لها‏لها: ما تُريد أن تَصْنع يا أبا الزهراء فقال‏فقال: إن كان السم يا بنِ أخي ففيما تَرَوْن‏تَرَوْن.
فلما طَعِمه استخفّه واستعذبه واستَحلاه فلم يكن يُؤْثِرُ عليه شيئاً وما كنا نأتيه بعدُ بغَيره وجَعل في خِلال ذلك يقول‏يقول: هذا طَعام طَيِّب يَلينُ في الجَوْف والحَلْق لهُ سُكُونُ الشَّهدُ والزّبد به مَعْجُونُ فلما كان إلى أيام قلتُ له‏له: يا أبا الزهراء هل لك في الحَمّام دال‏دال: وما الحمام يا بن أخي قلنا له‏له: دارٌ فيها أبيات حارّ وفاتر وبارد تكون في أيها شئت تُذْهب عنك قَشَفَ السَّفَر ويَسْقط عنك هذا الشَّعر‏الشَّعر.
قال‏قال: فلم نَزل به حتى أجابنا فأتينا به الحمَّام وأمرنا صاحب الحمّام أن لا يُدْخل علينا أحداً فَدَخل وهو خائف مترقّب لا يَنزع يده من يد أحدنا حتى صار في داخل الحمَّام فأمرنا مَن طَلاه بالنّورة وكان جِلْده أشْعَر كجِلد عَنْز فَقَلِق ونازَعَ للخُروج وبدأ شَعره يَسْقط فقلنا‏فقلنا: أحين طاب الحمَّام وبدأ شعرك يسقط تخرُج قال‏قال: يا بن أخي وهل بقي إلا أن أنْسَلخ كما يَنْسلخ الأديم في احتدام القَيْظ وجعل يقول‏يقول: وهل يَطيب الموتُ يا إخْواني هل لكُم في القَوْس والأتانِ خذُوهما مِنِّي بلا أثمان وخَلَصوا المًهْجَة يا صِبياني فاليومَ لو أبْصَرَني جيراني عُرْيان بل أعرَى من العرْيان قال‏قال: ثم خرج مُبادراً وأتْبعَه أحداثٌ لنا لولاهم لَخَرَج بحاله تلك ما يستره شيء ولحقناه في وَسط البيوت فأتيناه بماء بارد فشرب وصبَ على رأسه فارتاح واستراح وأنشأ يقول‏يقول: الحمدُ للمُستَحْمد القهار أنْقَذَني من حَر بيت النَّارِ إلى ظَليل ساكن الأوَار من بعد ما أيقنت بالدَمار قال‏قال: فدعونا بكُسوة غير كُسوته فألبسناه وأتينا به مجلس أبي حماد وكان أبو حَماد يبيع الحِنْطة والتمرِ وجميع الحبوب وكان يُجاوره قومٌ يَبيعون أنبِذَة التمر وكان أبو الحسن التمّار ماهراً فإذا خُضنا في النحو وذكرنا الرُّواسي والكِسائي وأبا زيد جعل يَنْظر بفقه الكلام ولا يفهم التأويل فقلنا له‏له: ما تقول يا أبا الزَّهْراء فقال‏فقال: يا بن أخي إن كلامكم هذا لا يسد عوزا مما تتعلمونه له فقال أبو الحسن‏الحسن: إن بهذا تعرف العرب صوابَها من خَطئها فقال له‏له: ثَكلْتَ وأثْكلت وهل تُخْطىء العرب قال‏قال: بلى قال‏قال: على أولئك لعنة الله وعلى الذين أعتَقوا مثلَك قال سُويد‏سُويد: وكنت أحدثَهم سنًّاً قالت‏قالت: فقلت‏فقلت: جُعِلت فداك أنا رجل من بني شَيْبان وربيعة ما نعلم أنِّا على مثل الذي أنتَ عليه من الإنكار عليهم فقال فيهم‏فيهم: يُسائلني بيَّاع تَمْرٍ وَجَرْدقٍ ومازِج أبْوَال له في إنائِه عن الرَّفع بعد الخَفْض لا زال خافضاً ونَصْب وجَزْم صِيغ من سُوء رائه فقال بهذا يُعْرَف النحْو كلُّه يرى أنّني في العُجْم من نُظرائه فأما تَميم أو سُلَيم وعامر ومَن حَل غَمْر الضَال أو في إزائه ففيهم وعنهم يُؤثر العلم كُلُّه ودَع عنك من لا يهتدي لخطائه فمن ذا الرُّؤاسيّ الذي تَذْكرونه ومن ذا الكِسَائي سالحٌ في كِسائه ومَن ثالثٌ لم أسمع الدهرَ باسمه يُسمونه من لُؤمه سيبوائه فكيف يُحيل القوم من كان أهلَه ويهْدِي له من ليس من أوْليائه فَلَستُ لبيَّاع التُّميرات مُغْضِياً على الضيم إن واقفتُ بعد عَشائه ولقد قلنا له‏له: يا أبا الزَّهراء هل قرأتَ من كتاب الله شيئاً قال‏قال: أي وأبيك آيات مُفَصلات أرَدِّدهن في الصَلوات أباء وأمهات وعمات وخالات ثم أنشأ يقول‏يقول: قرأتُ قَوْلَ الله في الكتاب ما أنزل الرحمنُ في الأحزاب لعُظم ما فيها من الثوَابِ الكُفْر والغِلْظة في الأعراب وأنا فاعلم من ذوي الألباب أومن بالله بلا ارتياب وجاحِم يَلْفح بالتهاب أوْجُه أهل الكُفْرو والتَّباب ودَفْع رَحْل الطارق المنتاب في ليلة ساكنة الكِلاب ولما أحضرناه ذات يومٍ جِنازة قلنا له‏له: يا أبا الزهراء كيف رأيت الكوفة فقال‏فقال: يا بن أخي حَضَراً حاضراً ومَحلاً أهلاً أنكرتُ من أفعالكم الأكيال والأوزان وشَكْل النِّسوان ثم نظر إلى الجبَّانة فقال‏فقال: ما هذه التِّلال يا بن أخي قلت له‏له: أجداثُ الموتى‏الموتى: فقال‏فقال: أماتوا أم قُتلوا فقلت‏فقلت: قد ماتوا بآجالهم مِيتات مخُتلفات قال‏قال: فماذا نَنْتظر نحن يا بن أخي قلت‏قلت: مثل الذي صاروا إليه فاستعبر وبَكى وجعل يقول‏يقول: يا لَهفَ نَفسي أنْ أموتَ في بَلَد قد غابَ عنِّي الأهْلُ فيه والوَلدْ وكل ذي رحْم شفيق مُعْتَقدْ يكون ما كنتُ سقيماً كالرمد يا ربّ يا ذا العرْش وَفِّق للرشدْ وَيسرِ الخيرَ لشيخ مُنْحَصِدْ ثم لم يَلْبث إلا يسيراً حتى أخذتْه الحُمَّى والبِرْسام فكنًا لا نُبارحه عائدين متفقدين فبينا نحن عنده ذات يوم وقد اشتد كَرْبه وأيقنى بالموت جعل يقول‏يقول: أبْلِغ بناتي اليومَ أبلغ بالصُّوَى قد كُنَّ يأمُلْنَ إيَابي بالغِنَى وقر تَمنَّينَ وما تُفْنى المنى بأنّ نَفْسي وردت حَوْض الرَّدى ومن صلاتي في صباح ومِسَا فَعُدْ على شيخ كبير ذي انحِنا كفاه ما لاقاه في الدُنيا كَفى قلنا له‏له: يا أبا الزَهراء ما تأمرنا في القَوْس والأتان وفيما قَسَم الله لك عندنا من رزق فقال‏فقال: يا بن أخي أما ما قَسم الله لي عندكم فمردود إليكم وأما القَوْس والأتان فَبِيعوها وتَصدَقوا بثمنهما في فقراء صَلِبَة بني تميم وما بَقي ففي مَوَاليهم ثم جعل يقول‏يقول: اللهم اسمع دُعاء عَبدك إليك وتضرعه بين يديك وأعرف له حَقَّ إيمانه بك وتَصْديقه برُسلك الذين صَليت عليهم وسلمْت اللهم إني جانٍ مُقْترف وهائبٌ مُعْترف لا أدَعي بَراءة ولا أرجو نجاة إلا برحمتك إياي وتجاوزك عنَي اللهم إنك كتبت علي في الدنيا التّعب والنَّصب وكان في قَضَائك وسابق علمك قبضُ روحي في غير أهلي وولدي اللهم فبدِّل لي التَّعب والنَّصب رَوْحاً وريحانا وجنة نعيم فْضل كريم‏كريم.
ثم صار يتكلم بما لا نَفْقَهه ولا نَفْهمه حتىِ مات رحمه الله‏الله.
فما سمعتُ دُعاء أبلغ من دُعائه ولا شهدتُ جنازة أكثرَ باكياَ وداعياً من جنازته رحمه الله‏الله.
===عودة إلى كلام الأعراب ===
َن كان ذابتً فهذا بَتِّي مقيِّظٌ مُصَيِّف مُشَتي َسَجْتُه من نَعجاتٍ سِت وقال أعرابي‏أعرابي: قالت سُلَيْمى ليت ليَ بَعْلاً بِمَنّ يَغْسِلُ أسي ويسلبني الحَزَنْ حاجة ليس لها عِنْدي ثَمَنْ مشهورة قضاؤُها منه وَهَن قالت جواري الحي يا سلمى وإنْ كان فقيراً معدماً قلت وإن قال الإعرابي‏الإعرابي: جاريتان حَلَفتْ أماهما وأن ليس مغبوناً من أشتراهما والله لا أخْبركم أسماهما إلا بقولي هكذا هُما هُما ما اللِّتان صادَني سهماهما حيا وحيا الله من حياهما أمَاتَ رَبِّي عاجلاً أباهما حتى تُلاقي مُنْيتي مناهما وقال أعرابي‏أعرابي: إِن لنا لَكَنَه مِعَنَة مِفَنَه السٌمْعنة النَظْرنة‏النَظْرنة: المرأة التي إذا سَمِعت أو نَظرت فلم تَرَ شيئاً تَظنَت تَظنياً‏تَظنياً.
وأنشد أبو عبد الله بن لُبانة لأعرابي‏لأعرابي: كَرِيمةً يُحبُّها أبُوها مَلِيحةَ العَيْنَينْ عَذْباً فُوها لا تُحْسِنُ السَّبَّ وإنْ سَبُّوها قال الأصمعي‏الأصمعي: دخلتُ على هارون الرَّشيد وبين يديه بَدْرَة فقال‏فقال: يا أصمعي إن حدثتني بحديث العَجْز فأضْحَكتني وهَبتك هذه البدرة قلت‏قلت: نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا في صَحارَى الأعراب في يوم شديد البرد والريح إذا أنا بأعرابي قاعد إلى أجمة قد احتملت الرّيح كِساءَه فألقته على الأجمة وهو عُريان فقلت له‏له: يا أعرابي ما أجلسك ها هنا على هذه الحال فقال‏فقال: جارية واعدتُها يقال لها سَلمى أنا مُنتظر لها فقلت وما يَمنعك من أخذ كِسائك قال‏قال: العَجز يُوقفني عن أخذه قلت له‏له: فهل قلتَ في سَلْمى شيئاً قال‏قال: نعم‏نعم: قلتُ له‏له: أسمعني لله أبوك قال‏قال: لا أسمعك حتى تأخذ كِسائي وتلقيه عليّ‏عليّ.
قال‏قال: فأخذتُه فألقيته عليه فأنشأ يقول‏يقول: لعل الله أن يأتي بسَلْمى فَيَبْطَحَها ويُلْقيني عليها ويأتي بعد ذاك سحابُ مُزْن يُطَهِّرُنا ولا نَسعى إليها أذكروا أنّ أعرابياً أتى عَيْناً من ماءٍ صافٍ في شهر رمضان فشرَب حتى رَوِيَ ثم أومأ بيده إلى السماء فقال‏فقال: إنْ كُنْتَ قدَرْتَ الصِّيا مَ فأعْفِنا من شَهْر آب أوْلا فإنّا مُفْطِرُو ن وصابرون على العَذابَ خَلا أعرابيّ بامرأة ليفسُق بها فلم يَنْتَشر له‏له.
فقالت له‏له: قُم خائباً فقال‏فقال: الخائبُ من فَتَحَ فم الجراب ولم يُكَل له دقيق‏دقيق.
فخَجِلت ولم تَرُد جَواباً‏جَواباً.
==كتاب المجنبة في الأجوبة ==
قال أحمدُ بن محمد بن عبد ربّه‏ربّه: قد مَضى قولُنا في كلام الأعراب خاصة ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في الْجَوابات التي هي أصعبً الَكلام كلّه مَرْكباً وأعزُّه مَطْلباً وأغمضه مَذْهباً وأضيَقه مَسْلكا لأنّ صاحبَه يُعْجل مُناجاةَ الفِكْرة واستعمال‏واستعمال! القَريحة يُوم في بَديهة نَقْض ما أًبْرم في رويّة فهو كمن أخذت عليه الفِجَاج وسُدَّت عليه المَخارج قد تَعرّض للأسنَة واستهدف للمَرامي لا يدْرِي ما يُقْرَع به فيتأهّب له ولا ما يَفجؤه من خَصمه فيَقْرعه بمثله‏بمثله.
ولا سيّما إذا كان القائلُ قد أَخذ بمجامع الكلام فقاده بزِمامه بعد أن رَوّى فيه وأحتَفل وجَمع خواطره وأجتهد وتَرك الرأي يَغِب حتى يَخْتمر فقد كَرِهوا الرأي الفَطير كما كرهوا الجوابَ الدَّبَريّ فلا يزال في نَسج الكَلام واستئناسه حتى إذا اطمأن شاردُه وسَكن نافرُه صكّ به خَصْمًه جُملة واحدة ثم إذا قيل له‏له: أجِب ولا تُخطىء وأَسرع ولا تُبْطىء ترَاه يجاوب من غير أناة ولا استعداد يُطبّق المَفاصل ويَنْفُذ إلى المَقاتل كما يُرْمَى الْجَندل بالجندل وُيقْرَع الحديد بالحديد فَيَحُل به عُراه ويَنْقُض به مرائره ويكون جوابُه على كلامه كسحابة لَبّدت عَجاجة‏عَجاجة.
فلا شيءَ أعضلُ من الجواب الحاضر ولا أعزّ من الخَصْم الألدّ الذي يَقْرع بقول كمِثْل النار في الْحَطَب الْجَزْل قال أبو الْحَسن‏الْحَسن: أسرعُ الناسِ جواباً عند البديهة قريش ثم بقيّة العرب وأحسنُ الجواب كُلِّه ما كان حاضراً مع إصابة مَعنى وإيجاز لَفْظ‏لَفْظ.
وكان يُقال‏يُقال: اتّقوا جوابَ عُثمانَ بنِ عفّان‏عفّان.
وقالت النبيّ عليه الصلاةُ والسلامُ لعمرو بن الأهتم‏الأهتم: أخبرني عن الزِّبْرِقان قال‏قال: مًطَاعٌ في أدانِيه شديدُ العارضة مانعٌ لما وراءَ ظَهْره‏ظَهْره.
قال الزِّبْرِقانُ‏الزِّبْرِقانُ: واللهّ يا رسولَ اللهّ لقد عَلِم منّي أكثرَ من هذا ولكنْ حَسَدني‏حَسَدني.
قال عمروبنُ الأهتم‏الأهتم: أمَا والله يا رسولَ اللهّ إنه لَزَمِرُ المُروءة ضَيِّق العَطَن أحمقُ الوالد لَئيم الْخَال واللهّ يا رسولَ الله ما كذبتُ في الأولى ولقد صدقتُ في الأخرى رَضِيتً عن ابن عمِّي فقلتُ فيه أحسنَ ما فيه ولم أكْذِب وسَخِطتُ عليه فقلت أقبحَ ما فيه ولم أكذِب‏أكذِب.
فقال النبيّ عليه الصلاةُ والسلام‏والسلام: إنّ من البيان سِحْراً‏سِحْراً.
جواب عقيل بن أبي طالب لمعاوية وأصحابه لمَا قَدِم عَقِيل بن أبي طالب على مُعاوية أكْرَمه وقَربه وقَضى حوائجَه وقَضى عنه دَيْنَه ثم قال له في بعض الأيام‏الأيام: والله إنّ عليًّا غَيْر حافظ لك قَطَع قَرابتك وما وَصَلك ولا اصطنعك‏اصطنعك.
قال له عَقيل‏عَقيل: والله لقد أجزل العَطِيَّةَ وأعظمها ووَصَل القَرابة وحَفِظها وحَسُن ظَنُّه بالله إذ ساء به ظَنُّك وحَفِظ أمانَته وأصْلح رعيته إذ خُنْتم وأفسدتم وجُرْتم فاكفُف لا أبالك فإنه عما تقول بِمَعْزِل‏بِمَعْزِل.
وقال له مُعاوية يوماً‏يوماً: أبا يزيد أنا لك خيرٌ من أخيك عليٍ‏عليٍ.
قال‏قال: صدقتَ إن أخي آثرَ دِينَه على دُنياه وأنت آثرتَ دُنياك على دِينك فأنت خيرٌ لي من أخي وأخي خيرٌ لنفسه منك‏منك.
وقال له ليلةَ الهَرير‏الهَرير: أبا يزيد أنتَ الليلةَ معنا قال‏قال: نعم ويومَ بَدْر كنتُ معكم‏معكم.
وقال رجل لعَقيل‏لعَقيل: إنك لخائنٌ حيثُ تركتَ أخاك وتَرغب إلى مُعاوية‏مُعاوية.
قال‏قال: أخْوَنُ منّي والله مَن سَفك دَمَه بين أخي وابن عمِّي أن يكون أحدًهما أميراً‏أميراً.
ودَخل عَقيل على معاوية وقد كُفَّ بَصَرُه فأجلسه معاوية على سريره ثم قال له‏له: أنتم مَعْشرَ بني هاشم تُصابون في أبصاركم‏أبصاركم.
قال‏قال: وأنتم معشرَ بني أميّة تُصابون في بَصائرَكم‏بَصائرَكم.
ودَخل عُتْبة بن أبي سُفْيان فَوَسَّع له معاوية بينه وبين عَقيل فجلس بينهما فقال عَقِيل مَن هذا الذي اجلَسَ أميرُ المؤمنين بيني وبينه قال‏قال: أخوك وابن عمّك عُتبة‏عُتبة.
قال‏قال: أمَا إنّه إنْ كان أقربَ إليك منِّي إني لأقْرَبُ لرسول اللهّ {{صل}} منك ومنه ومنه وأنتما مع رسول الله {{صل}} أرضٌ ونحن سماء‏سماء.
قال عُتبة‏عُتبة: أبا يزيد أنت كما وَصَفْتَ ورسولُ الله {{صل}} فوق ما ذكرتَ وأميرُ المؤمنين عالم بحقّك ولك عندنا مما تُحبّ أكثر مما لنا عِنْدك مما نَكْره‏نَكْره.
ودخل عَقِيل على مُعاويةَ فقال لأصحابه‏لأصحابه: هذا عَقيل عمه أبو لهب‏لهب.
قال له عَقيل‏عَقيل: وهذا مُعاوية عَمَتُه حمَالةُ الحَطب ثم قال‏قال: يا مُعاوية إذا دخلتَ النار فاعْدِلْ ذاتَ اليَسار فإنك سَتَجد عمّي أبا لهب مُفْترِشاً عمِّتَك حَمَّالَةِ الحَطب فانظُر أيهما خير‏خير: الفاعلُ أو المَفْعول به وقال له معاوية يوماً‏يوماً: ما أبين الشَّبَق فيٍ رِجالكم يا بني هاشم‏هاشم! قال‏قال: لكنه في نِسائكم أبينُ يا بني أميَّة‏أميَّة.
 
{{العقد الفريد/الجزء الثاني}}