قالقال: أبا محمد هل تَنْعت الخِراءة قالقال: نعم تُبعد المَشي في الأرض الصَّحْصح حتى تتَوارى من القَوم ولا تَسْتقبل القِبْلة ولا تَستدبرها ولا تَسْتنج بِالقُمامة والرِّمّة - يريد الرّوْث والعَظْم - ولا تَبُلْ في الماء الرّاكدالرّاكد.
بينما مُعاوية بن أبي سُفيان جالسٌ في أصحابه إذ قيل لهله: الحسنُ بالباب فقال معاويةمعاوية: إنْ دخل أَفْسد علينا ما نحن فيه فقال له مروان بن الحَكَمالحَكَم: ائذن لي فإني أسأله ما ليس عنده فيه جَواب قال مُعاويةمُعاوية: لا تَفعل فإنهم قَوْم قدقد.
ألْهِموا الكلامَ وأذن لهله.
فلما دَخل وجَلس قال له مَرْوانمَرْوان: أَسرْع الشيبُ إلى شاربك يا حسن ويُقال إن ذلك من الخُرْق فقال الحسنالحسن: ليس كما بلغك ولكنَّا - معشر بني هاشمٍ - أفواهُنا عَذْبةٌ شِفَاهُها فنساؤنا يُقْبِلن علينا بأنفاسهنّ وقًبَلِهِن وأنتم معشرَ بني أمية فيكم بَخَر شديد فنساؤكم يَصرفن أفواههنّ وأنفاسهن عنكم إلى أصْداغكم فإنما يَشِيب منكم موضعُ العِذَار من أجل ذلكذلك.
قال مَروانمَروان: إن فيكم يا بني هاشم خَصْلَةَ سَوء قالقال: وما هي قالقال: الغُلْمة قالقال: أجل نُزعت الغُلْمة مِن نسائنا ووُضعت في رجالنا ونُزِعت الغُلْمة من رجالكم ووُضعت في نِسَائكم فما قام لأموية إلاّ هاشميّهاشميّ.
فَغضِب مُعاوية وقالوقال: قد كنتُ أَخبرتكم فأبيتم حتى سَمِعتم ما أَظلم عليكم بَيْتَكم وأفسد عليكم مَجْلِسكممَجْلِسكم.
فَخَرج الحسنُ وهو يقوليقول: ومارستُ هذا الدَهرَ خمسين حِجَّةً وحَمْساً أزَجِّي قائلا بعد قائل فلا أنا في الدُّنيا بلغتُ جَسِيمها ولا في الذي أهْوَى كدحتُ بطائل وقد شَرَعت دوني المَنايا أكُفَّها وأيقنتُ أنّي رَهْنَ مَوْتٍ مُعاجل قال الحسن بن عليّ لحبيب بن مَسْلمة الفِهْريالفِهْري: ربّ مَسير لك في غَير طاعة الله قالقال: أمّا مَسيري إلى أبيك فلا قالقال: بلى ولكنّك أطعتَ مُعاوية عن دُنيا قليلة فلئن كان قام بك في دُنياك لقد قَعد بك في آخرًتك ولو كنتَ إذ فعلتَ شرّاً قُلتَ خيراً كنتَ كما قال الله عزّ وجلوجل: خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخرً سَيِّئاً ولكنّك كما قال اللهالله: " بَلْ رانَ على قلُوبهم ما كانوا يَكْسِبُون ".
قَدِم عبدُ الله بن جعفر على عبد الملك بن مَروان فقال له يحيى بنُ الحَكَمالحَكَم: ما فعلت خَبِيثة فقالفقال: سُبحان اللهالله! ُ يسمِّيها رسولُ الله {{صل}} طَيْبة وتُسمِّيها خُبيثةخُبيثة! لقد اختلفتما في الدُّنيا وستَخْتلفان في الآخرًة قال يحيىيحيى: لأن أموت بالشام أحبُّ إليّ مِن أن أموت بها قالقال: اخترت جِوار النَصارَى على جِوِار رسول الله {{صل}} قال يحيىيحيى: ما تَقول في عليّ وعُثمان قالقال: أقول ما قاله مَن هو خيْرٌ منّي فيمن هو شَرٌّ منهمامنهما: إنّ تُعذَبهم فإنّهم عِبادُك وإنْ تَغْفِرْ لهم فإِنّك أنْتَ العزيزُ الحَكِيمالحَكِيم.
مجاوبة بين معاوية وأصحابه قال مُعاوية يوماً وعنده الضَّحاك بن قَيس وسعيد بن العاص وعمرو بن العاصالعاص: ما أعجبُ الأشياء قال الضحّاك بن قَيسقَيس: إكْداء العاقل وإجْداء الجاهلالجاهل.
وقالت سعيدُ بن العاصالعاص: أعجبُ الأشياء ما لم يُرَ مثلهُمثلهُ.
وقالت عمرو بن العاصالعاص: أعجب الأشياء غَلبة مَن لا حقَّ له ذا الحقِّ على حقِّهحقِّه.
فقال معاويةمعاوية: أعجب مِن هذا أن تعْطِي مَن لاحقَّ له ما ليس له بحق من غير غَلبةغَلبة.
حضر قوم من قُريش مجلسَ مُعاويةَ فيهم عمرو بن العاص وعبدُ الله بن صفْوان ابن أمية وعبدُ الرحمن بن الحارث بن هشامهشام.
فقال عمروعمرو: أحمد الله يا مَعْشرَ قُريش إذ جعل أمرَكم إلى من يُغْضي على القَذَى ويتصامُ عن العَوْراء ويجرّ ذيلَه على الخَدائعالخَدائع.
قال عبدُ اللهالله: لو لم يكن كذلك لَمَشينا إليه الضَرَاء ودَببنا إليه الخَمر وَرَجونا أن يقوم بأمرنا من لا يُطْعمك مالَ مصرمصر.
قال معاويةمعاوية: يا معشرِ قريش حتى متى لا تُنْصفون من أنفسكم قال عبدُ الرحمن بن الحارثالحارث: إن عمراَ أفسدك علينا وأَفسدنا عليك ولو أغضبتك هذههذه.
قالقال: إن عمراً لي ناصح قال عبدُ الرحمنالرحمن: فأطْعمنا مثلَ ما أطعمته وخُذْنا بمثل نَصِيحته إنا رأيناك يا مُعاوية تَضْرب عوامَّ قُريش بأياديك في خَواصها كأنّك ترى أن بكرامها قُوّتك دون لئامها وإنك واللهّ لتُفْرغ في إناء فَعْم من إناء ضخم وكأَنك بالحرب قد حَلَّ عِقالَها عليك مَن لا ينْظُرك قال مُعاويةمُعاوية: يا بن أخي ما أحوج أهلَك إليك فلا تَفْجعهم بنفسك ثم أنشدأنشد: أغَرّ رجالاً من قُريش تَتايَعوا على سَفه منّي الحَيا والتَّكرُّمُ وقال مُعاوية لابن الزًّبيرالزًّبير: تُنازعني هذا الأمرَ كأَنك أحقُّ به منّيمنّي! قالقال: لمَ لا أكون أحقَّ به منك يا مُعاوية وقد اتبع أبي رسول اللهّ {{صل}} على الإيمان واتبع الَناسً أباك على الكُفر قال له مُعاويةمُعاوية: غَلِطت يا بن الزُّبير بعث الله ابنَ عمّي نبيّا فدعا أباك فأجابه فما أنت إلا تابع لي ضالًّا كنتُ أو مَهديًّامَهديًّا.
العُتبيّ قالقال: دعا مُعاويةُ مَروان بن الحكم فقال لهله: أشِر عليّ في الحُسين قالقال: تخرجه معك إلى الشام فَتَقطعه عن أهل العراق وتَقْطعهم عنه قالقال: أردتَ واللهّ أن تستريح منه وتَبْتليني به فإن صبرتُ عليه صبرتُ على ما أكره وإن أسأتُ إليه كُنتُ قد قطعتُ رحمهرحمه.
فأقامه وبعث إلى سعيد ابن العاص فقال لهله: يا أبا عثمان أَشِرْ عليّ في الحُسين قالقال: إنك واللهّ ما تخاف الحسين إلا على مَن بعدك وإنك لتُخلِّف له قِرْنا إنْ صارعه لَيَصْرعنّه هانْ سابقه لَيَسبقنّه فَذَرِ الحُسين منبتَ النّخلة يشربْ من الماء ويَصْعد في الهواء ولا يَبْلغ إلى السماء قالقال: فما غَيّبك عنّي يوم صِفّين قالقال: تَحملتُ الحُرم وكُفيتَ الحَزْم وكنتُ قريباً لو دعوتَنا لأجبناك ولو أمرت لأطعناك قال معاويةمعاوية: يأهل الشام هؤلاء قومي وهذا مجاوبة بين بني أمية قالقال: لما أخرج أهلُ المدينة عمرو بن سعيد الأشدق وكان واليهم بعد الوليد بن عُتبة هو الذي أمر أهل المدينة بإخراجي فأرْسِلْ إليه وتوثَّقهوتوثَّقه.
فأرْسل إليه مُعاوية فلما دَخل عليه قال له عمروعمرو: أوليد أنت أمرتَ بإخراجي قالقال: لا ورَحِمك أبا أمية ولا أمرتُ أهلَ الكوفة بإخراج أبيك بل كيف أطاعني أهلُ المدينة فيك إلا أن تكون عَصيتَ اللهّ فيهم إنك لتَحُلَّ عُرَى مُلك شَديدةً عُقْدتها وتُمْري أخلاف فِيقة سريعة دِرّتها وما جَعل اللهّ صالحاً مُصْلِحا كفاسد مًفْسِدمًفْسِد.
جلس يوماً عبدُ الملك بن مَروان وعند رأسه خالدُ بن عبد الله بن خالد بن أسيد وعند رجليه أُمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد وأدخلت عليه الأموالُ التي جاءت من قبل الحجّاج حتى وًضعت بين يديه فقالفقال: هذا واللهّ التَّوفير وهذه الأمانةالأمانة! لا ما فعل هذا وأشار إلى خالد استعملتُه على العراق فاستعمل كلّ مُلِطّ فاسق فأدّوا إليه العَشرة واحداً وأدّى إليَّ من العَشرة واحداً وأدى إلي من العشرة واحداً واستعملتُ هذا على خُراسان وأشار إلى أمية فأهدى إلى بِرْذونين حَطِمَينْ فإن استعملتكم ضَيّعتم وإن عزلتُكم قلتم استخفَّ بنا وقَطع أرْحامناأرْحامنا.
فقال خالدُ بن عبد اللهالله: استَعْملتَني على العرِاق وأهله رجلاًنرجلاًن: سماع مُطيع مُناصح وعدوّ مُبْغض مُكاشح فإنّا دَارَيْناه ضغْنه وسَللنا حِقْده وكَثّرنا لك المَودّة في صُدور رَعيتك وإنّ هذا جَنى الأموالَ وزَرع لك البَغْضاءَ في قُلوب الرِّجال فيُوشك أنْ تَنْبُت البغضاء فلا أموالَ ولا رجالَرجالَ.
فلما خَرج ابنُ الأشعث قال عبدُ الملكالملك: هذا والله ما قال خالدخالد.
قدم محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص الشامَ فأتى عَمَّته آمنة بنت سَعيد بن العاص وكانتْ عند خالد بن يزيدَ بن مُعاوية فدَخل عليه خالد فراه فقال لهله: ما يَقْدَم علينا أحدٌ من أهل الحجاز إلا اختار المُقام عندنا على المدينةالمدينة.
فَظَن محمدٌ أنه يُعرِّض به فقالفقال: وما يمنعهم وقد قَدِم من المدينة قومٌ على النَّواضح فَنَكحوا أمَّك وسَلَبوك مُلْكك وفَرَّغوك لطَلب الحديث وقِرَاءة الكتب ومُعالجة ما لا تَقْدر عليه يعني الكيميا وكان يَعْملهايَعْملها.
لما عَزَل عُثمانُ عمرو بنَ العاص عن مِصْر وولاّها عبدَ اللهّ بن سَرْح دخل عليه عمرو وعليه جُبة فقال لهله: ما حَشْوُ جُبَّتك يا عمرو قالقال: أنا قالقال: قد علمتُ أنك فيها ثم قالقال: أشَعرت يا عمرو أن اللِّقاح درَت بعدك ألبانُها بمصر قالقال: لأنكم أعْجفتم أوْلادهاأوْلادها.
وقع بين ابن لعُمَر بن عبد العزيز وابن لسُليمان بن عبد الملك كلام فَجَعل ابنُ عمر يذكر فضلِ أبيه قال له ابنُ سليمانسليمان: إنْ شئت فأقْلِل وإنْ شِئْت فأكْثِر ما كان أبوك إلا حسنةَ من حسنات أبيأبي.
لأنّ سُليمان هو وَلَّى عُمَر بن عبد العزيزالعزيز.
ذَكَرُوا أنّ العبّاس بن الوليد وجماعةً من بني مَرْوان كانوا عند هِشام فذكروا الوليدَ بن يزيد فَحمَّقوه وعابُوه وكان هِشام يُبغضه ودخِل الوليدُ فقال له العبّاس بن الوليدالوليد: كيف حُبُّك للرُّوميات فإِن أباك كان مَشْغوفاَ بهن قالقال: إني لأحبهن وكيف لا يُحْبَبن وهُن يَلِدْن مِثْلَك قالقال: اسكُت فلستَ بالفَحل يَأتي عَسْبُه بمثْلي قال له هِشامهِشام: يا وليد ما شرابك قالقال: شرابك يا أميرَ المؤمنين وقام فَخَرجفَخَرج.
فقال هشامهشام: هذا الذي تَزْعمون أنَه أحمقأحمق.
وقُرِّب إلى الوليد بن يزيد فَرسُه فَجَمع جَرَامِيزه وَوَثَب على سَرْجِه ثم التفت إلى ولدٍ لهشام بن عبد الملك فقالفقال: يُحْسِنُ أبوك أن يَصنع مثلَ هذا قالقال: لأبي مائةُ عبد يَصْنعون مثلَ هذا فقال الناسُالناسُ: لم يُنْصِفه في الجوابالجواب.
خَطَب عبد الملك بن مَرَوان بنتَ عبد الرحمن بن الحارث بن هِشام فقالتفقالت: والله لا تُزَوَجني أبا الذُّبابالذُّباب.
فتزوّجها يحيى بن الحكمالحكم.
فقال عبدُ الملك ليحيىليحيى: أما واللهّ لقد تَزَوَّجْت أسْود أفوه قال يحيىيحيى: أما إنَّها أبَّت منّي ما كرهتْ منكمنك.
كان عبدُ الملك رديءَ الفَم يَدْمى فَيقع عليه الذُباب فسُمّي أبا الذُبابالذُباب.
الجواب القاطع نَظَر ثابتُ بن عبد الله بن الزبير إلى أهْل الشام فقالفقال: إنّي لأبغِض هذه الوُجوه قال له سَعِيد بنُ عثمانعثمان: تُبغضهم لأنّهم قَتلوا أباك قالقال: صدقتَ ولكنّ الأنصار والمهاجرين قَتلوا أباكأباك.
وقال الحجّاج لرجل من الخوارجالخوارج: واللهّ إنك مِن قومٍ أبغِضهم قال لهله: أدخل الله أشَدّنا بُغْضاً لصاحبه الجنَةالجنَة.
وقال ابنُ الباهليّ لعمرو بن مَعْد يكربيكرب: إنّ مُهْرَكَ لمُقْرِف قالقال: هَجين عَرَفَ هَجيناً مثلَهمثلَه.
وقال الحجّاج لامرأة من الخوارجالخوارج: والله لأعُدَّنَّكم عدًّا ولاحْصُدَنّكم حَصْداً قالت لهله: الله يَزْرع وأنت تَحْصُد فأين قُدْرة المَخْلوق من الخالق وأنيَ الحجّاج بامرأة من الخَوارج فقال لأصحابهلأصحابه: ما تَقُولون فيها قالواقالوا: عاجِلْها القَتْلَ أيَها الأمير قالت الخارجيةالخارجية: لقد كان وزراءُ صاحبِك خَيْرًا من وُزرائكَ يا حجّاج قال لهالها: ومَن صاحبي قالتقالت: فِرْعون استشارهم في موسى فقالوافقالوا: أرجِه وأخاهوأخاه.
وأُتي زِيَاد برجل من الخوارج فقال لهله: ما تقول فيَّ وفي أمير المؤمنين قالقال: أمّا الذيَ تُسَمِّيه أميرَ المؤمنين فهو أميرُ المشركين وأما أنت فما أقول في رَجُل أوَّله لِزنْية وآخره لِدَعْوة فأمَر به فقًتِل وصُلِبوصُلِب.
قال الأشعث بن قَيْس لشرُيح القاضيالقاضي: لَشَدَّ ما ارْتَفَعْتارْتَفَعْت! قالقال: فهل رأيتَ ذلك ضرًك قالقال: لا قالقال: فأراكَ تَعْرِف نِعمة الله عليك وتَجْهلها على غيركغيرك.
نازع محمدُ بن الفَضْل بعضَ قَرابته فٍي مِيراث فقال لهله: يا بن الزِّنْدِيق قال لهله: إن كان أبي كما تقوله وأنا مثلًه فلا يَحِلّ لك أن تُنازعني في هذا الميراث إِذ كان لا يرث دِينٌ دِيناًدِيناً.
وأتيَ الحجّاج بامرأة من الخوارج فجعل يكلِّمها وهي لا تَنْظُر إليه فقيل لهالها: الأميرُ يِكلَمكِ وأنت لا تَنْظُرين إليهإليه! قالتقالت: إني لأسْتَحي أن أنظر إلى من لا ينظُر الله إليهإليه.
فأمر بها فقُتِلتفقُتِلت.
لَقي عثمانُ بن عفان علي بن أبي طالب فَعَاتبه في شيء بلغه عنه فسكت عنه عليّ فقال له عثمانعثمان: ما لك لا تقول قال له عليعلي: ليس لك عندي إلا ما تحب وليس جوابُك إلا ما تَكرهتَكره.
وتكلم الناسُ عند مُعاوية في يزيد ابنه إذ أخذ له البيعة وسَكت الأحنفً فقال لهله: ما لك لا تقول أبا بَحْر قالقال: أخافُك إن صدقتُ وأخافُ اللهّ إن كذبتُكذبتُ.
قال مُعاوية يوماًيوماً: أيها الناس إن الله فَضّل قُريشاً بثلاث فقال لنبيه عليه الصلاةُ والسلاموالسلام: وانْذِرْ عَشِيرتَك الأقربين فنحن عشيرته وقالوقال: وإنّه لِذِكْرٌ لَك ولِقَوْمك فنحن قومُه وقالوقال: لإيلافِ قُرَيشٍ إيلافهم إلى قوله الذي أطْعَمهم من جُوع أمنهم مِن خَوف ونحن قُريشقُريش.
فأجابه رجل من الأنصار فقالفقال: على رِسْلك يا مُعاوية فإن الله يقوليقول: " وكَذّب به قَوْمُك " وأنتم قومُه وقالوقال: " ولما ضُرِب ابنُ مَرْيم مَثَلاً إذا قَوْمًك منه يَصِدُون " وأنتم قومُه وقال الرسولُ عليه الصلاةُ والسلاموالسلام: يا رَبِّ إنّ قوْمي اتّخذُوا وقال مًعاوية لرجل من اليمناليمن: ما كان أجهلَ قَومك حين مَلّكوا عليهم امرأةامرأة! فقالفقال: أجْهلُ من قَومي قومُك الذين قالوا حين دعاهم رسولُ الله {{صل}} اللهَم إنْ كان هَذا هُو الحقّ مِن عِندك فأمْطِر عَلينا حِجَارةً مِن السَّماء أوْ ائتنا بِعَذَاب اليم ولم يقولوايقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليهإليه.
مجاوبة الأمراء والرد عليهم قال مُعاوية لجارية بن قُدَامةقُدَامة: ما كان أهْونَك على أهْلِك إذ سَمَّوْك جاريةجارية! قالقال: ما كان أهونَك على أهلك إذ سَمِّوْك مُعاويةمُعاوية! وهي الأنثى من الكلاب قالقال: لا أمَّ لكلك! قالقال: أمِّي وَلَدتْنِي للضيوف التي لَقِيناكَ بها في أيْدِينا قالقال: إنك لتُهَدِّدني قالقال: إنك لم تَفْتَتِحْنا قَسْراً ولمِ تَمْلِكنا عَنْوةً ولكنَّك أعْطَيتنا عَهْدًا وَمِيثاقاً وأعطيناك سَمْعاً وطاعةً فإن وَفَّيت لنا وفَّينا لك وإن فَزِعْت إلى غير ذلك فإنّا تَركنا وراءَنا رجالاً شِدَادًا وأَلْسِنَةً حِدَادًا قال له مُعاويةمُعاوية: لا كَثّر الله في النَاس أمثالَك قال جاريةجارية: قُلْ مَعْرُوفاً ورَاعِنا فإنّ شَرَّ الدًّعاء المُحْتَطبالمُحْتَطب.
عَدَد مُعاوية بنُ أبي سُفيان على الأحنف ذُنوباً فقالفقال: يا أميرَ المؤمنين لا تَرُدّ الأمورَ عَلَى أعقابها أمَا والله إنّ القُلوبِ التِي أبغضناك بها لَبَيْن جَوانحنا والسُّيوفَ التيِ قاتلناك بها لعلى عَواتقنا ولئن مَدَدْت فِتْراً من غَدْر لَنُمدَنَ باعاً من خَتْر ولئن شئت لَتَسْتَصْفِينًّ كَدَر قلوبنا بصَفو حِلْمك قالقال: فإنّي أفعَلأفعَل.
قال مُعاويةُ لعديّ بن حاتمحاتم: ما فَعلتْ الطّرَفات يا أبا طَرِيف - يعني أولادَه - قالقال: قُتلوا قالقال: ما أنصفك ابنُ أبي طالب إذ قُتل بَنُوك معه وبَقي له بَنُوه قالقال: لئن كان ذلك لقد قُتل هو وبَقيتُ أنا بعده قال له معاويةمعاوية: ألم تَزْعم أنه لا يُخْنق في قَتْل عثمان عَنْز قد واللهّ خُنِق فيه التَيس الأكبرالأكبر.
ثم قال معاويةمعاوية: أمَا إنه قد بقيتْ من دَمه قَطْرة ولا بد أن أتّبعها قال عديّعديّ: لا أبا لكلك! شِم السيفَ فإنً سَلَّ السيفِ يَسُل السيفِالسيفِ.
فالتفت مُعاوية إلى حَبيب بن مسلمة فقالفقال: اجعلها في كتابك فإنها حِكْمةحِكْمة.
الشَيْبانيّ عن أبي الحُبَاب الكِنْدِيّ عن أبيهأبيه: أن معاوية بن أبي سُفْيان بينما هو جالس وعنده وُجوه الناس إذ دَخل رجل من أهل الشام فقام خَطيباً فكان آخرَ كلامه أن لَعن عليًّا فأطرق الناسُ وتكلّم الأحنف فقالفقال: يا أميرَ المؤمنين إنّ هذا القائل ما قال آنفا لو يعلم أنّ رِضَاك في لَعْن المُرْسَلين للَعنهم فاتَّقِ الله ودَعْ عنك عليًّا فقد لَقي ربّه وأفْرِد في قَبْره وخلاَ بعمله وكان والله - ما علمنا - المُبَرِّزَ بسَبْقه الطاهرَ خُلقه المَيْمونَ نقيبتُه العظيمَ مُصيبتُه فقال له مُعاويِةمُعاويِة: يا أحنف لقد أغضيتَ العينَ عَلَى القَذَى وقلت بغير ما ترى وايم الله لتَصْعدنَ المِنْبر فلَتَلعنَّه طَوْعَا أو كَرْهًا فقال له الأحْنفالأحْنف: يا أميرَ المؤِمنين إن تُعْفِني فهو خيرٌ لك وإنْ تَجْبُرْني على ذلك فواللهّ لا تَجْري به شَفتاي أبداً قالقال: قُمْ فاصْعَد المِنْبَر قال الأحنفالأحنف: أمَا واللهّ مع ذلك لأنْصِفَنَك في القَوْل والفِعْل قالقال: وما أنت قائل يا أحنف إن أنصَفتني قالقال: أصعدُ المِنبَر فاحمد الله بما هو أهلُه وأصلِّى على نبيّه {{صل}} ثم أقولهأقوله: أيها الناس إنَّ أميرَ المؤمنين مُعاوية أمَرني أنْ ألعن عليًّا هانَّ عليًّا ومُعاوية اختلفا فاقْتَتلا وأدًى كلُّ واحد منهما أنه بّغِي عليه وعَلَى فئتِه فإذا دعوتُ فأمِّنوا رَحمكم اللهّ ثم أقولأقول: اللهم العن أنت وملائكَتُك وأنبياؤك وجميعُ خلقك الباغيَ منهما عَلَى صاحبه وألعن الفئةَ الباغية اللهم العنهم لعناً كثيراً أمِّنوا رحمكم اللهّ يا مُعاوية لا أزيد على هذا ولا أنْقُص منه حَرْفاً ولو كان فيه ذَهابُ نفسينفسي.
فقال معاويةمعاوية: إذن نُعْفِيك يا أبا بَحْربَحْر.
وقال مُعاوية لِعَقيل بن أبي طالبطالب: إن عليا قد قَطعك ووصلتُك ولا يُرْضِيني منك إلا أن تَلْعنه عَلَى المِنْبر قالقال: أفْعلأفْعل.
فإصْعد فَصَعِد ثم قال بعد أن حَمِد الله وأثنى عليهعليه: أيها الناس إن أميرَ المُؤمنين مُعاوية أمرنيِ أنْ ألْعن علي بن أبي طالب فالعنوه فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين ثم نزلنزل.
فقال له مُعاويةمُعاوية: إنك لم تُبين أبا يزيد مَن لعنتَ بيني وبينه قالقال: والله لا زدتُ حَرفاً ولا نَقَصت آخر والكلام إلى نية المُتكلَمالمُتكلَم.
الهيثم بن عدي قالقال: قال مُعاوية لأبي الطُّفيلالطُّفيل: كيف وَجْدُك على عليّ قالقال: وَجدُ ثمانين مُثْكِلا قالقال: فكيف حُبُّك له قالقال: حًبّ أم موسى وإلى الله أشْكو التَقْصيرالتَقْصير.
وقال له مرة أخرِىأخرِى: أبا الطفَيل قالقال: نعم قالقال: أنت من قَتلة عُثمان قالقال: لا ولكنّي ممن حَضره ولم يَنْصُره قال وما مَنعك مِن نَصْره قالقال: لم يَنْصُره المُهاجرن والأنصار فلم أنصُره قالقال: لقد كان حَقُّه واجباً وكان عليهم أن يَنْصروه قالقال: فما منعك مِن نُصْرته يا أمير المؤمنين وأنت ابنُ عمّه قالقال: أو مَا طلبي بدمه نصره له فَضحك أبو الطفيل وقالَوقالَ: مَثَلك ومَثَلُ عثمان كما قال الشاعرالشاعر: لأعرقنّك بعد المَوْتِ تَنْدُبني وفي حَياتي ما زَوَّدْتني زادَا العُتْبي قالقال: صَعِد معاويةُ المِنْبر فَوَجد مِن نفسه رِقة فقال بعد أن حَمِد الله وأثنى عليهعليه: أيها الناسُالناسُ: إنَ عُمَر ولأني أمراً مِن أمره فوالله ما غَشَشْتُه ولا خُنْتُه ثم ولّاني الأمر مَن بعده ولم يجعل بيني وبينه أحداً فأحسنتُ والله وأسأتُ وأصبتُ وأخطأت فمن كان يَجْهلني فإني أعرفه بنفسيبنفسي.
فقام إليه سَلمة بن الخطل العَرجي فقالفقال: أنصفتَ يا مُعاوية وما كُنتَ مُنْصفاًمُنْصفاً.
قالقال: فَغضب مُعاوية وقالوقال: ما أنتَ وذاك يا أحْدبأحْدب! والله لكأنّي انظر إلى بيتك بمهيعة وبطُنْب تَيْس وبطُنْب بهْمةبهْمة.
بفنائه أعنِز عَشرْ يُحْتلبن في مثل قَوّارة حافر العِيْر تَهْفو الرحُ منه بجانب كأنه جناح نسْرنسْر.
قالقال: رأيت والله ذاك في شَرّ زماننا إلينا والله إن حَشْوه يومئذ لحسب غير دَنِس فهل رأيتني يا معاوية أكلتُ مالاً حراماً أو قتلتُ امرأ مًسلماً قالقال: وأين كنتُ أراك وأنت لا تَدِبّ إلا في خَمرَ وأي مُسلم يَعْجِز عنك فَتَقْتله أم في مال تَقوى عليه فَتأكله اجلس لا جلستَ قالقال: بل اذهب حتى لا تَراني قالقال: إلى أبعد الأرض لا إلى أقربها فمضىفمضى.
ثم قال مُعاويةمُعاوية: رُدّوه عليّ فقال الناسالناس: يعاقبه فقال له أستغفر الله منك يا أحدب واللهّ لقد بَرَرْتَ في قَرابتك وأسلمتَ فَحَسُن إِسلامُك وإنّ أباك لسيد قومه ولا أبرح أقول بما تُحب فاقْعُدفاقْعُد.
الأوزاعيّ قالقال: دخل خُريم النَّاعم على مُعاوية فَنَظر إلى ساقَيْه فقالفقال: أيّ ساقين لو إنّهما على جاريةجارية! قالقال: في مثل عَجِيزتك يا أميرَ المُؤمنينالمُؤمنين: قال معاويةمعاوية: واحدةٌ بأخرى والبادي أظلمأظلم.
دخل عَطاء المُضْحك على عبد الملك بن مَرْوان فقال لهله: أما وجدتْ لك أمُك اسماً إلا عطاء قالقال: لقد استكثرتً من ذلك ما استكثرتَه يا أميرَ المؤمنين ألا سَمَتني باسم المُباركة صلوات الله عليها مَرْيممَرْيم.
قال مُعاوية لصُحار بن العبّاس العبديَالعبديَ: يا أزرق قالقال: البازي أزْرق قالقال: يا أحمر قالقال: الذّهب أحمر قالقال: ما هذه البلاغة فيكم عبدَ القَيس قالقال: شيء يَخْتلج في صدُورنا فَتَقْذِفه ألسنتُنا كما يقذف البحر الزَبد قالقال: فما البلاغة عندكم قالقال: أن نقول فلا نُخْطِىء ونُجيب فلا نُبْطىءنُبْطىء.
وقال عبدُ الله بن عامر بن كُريز لعبد الله بن حازمحازم: يا بن عَجْلَى قالقال: ذاك اسمُها قالقال: يا بن السَّوداء قالقال: ذاك لونها قالقال: يا بن الأمة قالقال: كل أنثى أمة فاقصد بذَرْعك لا يَرْجع سَهمُك عليك إن الإماء قد وَلَدتكوَلَدتك.
دخل عبيدُ الله بن زياد بن ظَبْيان على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملكالملك: ما هذا الذي يقول الناس قالقال: وما يقولون قالقال: يقولون إنك لا تُشبه أباك قالقال: والله لأنا أشبهُ به من الماء بالماء والغُراب ولكن أدُلك على مَن لم يُشبه أباه قالقال: مَن هو قالقال: من لم تُنْضِجه الأرحام ولم يُولد لتمام ولم يُشْبِه الأخوال والأعمام قادقاد: ومَن هو قالقال: ابنُ عمي سُويد بن مَنجوف وإنما أرادَ عبدَ الملك بن مروان وذلك أنه وُلد لستة أشهرأشهر.
دخل زيد بن علي على هشام بن عبد الملك فلم يَجد موضعاً يَقْعد فيه فَعلم أن ذلك فُعِل به على عَمْد فقالفقال: يا أمير المؤمنين اتق اللهالله! قالقال: أو مثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوى الله قال زيد إنه لا يَكْبُر أحدٌ فوق أن يوصىَ بتقوى الله ولا يَصْغر دون أن يوصى بتقوى اللهالله.
قال له هشامهشام: بلغني أنك تُحدِّث نفسَك بالخِلافة ولا تَصْلُح لها لأنك ابن أمة قال زيدزيد: أما قولك إِني أحدث نفسي بالخلافة فلا يَعلم الغَيْب إلا الله وأمّا قولُك إني ابن أمة فهذا إسماعيلُ بن إبراهيم خليل الرحمن ابنُ أمة من صُلّبه خيرُ البشر محمد {{صل}} وإسحاق ابن حُرّة أخرج من صلْبه القِردةُ والخَنازير وعَبدة الطاغوتالطاغوت.
قال لهله: قم قالقال: إذن لا تراني إلا حيث تكره فلما خرج من عنده قالقال: ما أحب أحدٌ قط الحياة إلا ذلَذلَ.
قال له حاجبهحاجبه: لا يَسمعِ هذا الكلام منك أحدأحد.
{{العقد الفريد/الجزء الثاني}}
|